هذه السورة المكية هي من إحدي السور الأولي النازلة علي النبي(ص) في بدايات الدعوة، لتشد عزيمته علي مواجهة المصاعب التي تفرضها الظروف القاسية في طريق الدعوة، وذلك من خلال التعبئة الروحية التي تتمثل في قيام الليل وقراءة القرآن وذكر الله، ليكون اللقاء بالله وسيلةً من وسائل الشعور العميق بالحضور الإِلهي في وجدانه، ما يجعله في مستوي الإحساس بالقوّة أمام الناس الذين يحاولون زرع الخوف في نفس الداعية بما يثيرونه في حياته من التهاويل المرعبة، ومن الاتهامات الباطلة بالكلمات غير المسؤولة التي يراد منها إسقاط روحه وإضعاف عزيمته.
وفي هذا الجو، يطلق الله التهديد للمكذبين أولي النعمة الذين طغت بهم نعمتهم في المال والجاه، فدفعتهم إلي الضلال والإِضلال، ويؤكد الله لهم أنه لن يهملهم طويلاً، وبذلك كانت هذه السورة من السور التي تريد أن تفتح قلوب الناس علي الله، ليتذكروا مقامه وموعد الوقوف بين يديه، ليدفعهم ذلك إلي السير علي الخط المستقيم.
سورة المزمّل
وقد كان اسم «المزّمّل» الذي هو عنوان السورة مأخوذاً من الآية الأولي التي بدأ بها الخطاب للنبي بهذا العنوان الذي يوحي بطبيعته بالاسترخاء والنوم، فكانت السورة بمثابةِ هزّةٍ روحيةٍ رساليةٍ من أجل أن ينطلق للقيام بين يدي الله في الليل لعبادته واستلهام القوّة منه، وللدعوة إلي دينه، وللصبر علي نتائج ذلك في ما يحدث له من مشاكل وتحديات من المجتمع الكافر المشرك الذي يواجهه بكل قسوةٍ.
الآيــات
{يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً* إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً* إِنَّ نَاشِئَةَ اللّيلِ هِيَ أَشَدُّ وَطئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً* إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً* وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً * رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} [1]
معاني المفردات
{الْمُزَّمِّلُ}: بتشديد الزّاي والميم، وأصله المتزمل، اسم فاعل من التزمل، بمعني التلفف بالثوب لنوم ونحوه.
{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ}: ترتيل القرآن: تلاوته بتبيين حروفه علي تواليها. وقد يكون المراد هنا بترتيل القرآن ترتيله في الصلاة، أو المراد به الصلاة نفسها، حيث عبّر سبحانه وتعالي عن الصلاة بنظير هذا التعبير، كما في قوله:
{ أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَي غَسَقِ اللّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا }[2]
{ثَقِيلاً}: الثقل: كيفية جسمانية، من خاصته أنه يشق حمل الجسم الثقيل ونقله من مكان إلي مكان. وربما يستعار للمعاني، إذا شقَّ علي النفس تحملها أو لم تطقها. فربما أضيف إلي القول من جهة معناه، فعدّ ثقيلاً لتضمنه معني يشق علي النفس إدراكه، أو لا تطيق فهمه، أو تتحرج من تلقيه، كدقائق الأنظار العلمية إذا ألقيت علي الأفهام العامة، أو لتضمنه حقائق يصعب التحقق بها، أو تكاليف يشق الإتيان بها والمداومة عليها، علي ما في الميزان.[3]
{نَاشِئَةَ}: إما مصدر كالعاقبة والعافية بمعني النشأة وهي الحدوث والتكوّن، وإمّا اسم فاعل من النشأة مضاف إلي موصوفه.
{سَبْحَاً}: المشي السريع في الماء، والسبح الطويل في النهار: كناية عن الغور في مهمات المعاش وأنواع التقلب في قضاء حوائج الحياة.
{وَتَبَتَّلْ}: التبتّل: الانقطاع إلي الله. وفي مرويات الأئمة(ع) أن التبتل هو رفع اليد إلي الله والتضرع إليه.
{تَبْتِيلاً}: مفعول مطلق ظاهراً. وكان مقتضي الظاهر أن يقال: وتبتل إليه تبتلاً، فالعدول الي التبتيل، قيل: لتضمين تبتل معني بتل، والمعني: وقطّع نفسك من غيره إليه تقطيعاً، أو احمل نفسك علي رفع اليد إليه والتضرع حملاً، وقيل: لمراعاة الفواصل.[4]
{وَكِيلاً}: الوكيل: هو من يقوم مقام النفس، بحيث تقوم إرادة الوكيل مقام إرادة المُوكل، وعمله مقام عمله، فاتخاذه تعالي وكيلاً هو أن يري الإنسان الأمر كله له وإليه تعالي.
