ثورة الحسين عليه السلام في نظر الوهابية
مارأي سماحتكم في هذه الفتوي: تم الإستفتاء من أ.د.ناصر العقل أستاذ العقيدة بجامعة محمد بن سعود الإسلامية ونص السؤال كمايلي: السلام عليكم. أفيدونا هل كان الحسين بن علي بن أبي طالب_رضي الله عنهما_خارجيا عندما خرج علي يزيد؟وكذلك محمد بن سعود عندما خرج علي الخلفاء العثمانيين؟ وجزاكم الله خيرا. فكان نص جوابه: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته لاندري ماذا كان سيفعل الحسين_رضي الله عنه_تماما،ومع ذلك فهو اجتهد فأخطأ، وقد خالفه علماء الصحابة الآخرون كابن عباس،ونصحوه بألا يفعل، وعلي أية حال فقد كان متأولا، وماحصل من زلة رجل صالح كان هو ضحيتها قبل غيره، لكنها لاتنقص من فضله وقدره، ولاتعد منهجا للسلف، بل كانت من أعظم العظات والدروس والعبر. أما محمد بن سعود فكانت إمارته لسد فراغ في السلطة في نجد، حيث لم تكن للدولة العثمانية عليها سلطة مباشرة.وكان قيام إمارة شرعية_تقيم شعائر الدين،وتحفظ الأمن،وتجمع كلمة المسلمين علي الحق والهدي والسنة_ضرورة شرعية وأمنية،لاسيما وأن إمارة محمد بن سعود كانت قد انطلقت من أسس شرعية تقوم علي راية السنة التي رفعها الأمام المجدد محمد بن عبد الوهاب علي التوحيد والعدل والعلم. ولم يعلن الخروج علي الدولة العثمانية، ولاتمرد عليها، حتي نابذه المتنفذون باسمها في البلاد المجاورة. وقد فصلت هذا في كتابي(إسلامية لا وهابية) فليراجع ص(298).والله أعلم
عندما طلب الوالي الاموي من الامام الحسين عليه السلام ان يبايع يزيد بن معاوية عليه اللعنة، قال عليه السلام: " علي الاسلام السلام اذ ا ابتليت الامة براع مثل يزيد !!!" ونحن نقول: علي الاسلام السلام اذا ابتليت الامة بدكاترة من امثال ناصر العقل !!!!.
من الواضح جدا ان الفتوي – اذا صح تسمية ما صدر عن الدكتور المذكورفتوي – تدل علي ان الرجل من وعاظ السلاطين وخدمة البلاط ،وانه يسير علي المنهج الذي سار عليه سلفه في تصحيح ما يصدر من الحاكم سواء كان يزيد بن معاوية عليه اللعنة، اوكان ابن سعود!!!
المهم ان يصحح لصاحب السلطة وما يريد فعله وتوجيه جرائمه حتي لوكانت علي حساب الامام وسيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي عليه السلام.
