منذ سنتين

الشيعة و قتل الامام الحسين (ع)

كنت في مناقشه مع بعض الأخوة المتعصبين من مذهب الوهابية والسنة فطرح علي اسئلة عن طريق الأنترنت فلم اجبه وقلت له اعطني الفرصة لآتيك من كتبكم ولكن لم احصل علي الأجابات فأرجو مساعدتي. قال المحاور: دعا الحسين علي شيعته قائلاً : اللهم إن متعتهم إلي حين ففرقهم فرقاً ( أي شيعاً وأحزاباً ) واجعلهم طرائق قددا، و لا ترض الولاة عنهم أبدا، فإنهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا فقتلونا ، ويذكر المؤرخ الشيعي اليعقوبي في تاريخه أنه لما دخل علي بن الحسين الكوفة رأي نساءها يبكين ويصرخن فقال: هؤلاء يبكين علينا فمن قتلنا؟ أي من قتلنا غيرهم وخلاصة السؤال: من قتل سيد شباب اهل الجنةالحسين رضي الله عنه؟


ان هذه الفكره ليست بالجديدة، و ما هي اول كذبه و لا آخر كذبه علي التشيع، لانه لكل شيء نهاية الا الافتراء علي الشيعة فليس له نهاية كما يقول المرحوم الشيخ مغنية. ثم اننا انما نرد علي هذه الامور لا لاعتبارها العلمي عندنا و استحقاقها للرد، بل تلبية لطلب السائل الكريم، و ايمانا منا بان يكون اخواننا علي بينة من الامر و ليعرفوا ان الحق معهم و ان ما يثيره الآخرون مصداق لقوله تعالي  ( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْض‏ )[1] كما ننبه الي نقطتين اساسيتين هما: ان المحاورين السلفيين يحاولون من خلال اثارة هذه القضية اثبات براءه يزيد و القاء تبعة قتله للامام الحسين عليه السلام علي غيره. انهم يعتمدون منهجا بعيدا كل البعد عن العلمية و الموضوعية، و لذلك تراهم يتشبثون ببعض الروايات من هنا و من هناك، و يحسبون انهم افحموا الشيعة و اثبتوا احقية نظريتهم، و هيهات لهم ذلك. و من هنا نحاول ان نسلط البحث علي هاتين النقطتين. فنبحث في الاولي موقف يزيد من قتل الامام الحسين عليه السلام، و نبحث في الثانية التركيبة السياسية التي كانت شائعة في المجتمع الكوفي و ما هي الاحزاب التي كانت تتصارع هناك.وبعبارة اخري: نعرف نسيج المجتمع الكوفي، لنعرف من خلاله ان الذم الذي ورد عن اهل البيت هل يعني الشيعة ام يعني غيرهم؟ اما بالنسبه الي المسأله الاولي: عالج الاستاذ صائب عبد الحميد في كتاب" تاريخ الاسلام الثقافي و السياسي"القضية، حيث قام السلفيون و غيرهم بمحاولة خطرة تتمثل في: محاولات في تزييف النهضة الحسينية: يقول الاستاذ صائب: هنا تتوفر كل دواعي الكذب في التاريخ، فالسلطان الغالب ما زال غالبا يبسط نفوذه و يسخر مريديه لنشر الثقافة التي تحفظ له سلطانه، و الدوافع الذاتية لدي الرواة في فورانها، لكن الخصم هنا خصم كبير لا يمكن أن يتهم بشيء يمس بكرامته، و من أجل الموازنة بين الامرين انحصر ميدان الكذب عند الرواة في الدفاع عن يزيد و تعزيز موقفه.. أما المتكلمون ممن يعتقد بلزوم الطاعه للمتغلب الفاجر الفاسق و يحرمون الخروج عليه فقد فاضوا في كلام جريء، خشي عليهم منه ان يكونوا شركاء في دم الحسين ريحانة رسول الله (ص) و سيد شباب اهل الجنة! فلنقف قليلا مع كل من الطائفتين؛ الرواة، و المتكلمين: 1- الرواة: من أبرز ما وضعه الرواة و تمسك به المدافعون عن يزيد سلفا و خلفا، قضيتان: الاولي: تمس مبادئ النهضة لتقول: ان الحسين لم يكن يرفض البيعة ليزيد، بل قال لعمر بن سعد قائد جيش يزيد في قتال الحسين، قال له: اختاروا مني خصالا ثلاثا:  اما ان ارجع الي المكان الذي اقبلت منه، و اما ان اضع يدي في يد يزيد بن معاوية فيري في ما بيني و بينه رأيه، و إما ان تسيروني الي اي ثغر من ثغور المسلمين شئتم فاكون رجلا من اهله لي ما لهم و علي ما عليهم! رواها الطبري عن ابي مخنف، و قال ابو مخنف: هو ما عليه جماعة المحدثين[2]. و الكلام في هذه الرواية نرتبه في نقاط: ان العمدة فيها انما هي في نسبتها الي جماعه المحدثين، لكن الذي نسبها اليهم هو ابو مخنف وحده لاغير، فكيف سارعوا في تقبلها و الاحتجاج بها و ابو مخنف عندهم متروك تالف؟!  هذا الحديث انما جري في موضع لم يحضره احد من الناس و لا سمع احد ما دار فيه بين الحسين و ابن سعد، و لا حدثهم الحسين و لا ابن سعد في ما دار بينهما! و انما تناقلوه من غير ان يكونوا سمعوا من ذلك شيئا و لا علموه[3]! ج- نقل ابو مخنف نفسه عن هذه الواقعة كلاما آخر مخالفا له تماما: فيه ان الحسين (ع) كان يدعو ابن سعد للالتحاق به للسير معا الي قتال يزيد بن معاوية... و هذا الخبر ايضا نسبه الي الشهره و الشياع، فقال: تحدث الناس بذلك و شاع فيهم! فلأي شيء تمسكوا بالاولي و تركوا هذه؟! د- ان هذه الرواية لهي من اكثر ما يدل علي كفر يزيد كفراٌ لا تغطيه شبهة، و كفر جنده و اميره علي الكوفه! فإذا كان الحسين (ع) يريد ان يضع يده بيد يزيد فبأي حجه قتلوه و قتلوا اصحابه و أهل بيته من آل الرسول و آل أبي طالب؟! و ما ذا في الامر لو أراد الحسين (ع) ان يبايع ليزيد في تلك الساعة قبل اشتعال الحرب مباشرة، حين رأي انه قد عدمت من بين يديه اسباب التغيير، بل عدمت اي فرضة ايضا للتراخي و المماطلة، و ان اهل بيته و اصحابه و نفسه قد اصبحت عرضه للقتل المؤكد، فما هي الحجة في بيعة تقع في ظرف كهذا؟ ألا تري إلي هؤلاء كيف تناسوا رفض الحسين للبيعة و خروجه من بيته و أهله و إخوته الي مكة، ثم مسيره الي كربلاء و بعثه ابن عمه مسلم بن عقيل امامه حتي قتل في كربلاء، و مضيه علي ذلك القرار حتي بلغ الامر ما بلغه فلا يجدون في هذا كله حجة، ثم يحتجون ببيعة مدعاة في مثل هذا الموقف و السيوف علي الرقاب، و مع الحسين من حقَ ان يخشي عليه من شباب اهل البيت و صغارهم و نسائهم!! فان أرادوا الاحتجاج بها فإنها ادل علي كفر صاحبهم، و علي ارتداد اميره، وقادة جنده، بل ارتداد مساره كله عقيديا و سياسيا، بالمستوي الذي ثار عليه الحسين حتي اشرف علي القتل هو و أهل بيته! بل حتي قتل هو و أهل بيته! هـ - و أبو مخنف نفسه نقل في الموضع ذاته عن مولي الرباب زوجة الحسين (ع)، عقبة بن سمعان، تكذيبه لهذا الكلام بالذات، فقال: أما عبد الرحمن بن جندب [4] فحدثني عن عقبه بن سمعان (و هو مولي الرباب زوجه الامام الحسين)، قال: صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة الي مكة، و من مكة الي العراق، و لم افارقه حتي قتل و ليس في مخاطبته الناس كلمي بالمدينة و لا بمكة و لا في الطريق و لا بالعراق و لا في عسكر الي يوم مقتله الا و قد سمعتها، ألا و