logo-img
السیاسات و الشروط
منذ 3 سنوات

القراءات السبع

رغم المطالعات الكثيرة للمصادر الشيعية لم اجد اي شيء يشير الي القراءات السبع للقرآن الكريم، نرجوا اعطاء صورة واضحة حول هذا الموضوع.


لقد تعرضت المصادر الشيعية لبحث هذه القضية. فقد بحث ذلك و بصورة مفصلة آية الله الشيخ هادي معرفة في موسوعة "التمهيد في علوم القرآن" و في "تلخيص التمهيد" المجلد الثاني. كذلك تعرض لدراستها و بصورة مفصلة آية الله العظمي السيد ابوالقاسم الخوئي (قدس سره) في كتابه "البيان في تفسير القرآن" [1]تحت عنوان: "نظرة في القرآءات" و ها نحن نذكر ما جاء فيه. و قبل نقل كلامه (قدس) نقول: ان القراءة التي حث عليها القرآن و هي التي من الافضل ان يقرأ فيها في الصلاة هي "الترتيل" قال تعالي ( وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتيلا)[2]، و هذا لا يعني التقليل من قيمة التجويد فان لهذا النحو من القراءة اثره البالغ في النفوس خاصة اذا اقترنت بالصوت الحسن. بعد ان عرفنا ذلك ننقل لك ما ذكره السيد الخوئي (قدس) حيث قال: قد اسلفنا في التمهيد من بحث اضواء علي القراءات - في مقدمة الكتاب - بعض الاراء حول تواتر القراءات و عدمه و اشرنا الي ما ذهب اليه المحققون من نفي تواتر القراءات، مع ان المسلمين قد اطبقوا علي تواتر القرآن نفسه، و الآن نبدا بالاستدلال علي ما اخترناه من عدم تواترها بامور: الاول: ان استقراء حال الرواة بورث القطع بان القراءات نقلت الينا باخبار الآحاد. و قد اتضح ذلك فيما اسلفناه في تراجمهم، فكيف تصح دعوي القطع بتواترها عن القراء، علي ان بعض هؤلاء الرواة لم تثبت وثاقته. الثاني: ان التامل في الطرق التي اخذ عنها القراء، يدلنا دلالة قطعية علي ان هذه القراءات انما نقلت اليهم بطريق الآحاد. الثالث: اتصال اسانيد القراءات بالقراء انفسهم يقطع تواتر الاسانيد حتي لوكانت رواتها في جميع الطبقات ممن يمتنع تواطؤهم علي الكذب، فان كل قارئ انما ينقل قراءته بنفسه. الرابع: احتجاج كل قارئ من هؤلاء علي صحة قرائته و احتجاج تابعيه علي ذلك ايضاٌ، و اعراضه عن قراءة غيره دليل قطعي علي ان القراءات تستند الي اجتهاد القراء وآرائهم، لانها لو كانت متواترة عن النبي (ص) لم يحتج في اثبات صحتها الي الاستدلال والاحتجاج. الخامس: ان في انكار جملة من اعلام المحققين علي جملة من القراءات دلالة واضحة علي عدم تواترها، اذ لو كانت متواترة لما صح هذا الانكار، فهذا ابن جرير الطبري انكر قراءة ابن عامر، و طعن في كثير من المواضع في بعض القراءات المذكورة في السبع، و طعن بعضهم علي قراءة حمزة، و بعضهم علي قراءة ابي عمرو، و بعضهم علي قراءة ابن كثير، و ان كثيراٌ من العلماء انكروا تواتر ما لا يظهر وجهه في اللغة العربية، و حكموا  بوقوع الخطا فيه من بعض القراء [3] و قد تقدم في ترجمة حمزة انكار قراءته من امام الحنابلة احمد، و من يزيد بن هارون، و من ابن مهدي و من ابي بكر بن عياش، و من ابن دريد. قال الزركشي: -بعد ما اختار ان القراءات توقيفية- خلافا لجماعة منهم الزمخشري، حيث ظنوا انها اختيارية، تدور مع اختيار الفصحاء، و اجتهاد البلغاء، و رد علي حمزة قراءة "و الارحام"، بالخفض، و مثل ما حكي عن ابي زيد، و الاصمعي، و يعقوب الحضرمي انهم خطأوا حمزة في قراءته، "و ما انتم بمصرخي" بكسر الياء المشددة، و كذلك انكروا علي ابي عمرو ادغامه الراء في اللام في "يغفر لكم". و قال الزجاج: "انه غلط فاحش". [4] تصريحات نفاة تواتر القراءات: و قد رأينا من المناسب ان نذكر من كلمات خبراء الفن ممن صرح بعدم تواتر القراءات ليظهر الحق في المسألة باجلي صوره: قال ابن الجزري: "كل قراءة و افقت العربية و لو بوجه، ووافقت احد المصاحف العثمانية ولو احتمال، و صح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها، و لا يحل انكارها، بل هي من الاحرف السبعة التي نزل بها القرآن، و وجب علي الناس قبولها سواء كانت عن الائمة السبعة أم عن العشرة، ام عن غيرهم من الائمة المقبولين، و متي اختل ركن من هذه الاركان الثلاثة اطلق عليها ضعيفه، او شاذة، او باطلة سواء كانت من السبعة ام عمن هو اكبر منهم". هذا هو الصحيح عند ائمة التحقيق من السلف و الخلف. صرح بذلك الامام الحافظ ابو عمرو عثمان بن سعيد الداني، و نص عليه في غير موضع الامام ابو محمد مكي بن ابي طالب، و كذلك الامام ابو العباس احمد بن عمار المهدوي، و حققه الامام الحافظ ابو القاسم عبد الرحمن بن اسماعيل المعروف بابي شامة و هو مذهب السلف الذي لا يعرف عن احد منهم خلافه. و قال ابو شامة في كتابه المرشد الوجيز: "فلا ينبغي ان يغتر بكل قراءة تعزي الي واحد من هؤلاء الائمة السبعة و يطلق عليها لفظ الصحة، و انها هكذا انزلت، الا ذا دخلت في ذلك الضابط، و حينئذ لا يتفرد بنقلها مصنف عن غيره، و لا يختص ذلك بنقلها عن غيرهم من القراء فذلك لا يخرجها عن الصحة، فان الاعتماد علي استجماع تلك الاوصاف لا علي من تنسب اليه، فان القراءات المنسوبة الي كل قارئ من السبعة و غيرهم منقسمة الي المجمع عليه و الشاذ، غير ان هؤلاء السبعة لشهرتهم، و كثرة الصحيح المجمع عليه في قرائتهم: تركن النفس الي ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم؟. [5]  و قال ابن الجزري ايضا: "و قد شرط بعض المتاخرين التواتر في هذا الركن و لم يكتف فيه بصحة السند، وزعم ان القرآن لا يثبت الا بالتواتر، و ان ما جاء مجيء الاحاد لايثبت به قرآن. و هذا مما لا يخفي ما فيه، فان التواتر اذا ثبت لايحتاج فيه الي الركنين الاخيرين من الرسم و غيره، اذ ما ثبت من احرف الخلاف متواتراٌ عن النبي (ص) وجب قبوله، و قطع بكونه قرآنا سواء وافق الرسم ام خالفه، و اذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفي كثير من احرف الخلاف، الثابت عن هؤلاء الائمة السبعة و غيرهم. و لقد كنت –قبل- اجنح الي هذا القول، ثم ظهر فساده و موافقة ائمة السلف و الخلف".   و قال الامام الكبير ابو شامة في مرشده: "و قد شاع علي السنة جماعه من المقرئين المتاخرين، و غيرهم من المقلدين ان القراءات السبع كلها متواترة اي كل فرد فرد ما روي عن هؤلاء السبعة. قالوا: و القطع بانها منزلة من عند الله واجب. و نحن بهذا نقول، و لكن فيما اجتمعت علي نقله عنهم الطرق، و اتفقت عليه الفرق، من غير نكير له مع انه شاع و اشتهر و استفاض، فلا اقل من اشتراط ذلك اذا لم يتفق التواتر في بعضها". [6] و قال السيوطي: و احسن من تكلم في هذا النوع امام القراء في زمانه شيخ شيوخنا ابو الخير ابن الجزري. قال في اول كتابه –النشر- كل قراءة وافقت العربية ... المزید فنقل كلام ابن الجزري بطوله الذي نقلنا جملة منه آنفا. ثم قال: قلت: انقن الامام ابن الجزري هذا الفصل جدا. [7] و قال ابو شامة في كتاب السبعة: "انا لسنا ممن يلتزم بالتواتر في الكلمات المختلف فيها بين القراء، بل القراءات كلها منقسمة