ثم ان هذه الموقف ليس بالامر الجديد فقد سبقهم الي ذلك امامهم وسيدهم ابن تيمية وغيرة
و اعلم اننا انما نرد علي هذه الامور لا لاعتبارها العلمي عندنا و استحقاقها للرد، بل تلبية لطلبكم الكريم، و ايمانا منا ان يكون اخواننا علي بينة من الامر و ليعرفوا ان الحق معهم و ان ما يثيره الآخرون مصداق لقوله تعالي ( و اما الزبد فيذهب جفاء )
والحقيقة ان الاجابة عن هذه القضية تستدعي معرفة الدور الذي قام به الكثيرمن امثال ناصر العقل علي مر التاريخ في تشويه ثورة الامام الحسين عليه السلام فقد قام الكتاب السلفيون و غيرهم بمحاولة خطرة تتمثل في:
محاولات في تزييف النهضه الحسينية:
يقول الاستاذ صائب عبد الحميد: هنا تتوفر كل دواعي الكذب في التاريخ، فالسلطان الغالب ما زال غالبا يبسط نفوذه و يسخر مريديه لنشر الثقافة التي تحفظ له سلطانه، و الدوافع الذاتية لدي الرواة في فورانها، لكن الخصم هنا خصم كبير لا يمكن أن يتهم بشيء يمس بكرامته، و من أجل الموازنه بين الامرين انحصر ميدان الكذب عند الرواة في الدفاع عن يزيد و تعزيز موقفه، أما المتكلمون ممن يعتقد بلزوم الطاعه للمتغلب الفاجر الفاسق و يحرمون الخروج عليه فقد فاضوا في كلام جريء، يخشي عليهم منه ان يكونوا شركاء في دم الحسين ريحانه رسول الله (ص) و سيد شباب اهل الجنه! فلنقف قليلا مع كل من الطائفتين؛ الرواة، و المتكلمين:
الرواة: من أبرز ما وضعه الرواة و تمسك به المدافعون عن يزيد سلفا و خلفا، قضيتان:
الاولي: تمس مبادئ النهضه لتقول ان الحسين لم يكن يرفض البيعة ليزيد، بل قال لعمر بن سعد قائد جيش يزيد في قتال الحسين، قال له:" اختاروا مني خصالا ثلاثا: اما ان ارجع الي المكان الذي اقبلت منه، و اما ان اضع يدي في يد يزيد بن معاوية فيري ما بيني و بينه رأيه، و إما ان تسيروني الي اي ثغر من ثغور المسلمين شئتم فاكون رجلا من اهله لي ما لهم و عليَ ما عليهم!"
رواها الطبري عن ابي مخنف، و قال ابو مخنف: هو ما عليه جماعه المحدثين[1].
و الكلام في هذه الرواية نرتبه في نقاط:
الف- ان العمدة فيها انما هي في نسبتها الي جماعه المحدثين، لكن الذي نسبها اليهم هو أبو مخنف وحده لاغير، فكيف سارعوا في تقبلها و الاحتجاج بها و أبو مخنف عندهم متروك تالف؟!
ب- هذا الحديث انما جري في موضع لم يحضره احد من الناس و لا سمع احد ما دار فيه بين الحسين و ابن سعد، و لا حدثهم الحسين و لا ابن سعد في ما دار بينهما! و انما تناقلوه من غير ان يكونوا سمعوا من ذلك شيئا و لا علموه .[2]!
ج- نقل ابو مخنف نفسه عن هذه الواقعة كلاما آخر مخالفا له تماما فيه ان الحسين (ع) كان يدعو ابن سعد للالتحاق به للسير معا الي قتال يزيد بن معاوية،.و هذا الخبر ايضا نسبه الي الشهرة و الشياع، فقال: تحدث الناس بذلك و شاع فيهم! فلأي شيء تمسكوا بالاولي و تركوا هذه؟!
د- ان هذه الرواية لهي من اكثر ما يدل علي كفر يزيد كفرا لا تغطيه شبهة، و كفر جنده و أميره علي الكوفة! فإذا كان الحسين (ع) يريد ان يضع يده بيد يزيد فبأي حجة قتلوه و قتلوا اصحابه و أهل بيته من آل الرسول و آل أبي طالب؟!!!
و ماذا في الامر لو أراد الحسين (ع) ان يبايع ليزيد في تلك الساعه قبل اشتعال الحرب مباشرة، حين رأي انه قد عدمت من بين يديه اسباب التغيير، بل عدمت أي فرصة ايضا للتراخي و المماطلة، و ان أهل بيته و أصحابه و نفسه قد اصبحت عرضة للقتل المؤكد، فما هي الحجة في بيعة تقع في ظرف كهذا؟!!!
ألا تري إلي هؤلاء كيف تناسوا رفض الحسين للبيعة و خروجه من بيته و أهله و إخوته الي مكة، ثم مسيره الي كربلاء و بعثه ابن عمه مسلم بن عقيل امامه حتي قتل في كربلاء، و مضيه علي ذلك القرار حتي بلغ الامر ما بلغه فلا يجدون في هذا كله حجة، ثم يحتجون ببيعة مدعاة في مثل هذا الموقف و السيوف علي الرقاب، و مع الحسين من حق ان يخشي عليه من شباب أهل البيت و صغارهم و نسائهم!!