قيام الليل تمهيداً للمواجهة
{يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} التزمّل هو التلفُّف بثوب في حالة النوم ونحوه، وهو كنايةٌ عن القعود والاسترخاء في أجواء الوضع الذاتي الذي يدفع الإنسان للاتقاء من الحر أو البرد، وللسكون في مواقعه حذراً مما قد يحدث له من مشاكل وأحداث. وقد جاء هذا النداء، وما يتبعه من الخطاب، في بداية الوحي للإيحاء للنبي(ص) بأن الوقت قد حان للانطلاق بعيداً عن مواقع الهدوء في الحركة أو الإخلاد للراحة، لأن الرسالة تفرض الدخول إلي ساحة المواجهة في خط الصراع مع المشركين.
{ قُمِ اللّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً* نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } في عبادة الله التي تعيش هدوء الليل الساجي الذي تصفو فيه الروح، ويرقّ فيه القلب، ويشرق فيه الفكر، ويتروّح فيه الإحساس، فترتفع الروح إلي الله في لقاءٍ روحيٍّ خاشعٍ يشد الإنسان إلي ربّه، فيلتقي بمواقع رحمته ومواضع رضاه، وينفتح علي الإحساس بالقوّة بفضل الارتباط بالله صاحب القوّة المطلقة التي هي من صفات الله، وهذا ما يشعر كل المتعبدين له، والخاشعين له، والمرتبطين بمواقع القرب في دينه، بأنهم في مركز القوّة الكبير لاعتمادهم علي مصدر القوّة لكل شيء يوحي بالقوّة في الدنيا علي مستوي الوجود كله.
وقد كانت المهمة أن يقوم نصف الليل علي أن تكون كلمة {نِّصْفَهُ} بدلاً من الليل، أو ينقص منه شيئاً، تبعاً للحالة الصحية أو نحوها التي تفرض عليه الحاجة إلي الراحة بالنوم وغيره، { أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } إذا وجد نشاطاً في جسده، وعزيمةً قويّة في روحه، ليتجاوز نصف الليل في حركة العبادة، لأن الله يريد للإنسان أن يعبده في نشاط الجسد وإقبال القلب وحيويّة الروح، حتي لا تتحوّل العبادة إلي عبءٍ ثقيلٍ متعبٍ، أو حالةٍ جامدةٍ لا تتجاوب الروح معها، ولعلّ هذا ما جعل المسألة تقف عند نصف الليل أو تنقص منه، أو تتجاوزه.
{ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } سواءً في الصلاة أو في غيرها، لأنّ قراءة القرآن تدخل في المنهج التربوي الإسلامي الذي يريد الله ـ من خلاله ـ للإنسان المسلم أن يرتبط بالوحي في مفاهيم العقيدة والشريعة، وفي حركة الدعوة والجهاد، ليصوغ ذاته صياغةً إسلاميةً كاملة، بحيث لا يكون في داخله شيءٌ لغير الإسلام، ولا يكون ذلك إلا بالاستغراق في كل أجواء الوحي وآفاق العبادة، ليرتفع به الوحي إلي رحاب الله في حركة الوجود من حوله، وتطوف به العبادة في أجواء الروح التي تحلّق نحو الله، لتلتقي به في عروجها إليه من خلال المعرفة الواعية المنفتحة علي كل صفات الكمال والجلال والجمال في ذاته.
والمراد بترتيل القرآن تلاوته بتبيين حروفه، وذلك بمدِّ الصوت به وتجويده بطريقةٍ خاشعةٍ متوازنةٍ لا تحمل أجواء التغنّي، ولا ميوعة التنغيم.
وقد جاء في الدر المنثور: «أخرج العسكري في المواعظ عن علي(ع) أن رسول الله (صلي الله عليه وسلّم) سُئِل عن قول الله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } قال: بيّنه تبييناً ولا تنثره نثر الدقل، ولا تهذّه هذَّ [5] الشِّعر، قفوا عند عجائبه، وحرّكوا به القلوب، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة »[6]
وجاء فيه: « أخرج ابن أبي شيبة عن طاوس قال: سئل رسول الله(ص): أي الناس أحسن قراءة؟ قال: الذي إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشي الله» [7] .
