هل زوج علي(ع) ابنته أم كلثوم لعمر بن الخطاب وأوكل الأم رلعبد الله بن عباس؟
من المسائل التي وقع فيها البحث هي مسألة تزويج أم كلثوم من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب و قد دار فيها البحث بين النفي و الاثبات، و قد قام المحقق السيد علي الحسيني الميلاني بدراسة المسألة بصورة مفصلة في اكثر من [50 صفحة] ننقل لكم خلاصة ما توصل اليه الباحث المذكور حيث قال:
لقد استعرضنا أسانيد خبر تزويج أمير المؤمنين عليه السلأم ابنته من عمر بن الخطاب و الأخبار الأخري المتعلقة بكريمة أهل البيت الأطهار الأطياب، فلم نجد فيها سنداً يجوز الاحتجاج به و الركون إليه.
ثم حقّقنا نصوص الأخبار و متونها، و دقّقنا النظر في كلمات القوم و أقوالهم، فوجدناها متضاربة كاذبة ... المزید فكانت ناحية الدلالة دليلاً آخر علي أن لا أصل للقضية.
و أغلب الظن أن القوم لمّا رأوا أن عمر بن الخطاب من رواة حديث: « كلّ سبب و نسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي و نسبي » الدالّ علي فضيلة و منقبة لأهل البيت و عليّ عليه السلأم خاصّة، حتي أن الحاكم أورده في فضائل عليّ كما قال المنّاوي[1] عمدوا إلي وضع قصة خطبة عمر ابنة عليّ و ربطوا الحديث المذكور بها.
و مما يشهد بما ذكرنا أنّ غير واحد من كبار محدّثي القوم يروون عنه الحديث مجرداً عن تلك القصّة كما يروونه عن غيره:
قال المتقي: « كل سبب و نسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي و نسبي " عن ابن عباس و عن المسعودي " كل نسب و صهر ينقطع يوم القيامة إلاّ نسبي و صهري ". ابن عساكر عن ابن عمر».[2]
و قال ابن المغازلي: « قوله عليه السلأم : كل سبب و نسب منقطع يوم القيامة .... الحديث » ثم رواه بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن عمر و بإسناده عن الثوري عن الأم أم جعفر بن محمد...».[3]
و نظير هذا حديث: « فاطمة بعضة مني... » الوارد عن غير واحدٍ من الصحابة عن رسول اللّه (ص) في أكثر من موضع، فإنّ بعضهم لمّا رأي ما في هذا الحديث الثابت المخرج في الصحاح من دلالات في أبعاد مختلفة عمد إلي وضع قصّة خطبة عليّ ابنة أبي جهل و ربط الحديث بها».[4]
ثم إنّ هذه خطبة و تلك خطبة
لكنّ خطبة عمر كانت لابنة عليّ عليه السلأم، و خطبة عليّ كانت لابنة أبي جهل!! و خطبة عمر كانت مصاهرة لفاطمة الزهراء، و خطبة علي كانت إيذاءً لفاطمة الزهراء!!
و خطبة عمر كانت لما سمعه من النبي(ص) من قوله:" كل سببب و نسب منقطع يوم القيأم ة إلاّ سببي و نسبي... " و خطبة عليّ كانت مخالفة للنبي و مقاطعة له حتي طالبه بطلاق ابنته!!
و علي الجملة: فقد بينا حال أخبار القصّة سنداً. فرواتها بين «مولي عمر» و «قاضي الزبير» و «قاتل عمّار» و «علماء الدولة الأموية» و رجال أسانيدها بين «كذّاب» و «وضاع» و «ضعيف» و «مدلّس».
فهذا حال رواتها و أسانيدها. و أغلب الظنّ كون السببب في وضعها و حكايتها ما ذكرناه، لا سيما و بعض الرواة مشترك في القصتين.
فإن قيل:
و هل بعد ذلك كلّه من وجه احتمالٍ توجّه به أخبار القصة علي فرض صحتها سنداً لا سيما و القصة مشهورة بين العامة، و بها روايات عن طريق الخاصّة و إن كانت شاذة؟.
قلت:
قد اشتملت الأخبار المذكورة علي ما لا يجوز تصديقه بحال من الأحوال: كالّذي رووه من إرسال الأمام (ع) إيّاها ببرد «لينظر إليها» و أنه أمر بها «فزيّنت» أو «فصنعت» و نحو ذلك و الدليل علي ذلك واضح.
و من وفاتها علي عهد معاوية. بدليل ثبوت وجودها في واقعة الطفّ و مواقفها المشهودة فيها:
و عليه، فالتي ماتت و ولدها زيد معاً في يوم واحدٍ و صلّي عليهما فلان أو فلان، هي زوجة أخري من زوجات عمر، سواء كان اسمها أم كلثوم ـ فقد كان غير واحدة من زوجاته اسمها أو كنيتها أم كلثوم ـ أو لم يكن.
و يؤكد هذا الاحتمال علي فرض صحّة الأسانيد ـ روايات أبي داود و النسائي و غيرهما.
