منذ سنتين

التنسيق بين القول بان الاسلام كفل حرية المعتقد وبين حكم الارتداد

الأمور التي نفتخر بها كمسلمين أن هذا الدين يكفل حرية الفكر والمعتقد، ولا يلزم أحد بدخول الإسلام إكراهاً (لا إكراه في الدين)، بل أن لكل شخص حرية البحث حتي إذا اتبع الإسلام يتبعه عن قناعة كاملة، وأوجد الإسلام حد الردّة علي من يدخل الإسلام ثم يرتدّ عنه، ولكن، ماذا عن أغلبية المسلمين، الذين لم يتبعوا الإسلام طوعاً واختيارًا، بل نشأوا عليه تقليداً لآبائهم، ويلقنون تلقيناً دون أن يتبعوه عن طريق الاقتناع والبحث، ألا يحق لهؤلاء الذين لم تمنح لهم فرصة الاختيار في الدين والمعتقد أن يبحثوا ويطّلعوا بعد نضجهم حتي لا يتبعوا الإسلام إلا عن اقتناع؟! فإذا كان هذا الحق مكفولاً، فما معني أن حد الردّة يشمل من ولد علي الإسلام دون أن يتبعه باختياره ودون أن يكون مقتنعاً يوماً به، بل أنه تلقي الإسلام بالتلقين والتقليد دون أن يكون صاحب اختيار في اتباع نهج الإسلام. فهو لم يدخل الإسلام اختيارًا بالأساس حتي يعاقب علي خروجه من هذا الدين، بل أنه مارس حقه في البحث عن الدين الذي يقنعه، وعندما وجد ضالته - وإن كنا لا نختلف أنها غير صحيحة - لم يشأ أن يختار الإسلام، فاختار الدين الذي وجده مناسباً لعلة أو أخري. ثم إذا كان اتباع الإسلام لا يكون إلا عن اقتناع، فألا يعني هذا أن للمسلم الذي تلقي الإسلام بالتقليد والتلقين الحق في أن يبحث ويقرأ مختلف الآراء والأفكار والمعتقدات حتي عندما يتبع الإسلام يتبعه عن اقتناع كامل به. فلابد له أن يقرأ الآراء المختلفة ويتعرف عليها، حتي يوزان ويقارن بينها، ويكون مقتنعاً أن الإسلام هو الرأي الأمثل والطريق الأقوم في الحياة. ولكن في نفس الوقت نجد أن أغلبية المراجع حفظهم الله يحرّمون ما يسمونه "كتب الضلال" ويقصدون بها أي كتاب يدعو لفكرة غير إسلامية. فلما هذا الحجر للرأي؟ ولماذا لا يعطي المرء الحق في قراءة مختلف الآراء والأفكار حتي يكون اتباعه للإسلام اتباع قناعة ورضا، وليس اتباع قسر وإكراه وتلقين. هذه هي الإشكالية التي تدور في ذهن العديد من الشباب، فنرجو منكم أن تمنّوا علينا بفضلكم وإحسانكم وتجيبوا علي استفسارنا