الله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس و ما يزعمون من ان يضع يده في يد يزيد بن معاوية، و لا أن يسيروه الي ثغر من ثغور المسلمين، و لكنه قال:" دعوني فلأذهب في هذه الارض العريضة حتي ننظر ما يصبر امر الناس اليه ". [5]   و مع هذا كله فانك تري بعض من يكتب في التاريخ ينتقي تلك الرواية الاولي فقط و يسقط التي رواها ابو مخنف نفسه قبلها، و هذه التي رواها بعدها في تكذيبها! كما تراه عند ابي الفداء في تاريخه [6]، و ابن الجوزي في المنتظم [7] و ابن كثير في تاريخه[8]. فهذه الثالثه اولي بالقبول، لانها رواية الشاهد الثقة الذي لم يغب عنه شيء من مشاهد النهضة، و لا فاته شيء من كلام الامام الحسين (ع)، كما اقسم هو علي ذلك، و لقد كان الي جنبه دائما يحمل الكتب التي بعثها اهل الكوفة الي الامام الحسين (ع) [9]و لأن الراوي عنه رجل معروف في الثقات: ..أما الروايتان السابقتان فمتكافئتان من جميع الاطراف، لا يمكن ترجيح احداهما علي الاخري. كان هذا مع اولي الروايات التي اعتمدت في تزييف النهضة الحسينية. و الثانية: جاءت لتخفف من اثم يزيد و اللوم الواقع عليه، حين نقلت تاسفه علي قتل الحسين، و قوله: لعن الله ابن مرجانه – يعني عبيد الله بن زياد- فلقد كنت ارضي منه بدون ذلك! او نقلت عن يزيد انه إذن للنسوة ان يقمن النوائح علي الحسين (ع)! فكم هو ركيك و مخجل دفاع كهذا!! لكن ما العمل حين لم يجدوا احسن منه يظنون ان تقبله العقول؟! الا كم من قاتل مشي في جنازة قتيله و اظهر الحزن عليه؟! لكن حتي هذا لم يصنعه يزيد، و انما اخترع القدر الادني منه الكذابون الناصحون ليزيد! و رحم الله ابن ابي الدنيا و ابن سعد صاحب الطبقات و أبا الفرج ابن الجوزي حين اثبتوا ان الحقيقة في خلاف ذلك بالنقل الصحيح من كلام يزيد و فعله! قال ابن الجوزي: ليس العجب من فعل عمر بن سعد و عبيدالله بن زياد (كان من فعلهم بعد قتل الحسين (ع) ان امروا جماعه من الفرسان ان يسحقوا جسد الحسين بخيولهم، فأخذت فرسانهم تجول عليه حتي هشمته! و أمر بحرق خيام اهله فحرقت، و سلبوا ما طاب لهم مما كان مع نساء الحسين).  و انما العجب من خذلان يزيد و ضربه بالقضيب علي ثنية الحسين، و اعادته –رأسه الشريف- الي المدينة و قد تغيرت ريحه، لبلوغ الغرض الفاسد! أ فيجوز أن يفعل هذا بالخوارج؟! او ليس في الشرع انهم يصلي عليهم و يدفنون؟ و أما قول يزيد: "لي أن أسبيهم" يريد ان يعاملهم معامله السبايا فيهم لمن يشاء من رجاله،( الرد علي المتعصب العنيد: 49.) فأمر لا يقع لفاعله و معتقده إلا اللعنة! و لو انه احترم الرأس حين وصوله إليه، و صلي عليه و لم يتركه في طست و لم يضربه بقضيب، ما الذي كان يضره و قد حصل مقصوده من القتل؟ و لكن احقاد جاهلية! و دليلها ما تقدم من إنشاده: ليت أشياخي ببدر شهدوا ...[10].   