logo-img
السیاسات و الشروط
منذ 3 سنوات

المنهج العرفاني عند الامام السيد الخميني(قدس)

ماهي خصوصية المنهج العرفاني عند الإمام السيد الخميني ؟


بغض النظر عن الجدل القائم بين علماء المناهج حول تحديد أسبقية " الموضوع " و " المنهج " و إي منهما يؤثر في تحديد نوعية الآخر، فإن ما يهمنا في الأساس هو بيان الخصوصية المنهجية التي يمتاز بها خطاب ( السيد) السيد الخميني العرفاني.علما بأن المنهج – علي حد تعبير فخر الدين الرازي – هو " الطريق الواضح "[1]. و في الاصطلاح المعاصر " في أشد معانيه عمومية هو: وسيلة تحقيق الهدف.و هو الطريق المحدد لتنظيم النشاط. أما معناه الفلسفي علي وجه التخصيص ، فهو: وسيلة المعرفة ، فالمنهج هو طريق الخروج بالنتائج الفعلية من الموضوع المطروح للدراسة "[2] إن المنهج بهذا المعني ينطوي علي جانبين متناسقين ، متلازمين متكاملين، بفضلهما تتحدد معالمه و تتوضح اتجهاته و مسالكه و مساربه و أبعاده أو مراميه. أحدهما ، ظاهر مرئي، يتمثل في أنه أداة ووسيلة إجراء بيد الباحث ، يستعين بها علي تأدية أغراضه. ثانيهما، خفي مكنون، يتمثل في أنه وجهة نظر، و خلفية معرفية، فهو (أي المنهج ) ليس فقط – كما قد يظن بعض – " مجرد ادوات تساعد الباحثين علي ضبط خطواتهم في التعامل مع القضايا التي يدرسونها، سواء أكانت نصوصا أو موضوعات، مما يبقي الخلفية الأبستمولوجية المؤطرة لكل منهج خارج إطار تصورهم الضيق لحجم المشكل و تشعباته، و لا تؤخد بعين الاعتبار في أي تعامل عملي ملموس "[3] ؛ إذ علي النقيض من ذلك ، فإن ممارسة المنهج ليست منفصلة بأي حال عن وجهة النظر أو الخلفية المعرفية المؤطرة له؛ ذاك « أن اختيار الوجه الظاهر لمنهج معين ليس عملية اعتباطية و لا مجانية، و إنما هو اختيار مقصود مرهون بتصور نظري، ضمني سابق، يحدده و يوجهه»[4] بناء علي ما تقدم، يمكن القول بأن الحكم علي منهج ما بخصوصية أو قيمة، إيجابا أو سلبا، لا تكمن فقط في تحديد مستوي قدرة المنهج الإجرائية علي تلمس موضوعه، بل تكمن أيضا في تماسك رؤيته النظرية؛ التي تشكل الخلفية أو القاعدة النظرية التي تستند إليها الممارسة الإجرائية المقصودة أو الهادفة، و المرافقة لفرد باحث أو عالم أو فيلسوف أو فقيه ... المزیدالخ أو لجماعة. علي ذلك، ففي إطار قراءة الناحية العرفانية عند الامام السيد الخميني يمكن للباحث أن يلحظ طابعا مميزا لمنهجية السيد الخميني التي تصاحب خطابه من ألفه إلي يائه، و ذلك يعود أساسا للإطار النظري الذي يحمله السيد الخميني و ينطلق منه في بناء هذا الخطاب و غيره، و يجعل منه الإطار النظري و الخلفية المعرفية لممارسة المنهج و تطبيقه علي موضوعه أو موضوعاته. و الإطار النظري المؤطر لرؤية السيد الخميني من الخطأ قصره أو اختزاله، فهو ذو أبعاد، و لا أحسب أن القارئ يعارض أن يكون لمرء أبعاد فكرية أو معرفية متعددة، و هو أيضا من العلماء المبدعين المجددين الذين يدخلون في تصنيف الأستاذ الدكتور خليل أحمد خليل لعلماء عصرنا في قوله : « و نري أن في عالمنا المعاصر علوما متحجرة مثلما فيه فقه جامد و فقهاء متجمدون، و المقارنة الصحيحة أو المقاربة السليمة تقام بين علماء مبدعين و فقهاء مجددين .