الي متواتر و غير متواتر، و ذلك بين لمن انصف و عرف، و تصفح القراءات و طرقها". [8]  و ذكر بعضهم: "انه لم يقع لاحد من الائمة الاصوليين تصريح بتواتر القراءات، و قد صرح بعضهم بان التحقيق ان القراءات السبع متواترة عن الائمة السبعة بهذه القراءات السبع موجود في كتب القراءات، و هي نقل الواحد عن الواحد". [9]  و قال بعض المتاخرين من علماء الاثر: "ادعي بعض اهل الاصول تواتر كل واحد من القراءات السبع، و ادعي بعضهم تواتر القراءات العشر. و ليس علي ذلك اثارة من علم... و قد نقل جماعة من القراء الاجماع علي ان في هذه القراءات ما هو متواتر، و فيها ما هواحاد، و لم يقل احد منهم بتواتر كل واحد من السبع فضلا عن العشر، و انما هو قول قاله بعض اهل الاصول. و اهل الفن اخبر بفنهم". [10] و قال مكي في جملة ما قال: "و ربما جعلوا الاعتبار بما اتفق عليه عاصم و نافع فان قراءة هذين الامامين اولي القراءات، و اصحها سنداٌ، و افصحها في العربية". [11]  و ممن اعترف بعدم التواتر حتي في القراءات السبع: الشيخ محمد سعيد العريان في تعليقاته، حيث قال: "لا تخلو احدي القراءات من شواذ فيها حتي السبع المشهورة فان فيها من ذلك اشياء". و قال ايضا: "و عندهم ان اصح القراءات من جهة توثيق سندها نافع و عاصم، و اكثرها توخيا للوجوه التي هي افصح ابو عمرو، و الكسائي". [12] و لقد اقتصرنا في نقل الكلمات علي المقدار اللازم، و سنقف علي بعضها الاخر ايضا بعيد ذلك. تامل بربك. هل تبقي لدعوي التواتر في القراءات بعد شهادة هؤلاء الاعلام كلهم بعدمه{ قيمة}؟ و هل يمكن اثبات التواتر بالتقليد، و باتباع بعض من ذهب الي تحققه من غير ان يطالب بدليل، و لا سيما اذا كانت دعوي التواتر مما يكذبها الوجدان؟ و اعجب من جميع ذلك ان يحكم مفتي الديار الاندلسية ابو سعيد بكفر من انكر تواترها!!! لنفرض ان القراءات متواترة، عند الجميع، فهل يكفر من انكر تواترها اذا لم تكن من ضروريات الدين؟؟ ثم لنفرض انها بهذا التواتر الموهوم اصبحت من ضروريات الدين، فهل يكفر كل احد بانكارها حتي من لم يثبت عنده ذلك؟! اللهم ان هذه الدعوي جراة عليك، و تعد لحدودك، و تفريق لكلمة اهل دينك!!! ادله تواتر القراءات: و اما القائلون بتواتر القراءات السبع فقد استدلوا علي رأيهم بوجود: الاول: دعوي قيام الاجماع عليه من السلف الي الخلف. و قد وضح للقارئ فساد هذه الدعوي، علي ان الاجماع لا يتحقق باتفاق اهل مذهب واحد عند مخالفة الآخرين. الثاني: ان اهتمام الصحابة و التابعين بالقرآن يقضي بتواتر قراءته، و ان ذالك واضح لمن انصف نفسه و عدل.  ومن الواضح ان هذا الدليل انما يثبت تواتر نفس القرآن، لا تواتر كيفية قراءته، و خصوصا مع كون القراءة عند جمع منهم مبتنية علي الاجتهاد ، او علي السماع و لو من الواحد. و قد عرفت ذلك مما تقدم، و لولا ذلك لما كان مقتضي هذا الدليل ان تكون جميع القراءات متواترة، و لا وجه لتخصيص الحكم بالسبع او العشر. و ان حصر القراءات في السبع انما حدث في القرن الثالث الهجري، و لم يكن له قبل هذا الزمان عين و لا اثر، و لازم ذلك ان نلتزم اما بتواتر الجميع من غير تفرقة بين القراءت ، و اما بعدم تواتر شيء منها في مورد الاختلاف، و الاول باطل قطعاٌ فيكون الثاني هو المتعين. الثالث: ان القراءات السبع لو لم تكن متواترة لم يكن القرآن متواتراٌ، و الثاني باطل بالضرورة فالمقدم مثله: و وجه التلازم ان القرآن انما وصل الينا بتوسط حفاظه، و القراء المعروفين، فان كانت قراءاتهم متواترة فالقرآن متواتر، و الا فلا. و اذن فلا محيص من القول بتواتر القراءات.  