و علي هذا فلا سند لما قالوا: من أنّ أم كلثوم بنت الأمام عليه السلأم ولدت لعمر «زيداً» ، إذ ليس إلاّ الأخبار المذكورة، و قد عرفت حالها، كما أنّه لا مستند لما ذكروا من أنّها ولدت له بنتا. مع اختلافهم فيها و في اسمها، و يؤكد ذلك ما ذكره غير واحدٍ من علماء الإسلأم من أن عمر مات عنها صغيرة!
منهم الشيخ أبو محمد النوبختي من قدماء علماء الامامية حيث قال في كتاب الامامة له: «إنّ أم كلثوم كانت صغيرة، و مات عمر قبل أن يدخل بها».[5]
و منهم: الشيخ أبو عبد اللّه محمد بن عبد الباقي الزرقاني المالكي ـ المتوفّي سنة 1122 ه.[6] فإنّه قال في معني قرابة النبي(ص):
(و المراد بالقرابة من ينتسب إلي جدّه الأقرب و هو عبد المطلب لقوله:" من صنع إلي أحد من ولد عبد المطلب يداً فلم يكافئه بها في الدنيا فعليّ مكافاته غداً إذا لقيني" . رواه الطبراني في الأوسط عن عثمان .
فخرج بذلك من انتسب إلي من فوق عبد المطلب كأولاد عبد مناف أو من يساويه كأولاد هاشم إخوة عبد المطلب، أو انتسب له و لا صحبة له و لا رؤية. و لعلّه ليس بمراد ممن صحب النبي منهم أو رآه من ذكر أو أنثي. و هو عليّ و أولاده الحسن و الحسين و محسن (بميم مضمومة فحاء مفتوحة فسين مكسورة مشددة مهملتين ) و أم كلثوم زوجة عمر بن الخطاب، و مات عنها قبل بلوغها فتزوجها عون بن جعفر فمات عنها، فتزوجت بأخيه محمد ثم مات، فتزوجها أخوهما عبد اللّه ثم ماتت عنده. و لم تلد لواحد من الثلاثة سوي لمحمد ابنة ماتت صغيرة. فلا عقب لأم كلثوم كما قدم المصنف في المقصد الثاني».[7]
و قد يشهد به علي فرض ثبوت أصل التزويج إصرار عمر علي أنّ الغرض من خطبته أن يكون صهرا للنبي(ص) و قوله في بعض الألفاظ: «أُحبّ أن يكون عندي عضو من أعضاء رسول اللّه(ص) و تأكيده في بعض آخر: «إنّي لم أُرد الباه».
بقي الكلأم فيمن تزوّجها:
قد بينا أنّ أمير المؤمنين كان قد حبس بناته لأبناء أخيه جعفر، بل إنّ ذلك كان بأمر من النبي(ص) فقد « نظر النبي(ص) إلي أولاد علي و جعفر عليهما السلام فقال: بناتنا لبنينا و بنونا لبناتنا ».[8]
و في خصوص أم كلثوم جاء في حديث: « خطب عمر الي علي ابنته أم كلثوم فاعتل عليّ بصغرها و قال: أعددتها لابن أخي، يعني جعفراً ».[9]
فلم يعيّن الابن، لكن الأمر يدور بين «عون» و «محمد» لأن «عبد اللّه» كان أكبرهم سناً و قد زوّجه ابنته «زينب».
فأما «عون» فلم أجد خلافاً بين علماء أهل السنة ـ و الكلام كلّه يدور علي أخبارهم و أقوالهم ـ في أنّه قتل يوم تستر علي عهد عمر، و المفروض ـ بحسب تلك الأخبار علي فرض صحتها ـ كونها في عقد عمر.
أما «محمد» فقال ابن حجر: «ذكر أبو عمر عن الواقدي أنّه يكنّي أبا القاسم و أنه تزوّج أم كلثوم بنت عليّ بعد عمر قال: و استشهد بتستر.
و قيل: إنه عاش إلي أن شهد صفّين مع عليّ. قال الدار قطني في كتاب الأخوة: يقال: إنّه قتل بصفين، اعترك هو و عبيد اللّه بن عمر بن الخطاب فقتل كلّ منهما الآخر.
و ذكر المرزباني في معجم الشعراء: أنّه كان مع أخيه محمد بن أبي بكر بمصر، فلما قتل اختفي محمد بن جعفر، فدل عليه رجل من عك ثم من غافق، فهرب إلي فلسطين،و جاء إلي رجلٍ من أخواله من خثعم، فمنعه من معاوية فقال في ذلك شعراً. و هذا محقق يردّ قول الواقدي أنه استشهد بتستر».[10]
و علي هذا يكون هو الذي تزوّج أم كلثوم بعد موت عمر. علي الفرض المذكور و عليه نصّ ابن عبد البرّ كما تقدم.
أما «عبد اللّه» فمن الممكن أن يكون قد تزوّج بها بعد زوجها و بعد موت «زينب» زوجته، لأنّه بقي حيّاً إلي سنة ثمانين و هو ابن تسعين سنة كما اختاره ابن عبد البر.[11].[12]