فإن أرادوا الاحتجاج بها فإنها ادل علي كفر صاحبهم، و علي ارتداد اميره، وقادة جنده، بل ارتداد مساره كله عقيديا و سياسيا، بالمستوي الذي ثار عليه الحسين حتي اشرف علي القتل هو وأهل بيته! بل حتي قتل هو وأهل بيته!
هـ - و أبو مخنف نفسه نقل في الموضع ذاته عن مولي الرباب زوجه الحسين (ع)، عقبة بن سمعان، تكذيبه لهذا الكلام بالذات، فقال: أما عبد الرحمن بن جندب [3] فحدثني عن عقبة بن سمعان [4]، قال: صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة الي مكة، و من مكة الي العراق، و لم افارقه حتي قتل و ليس في مخاطبته الناس كلمة بالمدينة و لا بمكة و لا في الطريق و لا بالعراق و لا في عسكر الي يوم مقتله الا و قد سمعتها، لا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس و ما يزعمون من ان يضع يده في يد يزيد بن معاوية، و لا أن يسيروه الي ثغر من ثغور المسلمين، و لكنه قال:" دعوني فلأذهب في هذه الارض العريضة حتي ننظر ما يصير امر الناس اليه ". [5]
و مع هذا كله فانك تري بعض من يكتب في التاريخ ينتقي تلك الرواية الاولي فقط و يسقط التي رواها ابو مخنف نفسه قبلها، و هذه التي رواها بعدها في تكذيبها! كما تراه عند ابي الفداء في تاريخه [6]، و ابن الجوزي في المنتظم [7] و ابن كثير في تاريخه.[8]
فهذه الثالثة اولي بالقبول، لانها رواية الشاهد الثقة الذي لم يغب عنه شيء من مشاهد النهضة، و لا فاته شيء من كلام الامام الحسين (ع)، كما اقسم هو علي ذلك، و لقد كان الي جنبه دائما يحمل الكتب التي بعثها اهل الكوفة الي الامام الحسين (ع) [9]و لأن الراوي عنه رجل معروف في الثقات .
أما الروايتان السابقتان فمتكافئتان من جميع الاطراف، لا يمكن ترجيح احداهما علي الاخري. كان هذا مع اولي الروايات التي اعتمدت في تزييف النهضة الحسينية.
و الثانية: جاءت لتخفف من اثم يزيد و اللوم الواقع عليه، حين نقلت تاسفه علي قتل الحسين، و قوله: لعن الله ابن مرجانة –يعني عبيدالله بن زياد- فلقد كنت ارضي منه بدون ذلك! او نقلت عن يزيد انه إذن للنسوة ان يقمن النوائح علي الحسين (ع)!
فكم هو ركيك و مخجل دفاع كهذا!! لكن ما العمل حين لم يجدوا احسن منه يظنون ان تقبله العقول؟!
الا كم من قاتل مشي في جنازة قتيله و اظهر الحزن عليه؟! لكن حتي هذا لم يصنعه يزيد، و انما اخترع القدر الادني منه الكذابون الناصحون ليزيد! و رحم الله ابن ابي الدنيا و ابن سعد صاحب الطبقات و أبا الفرج ابن الجوزي حين اثبتوا ان الحقيقة في خلاف ذلك بالنقل الصحيح من كلام يزيد و فعله!
قال ابن الجوزي: ليس العجب من فعل عمر بن سعد و عبيدالله بن زياد [10]، و انما العجب من خذلان يزيد و ضربه بالقضيب علي ثنية الحسين، و اعادته –رأسه الشريف- الي المدينة و قد تغيرت ريحه، لبلوغ الغرض الفاسد! أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج؟! او ليس في الشرع انهم يصلي عليهم و يدفنون؟!
و أما قول يزيد: "لي أن أسبيهم" [11] فأمر لا يقع لفاعله و معتقده إلا اللعنة! و لو انه احترم الرأس حين وصوله إليه، و صلي عليه و لم يتركه في طست و لم يضربه بقضيب، ما الذي كان يضره و قد حصل مقصوده من القتل؟ و لكن احقاد جاهلية! و دليلها ما تقدم من إنشاده: ليت أشياخي ببدر شهدوا