لاشك ان الاسئلة التي طرحتها مهمة و جادة و لقد كانت موضوعاً للبحث و النقاش بين علماء المسلمين و خاصة بحث الارتداد. الا اننا قبل البدء بجواب الارتداد نذكر الجواب عن كتب الضلال. لا شك ان السلام يحرم كتب الضلال و يحرم اقتناءها، ولكن علي من؟ و متي؟ في الواقع الاسلام يحرم تلك الكتب علي من لم يجد في نفسه الاهلية لمطالعة تلك الكتب و مناقشتها. و بعبارة اخري: تحرم علي من لم يملك خلفية ثقافية تمكنه من تمييز الحق عن الباطل و تحصنه عن التأثر بالافكار المنحرفة، اضافه الي ذلك يحرمها الاسلام اذا كان القصد من اقنائها حفظها من التلف لا الرد عليها و مناقشتها. ولذلك نري علماءنا و مفكرينا يقتنون تلك الكتب و يردون عليها. ولم يقل احد بان ذلك حرام، ولايكون ذلك تحديداً لحرية الفرد. لماذا؟ لان الاسلام يري نفسه مسؤولاً عن صيانة الفرد و صيانة المجتمع. ولنذكر مثلاً حسياً، و هو: ان الكل يعلم ان وزارة الصحة تلزم شركات صناعة الادوية بان تضع علي علبة الدواء التحذير التالي (يوضع الدواء بعيداً عن متناول الاطفال) فهل هذا ياتري تحديد لحرية الطفل ام صوناً لحياته؟ لاشك ان جميع العقلاء يرون ذلك صوناً لحياته لا تحديداً لحريتة. اذا عرفنا ذلك ننتقل الي بحث الارتداد الذي هو اساس السؤال. لاشك ان الارتداد من البحوث المهمة ولكي نفهم فلسفة عقوبة الارتداد نقدم مقدمة من عدة نقاط: الارتداد معناه: العودة الي الكفر. الارتداد لايختص بالدين الاسلامي بل جميع الاديان تحكم به. ان جوهر الاديان السماوية واحد. نعتقد ان في كل عصر هناك شريعة واحدة هي الحق و الباقي من الشرائع منسوخة، اما لتغير الشروط او لوقوع التحريف في تلك الديانات. ان احترام الاسلام للشرائع السابقة و السماح لافرادها في البقاء عليها ينطلق من فكرة التسامح الديني و العيش بسلام ما بين اتباع الاديان. و هذا لا يعني ان الاسلام يعترف باحقيتها فعلاً. النقطة المهمة هنا هي: ان الفرق بين الفكر الاسلامي و الفكر الغربي هو ان الفكر الغربي يؤكد علي العنصر والبعد المادي في شخصية الانسان، و يري ان القانون الناجع هو القانون الذي يتكفل توفير الرغبات و الشهوات للانسان ولايحدد الانسان. اذا معيار الحق و المشروعية في اي قانون هو ارادة الشعب، و من هنا يكون الانسان حاكماً علي مصيره و لايحق لاحد ـ حتي الله ـ ان يتدخل في شؤونه، ولذلك نري في الفكر الليبرالي الكلام عن الشهوة و الاماني و التمنيات لا الحكمة و المصلحة. و من تلك الحقوق المشروعة عندهم حق انتخاب الدين طبقا لارادة و سليقة الفرد. ولكن في الفكر الاسلامي الانسان موجود ذو بعدين [مادي و معنوي] و لذلك يجب علي الحكومة تأمين هذين البعدين المادي و المعنوي للناس، و تكون المصالح المادية مقدمة للمنافع المعنوية، و لذلك حين التعارض بين هذين البعدين يرجح البعد المعنوي. ثم ان الاسلام يركز علي عنصر العقل، و يرفض التقليد الاعمي، و يذم الانسان الذي يسير تبعاً لآبائه واجداده. كما ان الاسلام يري نفسه ملزماً لاثبات احقيته و هداية الناس اليه ان يوفر لهم الحجه البالغة و البرهان الساطع. ولايفرض علي احد ان يدخل الاسلام من دون قطع و دليل و برهان. الخلاصة: ان الاسلام يوفر للانسان كل وسائل الهداية و يمنحه فرصة التفكير و الدارسة و البحث لكل شؤون الاسلام و قوانينه بما فيها حكم الارتداد. ولذلك يخاطب الفرد بقوله: ايها الانسان ادرس القضية دراسة دقيقة بكل ابعادها بما فيها هذا البعد [وهو انه في حالة خروجك عن الاسلام و اظهارك الكفر فانك ستتعرض لعواقب وخيمة]، نعم، الاسلام لايتدخل في تغيير العقيدة لان هذه قضية تكوينية لايمكن التدخل فيها، فان من قطع ان الدين المسيحي هو الحق فحينئذ و بصورة اوتوماتيكية تتغير عقيدته، نعم، الاسلام يري من حقه اجراء الجانب الجزائي اي العقوبة. و هنا ايضاً الاسلام يحدد القضية في بعض الحالات ولذلك نري الحالات التالية لايحكم الاسلام فيها بالارتداد: 1- الشاك في الاصول الاعتقادية ولكن لم يظهر الكفر ليس بمرتد. 2- منكر غير الضروري، او منكر الضروري من دون التفات الي عواقبه الوضعية من انكار التوحيد او النبوة او... 3- اظهار الكفر من غير البالغ. 4- من ادعي عدم القصد. كل هذه الحالات لايرتب فيها الاسلام حكم الارتداد او العقوبة علي المرتد. نعم من غير عقيدته و اظهرها، هنا الاسلام يحكم بارتداده و يجري عليه حد المرتد. لماذا؟ لان الاسلام و كما قلنا سابقاً بعد ان يوفر للفرد جميع شروط الهداية، يري نفسه مسؤولاً عن الفرد و عن المجتمع الاسلامي، فاذا كان البناء ان حالة الدخول و الخروج من الدين تصبح عبثية و من دون شروط و ضوابط فلاشك ان ذلك يخل بمسيرة و حركة المجتمع الاسلامي فالخلاصة: الاسلام كما يري نفسه ملزماً بتوفير شروط الهداية و الدخول في الدين الاسلامي. يري من حقه ان يفرض علي الانسان عقوبة الخروج من الدين، و ذلك صوناً للدين و للمجتمع من الانحراف و اختلال النظام، هذه الظاهرة التي التفت اليها اليهود و ارادوا مواجهة الاسلام من خلالها، وقد اشار القرآن الكريم اليها بقوله تعالي (وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذي أُنْزِلَ عَلَي الَّذينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَ اكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون‏) [1]