أما المقارنة الفاسدة فتقام إما بين علماء مبدعين و فقهاء متحجرين (إظهارا لتأخر الإسلام و هذا جهل و تجهيل)، و إما بين علماء مقلدين (جهلاء) و فقهاء مبدعين ( إظهارا لعجز العلم و تسفيها للعلماء المبدعين، و هذا ضلال و تضليل) ، و نحن نري من زاوية بحثنا الفلسفي / العلمي المستقل، أن نوعي العلماء و الفقهاء المبدعين يشتركان في أنهما صنفان عقلانيان ينتميان إلي ما يسمي بصنف « العلماء العامين» أو فلاسفة المعرفة العامة، و أنهما يختلفان و يتمايزان، ليس فقط في حقول علميهما، بل أيضا و أيضا في درجات علميهما الاجتهادي/ الإبداعي و ما يقابلهما من علم اعتقادي وفقه تقليدي »[5] و السيد الخميني أيضا يختزن فكرا و يمتلك رؤية تحررية ،كما يشير علي حرب، « فإنه بالرغم من صرامته الدينية و الفقهية، قد انفتح علي الفلسفة و التصوف و أثني علي أهلهما، كما يبدو من رسالته إلي الزعيم السوفياتي غور باتشوف، فهو لم يكن فقط قائد ثورة و مؤسس دولة و صاحب رسالة فقهية، بل كان له أيضا ميله إلي الفلسفة ووجهه الصوفي العرفاني، و هو يقوم بذلك شاهدا علي أنه لا ينبغي النظر إلي شخص من الأشخاص نظرة وحيدة الجانب »[6] و علي أي حال، في أطار قراءتنا لخطاب السيد الخميني نلحظ ثلاثة أبعاد رئيسية ينطوي عليها، تشكل ميزة إطار السيد الخميني النظري و خلفيته المعرفية، و هي تتمثل بالأبعاد التالية : - البعد الفقهي. - البعد العرفاني ( و ضمنا الفلسفي). - البعد السياسي. لقد استطاع السيد الخميني بما يمتلك من خزينة معرفية و إمكانيات علمية و فقهية و طاقات ثورية تحريرية سياسية، أن يصالح بين الأبعاد المذكورة أعلاه، و يوفق بينها، منهجا و موضوعا، و رغم التنابذ والمعاركة اللذين كانا سائدين من قبل بين علمائها بغالبيتهم، فربط بين الطريقة / الحقيقة (عبارة عن الطريق العرفاني) و الشريعة، فجعل الشريعة طريقا للوصول إلي الحقيقة، و جعل معيار و مقياس صحة الطريقة السير علي وفق الشريعة. « الطريقة و الحقيقة لا يحصلان إلّا من طريق الشريعة، فإن الظاهر طريق الباطن …الظاهر غير منفك عن الباطن، فمن رأي أن الباطن لم يحصل له مع الأعمال الظاهرة و اتباع التكاليف الإلهية فليعلم أنه لم يقم علي الظاهر علي ما هو عليه، و من أراد أن يصل إلي الباطن من غير طريق الظاهر كبعض عوام الصوفية فهو علي غير بينة من ربه [7]؛ و لذا أوجب الرجوع إلي مصادر الإسلام الأصلية لتحديد صواب أو خطأ الممارسة العرفانية ، النقلية (كتاب و حديث) و العقلية. و بالدرجة الأولي إلي كتاب الله الكريم. و في هذا الصدد يقول: « فوظيفة السالك إلي الله هي أن يعرض نفسه علي القرآن الشريف ، فكما أن الميزان في صحة الحديث و عدم صحته و اعتباره أن يعرض علي كتاب الله، فما خالف كتاب الله فهو باطل و زخرف، كذلك الميزان في الاستقامة و الاعوجاج و الشقاوة و السعادة هو أن يكون مستقيما و صحيحا في ميزان كتاب الله »[8]. و هكذا، عارض بشدة التصوف السلبي القائم علي الاعتزال، و التفرغ للذكر و الأوراد و الغناء و غيرها من الأشكال الأخري، فلم يجد في الانخراط في السياسة، و الدخول في شؤون المجتمع، و تحمل المسؤوليات السياسية و الاجتماعية عائقا عن الوصول إلي الهدف العرفاني، فاعتبر أنه « لا الاعتزال الصوفي دليل الارتباط بالحق و لا الدخول في المجتمع و تشكيل الحكومة شاهد الانفصال عن الحق .