2- المتكلمون:  للمتكلمين اسلوب آخر في مواجهه هذه الثوره التي أحيت مبادئ الاسلام في الانتصار لموقع الإمامة الذي اهانه الامويون، و في إحياء روح الإيمان و الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من أجل مواجهة الانحراف و إقامة حكم الله تعالي علي ضوء الكتاب الكريم و السنة الصحيحة، فتمثلت مواجهتم لها في بعدين؛ احدهما في تخطئة الامام الحسين (ع)، و الآخر في التكذيب بكل ما يثبت إدانة يزيد بشكل مباشر. و نحن نذكر بإيجاز أهم ما قيل في كلا البعدين: البعد الاول :  تركيزهم علي ان الحسين (ع) قد اخطأ في نهضته خطأً عظيماً (كما جرؤ عليه محمد عزة دروزة/ الجنس العربي 8: 383-384. و الخضري بك/ تاريخ الأمم الإسلامية – الدولة الأموية 2: 129-130، فوجد محب الدين الخطيب في قوليهما ضالته المنشودة ليتخذ منهما عكازتين يقيم بهما سقطة ابن تيمية اللاحقه عن يمينها و شمالها! فانظر تعليقته البائسه علي (العواصم من القواصم): 242-244.)، و أن خروجه "هذا رأي فاسد! فإن مفسدته اعظم من مصلحته! و قل من خرج علي إمام ذي سلطان الا كان ما تولد علي فعله من الشر اعظم مما تولد من الخير![11] هذا كلام هو اليق بعبيد الله بن زياد و شمر بن ذي الجوشن، و هو اوجز عنوان تندرج تحته كلماتهما و افعالهما في مواجهة الحسين (ع)! و هو أبعد شيء عن رجل يفقه مناهج الأديان، و معاني الحرية و الكرامة، خصوصاَ و هو يوجهه لاشرف إنسان علي الأرض آنذاك، سيد شباب اهل الجنة و خامس أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً! و هذا القرآن العظيم ما زال يرفع أنبياء و صالحين دعوا بدعوه الحق و اكذبوا احدوثه سلاطين الجور و الضلال، فقتلوا علي ايديهم ابشع قتله، كما قتل الحسين او اشد من ذلك، فهل قرأ أحد أن القرآن قد وبخهم و وصف مواقفهم و تضحياتهم بالفساد؟! أو انه اعتذر للسلاطين بانهم صنعوا ما صنعوا حفظا للملك و لمصلحه البلاد، كما اعتذر هؤلاء لقتلة ريحانة رسول الله و سيد شباب أهل الجنة و آخر ابن نبي طالما قال النبي (ص):" الحسن و الحسين: ابناي "[12]. لكن هؤلاء حين دانوا بفلسفة (الغلبة) نسوا أن الانتصار للحسين امانة في أعناقهم تركها جده رسول الله (ص) إن كانوا مؤمنين به حقا! لقد ركز ابن تيمية علي اعتماد رواية البغوي لمقتل الحسين (ع) [13]، لكن البغوي هو الذي أثبت حديث الصحابي انس بن الحارث و هو يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول: " ان ابني –يعني الحسين- يقتل بارض يقال لها كربلاء، فمن شهد منكم ذلك فلينصره "[14]. لكن فلسفه الغلبه التي أنستهم منزلة سيد شباب اهل الجنة، و صدتهم عن مثل حديث رسول الله (ص) في اهل بيته علي و فاطمة و الحسن و الحسين: "أنا حرب لمن حاربتم، و سلم لمن سالمتم " [15] وهي التي صدتهم عن هذا الحديث الأخير و عن نظائره مهما تعددت! إنه انموذج آخر من نماذج انحراف عقيدي قد طرأ في هذه الأمة من جراء متابعة الأمر الواقع، خطوة بعد خطوة. لقد حاول هؤلاء ان يعززوا احدوثتهم في تخطئة الحسين دائما باستعراض كلمات (الناصحين) الذين رجوا من الامام الحسين ان لا يترك مكة، أو أن لا يقصد العراق[16]. لكن الذي يكشف لك مخادعة هؤلاء، إعراضهم الكامل عن كلمات الحسين (ع)، فلا ينقلون من كلامه حرفا واحدا منذ ابتداء مسيرته و حتي مقتله بما في ذلك ردوده علي هؤلاء الناصحين! إلا ما ذكره بعضهم من تلك الكلمة المنسوبة اليه في طلبه ان يضع يده في يد يزيد! و هذا هو منهاج التزييف في التاريخ، لا يقوم الا علي الابتار و الحذف، ثم يأتي التكذيب و التنكر خطوة لا حقة متممة! البعد