منذ 3 سنوات

سبب ترك الإمام علي (ع) عمرو بن العاص ولم يقتله

ما وجه ترك الإمام علي (ع) عمرو بن العاص ولم يقتله مع انه برز إليه في المعركة وكما تعلمون إن تركه هو الذي سبب عدم انتصار جيش الإمام في معركة صفين التي سفكت الدماء فيها انهارا فضاعت تلك الدماء هدراُ واستلم بعد ذلك معاوية البلاد والعباد وبذلك ضاعت جهود الأمة كلها في سبيل الحق وانتصر الباطل بهذا التصرف وغيره من تصرفات الإمام علي (ع)؟


الاجابة عن السؤال تقع في شقين اساسيين: الاول: صحيح ان عمرو بن العاص عليه اللعنة كان يتصف بالدهاء والمكر بل الخبث بدرجة كبيرة جدا، وقد كان له دور كبير في واقعة صفين وغيرها من الاحداث الاسلامية في ذلك الوقت، ولكن من قال: ان القضية تنحصر به بحيث لو قتل عادت الامور الي مجاريها، ولم تسفك الدماء بعده؟!! الواقع اننا لانطمئن الي هذه الفرضية بالرغم من كونها فرضية لها وجاهتها ظاهرا، والذي يجعلنا لانطمئن هوالتاريخ الاسلامي بعد عمرو بن العاص فقد خرج اكثرمن عمرو في اكثر من موقع، ولانعتقد ان ذلك يخفي علي احد. الثاني :علي فرض التسليم بالفرضية المذكورة، لابد ان نبحث القضية من زاوية أخري، وهي التي نعتقد انها ستضع الاصبع علي الجرح انشاء الله تعالي،نحن نعلم ان الامام عليا علية السلام واهل بيته يحملون رسالة سماوية هي امتداد لرسالة سيد البشر محمد بن عبد الله نبي الانسانية وخاتم المرسلين صلي الله عليه وآله وسلم، وفي هذه الرسالة هناك اهتمام بامرين مهمين: الحفاظ علي القيم الانسانية النبيلة التي صرح بها الرسول الاكرم حيث قال: " انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق ".[1] 2- الحفاظ علي الدماء، وصيانتها من ان تراق ظلما وعدوانا وهذا امر واضح لمن طالع الفكر الاسلامي. اذا عرفنا ذلك نقول: اذا تزاحم الامر بين الامرين حفظ القيم وحفظ الدماء، ايهما يقدم؟ لاريب ان حفظ القيم هو الاهم لان بحفظ القيم حفظ الرسالة وبالنتيجة حفظ الاجيال القادمة من الانحراف والسقوط، اما اذا قدمنا حفظ الدماء علي حفظ القيم، فان اكثر ما يعمله امير المؤمنين عليه السلام هو ان يحفظ نفوس ثلة من الناس لسنوات معدودة لا اكثر، وبالنتيجة سيموت هؤلاء ايضا، ولكن ستموت بعدهم اجيال واجيال واجيال وووو الي قيام الساعة، لان بسحق القيم وقتلها لايبقي للرسالة معني، وحينئذ لافرق بين علي عليه السلام وبين ابن العاص فان القيم اذا سحقت لايهم من هو ساحقها سواء كان ابن العاص عليه اللعنة ام كان الامام علي بن ابي طالب عليه السلام. اذا القيم هي التي ينبغي ان تصان وما عمله ابو الحسن عليه السلام هو عين الصواب وهو الحق الذي لالبس فيه ابدا، والشاهد الوجداني علي ما نقول ما نراه من  استقبال الاحرار والنفوس الاريحية لمواقف الامير عليه السلام بكل ارتياح وانشراح، والذي جعلنا نحن السائرين علي نهجه -انشاء الله تعالي - رافعين رؤوسنا بهذا الامام الهمام الذي كله قيم ونبل واريحية. وقد تمسك امير المؤمنين بذلك المنهج اشد تمسك في اكثرمن موقع نذكرمنها بعض النماذج: 1- في منازلته لعمرو بن عبد ود، واعراضه عليه السلام عن التعرض لدرعه وسلبه، في الوقت الذي كان الامام عليه السلام في اشد الحاجة الي ذلك، الا انه عليه السلام وقف الموقف الذي يحفظ القيم، الامر الذي جعل أخت عمرو تقول لما رأت اخاها مقتولا بهذه الحالة: هذه قتلة قتله بها شريف، وانشدت ابياتها المعروفة. 