الميزان في الأعمال هو دوافعها»[9] و يمكن القول ، بأن هذه الأبعاد الثلاثة تمثل قيمة المنهج العرفاني عند السيد الخميني و خصوصيته المميزة ، كما أن هذه الخاصية ربما شكلت مدخلا مناسبا – لو كان المقام متسعا – للدخول في قراءة واعية معمقة لظاهرة الثورات العرفانية التي عرفتها مجتمعات إسلامية في حقبات زمنية سابقة ، و كذا العذابات و التشريد و التنكيل التي ألمّت بالعديد من أقطاب الصوفية [10] و التاريخ الصوفي حافل بمثل ظاهرة الحلاج أو ما يقرب منها . و بكلمة أخيرة ، لم تجتمع في أيّ من مناهج الخطابات العرفانية ما اجتمع في المنهج العرفاني عند السيد الخميني، و قد مرّ الحديث عن أشكال المعرفة العرفانية ، و الفوارق القائمة بينها ، سواء علي مستوي الموضوع أو المنهج ، و قد بدا واضحا أن لا صيغة مماثلة في تلك الأشكال أو الصيغ الكبري أو الرئيسية لصيغة المنهج عند السيد الخميني، لا سيما في ما يختص بالبعد السياسي، و مردّ ذلك في الواقع إلي شخصية السيد الخميني ذاتها والإطار المعرفي الذي تمتاز به، و الذي يقرأ خطابه لا بد له من الوقوع علي الجوانب أو الأبعاد المعرفية النظرية من خلال تجسيداتها الإجرائية، و مدي التلاؤم الذي يقيمه بين هذه الأبعاد ، بوصفها الخلفية النظرية للجانب المرئي من المنهج الإجرائي، و بين طبيعة أو نوعية الجانب الإجرائي المرئي الذي يمارسه للتوصل إلي أهدافه المعرفية بفضله و التوسل به للخروج بالنتائج الفعلية من الموضوع الخاص للعرفان، و تتجلي هذه الحقيقة بدرجة كبيرة من خلال « تطبيقه مبادئ العرفان علي دراسة أسرار الصلاة و الدعاء، أي علي أبحاثه المتعلقة بالعبادات،  هي من أبواب الفقه...إن منهجه الذوقي و اتجاهه العرفاني يظهر في سيرة حياته و في دراسته كما أن اجتهاده الفقهي يتضح في مباحثه العرفانية التي تناولت أبوابا هي من خصائص علم الفقه »[11] .كما يتجلي كذلك تضمينه الدائم لخطابه السياسي مبادئ العرفان و الفقه، و النماذج علي ذلك لا تحصي، و هذا ما تفتقد إليه معظم خطابات العرفاء الكبار.إن لم تكن جميعها.و لئن كان السيد الخميني يلتقي في هذا المنهج مع آخرين، فإن ذلك في الحقيقة في بعض الجوانب أو الأبعاد ، و ليس جميعها، و بصورة خاصة في الجانب الإجرائي، كاستخدام المنطق الفلسفي، و آلياته الاستدلالية و البرهانية، كما هو الحال عند صدر الدين الشيرازي مثلا، أو استخدام المصادر النقلية في دعم و تأييد مسائل قضايا خطابه، كما هو أدب معظم العرفاء السابقين، أو غيرها من المسائل الإجرائية التي تدخل في إطار الجانب المرئي من المنهج دون الجانب المخبوء أو المخفي منه – كما بات واضحا مما تقدم – لا سيما في البعد السياسي منه. لمزيد الاطلاع يمكنكم مراجعة كتاب « المعرفة وفقا للمنهج العرفاني عند الامام السيد الخميني "