الثاني :  التكذيب بما يثبت إدانة يزيد، تكذيب من لا يهمه الا الانتصار لهواه بأي ثمن! - كذبوا بسبي اهل البيت، و بنقل الرأس الشريف إلي يزيد و نكته بالقضيب و تمثله بالشعر المشهور[17]. و لكنه تكذيب جريء بما نقله اوثق المؤرخين الذين أرخوا لهذا الحدث، كابن أبي الدنيا و ابن سعد صاحب الطبقات و ابن الجوزي.. لقد اعتمد ابن تيمية كل الاعتماد علي ابن ابي الدنيا و ابن سعد صاحب الطبقات و ابن الجوزي. و الزبير ابن بكار حين أراد أن يثبت أن رأس الحسين لم ينقل إلي القاهرة و لا إلي عسقلان، و جعلهم مع البغوي، أعلم و أصدق من غيرهم و هم جميعا لا يذكرون نقل الرأس إلي القاهره او عسقلان.![18] لكن ابن ابي الدنيا و ابن سعد و الزبير بن بكار جميعا قد أثبتوا سبي اهل البيت و نهبهم و حملهم كالسبايا الي الكوفة، ثم من هناك الي يزيد في الشام و معهم رأس الحسين، و أثبتوا قصة يزيد مع الرأس الشريف و نكته بالقضيب و تمثله بالشعر الكافر، و قد نقله عنهما ابن الجوزي، كما تقدم في محله آنفا.[19] و ليس هذا فقط، بل هم أنفسهم الذين كذبوا بهذا قد أثبتته أقلامهم من حيث لا يشعرون و ذكروا حمل أهل البيت إلي الشام إلي يزيد بن معاوية، ذلك حين أرادوا أن يقولوا انه اظهر الحزن و أمر نساءه ان يبكين و ينحن مع نساء أهل البيت! يقول ابن تيمية: "و ان يزيد ظهر في داره الندب لقتل الحسين، و انه لما قدم عليه أهله و تلاقي النساء تباكين، و انه خير ابنه عليا بين المقام عنده و السفر الي المدينه، فاختار السفر الي المدينه، فجهزه الي المدينة جهازا حسنا" [20] تري كيف كان مقدمهم الي يزيد، هل كان باختيار منهم و رغبة في رؤية وجهه، أم حملوا اليه قهرا كما تحمل السبايا؟! أما ابن سعد صاحب الطبقات، و ابن حبان و نظراؤهم فقالوا في جواب ذلك كله[21]: "ثم دعا ابن زياد نصر بن قيس فبعث معه برأس الحسين و رؤوس اصحابه إلي يزيد". و جاء رسول من قبل يزيد فأمر عبيد الله بن زياد أن يرسل اليه بثقل الحسين و من بقي من أهله!.. ثم دعا يزيد بعلي بن الحسين و الصبيان و النساء و قد اوثقوا بالحبال!! فادخلوا عليه، فقال علي بن الحسين:" يا يزيد، ما ظنك برسول الله (ص) لو رآنا مقرنين بالحبال، ما كان يرق لنا؟!"  قال يزيد: يا علي، أبوك الذي قطع رحمي و نازعني سلطاني، فصنع به الله ما رأيت! و دعا بالنساء و الصبيان فاجلسوا بين يديه، فقام رجل من أهل الشام فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه، يعني فاطمة بنت علي! و كانت وضيئة، فأرعدت و ظنت أنهم يفعلون، فأخذت بثياب اختها زينب، فقالت زينب:" كذبت، و الله ما ذلك لك و لا له" . فغضب يزيد لذلك و قال: كذبت، او ذلك لي لو شئت فعلته! قالت:" كلا و الله ما جعل الله عز و جل ذلي لي الا أن تخرج من ملتنا او تدين بغير ديننا "![22]. فإن كان قد أغني ساكنيه من الصواعق بيت العنكبوت، فقد اغناهم تكذيبهم إذن!! إن هؤلاء ليستدرون الشفقة و الرحمه، لقد لقنوا منذ بدايات و عيهم الديني و تكوينهم الثقافي ان يزيد مؤمن و بني اميه نصروا الاسلام، و أن الشيعة كذابون. فكلما سمعوا او قرأوا شيئا يحط من يزيد ازدادوا له حماسا، فكذبوا بكل نقل لأجله، حتي كذبوا انفسهم و هم لا