انه لاتوجد سورة باسم سورة النفر وانما توجد آية بهذا الاسم وهي قوله تعالي:
( وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون ). [1]
وقد يستفاد منها عدة امور منها:
انها تحث علي طلب العلم واهميته، وانه ينبغي علي الامة ان توزع طاقاتها بصورة صحيحة ومتوازنه وانه لاينبغي التركيز علي جانب دون جانب، فللحرب رجالها وللعلم رجاله وللعمل التبليغي رجاله.
كما يستفيد بعض الاصوليين من الآية المباركة حجية قول الثقة، اي حجية خبر الواحد[2]، وهذه مسالة لها اهميتها في الفقه الاسلامي
وقد عقد صاحب من وحي القران بحثا مفصلا لتفسير الآية ناتي به لمزيد الفائدة حيث قال:
معاني المفردات
{طَآئِفَةٌ}: جماعة.
{لِّيَتَفَقَّهُواْ}: الفقه: العلم بالشيء، وقد اختص بعلم أحكام الشريعة.
القرآن يدعو المؤمنين للنفر للتفقّه والإنذار
لا بد للأمّة من التنوّع في سدّ الحاجات التي يتوقف عليها نموّها وتطوّرها وحركتها الشاملة في الحياة، وربما كان في مقدمة ذلك الحاجة إلي المعرفة الدينية الشاملة التي تثير الوعي الديني المنفتح في واقع الناس، فيتحركون من خلاله إلي مواجهة قضاياهم العامّة والخاصة من قاعدةٍ إسلامية ثابتةٍ تدفع بهم إلي تحويل المواقف إلي حركةٍ حيّةٍ للمفاهيم الإسلاميّة من جهةٍ، وللأحكام الشرعية من جهةٍ أخري، وإلي صدق الانتماء إلي العقيدة والشريعة في كل شيء، فلا تبقي هناك أيّة ازدواجية بين ما هو الدين وما هو الحياة، كما يحدث للكثيرين الذين يجهلون دينهم في مفاهيمه وفي تفاصيل أحكامه. وهذا ما جعل التفقّه في الدين واجباً كفائياً علي الأمة كلها، يفرض عليها أن تُعِدَّ من أفرادها مجموعةً تتكفل بالحصول علي المعرفة الدينية الشاملة التي تجعل من حركة الإسلام في وعي الأمة وثقافتها حركةً واعيةً تفرض نفسها علي الساحة كلها حتي تجعلها إسلاماً يتحرك في كل جانب واتجاهٍ. وهذا ما عالجته هذه الآية التي أرادت للمؤمنين أن ينفر بعضهم إلي التفقّه في الدين، عندما ينفر بعضهم إلي الجهاد، فلا يعتبروا الجهاد مهمّة الأمة كلها إلا في الحالات الصعبة التي تحتاج فيها الأمة إلي كل الطاقات المقاتلة للدفاع عن وجودها أمام الأعداء.
الجهاد واجب كفائي
{ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً } إلي الجهاد، لأن الجهاد قد يفرض قيام بعض الأمة بمسؤولياته من خلال الحاجة التي تفرضها المعركة. فقد لا تكون الساحة بحاجةٍ إلي الجميع، بل يكتفي بالبعض منهم، ولذلك فإن المسألة تخضع لأوامر القيادة وتخطيطها في من يجب عليه الخروج ومن لا يجب عليه ذلك، فإذا أرادت الخروج من أحد، فلا يجوز له التخلف، كما قد يحدث في بعض الحالات في ما تحدثت به الآيات السابقة. أمّا إذا رخّصت لفريق بالبقاء، لعدم الحاجة إليه، أو لحاجةٍ أخري تفرضها المصلحة الإسلامية العليا في مسألة الجهاد، أو في المسائل الأخري المتعلقة بالأمور الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للأمة، فيجب عليه البقاء، انسجاماً مع المصلحة الإسلامية في تنفيذ الخطة الشاملة الموضوعة من قبل القيادة.
النفـر للتـفقّـه
{ فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ } فلا بد من أن يكون هناك جماعةٌ تتخصص في الأمور الدينية لتحفظ للأمة وعي دينها من خلال المعرفة الواسعة في أمور العقيدة والشريعة، لأن ذلك هو الأساس لانطلاقة الحياة في سبيل الله علي هدي الإسلام بعيداً عن كل انحراف أو طغيان في ما يمكن أن يحدث من خلال الجهل الذي يستغلّه المستغلون، فيصورون الحق بصورة الباطل وبالعكس، فيتبعهم الجاهلون، لعدم وجود من يميز بين الحق والباطل في ساحة المعرفة الحقّة، فلا يجب علي هذه الجماعة أن تنفر إلي الجهاد، بل هي تعيش الجهاد ولكن في موقع آخر، وهو جهاد المعرفة بمواجهة التحديات الفكرية التي تواجه الأمة من قِبل أعداء الإسلام، لتثير فيها الشكوك والشبهات، وتبعدها عن الطريق المستقيم، بل ربما يكون الجهاد في هذا الوجه، أكثر إلحاحاً وأعظم أهميّةً من الجهاد بالسيف، لأنه هو الذي يعطي ذلك الجهاد توازنه وسلامته واستقامته علي الخط الواضح السليم. ومن هنا ورد في بعض الأحاديث المأثورة:
« إذا كان يوم القيامة وزن مداد العلماء بدماء الشهداء فيرجح مداد العلماء علي دماء الشهداء ».[3]
مهمـة الفقهـاء
{ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } وتلك هي مهمّة الفقهاء الذين يحملون مسؤولية الفقه الديني ليبلِّغوه إلي الأمة، في نطاق الإمكانات التي يملكونها في الحركة، لأن القضية لا تمثِّل حالةً ذاتيّة تمنحهم الحرية في العطاء وعدمه، بل هي حالةٌ عامةٌ، لأنهم يحملون في فكرهم فكر الأمّة وثقافتها ودينها، فلا يجوز لهم أن يمنعوها منه، أو يحجبوه عنها، بل ربما يستوحي الإنسان من الآية، أن المسألة لا تقتصر علي الجواب عند السؤال، بل تتسع وتتسع ليتسلموا زمام المبادرة في الإبلاغ والإنذار، لأن ذلك هو الذي يفتح آفاقها علي الجوانب الخفيّة للمعرفة الدينية، وهو الذي يوحي إليها بعلامات الاستفهام في التفاصيل، باعتبار أن الجهل قد يؤدي إلي الغفلة التي لا يشعر الإنسان معها بالحاجة إلي السؤال. وهذا هو الردّ علي الذين يصرفون شطراً كبيراً من أعمارهم في التفقّه في الدين، حتي إذا تمّ لهم النضج العلمي والفكري، جلسوا في بيوتهم وابتعدوا عن المجتمع متعلّلين بأنهم لا يرون الانفتاح علي الناس بالتعليم علي أساس المبادرة واجباً عليهم، بل يرون الأمر متوقفاً علي السؤال، فيجب عليهم الجواب للرّد علي السائل، ولا يجب عليهم تعليم من لم يسأل.[4]