وعلي ضوء ذلك، تؤكد التربية الإسلامية في قراءة القرآن علي القراءة الهادئة الحلوة الخاشعة التي تفسح المجال للكلمة أن تنغرس في القلب، وللفكرة أن تتعمق في الوجدان، وللخشوع أن يهز الكيان كله، حتي ليحسّ الإنسان بالجنة أمام عينيه في الآيات التي تتحدث عن الجنة، وبالنار تقترب من وجهه حتي لتكاد تلفحه في حرارتها، في الآيات التي تتحدث عن النار، كما يلتقي بالله في استغراقه في معني الألوهية في ذاته ليعيش في آفاق معاني رحمته وغضبه وقوّته وجبروته ولطفه وعظمته، ليتمثل حضوره في كل روحه وقلبه وشعوره، وتتحول العقيدة عنده إلي جزءٍ من حركة الذات في الفكر والإِحساس. وهذا ما يمكن أن يوحي به الترتيل الذي يقف بك عند كل كلمة، ويطوف بك في كل إيحاء، وينطلق بك في كل المعاني التي تتّسع آفاقها في معني الحياة، فتتجاوز مدلول الكلمات.
إنّا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً
{ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } وهو القرآن الذي يحمل في داخله كل مفاهيم الرسالة وخطوطها الفكرية والعملية في الحياة، ما يدفع الإنسان إلي الالتزام في دائرة المسؤولية التي تثقل عليه من خلال تحويل الحياة في وجدانه الحركيّ، من ساحةٍ للاسترخاء واللاّمبالاة والسكون والحرية الغارقة في بحار الشهوات، والمتخبّطة في وحول الجريمة، إلي ساحةٍ للدعوة إلي تصحيح الفكر واستقامة القصد، ووضوح الهدف، وطهارة الوسائل، وتنظيم الحياة، وتوجيه الإنسان نحو القضايا الكبيرة التي تلتقي برضي الله في مواقع رحمته وحكمته في الدنيا والآخرة.
علي ضوء ذلك، فإن القول الثقيل لا يتمثل في الثقل المادي كما توحي بعض الروايات التي تعبر عن الضغط والتأثيرات الشديدة التي كان يتعرض لها النبي في جسده عند نزول الوحي عليه، بل يتمثل في ثقل المسؤولية التي تضغط علي كل الواقع الإنساني لتدفعه إلي الالتزام الفكري والعملي الذي يقف عند حدود الله فلا يتجاوزها، ويتحمل ثقل الأعباء الملقاة علي عاتق الإنسان المسلم الذي يواجه التحديات من موقع الإيمان الرسالي الذي يثبت في كل حالات الاهتزاز الروحي الهادف إلي إسقاط الواقع من حوله.
وهذا ما يحتاج إلي التربية الطويلة، والمعاناة الشديدة، والقوّة الروحية التي ترتفع بالإنسان إلي الآفاق الواسعة، فلا تضيق به مشكلة، ولا تضعفه مصيبةٌ، ولا تخنقه عقدةٌ، ولا يثيره انفعالٌ، ليكون إنسان الفكر الهاديء، والعاطفة المتزنة، والحركة العاقلة، والواقع المتوازن، والكلمة الحلوة الهادئة، لأن الرسالة لا تنمو في عقل الإنسان إلا من خلال الشخصية الإنسانية التي تجمع ذلك كله.
وتلك هي قيمة القيام بالليل الذي يملأ الروح بالصفاء والنقاء والهدوء والاتّزان العقلي والروحي، عندما يتكرر لقاء الإنسان بربّه في أجواء الليل الذي يحوّل الظلام من حالةٍ تثقل الروح بسوادها إلي حالةٍ تبعث الصفاء في الروح من خلال الاسترخاء الذي يبعثه في مشاعرها، فيدفعها إلي الهدوء في الحركة والفكر، كما يوحي له بارتفاع مستوي الإِحساس بالقوّة التي يستمدها من صلته بالله.