يشعرون! تذكره: ان هذا التكذيب و الذب عن يزيد ليس هو عقيدة الجمهور من (أهل السنة و الجماعة) بل هو عقيدة طائفة منهم تسمت بـ (السلفية) و احتكرت لنفسها لقب (اهل السنة) و نفته عمن خالفها من اشاعره و غيرهم، و هؤلاء و إن نسبوا أنفسهم إلي الأمام احمد بن حنبل إلا أنهم خرجوا عليه في هذا كله فربما زوروا حديثه في لعن يزيد كما فعل ابن تيمية! [23]، و ربما اعرضوا عن ذكره و هو الأكثر عندهم، و لقد عاب بعض متأخريهم علي ابن الجوزي حديثه بلعن يزيد .[24] ، و تجنب ذكر الإمام احمد بن حنبل! لكن كلامه سار علي احمد بن حنبل، كما هو سار علي الاجماع الذي نقله ابن العماد الحنبلي (عن التفتازاني في شرح العقائد النسفية)، إذ قال: اتفقوا علي جواز اللعن علي من قتل الحسين، أو أمر به، او اجازه، أرضي به، و الحق أن رضا يزيد بقتل الحسين و استبشاره بذلك و إهانته أهل بيت رسول الله (ص) مما تواتر معناه و إن كان تفصيله آحاداً، فنحن لا نتوقف في شأنه، بل في كفره و ايمانه، لعنة الله عليه و علي أنصاره و أعوانه" [25] ،[26]   و اما بالنسبة الي المسألة الثانية :  اي التركيبة السياسية للكوفة في زمن الامامين الحسن و الحسين عليهما السلام فقد استعرضها الشيخ راضي آل ياسين، في كتابه القيم "صلح الحسن عليه السلام" حيث قال: لنا ان نصنفهم (اي اهل الكوفة) كما يلي: الحزب الاموي: و اكبر المنتسبين اليه عمرو بن حريث، و عمارة بن الوليد بن عقبة، و حجر بن عمرو، و عمر بن سعد بن ابي وقاص، و ابو بردة بن ابي موسي الاشعري، و اسماعيل و اسحاق ابنا طلحة بن عبيدالله ، و اضرابهم. و في هذا الحزب عناصر قوية من ذوي الاتباع و النفوذ، كان لها اثرها فيما نكبت به قضية الحسن من دعاوات و مؤامرات و شقاق. "فكتبوا الي معاوية بالسمع و الطاعة في السر، و استحثوه علي المسير نحوهم، و ضمنوا له تسليم الحسن اليه عند دنوهم من عسكره، او الفتك به " .[27] و فيما يحدثنا المسعودي في تاريخه[28]: "أن أكثرهم اخذوا يكاتبونه –يعني معاوية- سرا، و يتبرعون له بالمواعيد، و يتخذون عنده الايادي. "و دس معاوية الي عمرو بن حريث و الاشعث بن قيس و حجار بن ابجر و شبث بن ربعي دسيسة،  و آثر كل واحد منهم بعين من عيونة، انك اذا قتلت الحسن، فلك مائة الف درهم، و جند من اجناد الشام، و بنت من بناتي. فبلغ الحسن عليه السلام ذلك فاستلأم (لبس اللامة) و لبس درعا و كفرها، و كان يحترز و لا يتقدم للصلاه بهم الا كذلك، فرماه احدهم في الصلاه بهم، فلم يثبت فيه لما عليه من اللامة".[29] و مثل واحد من هذه النصوص يغني عن امثال كثيرة. و هكذا كان يعمل هؤلاء عامدين، شر ما يعمله خائن يتحين الفرص، و كانت محاولاتهم اللئيمة، لا تكاد تختفي تحت عمائم الدجل و النفاق، حتي تبدو عارية سافرة في ساعة نداء الواجب. و هكذا كانوا –علي طول الخط- قاده السخط، و اعوان الثورة، و أصابع العدو في البلد. و مالأهم، الخوارج، علي حياكة المؤامرات الخطرة، بحكم ازدواج خطة الفئتين، علي مناهضة الخلافة الهاشمية في عهديها الكريمين، و دل علي ذلك اشتراك كل من الاشعث بن قيس و شبث بن ربعي فيما يرويه النص الاخير من هذه الامثله الثلاث، و كان هذان من رؤوس الخوارج في