الاسراء الروحاني في دعاء الندبة
في دعاء الندبة تحدث المحدث النوري حول العبارة بالتفصيل مبينا ان كلمة بروحه وردت في مفاتيح الجنان" ان الله اسري بروحه"، ونحن نقول: ان الاسراء بالروح و الجسد، فكيف يتم التنسيق بين ذلك؟
لابد من البحث في نقطتين و تحليلهما و امعان النظر فيهما، وهما: ماهي درجة اعتبار نسخة "وعرجت بروحه"؟. علي فرض صحة هذه النسخة هل ذلك ينافي المعاد الجسماني؟ في مقام البحث عن النقطة الاولي، نقول: ان التحقيق في المسالة يظهر لنا ان: 1-ان اقدم كتاب معتبر ورد فيه دعاء الندبة وقد سلمت نسخة هذا الكتاب -ولله الحمد- من الاندثار والضياع والتحريف هو كتاب (المزار الكبير) تاليف المحدث الكبير الشيخ أبي عبد الله محمد بن جعفر المشهدي. وان النسخة الخطية لهذا الكتاب تعود الي القرن الحادي عشر و موجودة في مكتبة السيد المرعشي، وفي هذه النسخة وردت عبارة"وعرجت به"في الصفحة 824 السطر السابع. 2- بعد "المزار الكبير" ياتي دور اقدم مصدر ورد فيه دعاء الندبة وهو كتاب " المزار القديم" وفي النسخة الخطية لهذا الكتاب وفي الصفحة 174 السطر الثامن وردت عبارة " وعرجت به" ايضا 3- المصدر الثالث الذي ورد في الدعاء هوالكتاب القيم "مصباح الزائر" تأليف السيد ابن طاووس المتوفي 664 هجرية، وقد ورد في النسخة المطبوعة منه عبارة " وعرجت بروحه "بدل عبارة" وعرجت به". وهذه النسخة خطأ قطعاً، وذلك: اولا: ان السيد نقل عن كتاب المزار الكبير، وهذه مايظهر من مقدمته للدعاء، حيث قال : ذكر بعض اصحابنا قال: قالمحمد بن علي بن ابي قرة: نقلت منكتاب محمد بن الحسين بن سنان البزوفري رضي الله عنه دعاء الندبة،. و ذكر انه الدعاء لصاحب الزمان صلوات الله عليه، و يستحب ان يدعي به في الاعياد الاربعة. وهذه نفس عبارة صاحب المزار الكبير في مقدمته للدعاء، اعني دعاء الندبة.من هنا لاريب ان طريق السيد ابن طاووس للدعاء تم من خلال كتاب المزار الكبير الي ابن ابي قرة عن البزوفري ، و المراد من تعبيره ببعض اصحابنا هو السيد " ابن المشهدي " لاغير. و بما ان جميع نسخ المزار الكبير جاءت فيها العبارة " عرجت به" يكون من المعلوم ان النسخة الصحيحة في "مصباح الزائر " هي " عرجت به" . ثانيا: ان المحدث النوري ذكر في كتابه القيم " تحية الزائر" انه وجد في بعض نسخ " مصباح الزائر " عبارة " عرجت به"، وقد ايد المحدث القمي رأي استاذه النوري هنا. ثالثا: ان كتاب " المزار القديم" وهو بلا شك مقدم تاريخياً علي كتاب "مصباح الزائر " ينقل الدعاء عن ابن ابي قرة عن كتاب البزوفري وبعبارة " وعرجت به". من خلال ملاحظة النقاط السابقة يظهر و بلا شك ان النسخة الصحيحة لكتاب " مصباح الزائر" ورد فيها عبارة " وعرجت به" ايضا ،و لكنه وللاسف الشديد وقع خلال النسخ تصحيف لعبارة "و عرجت به" فابدلت من دون قصد بعبارة" وعرجت بروحه". والذي يزيد الامر أسفا ان النسخة المصحفة هي النسخة التي وقت بيد العلامة المجلسي، فنقل منها الدعاء بعبارة " عرجت بروحه" محافظاً علي الامانة في النقل، ومنه رحمه الله انتقلت الي كتب المتأخرين، منها كتاب " مفاتيح الجنان" للمحدث القمي، و الجدير بالذكر ان النسخة المحققة لمفاتيح الجنان قد تمت الاشارة فيها الي عبارة " وعرجت به" باعتبارها النسخة البدل، وهذا أمر يعرفه اهل التحقيق. من هذا كله نصل الي النتيجة التالية: انه وردت عبارة " وعرجت به" في: جميع نسخ كتاب المزار الكبير المطبوعة والخطية و المصورة.كذلك وردت في النسخ الخطية لكتاب " المزار القديم". ان النسخة الصحيحة لكتاب" مصباح الزائر" هي عبارة " عرجت به". علما ان هناك كتبا أخري نقلت عبارة " وعرجت به " منها: 1 - مكيال المكارم، للميرزا محمد تقي فقيه احمدآبادي، (م1348 ق.). 2 - مفتاح الجنات، لصاحب اعيانالشيعه، (م 1371 ق.). 3 - شرح دعاء الندبه، لمحي الدين علوي طالقاني، (م 1387 ق.). 4 - شرح دعاء الندبه، للمرحوم الشيخ عباس علي اديب. 5 - سخنان نخبه، در شرح دعاي ندبه، لعطائي اصفهاني. 6 - شرح دعاي ندبه، للسيدعلي اكبر الموسوي محب الاسلام. 7- ندبه و نشاط، از احمد زمرديان. 8 – الصحيفة الرضوية الجامعة، للسيد محمد باقر موحد ابطحي. 9 - الصحيفةالمباركة المهدية، للسيد مرتضي مجتهدي. و الجدير بالذكر ان هناك عبارتين في نفس الدعاء تؤيدان بل تؤكدان ما ذكر اعلاه من العبارة الصحيحة هي " وعرجت به " لا " عرجت بروحه" وهاتان العبارتان هما: الاولي:( و سخرت له البراق)، ومن الواضح ان العروج الروحي فقط لايحتاج الي مركب يعرج به. الثانية: (و اوطاته مشارقك ومغاربك)، وهذه عبارة تدل دلالة واضحة علي العروج الجسماني، لان وصف الوطا واوطاته لايصدق علي الروح بل هو من لوازم الجسد المادي كما هو واضح.[1] ثم ان النقل التاريخي للحادثة يشير الي انه صلي الله عليه وﺁله وسلم قد اخبر عن حوادث شاهدها ووقعت في مسراه منها صلاته ومنها شربه الماء من قافلة كانت في الطريق وغير ذلك مما لاينسجم مع المعراج الروحاني فقط.[2] اما بالنسبة الي النقطة الثانية، وهي: علي فرض صحة عبارة " وعرجت بروحه" نقول: لامنافاة في ذلك لان العبارة لم تصرح بالعروج الروحي مجرداً من الجسد، فمن الممكن أنها تريد العروج الروحي مع الجسد، ولكن تم التأكيد علي الروح لانها المقصود الاول والاخير من وراء هذه الرحلة المباركة، حيث من الواضح ان المستفيد الاول و الاخير منها انما هو روح النبي الاكرم صلي الله عليه وآله وسلم الزكية.