ويرد هذا القول: 1- ان تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات، لان الاختلاف في كيفية الكلمة لا ينافي الاتفاق علي اصلها، و لهذا نجد ان اختلاف الرواة في بعض الفاظ قصائد المتنبي –مثلا- لا يصادم تواتر القصيدة عنه و ثبوتها له، و ان اختلاف الرواة في خصوصيات هجرة النبي لا ينافي تواتر الهجرة نفسها. 2- ان الواصل الينا بتوسط القراء انما هو خصوصيات قراءاتهم. و اما اصل القرآن فهو واصل الينا بالتواتر بين المسلمين، و بنقل الخلف عن السلف. و تحفظهم علي ذلك في صدورهم و في كتابتهم، و لا دخل للقراء في ذلك اصلا، و لذلك فان القرآن ثابت التواتر حتي لو فرضنا ان هؤلاء القراء السبعة او العشرة لم يكونوا موجودين اصلا. و عظمة القرآن ارقي من ان تتوقف علي نقل اولئك النفر المحصورين. الرابع: ان القراءات لو لم تكن متواترة لكان بعض القرآن غير متواتر مثل "ملك" و "مالك" و نحوهما، فان تخصيص احدهما تحكم باطل. و هذا الدليل ذكره ابن الحاجب و تبعه جماعة من بعده. الجواب: 1- ان مقتضي هذا الدليل الحكم بتواتر جميع القراءات، و تخصيصه بالسبع ايضا تحكم باطل. و لا سيما ان في غير القراء السبعة من هو اعظم منهم و اوثق، كما اعترف به بعضهم،. و لو سلمنا ان القراء السبعة اوثق من غيرهم، و اعرف بوجوه القراءات، فلا يكون هذا سببا لتخصيص التواتر بقراءاتهم دون غيرهم. نعم ذلك يوجب ترجيح قراءاتهم علي غيرها في مقام العمل، و بين الامرين بعد المشرقين، و الحكم بتواتر جميع القراءات باطل بالضرورة. 2- ان الاختلاف في القراءة انما يكون سببا لالتباس ما هو القرآن بغيره، و عدم تميزه من حيث الهيئة او من حيث الاعراب، و هذا لا ينافي تواتر اصل القرآن، فالمادة متواترة و ان اختلف في هيئتها او في اعرابها، و احدي الكيفيتين او الكيفيات من القرآن قطعاٌ و ان لم تعلم بخصوصها. تعقيب: و من الحق ان تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات، و قد اعترف بذلك الزرقاني حيث قال: يبالغ بعضهم في الاشادة بالقراءات السبع، و يقول من زعم ان القراءات السبع لا يلزم فيها التواتر فقوله كفر، لانه يؤدي الي عدم تواتر القرآن جملة، و يعزي هذا الرأي الي مفتي البلاد الاندلسية الاستاذ ابي سعيد فرج ابن لب، و قد تحيس رأيه كثيرا و الف رسالة كبيرة في تاييد مذهبه. و الرد علي من رد عليه، و لكن دليله الذي استند اليه لا يسلم. فان القول بعدم تواتر القراءات السبع لا يستلزم القول بعدم تواتر القرآن، كيف و هناك فرق بين القرآن و القراءات السبع، بحيث يصح ان يكون القرآن متواترا في غير القراءات السبع، او في القدر الذي اتفق عليه القراء جميعا. او في القدر الذي اتفق عليه عدد يؤمن تواطؤهم علي الكذب قراء كانوا او غير قراء. [13] و ذكر بعضهم: ان تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات، و انه لم يقع لاحد من ائمة الاصوليين تصريح بتواتر القراءات و توقف تواتر القرآن علي تواترها، كما وقع لابن الحاجب[14]. قال الزركشي في البرهان: القرآن و القراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل علي محمد (ص) للبيان و الاعجاز، و القراءات اختلاف الفاظ الوحي المذكور في الحروف، و كيفيتها من تخفيف و تشديد غيرهما، و القراءات السبع متواترة عند الجمهور، و قيل بل هي مشهورة. و قال ايضا: و التحقيق انها متواترة عن الائمة السبعة. اما تواترها عن النبي (ص) ففيه نظر، فان اسنادهم بهذه القراءات السبع موجد في كتب القراءات، وهي نقل الواحد عن الواحد.