منذ سنتين

قتل المرتد الفطري

ما العلة التشريعية من وراء قتل المرتد الفطري و كيف يتم التوفيق بين هذا التشريع الاسلامي وبين حقيقة أن الدين الاسلامي دين الحرية الفكرية "لا اكراه في الدين"؟ وهل يمكن اعتبار ذلك من قبيل تحصين الجبهة الداخلية للامة؟ وهل تحتاج الامة لمثل هذا الاجراء في مثل هذا العصر علي فرض انه كذلك؟


لاشك ان الاسئله التي طرحتها مهمة و جادة و لقد كانت موضوعاً للبحث و النقاش بين علماء المسلمين و خاصة بحث الارتداد. ولاشك ايضا ان الارتداد من البحوث المهمة ولكي نفهم فلسفة عقوبة الارتداد نقدم مقدمه من عدة نقاط: الارتداد معناه: العودة الي الكفر. الارتداد لايختص بالدين الاسلامي بل جميع الاديان تحكم به. ان جوهر الاديان السماويه واحد. نعتقد ان في كل عصر هناك شريعة واحدة هي الحق و الباقي من الشرائع منسوخة اما لتغير الشروط او لوقوع التحريف في تلك الديانات. ان احترام الاسلام للشرائع السابقة و السماح لافرادها في البقاء عليها ينطلق من فكرة التسامح الديني و العيش بسلام ما بين اتباع الاديان. و هذا لا يعني ان الاسلام يعترف باحقيها فعلاً. النقطة المهمة هنا هي: ان الفرق بين الفكر الاسلامي و الفكر الغربي هو ان الفكر الغربي يؤكد علي العنصر المادي في شخصية الانسان و يري ان القانون الناجح هو القانون الذي يتكفل توفير الرغبات و الشهوات للانسان ولايحدد الانسان.  اذا معيار الحق و المشروعية في اي قانون عندهم هو اراده الشعب و من هنا يكون الانسان حاكماً علي مصيره و لايحق لاحد ـ حتي الله ـ ان يتدخل في شؤونه، ولذلك نري في الفكر الليبرالي الكلام عن الشهوه و الاماني و التمنيات لا الحكمة و المصلحة. و من تلك الحقوق المشروعة عندهم حق انتخاب الدين طبقا لارادة و سليقة الفرد. ولكن في الفكر الاسلامي الانسان موجود ذو بعدين [مادي و معنوي] و لذلك يجب علي الحكومة تأمين هذين البعدين المادي و المعنوي للناس و تكون المصالح المادية مقدمة للمنافع المعنوية و لذلك حين التعارض بين هذين البعدين يرجح البعد المعنوي. ثم ان الاسلام يركز علي عنصر العقل و يرفض التقليد الاعمي و يذم الانسان الذي يسير تبعاً لابائه واجداده. كما ان الاسلام يري نفسه ملزماً لاثبات احقيته و هداية الناس اليه ان يوفر لهم الحجة البالغة و البرهان الساطع. ولايفرض علي احد ان يدخل الاسلام من دون قطع و دليل و برهان. الخلاصه: ان الاسلام يوفر للانسان كل وسائل الهداية و يمنحه فرصه التفكير و الدارسة و البحث عن كل شؤون الاسلام و قوانينه بما فيها حكم الارتداد. ولذلك يخاطب الفرد بقوله: ايها الانسان ادرس القضية دراسة دقيقة بكل ابعادها بما فيها هذا البعد [وهو انه في حالة خروجك عن الاسلام و اظهارك الكفر فانك ستتعرض لعواقب وخيمة] نعم الاسلام لايتدخل في تغيير العقيده لان هذه قضية تكوينية لايمكن التدخل فيها فان من قطع ان الدين المسيحي هو الحق فحينئذ و بصورة اوتوماتيكية تتغير عقيدته. نعم الاسلام يري من حقه اجراء الجانب الجزائي اي العقوبة. و هنا ايضاً الاسلام يحدد القضية في بعض الحالات ولذلك نري الحالات التالية لايحكم الاسلام فيها بالارتداد. الشاك في الاصول الاعتقادية ولكن لم يظهر الكفر ليس بمرتد. منكر غير الضروري او منكر الضروري من دون التفات الي عواقبه الوخيمة من انكار التوحيد او النبوة او... اظهار الكفر من غير البالغ. من ادعي عدم القصد. من غير عقيدته ولكن لم يظهر ذلك. اذا كان الارتداد ناشئا من شبهة تعرض فلايقام عليه حكم الاعدام ، فالمرتد هو المعاند للحق. كل هذه الحالات لايرتب فيها الاسلام حكم الارتداد او العقوبة علي المرتد. نعم من غير عقيدته و اظهرها، هنا الاسلام يحكم بارتداده و يجري عليه احكام المرتد. لماذا؟ لان الاسلام و كما قلنا سابقاً بعد ان يوفر للفرد جميع شروط الهداية، يري نفسه مسؤولاً عن الفرد و عن المجتمع الاسلامي فاذا كان البناء ان حالة الدخول و الخروج من الدين تصبح عبثية و من دون شروط و ضوابط فلاشك ان ذلك يخل بمسيرة و حركه المجتمع الاسلامي فالخلاصه: الاسلام كما يري نفسه ملزماً بتوفير شروط الهدايه و الدخول في الدين الاسلامي. يري من حقه ان يفرض علي الانسان عقوبة الخروج من الدين و ذلك صوناً للدين و للمجتمع من الانحراف و اختلال النظام هذه الظاهره التي التفت اليها اليهود و ارادوا مواجهة الاسلام من خلالها وقد اشار القرآن الكريم اليها بقوله تعالي [ وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي انزل علي الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون] [1] من هنا نعرف انه لاتنافي بين حكم الارتداد وبين عدم الاكراه، فعدم الاكراه ناظر الي ماقبل دخول الانسان في الاسلام، فله ان يدخل ويعتنق الدين وله ان لايدخل – بالطبع هذا له آثاره الخاصة يتحمل تبعاتها وما تجره علية ،ولكن الارتداد ليس منها -  واما الارتداد فهو حكم مترتب علي الانسان الذي اختار اعتناق الاسلام ودخل فيه باختياره وارادته، فانه عندما دخل الاسلام يعني انه الزم نفسه بكل تبعات هذا الدخول ومنها حكم الارتداد. ولان عمله هذا يعد نوعا من التبليغ والمواجهة الفكرية ضد الاسلام. بعبارةاخري: ان المرتد هو الذي يشرع بمحاربة الاسلام، وحينئذ من حق الاسلام ان يقف بوجهه. ولنضرب لذلك مثالا حسيا يقرب اصل الفكرة : الانسان يمكنه ان يلعب لعبة انفرادية ولا يحق لاحد بان يلزمه بقوانين الجماعة ولكنه لو اختار الدخول ضمن فريق من الفرق الجماعية فحينئذ يكون قد الزم نفسه بقوانين اللعبة الجماعية ولايحق له التملص من ذلك ابدا، فتجري عليه القوانين والاحكام الجماعية بكل حذافيرها. الخلاصة: يجب علي الاسلام والمسلمين ان يوفروا للناس كل مايحتاجون اليه من الناحية الفكرية والعقائدية ،ثم يمنح الطرف المقابل فرصة للبحث والتحقيق والاختيار ثم بعد ذلك الزامه بما الزم به نفسه ، ولقد ورد في بعض الروايات ان رجلا يدعي صفوانا  طلب من الرسول (ص) شهرين ليفكر ،فمنحه الرسول الاكرم اربعة اشهر لذلك.