كيف يدرك الانسان الكليات ؟
الفرق بين العقل و الذهن ؟
الفرق بين العلم و المعرفة؟
لنفس أسماء القلب و العقل و الروح أذكر سبب التسمية.
ان لكلمة ”المعرفة“ استعمالات مختلفة، و اعم مفهوم لها يساوي مطلق العلم و الاطلاع، و احياناً تخصص بالادراكات الجزئية، و تارة تستعمل بمعني العلم المطابق للواقع و اليقيني، كما ان مفهوم العلم من اوضح المفاهيم و اشدها بداهة، و هو ليس مستغنيا عن التعريف فحسب و انما لايمكن تعريفه اطلاقاً، و ذلك لانه لايوجد مفهوم اوضع منه حتي يصبح معرفاً له، و كل ما ذكر في الكتب المنطقية او الفلسفية بعنوان انه تعريف للعلم فهو ليس تعريفا حقيقياً، و مقصودهم من ذكر ذلك اما تعيين المصداق المطلوب في علم او مبحث خاص كما عرف المنطقيون العلم ب ”حصول صوره الشيء في الذهن“ و فائدته تعيين المصداق الذي يريدونه و هو ”العلم الحصولي“، و اما الاشارة الي نظرية صاحب التعريف حول بعض مسائل علم الوجود المرتبطة به، كما قال بعض الفلاسفة: ”العلم عباره عن حضور مجرد عند مجرد آخر“ او ”حضور شيء عند موجود مجرد“ حتي يبين بهذا القول رأيه في تجرد العلم و العالم.
و اذا لابد من تقديم توضيح حول العلم و المعرفه فالافضل ان نقول: العلم عباره عن : حضور نفس الشيء او صورته الجزئية او مفهومه الكلي عند موجود مجرد. ولابد ان نضيف انه ليس من لوازم العلم ان يكون العالم دائماً غير المعلوم، و انما من الممكن في بعض الموارد ـ كما في علم النفس بذاتها ـ ان لايكون تعدد بين العالم و المعلوم.
و اما علم المعرفة: فهو ذلك العلم الذي يبحث حول معارف الانسان و يقيم الوانها و يعين الملاك لتمييز الصحيح من الخطأ منها. [1]
كما ان العلم ينقسم الي قسمين:
1-علم حضوري: و هو العلم الذي تنعدم فيه الواسطة بين العالم و المعلوم، كما في علم الانسان بنفسه.
2-العلم الحصولي: و هو العلم الذي تكون هناك واسطه بين العالم و ذات المعلوم، و بفضلها يحصل العلم بهذه الصورة تسمي بالعلم الحصولي [2] كما في علم الانسان بلون بشرته و شكله فان هذا العلم يحصل عن طريق البصر او اللمس او سائر الحواس.
و اما العقل: فهو قوة ادارك خاصة يمتلكها الانسان، و عملها ادراك المفاهيم الذهنية الكلية سواءاً كانت المفاهيم التي لها مصداق حسي ام سائر المفاهيم الكلية التي ليس لها مصداق حسي.[3] كما عرف العقل في كتاب المنجد بقوله: نور روحاني به تدرك النفس ما لا تدركه بالحواس. و قد سمي العقل عقلاً لانه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك اي بحبسه.[4]
و اما الذهن: فهو جمع اذهان، يعني الفهم و القوة في العقل (حفظ القلب) و الانسان الذهن اي الفطن، يقال: هو من اهل الاذهان اي من اهل الفطنة.[5]
و اما ما يتعلق بالمفهوم الكلي فقد تعرض الشيخ مصباح اليزدي في نفس المصدر و ذكر النظريات و مناقشها بقوله: اما الذين تخيلوا ان المفهوم الكلي عبارة عن تصور جزئي مبهم، وقد وضع اللفظ الكلي لتلك الصورة الشاحبة، فانهم لم يستطيعوا ايضاً ان يدركوا حقيقة الكلية. و افضل سبيل لا يقافهم علي اشتباههم هو الفاتهم الي المفاهيم التي ليس لها مصداق حقيقي في الخارج، مثل مفهوم المعدوم و المستحيل، او ليس لها مصداق مادي و محسوس مثل مفهوم الله و الملك و الروح، او تلك المفاهيم القابلة للانطباق علي المصاديق المادية و المصاديق المجرده مثل مفهوم العلة و المعلول.
و ذلك لان هذه المفاهيم لايمكن ان يقال فيها إنها نفس الصورة الجزئية لكنها باهته اللون.
و كذا المفاهيم التي تصدق علي اشياء متضادة مثل مفهوم ”اللون“ الذي يحمل علي ”الاسود“ و علي ”الابيض“ فلا يمكن القول ان اللون الابيض قد اصبح مبهماً الي حد تحول الي مطلق اللون فهو صادق علي الاسود ايضاً. او ان اللون الاسود قد اصبح ضعيفاً و باهتاً الي حد أنه يقبل الصدق علي الابيض أيضاً.
و نظير هذا الاشكال يرد علي قول الافلاطونيين، و ذلك لان كثيراً من المفاهيم الكلية ـ مثل مفهوم المعدوم و المستحيل ـ ليس لها مثال عقلي حتي يقال: ادراك الكليات هو مشاهدة الحقائق العقلية المجردة.
اذاً القول الصحيح هو ما ارتضاه اكثر الفلاسفة المسلمين و اصحاب الاتجاه العقلي و هو: ان للانسان قوة ادراك خاصة تسمي العقل، و عملها ادراك المفاهيم الذهنية الكلية، سواء كانت المفاهيم التي لها مصداق حسي أم سائر المفاهيم الكلية التي ليس لها مصداق حسي.