ان مسأله خلق القرآن و عدمه من المسائل التي وقع الكلام والبحث فيها، ولقد كثر الجدل بين المسلمين فمنهم من قال: بعدم خلقه و قدمه، و منهم من قال: انه مخلوق. و لذلك سنشير هنا اشاره اجمالية الي هذه المسألة:
إن الظاهر من أهل الحديث هو قدم القرآن ”المقروء“.
و هو أمر تنكره البداهة و العقل و نفس القرآن. و قد صارت تلك العقيدة بمنزلة من البطلان حتي تحامل عليها الشيخ محمد عبده إذ قال: ”والقائل بقدم القرآن المقروء أشنع حالاً و أضل اعتقاداً من كل ملة جاء القرآن نفسه بتضليلها و الدعوة إلي مخالفتها“ [1]
ولما رأي ابن تيمية، الذي نصب نفسه مروجاً لعقيدة أهل الحديث، أنها عقيدة تافهة صرح بحدوث القرآن المقروء و حدوث قوله (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّل) [2] و قوله (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) [3] و قوله (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتي تُجادِلُكَ في زَوْجِها) [4] الي غير ذلك من الآيات الدالة علي حدوث النداء و السمع من حينه لامن الأزل. [5]
و العجب أنه يستدل بدليل المعتزلة علي حدوث القرآن المقروء، و يقول: إن ترتيب حروف الكلمات و الجمل يستلزم الحدوث، لأن تحقق كلمة ”بسم الله“ يتوقف علي حدوث الباء و انعدامها ثم حدوث السين كذلك إلي آخر الكلمة، فالحدوث و الإنعدام ذاتي لمفردات الحروف لاينفك عنها، و إلا لما أمكن أن توجد كلمة، فإذن كيف يمكن أن يكون مثل هذا قديماً أزلياً مع الله تعالي؟
اما الموقف الشيعي في هذه القضية فواضح فهم تبعواً أئمتهم حيث لما احس الائمة بسلامة الموقف و خرجت المسأله من اطار التدخلات السياسية، أدلوا برأيهم في الموضوع، و صرحوا بأن الخالق هو الله و غيره مخلوق و القرآن ليس نفسه سبحانه، وإلا يلزم اتحاد المنزل و المنزل، فهو غيره، فيكون لامحاله مخلوقاً. فقد روي محمد بن عيسي بن عبيد اليقطيني أنه كتب علي بن محمد ابن علي بن موسي الرضا (ع) إلي بعض شيعته ببغداد : ” بسم الله الرحمن الرحيم، عصمنا الله و إياك من الفتنة، فإن يفعل فقد أعظم بها نعمة، و إن لايفعل فهي الهلكة نحن نري أن الجدل في القرآن بدعة، اشترك فيها السائل و المجيب، فيتعاطي السائل ما ليس له، و يتكلف المجيب ما ليس عليه، و ليس الخالق إلا الله عزوجل، و ما سواه مخلوق، و القرآن كلام الله، لاتجعل له إسما من عندك فتكون من الضالين، جعلنا الله، و إياك من الذين يخشون ربهم بالغيب و هم من الساعة مشفقون “ [6]