[15] القراءات و الاحرف السبعة: قد يتخيل ان الاحرف السبعة التي نزل بها القران هي القراءات السبع، فيتمسك لاثبات كونها من القرآن بالروايات التي دلت علي ان القرآن نزل علي سبعة أحرف، فلابد لنا ان ننبه علي هذا الغلط، و ان ذلك شيء لم يتوهمه احد من العلماء المحققين، هذا اذا سلمنا ورود هذاه الروايات، و لم نتعرض لها بقليل و لا كثير. و سياتي الكلام علي هذه الناحية. و الاولي ان نذكر كلام الجزائري في هذا الموضع. قال: "لم تكن القراءات السبع متميزة عن غيرها، حتي قام الامام ابوبكر احمد ابن موسي بن العباس بن مجاهد –و كان علي راس الثلاثمائة ببغداد- فجمع قراءات سبعة من مشهوري ائمة الحرمين و العراقين و الشام" و هم: نافع، و عبدالله ابن كثير، و ابو عمرو بن العلاء، و عبد الله بن عامر، و عاصم و حمزة، و علي الكسائي. و قد توهم بعض الناس ان القراءات السبعة هي الاحرف السبعة، و ليس الامر كذلك... و قد لام كثير من العلماء ابن مجاهد علي اختياره عدد السبعة، لما فيه من الايهام...  قال احمد ابن عمار المهدوي: لقد فعل مسبع هذه السبعة ما لا ينبغي له، و اشكل الامر علي العامة بايهامه كل من قل نظره ان هذه القراءات هي المذكورة في الخبر، و ليته اذ اقتصر نقص عن السبعة او زاد ليزيل الشبهة... . و قال الاستاذ اسماعيل بن ابراهيم بن محمد القراب في الشافي: التمسك بقراءة سبعة من القراء دون غيرهم ليس فيه اثر و لا سنة، و انما هو من جمع بعض المتاخرين، لم يكن قرا باكثر من السبع، فصنف كتابا، و سماء كتاب السبعة، فانتشر ذلك في العامة... . و قال الامام ابو محمد مكي: قد ذكر الناس من الائمة في كتبهم اكثر من سبعين بمن هو اعلي رتبه، و اجل قدرا من هؤلاء السبعة... فكيف يجوز ان يظن ظان ان هؤلاء السبعة المتاخرين، قراءه كل واحد منهم احد الحروف السبعة المنصوص عليها –هذا تخلف عظيم- اكان ذلك بنص عن النبي (ص) ام كيف ذلك!!! و كيف يكون ذلك؟ و الكسائي انما الحق بالسبعة بالامس في ايام المامون و غيره –و كان السابع يعقوب الحضرمي- فاثبت ابن مجاهد في سنة ثلاثمائة و نحوها الكسائي موضع يعقوب. [16] و قال الشرف المرسي: "و قد ظن كثير من العوام ان المراد بها –الاحرف السبعة- القراءات السبع، و هو جهل قبيح". [17] و قال القرطبي: "قال كثير من علمائنا كالداودي، و ابن ابي سفرة و غيرهما: هذه القراءات السبع، التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة ليست هي الاحرف السبعة التي اتسعت الصحابه في القراءة بها، و انما هي راجعة الي حرف واحد من تلك السبعة، و هو الذي جمع عليه عثمان المصحف. ذكره ابن النحاس و غيره و هذه القراءات المشهورة هي اختيارا اولئك الائمة القراء" [18] و تعرض ابن الجزري لابطال توهم من زعم ان الاحرف السبعة، التي نزل بها القرآن مستمرة الي اليوم. فقال: و انت تري ما في هذا القول،فان القراءات المشهورة اليوم عن السبعة و العشرة، و الثلاثة عشر بالنسبة الي ما كان مشهورا في الاعصار الاول، قل من كثر، و نزر من بحر، فان من له اطلاع علي ذلك يعرف علمه العلم اليقين، و ذلك ان القراء الذين اخذوا عن اولئك الائمه المتقدمين من السبعة، و غيرهم كانوا امما لا تحصي، و طوائف لا تستقصي، و الذين