* * *
الروحانية الصادقة الصافية في اللّيل والنهار للعمل
{ إِنَّ نَاشِئَةَ اللّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً } الظاهر أن المراد بكلمة {نَاشِئَةَ اللّيْلِ}، ما ينشأ من الليل بعد العشاء، كما قيل، وهي كنايةٌ عن صلاة الليل التي تندمج في الزمن لتحمل للإنسان معناها الروحي والعملي، نتيجة الجهد الكبير والمشقة الشديدة بسبب سهر الليل، والتمرد علي حاجة النفس للنوم والراحة والاسترخاء الهاديء، وبذلك كانت أشد وطئاً وتأثيراً علي الجسد من أيّة صلاةٍ أخري ومن أيّ عمل آخر. وإذا كان الليل هو زمن الصفاء والهدوء عندما تخلد كل الموجودات الحيّة للراحة، ويبسط الظلام ظلّه علي الأرض ليمنحها الاستغراق في الاسترخاء الهاديء، فإن الكلمة عندما تتحرك فيه من بين الشفتين، تمثل العذوبة والحلاوة والروحانية والصفاء والنقاء التي تفتح النفس علي الحقيقة، فلا يشوبها غموض ولا تعقيد، ولا يقترب منها الباطل، وبذلك تكون أقوم في المعني، وفي الجوّ وفي الحركة، لأنها لا تنطلق من بين الضجيج، بل تتحرك من عمق الهدوء الذي يمنح الفكر انطلاقه وانفتاحه وعمقه وامتداده في الحياة. وهكذا يريد الله لنبيه وللدعاة معه ومن بعده أن يستغرقوا في قيام الليل، لتوحي له الصلاة بالروح القوية التي تثبّت الإنسان في مواقف الاهتزاز، وفي مواقع التحديات، ولتفتح له الفكر القويم من خلال الشخصية القوية التي تواجه الضعف من قاعدة الإيمان.
{إ ِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } من جهة ما يخوض فيه الناس من أشغال ومهمات وأوضاع علي مستوي الدعوة والحركة والعلاقة والتحدي والصراع، تماماً كما هي السباحة في الماء التي يواجه فيها السابحون التيارات القويّة، فينزلون إلي الأعماق تارةً، ويمتدون مع التيار أحياناً، ويرتفعون مع الأمواج الطاغية أحياناً أخري، لتأخذ كل الحركة من جهدهم البدني، ومن هدوئهم النفسي، مما لا يدع لهم أيّ شعورٍ بالفراغ، وأيّ إحساسٍ بالانفتاح علي الذات وعلي الحياة، ولهذا كان الليل ساحة الذكر والقيام والروحانية، والهدوء المنساب مع صفاء الظلام.
{ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ } لأن الذكر المتواصل الدائم يفتح في قلبك نافذةً علي الله، فلا يتطلّع القلب إلي غيره، ولا يغفل عنه، فينبض بمحبته وبالرغبة إليه في مواقع الرجاء، وبالخشية منه في مواقع الخوف، وبذلك تتصل حياتك بالله، وتندمج بوحيه المتحرك في أوامره ونواهيه، وتتربَّي علي الروحية التي تنساب في كل معاني العظمة والجلال والجمال في ذاته، لتكون في أفكارك ومشاعرك ومواقفك إنسان الله، كما يحب الله ويريد.
أَقْبِلْ علي الله واتخذ وكيلاً
{ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } قيل إن التبتل مأخوذ من البتل، وهو القطع مثل البت، ويراد منه هنا الانقطاع إلي الله، بالانصراف عن الدنيا والإِقبال عليه. وقد جاء في بعض أحاديث أئمة أهل البيت(ع)، أن التبتل رفع اليد إلي الله والتضرع إليه، وربما كان ذلك بلحاظ الجانب التعبيري عن الانقطاع إلي الله في مواقع العبادة الروحية في معانيها علي مستوي الشكل والمضمون، أي انقطع إليه انقطاعاً كاملاً بالكلمة والإشارة والحركة والروح والفكر والوجدان.
وإذا كان ذكر اسم الله بالقلب واللّسان هو الخط في الحركة، والانقطاع الكامل إليه هو العمق في الروح والشعور، فلا بدّ من أن يسبق ذلك التصور الشامل للقدرة المطلقة، والهيمنة الكلية، والوحدة الإلهية، ليكون الذكر والانقطاع ناشئين من قاعدة الوعي الإيماني المنفتح علي حقائق الكون والحياة.
{ رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ } بما يعنيه ذلك من ربوبيته للعالم كله، باعتبار أن المشرق والمغرب يمثلان الجهتين اللتين يتوجه إليهما الوجود المتحرك، ما يدل علي أنه يتجه إلي الله في كل وجهة يتجه إليها، لأن الله هو رب الجهات كلها، بحسب المعني الكنائي في هذا أو ذاك، { لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ } فهو وحده الإِله، لأن كل من عداه في الكون فهو مألوهٌ له، وخاضعٌ لإِرادته، ومنقادٌ لتدبيره، فكيف يكون إلهاً معه، وذلك هو التصوّر الذي يوحي بالثقة والاستسلام له في كل شيء، والاعتماد عليه في كل قضية، والرجوع إليه في كل مشكلة، { فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً } علي أساس قدرته وحكمته ورحمته وربوبيته في تدبيره.[8]