منذ سنتين

المقصود من كونوا مع الصادقين

اذا كانت الآية القرﺁنية من سورة التوبة (كونوا مع الصادقين) المقصود بها الوجود العيني للمعصوم في كل زمان، ولكن امام الزمام غائب عن الناس فكيف يطلب الله سبحانه منا ان نكون معه؟ واذا كان المقصود السير علي طريقه باتباع ما وصلنا منه من اخبار، فيمكن ان يستشكل علينا الاخرون بان سيرة الانبياء (ع) والنبي الخاتم (ص) كافية فهم الصادقون مادام القدوة الصالحة غير موجود امامنا لنتبعها؟


قبل الاجابة عن السؤال لابد من الرجوع الي الكتب التفسيرية لنري ماهوالمراد منها: قال العلامة الطباطبائي  في تفسيره القيم الميزان:"الاية تامر المؤمين بالتقوي واتباع الصادقين في اقوالهم وافعالهم، وهو غير الامر بالاتصاف بصفتهم فانه الكون منهم لا الكون معهم وهوظاهر" [1] وجاء في تفسير مجمع البيان: ثم خاطب الله سبحانه المؤمنين المصدقين بالله المقرين بنبوة نبيه (صلي‏الله‏عليه ‏وآله ‏وسلّم) فقال « يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله » أي اتقوا معاصي الله و اجتنبوها « و كونوا مع الصادقين » الذين يصدقون في أخبارهم و لا يكذبون و معناه كونوا علي مذهب من يستعمل الصدق في أقواله و أفعاله و صاحبوهم و رافقوهم كقولك أنا مع فلان في هذه المسألة أي أقتدي به فيها.  و قد وصف الله الصادقين في سورة البقرة بقوله( و لكن البر من آمن بالله و اليوم الآخر ) إلي قوله ( أولئك الذين صدقوا و أولئك هم المتقون ) فأمر سبحانه بالاقتداء بهؤلاء الصادقين المتقين.[2]   و روي المعلي بن خنيس عن أبي عبد الله (عليه‏السلام) في قوله: « كونوا مع الصادقين» بطاعتهم.[3] من هنا نعلم ان الآية المباركة تدعو الي الاتباع والطاعة والسير علي الخط الذي سار عليه الصالحون والمؤمنون، ولاتامر الآية بالمعية المكانية – وان كان في بعض الاحيان تقترن الطاعة بالمعية المكانية- بل تأمر بالمعية الروحية والتبعية في القول والعمل، فهي تشمل الانسان المؤمن الذي يعيش في عصر الرسول الاكرم وفي المدينة أو في مكة، ومن يعيش في عصور أخري وفي اقطار متفرقة. من هنا اتضح ان الآية لاتشترط في الطاعة والتبعية الوجود العيني  للمعصوم بل تشترط الالتزام والسير علي النهج الذي سار عليه الرسول والامام والصالحون. وحينها ينتفي الشطر الاول من السؤال. واما بالنسبة الي الشطر الثاني: فجوابه: اننا لانسلم ان غيبة الامام عليه السلام تعني غيابة ، فهناك فرق بين الغياب والغيبة، فهو عليه السلام يري الناس ولايرونه كما ورد في الروايات، وقد اقتضت المصلحة الالهية ان يغيب عن الانظار. ثم من قال ان الانتفاع بالشيء يقتضي ان يري ذلك الشيء اولا، ثم يتم الانتفاع به؟! اليس الان هناك الكثير من الامور غير المرئية في حياتنا تؤثر في الحياة كالجاذبية والمغناطيسية والاشعة فوق البنفسجية وغيرها من الامور التي لايعلم الا الله تعالي ماهي ومتي سيتم اكتشافها. ولقد ورد في الروايات ان الامة تنتفع بالامام في غيبته كانتفاعها بالشمس من وراء الغيوم:" اما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس اذا غيبتها عن الابصار السحاب، واني لامان لاهل الارض كما ان النجوم امان لاهل السماء " [4] اضف الي ذلك ان تبعية الامام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف هي في طول اطاعة الرسول الاكرم صلي الله عليه وﺁله وسلم لانه هو الذي امرنا كما في الروايات الكثيرة بالتمسك بالثقلين الكتاب والعترة كما في حديث الثقلين المشهور، فاتباعه عليه السلام عين التبعية للرسول ولامنافاة بينهما. ثم هو صلي الله عليه وﺁله وسلم هو الذي بشر بالمهدي واعتبره خليفته ووصيه الاخير في سلسلة الاوصياء الاثني عشر،كما تحدث بذلك الروايات الاسلامية. اضف الي ذلك ان وجود الاسوة بين الناس كافة أمر لم يتحقق في عصر الرسالة الاول، فلا شك ان هناك الكثير من المسلمين في الصدر الاول لم يشاهدوا الرسول الاكرم (ص) بل سمعوا به فقط خاصة النساء منهم، وهكذا الامر في عصور الائمة عليهم الذي توسعت فيه الامة الاسلامية توسعا كبيراً، اما اليوم فالقضية أعقد خاصة مع توسع دولة الامام عليه السلام لتشمل العالم كله، الا ان تقول: ان الامام يستطيع التواصل مع الناس من خلال الاجهزة. نقول: هذا صحيح جداً ولكن هذا لايعني حصول الامام بشخصة، ففرق بين ان تجلس الي جانب الامام أو الي جانب رئيس الجمهورية وبين ان تراه من خلال التلفاز، كلنا رأي كل أو اغلب رؤساء العالم من خلال التلفاز ولكن لم يدع واحد منا انه رﺁهم مباشرة. ثم يرد الاشكال نفسه علي المستشكل فيقال له: اليس هو الان يطيع الخليفة الاول والثاني وياخذ بارائهم، والحال انهما مفقودنا قطعا للتسليم بموتهما، فلماذا لم يرفضهما وياخذ بسيرة الرسول الاكرم مباشرة؟!! لاشك ان جوابه سيكون: لايشترط المعاصرة.                     وان اتباعهم يعني اتباع الرسول الاكرم لانه هو الذي اوصي باطاعتهما لانه – وكما يروون – قال (ص): " عليكم بسيرة الشيخين من بعدي ".