2- موقفه يوم الهجرة وكيف خرج بالفواطم. 3- موقفه يوم السقيفة وكيف رفض ان يترك جسد رسول الله صلي الله عليه واله وسلم، ويذهب لينازع القوم علي المنصب، وهذا ما جعل السيدة الزهراءعليها السلام في خطبتها تؤكد علي صحة موقفه عليه السلام. 4- موقفه في النصح للخليفة الثاني عمر حين استشاره الثاني بالخروج مع الجيوش الي بلاد فارس، وكيف ان الامام رفض ذلك، وكان بوسع الامام ان يستعمل الاسلوب السياسي ويشجعه للخروج الي الحرب لعله يتخلص من خصمه السياسي وتخلو له الساحة، ولكنه لم يفعل ذلك ابدا. 5- موقفه من البيعة يوم الشوري السداسية، وكيف انه رفض العمل بالشرط الذي طرح عليه من العمل بسيرة الشيخين، اليس كان بامكانه ان يفعل ذلك ولا يفي بما اشترط عليه كما فعل غيره؟؟ 6- موقفه من طلحة الزبير، في عدم السماح لهما بالتصدي لاي منصب سياسي مهم، لانهما لايستحقان ذلك حتي اذا انجر الامر الي نشوب حرب الجمل مثلا؟ ولكنه مع ذلك لم يتنكر لتاريخهم خاصة الزبير حيث قال حينما راي سيف الزبير: " أَنَّهُ جِي‏ءَ إِلَي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِرَأْسِ الزُّبَيْرِ وَ سَيْفِهِ فَتَنَاوَلَ سَيْفَهُ وَ قَالَ طَالَمَا جَلَا بِهِ الْكَرْبَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ لَكِنَّ الْحَيْنَ وَ مَصَارِعَ السَّوْءِ " [2]، وقال مخاطبا طلحة بعد قتله :" اعزز ابا محمد ... المزید..." 7- موقفه من معاوية ورفضه لاقراره في الحكم ولو لفترة يسيرة، وهذا ما اقترحه البعض علي الامام عليه السلام. 8- موقفه من السيدة عائشة زوجة النبي وكيف انه اوصي ان تصان كرامتها، حتي انه عليه السلام زارها في الساعات الاولي من انتهاء المعركة، وكفل اخاها محمد بن ابي بكر برعايتها. ولو اردنا ان نستعرض مواقف الامام لطال بنا المقام. ثم اذا كان الملاك حفظ الدماء دائما، ياتي الاشكال علي اصل تشريع الجهاد والقتال فيقال: لماذا حارب علي عليه  السلام او الرسول صلي الله عليه واله وسلم من قبله؟ واخيرنقول: ان الامام عليا عليه السلام قتل عمرو بن العاص، ولكنه قتله قتلا فكريا واخلاقيا المصطلح حسب الحديث، لان شخصية عمرو بن العاص لاتنحصر بلحمه ودمه وجوارحة الاخري، بل في الحقيقة ان المهم في شخصية ابن العاص هو نمط تفكيره الذي يقوم علي اساس الفكر الميكافلي الذي يري ان الغاية تبرر الواسطة، مهما كان تلك الواسطة قذرة حتي بدرجة كشف العورة امام الصفيَن ولهذا نري عمرو بن العاص قد اصبح احدوثة لكل متفكه حتي من قبل معاوية نفسه، السنا قد اطلعنا علي المحاورة التي دارت بين معاوية وبين عمرو حول القضية وكيف كان معاوية يسخرمن عمرو؟! ابعد هذا القتل قتل؟!!!

4