الكوفة. الخوارج: و هم اعداء علي (ع) منذ حادثة التحكيم، كما هم اعداء معاوية. و أقطاب هؤلاء في الكوفة: عبدالله بن وهب الراسبي،  شبث بن ربعي، و عبدالله بن الكواء، و الاشعث بن قيس، و شمر بن ذي الجوشن. و كان الخوارج اكثر اهل الكوفة لجاجة علي الحرب، منذ يوم البيعة، و هم الذين شرطوا علي الحسن عند بيعتهم له حرب الحالين الضالين –أهل الشام-، فقبض الحسن يده عن بيعتهم علي الشرط، و ارادها (علي السمع و الطاعة و علي ان يحاربوا من حارب و يسالموا من سالم) ، فأتوا الحسين أخاه، و قالوا له: "ابسط يدك نبايعك علي ما بايعنا عليه اباك يوم بايعناه، و علي حرب الحالين الضالين اهل الشام، فقال الحسين: " معاذ الله أن ابايعكم ما دام الحسن حيا ". فانصرفوا الي الحسن و لم يجدوا بدا من بيعته علي شرطه. [30] اقول: و ما من ظاهرة عداء للحسن عليه السلام، فيما اقترحه هؤلاء الخوارج ببيعتهم اياه، و لا في اصرارهم علي الحرب، و قد كان في شيعة الحسن من يشاطرهم الالحاح علي الحرب، و لكنك تري في التاريخ ان الخوارج كانوا اداة الكارثه في احرج ظروفها. و رأيت فيما مر عليك –قريبا- ان زعيمين من زعمائهم ساهما في افظع مؤامرة اموية في الكوفة. و للخوارج في دعاوتهم الي "الخروج" اساليبهم المؤثرة المخيفة، التي كانت تزعزع ايمان كثير من الناس بالشكوك. و كان هذا هو سر انتشارهم بعد نكبتهم الحاسمة علي شواطئ "النهروان". و كان زياد بن ابيه يصف دعوة الخوارج بقوله: "لكلام هؤلاء اسرع الي القلوب من النار الي اليراع (اليراع: القصب) " و كان المغيره بن شعبه يقول فيهم: "انهم لم يقيموا ببلد يومين الا افسدوا كل من خالطهم ".[31] و الخارجي يقول الزور و يعتقده الحق، و يفعل المنكر و يظنه المعروف، و يعتمد علي الله و لا يتصل اليه بسبب مشروع. الشكاكون: و رأينا ذكر هؤلاء فيما عرضه المفيد (رحمه الله) من عناصر جيش الحسن عليه السلام. و الذي يغلب علي الظن، ان تسميتهم بالشكاكين ترجع الي تاثرهم بدعوه الخوارج من دون ان يكونوا منهم، فهم المذبذبون لا الي هؤلاء و لا الي هؤلاء. و رأيت المرتضي في أماليه [32]يذكر "الشكاك" استطرادا و يلوح بكفرهم، و كانه فهم عنهم التشكيك بأصل الدين. و كانوا طائفة من سكان الكوفة و من رعاعها المهزومين، الذين لا نية لهم في خير و لا قدرة لهم علي شر، و لكن وجودهم لنفسه كان شراٌ مستطيراٌ و عوناٌ علي الفساد و آلة "مسخرة" في أيدي المفسدين. الحمراء: و هم عشرون الفا من مسلحة الكوفة (كما يحصيهم الطبري في تاريخه)، كانوا عند تقسيم الكوفة في السبع الذي وضع فيه اخلافهم من بني عبد القيس، و ليسوا منهم، بل ليسوا عربا، و انما هم االمهجنون من موال و عبيد، و لعل اكثرهم من أبناء السبايا الفارسيات اللائي اخذن في "عين التمر" و "جلولاء" من سنه 12-17 فهم حملة السلاح سنة 41 و سنة 61 في ازمات الحسن و الحسين (عليهم السلام) في الكوفة (فتأمل). و الحمراء، شرطه زياد الذين فعلوا الافاعيل بالشيعة سنة 51 و حواليها، و كانوا من اولئك الذين يحسنون الخدمة حين يغريهم السوم، فهم علي الاكثر اجناد المتغلبين و سيوف الجبابرة المنتصرين. و قويت شوكتهم بما استجابوا له من وقايع و فتن في مختلف