اخذوا عنهم ايضا اكثر و هلم جرا. فلما كانت المائه الثالثه، و اتسع الخرق و قل الضبط، و كان علم الكتاب و السنة اوفر ما كان في ذلك العصر، تصدي بعض الائمة لضبط ما رواه من القراءات، فكان اول امام معتبر جمع القراءات في كتاب ابو عبيد القاسم بن سلام، و جعلهم –فيما احسب- خمسة و عشرين قارئا مع هؤلاء السبعة و توفي سنة 224 و كان بعده احمد بن جبير بن محمد الكوفي نزيل انطاكية، جمع كتابا في قراءات الخمسة، من كل مصر واحد. و توفي سنة 258 و كان بعده القاضي اسماعيل بن اسحاق المالكي صاحب قالون، الف كتابا في القراءات جمع فيه قراءة عشرين اماما، منهم هؤلاء السبعة. توفي سنة 282 و كان بعده الامام ابو جعفر محمد بن جرير الطبري، جمع كتابا سماه "الجامع" فيه نيف و عشرون قراءة توفي سنة 310 و كان بعيده ابوبكر محمد بن احمد بن عمر الداجوني، جمع كتابا في القراءات، و ادخل معهم ابا جعفر احد العشرة، و توفي سنه 324، و كان في اثره ابوبكر احمد بن موسي بن العباس بن مجاهد، اول من اقتصر علي قراءات هؤلاء السبعة فقط، و روي فيه عن هذا الداجوني، و عن ابن جرير ايضا. و توفي سنة 324. ثم ذكر ابن الجزري جماعة ممن كتب في القراءة. فقال: و انما اطلنا هذا الفصل، لما بلغنا عن بعض من لا علم له ان القراءات الصحيحة هي التي عن هؤلاء السبعة، او ان الاحرف السبعة التي اشار الها النبي (ص) هي قراءة هولاء السبعة، بل غلب علي كثير من الجهال ان القراءات الصحيحة هي التي في "الشاطبية و التيسير"، و انها هي المشار اليها بقوله (ص) انزل القرآن علي سبعة احرف، حتي ان بعضهم يطلق علي ما لم يكن في هذين الكتابين انه شاذ، و كثير منهم يطلق علي ما لم يكن علي هولاء السبعة شاذا، و ربما كان كثير مما لم يكن في "الشاطبية و التيسير"، و عن غير هؤلاء السبعة اصح من كثير مما فيهما، و انما اوقع هولاء في الشبهة كونهم سمعوا "انزل القرآن علي سبعة احرف" و سمعوا قراءات السبعة فظنوا ان هذه السبعة في تلك المشار اليها، و لذلك كره كثير من الائمة المتقدمين اقتصار ابن مجاهد علي سبعة من القراء، و خطأوه في ذلك، و قالوا: الا اقتصر علي دون هذا العدد او زاده، او بين مراده ليخلص من لا يعلم من هذه الشبهة. ثم نقل ابن الجزري –بعد ذلك- عن ابن عمار المهدوي، و ابي محمد مكي ما تقدم نقله عنهما آنفا.[19] قال ابو شامة: ظن قوم ان القراءات السبع الموجودة الان هي التي اريدت في الحديث و هو خلاف اجماع اهل العلم قاطبة، و انما يظن ذلك بعض اهل الجهل. [20] و بهذا الاستعراض قد استبان للقارئ، و ظهر له ظهورا تاما ان القراءات ليست متواترة عن النبي (ص) و لا عن القراء انفسهم، من غير فرق بين السبع و غيرها، و لو سلمنا تواترها عن القراء فهي ليست متواتره عن النبي (ص) قطعا. فالقراءات اما ان تكون منقولة بالآحاد، و اما ان تكون اجتهادات من القراء انفسهم، فلابد لنا من البحث في موردين: 1- حجية القراءات: ذهب جماعة الي حجية هذه القراءات، فجوزوا ان يستدل بها علي الحكم الشرعي، كما استدل علي حرمة وطء الحائض بعد نقائها من الحيض و قبل ان تغتسل، بقراءة الكوفيين –غير حفص- قوله تعالي: "و لا تقربوهن حتي يطهرن" بالتشديد الجواب:                           و لكن الحق عدم حجية هذه القراءات، فلا يستدل بها علي الحكم الشرعي. و الدليل علي ذلك ان كل واحد من هؤلاء القراء يحتمل فيه الغلط و الاشتباه.