الميادين التي مر عليها تاريخ الكوفة في القرن الاول. و بلغ من استفحال امرهم في الكوفة ان نسبوها اليهم فقالوا "كوفة الحمراء". و كان في البصرة مثل ما في الكوفة من هؤلاء المهجنين الحمر. و خشي زياد (و كان والي البصرة اذ ذاك) قوتهم فحاول استئصالهم، و لكن الاحنف بن قيس منعه عما أراد. و وهم بعض كتاب العصر، اذ نسب هؤلاء الي التشيع، أبعد ما يكونون عنه آثارا و نكالا بالشيعيين و ائمتهم. و لا ننكر ان يكون فيهم افراد رأوا التشيع، و لكن القليل لا يقاس عليه. و كان الي جنب هذه العناصر العدوة في الكوفة "شيعة الحسن" و هم الاكثر عددا في عاصمة علي عليه السلام، و في هؤلاء جمهرة من بقايا المهاجرين و الانصار، لحقوا عليا الي الكوفة، و كان لهم من صحبتهم الرسول (ص) ما يفرض لهم المكانة الرفيعة في الناس. و برهن رجالات الشيعة في الكوفة علي اخلاصهم لاهل البيت عليهم السلام، منذ نودي بالحسن للخلافة، و منذ نادي –بعد خلافته- بالجهاد، و في سائر ما استقبله من مراحل. و لو قدر لهؤلاء الشيعة ان يكونوا –يومئذ- بمنجاة من دسائس المواطنين الاخرين، لكانوا العدة الكافية لدرء الاخطار التي تعرضت لها الكوفة من الشام، و كان في هذه المجموعة المباركة من الحيوية و القابلية ما لا يستطيع احد نكرانه، و نعني بالحيوية القابليات التي تهضم المشاكل و تفهمها، و تعطيها الاهمية المطلوبة في حلولها. و ما ظنك بقيس بن سعد بن عبادة الانصاري و حجر بن عدي الكندي، و عمرو بن الحمق الخزاعي و سعيد بن قيس الهمداني، و حبيب بن مظاهر الاسدي، و عدي بن حاتم الطائي و المسيب بن نجية، و زياد بن صعصعة، و آخرين من هذا الطراز.اما الطوارئ، المستعجلة المحاكة، و الاصابع المأجورة الهدامة، فقد كانت تعمل دائما، لتغلب هذا القابليات، و لتغير من هذا التقدير. [33] اضف الي ذلك نحن نوجه الكلام لمثل هؤلاء المتحدين، فنقول: علي فرض ان الذم ورد لجميع اهل الكوفة في ذلك الوقت. فمن المعلوم ان الامام امير المؤمنين عليه السلام قد حارب اهل الشام في صفين و استعد لحربهم مرة اخري لولا استشهاده عليه السلام و كذلك الامام الحسن عليه السلام، فهل يقبل عاقل ان يحارب اهل الشام اليوم او يذمهم لان الامام قد حارب اسلافهم؟ بالطبع لا، و هذا هو الذي لم يفعله السلفيون و الا لو كانوا موضوعين للعنوا اهل الشام و حاربوهم و ذموهم، و ذموا اهل البصرة لانهم حاربوا الخليفة المفترض الطاعة. و لكنا نراهم يكيلون بمكيالين، فلاهل الكوفة حساب عندهم و لاهل الشام حساب آخر، و ما ذلك الا للتعصب المذهبي.  و اخيرا نقول بالنسبه للرواية التي وردت في الكشي: لقد وردت الرواية بالسند التالي: محمد بن مسعود، عن محمد بن علي العمي، عن احمد بن محمد بن عيسي، عن رجل، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل بن دراج، عن حمزة بن محمد الطيار. و من الواضح انه قوله "عن رجل" يضعف الروايه لاننا لا نعلم من هو هذا الرجل الذي اخذ عنه. اضف الي ذلك ان "عمر بن عبد العزيز" قد ضعفه علماء الرجال و وصفوه بانه يروي المناكير و انه مخلط. [34] من هنا تعرف ان الرواية ضعيفة جدا، و اذا كانت كذلك –عندنا- فكيف جاز لهم التمسك بها مع علمهم اننا نضعفها؟!.