، و لم يرد دليل من العقل، و لا من الشرع علي وجوب اتباع قارئ، منهم بالخصوص، و قد استقل العقل، و حكم الشرع بالمنع عن اتباع غير العلم . و لعل احدا يحاول ان يقول: ان القراءات –و ان لم تكن متواتره- الا انها منقولة عن النبي (ص) فتشملها الادله القطعية التي اثبتت حجية الخبر الواحد، و اذا شملتها هذه الادلة القطعية خرج الاستناد اليها عن العمل بالظن بالورود، او الحكومة، او التخصيص. (3)  [21]   الجواب: اولا: ان القراءات لم يتضح كونها رواية، لتشملها هذه الادلة، فلعلها اجتهادات من القراء، و يويد هذا الاحتمال ما تقدم من تصريح بعض الاعلام بذلك، بل اذا لا حظنا السبب الذي من اجله اختلف القراء في قراءاتهم – و هو خلو المصاحف المرسلة الي الجهات من النقط و الشكل- يقوي هذا الاحتمال جدا. قال ابن ابي هاشم: "ان السبب في اختلاف القراءات السبع و غيرها. ان الجهات التي وجهت اليها المصاحف كان بها من الصحابة من حمل عنه اهل تلك الجهة و كانت المصاحف خالية من النقط و الشكل. قال: فثبت اهل كل ناحية علي ما كانوا تلقوه سماعا عن الصحابة، بشرط موافقه الخط، و تركوا ما يخالف الخط... فمن ثم نشا الاختلاف بين قراء الامصار". [22] و قال الزرقاني: "كان العلماء في الصدر الاول يرون كراهة نقط المصحف و شكله، مبالغة منهم في المحافظة علي اداء القرآن كما رسمه المصحف، و خوفا من ان يؤدي ذلك الي التغيير فيه... و لكن الزمان تغير –كا علمت- فاضطر المسلمون الي اعجام المصحف و شكله لنفس ذلك السبب، اي للمحافظه علي اداء القرآن كما رسمه المصحف، و خوفا من ان يؤدي تجرده من النقط و الشكل الي التغيير فيه. [23] ثانيا: ان رواة كل قراءة من هذه القراءآت، لم تثبت و تاقتهم اجمع،فلا تشمل ادلة حجية خبر الثقه روايتهم. و يظهر ذلك مما قدمناه في ترجمة احوال القراء و رواتهم. ثالثا: انا لو سلمنا ان القراءات كلها تستند الي الرواية، و ان جميع رواتها ثقات، الا انا نعلم علما اجماليا ان بعض هذه القراءات لم تصدر عن النبي قطعا، و من الواضح ان مثل هذا العلم يوجب التعارض بين تلك الروايات و تكون كل واحدة منهم مكذبة للاخري، فتسقط جميعا عن الحجية، فان تخصيص بعضها بالاعتبار ترجيح بلامرجح، فلابد من الرجوع الي مرجحات باب المعارضة، و بدونه لا يجوز الاحتجاج علي الحكم الشرعي بواحدة من تلك القراءات. و هذه النتيجه حاصلة ايضا اذا قلنا بتواتر القراءات. فان تواتر القراءتين المختلفين عن النبي (ص) يورث القطع بان كلا من القراءتين قران منزل من الله، فلا يكون بينهما تعارض بحسب السند، بل يكون التعارض بينهما بحسب الدلالة. فاذا علمنا اجمالا ان احد الظاهرين غير مراد في الواقع فلابد من القول بتساقطهما، و الرجوع الي الاصل اللفظي الو العملي، لان ادله الترجيح، او التخيير تختص بالادلة التي يكون سندها ظنيا، فلا تعم ما يكون صدروه قطعيا. و تفصيل ذلك كله في بحث التعادل و الترجيح من علم الاصول 2- جواز القراءة بها في الصلاة: ذهب الجمهور من علماء الفريقين الي جواز القراءة بكل واحدة من القراءات السبع في الصلاة، بل ادعي علي ذلك الاجماع في كلمات غير واحد منهم و جوز بعضهم القراءة، بكل واحدة من العشر، و قال بعضهم بجواز القراءة بكل قراءة وافقت العربية و لو بوجه، و وافقت احد المصاحف العثمانية. و لو احتمالا، و صح سندها، و لم يحصرها في عدد معين. و الحق: ان الذي تقتضيه القاعدة الاولية، هو عدم جواز القراءة في الصلاة بكل قراءة لم تثبت القراءة بها من النبي الاكرم (ص) او من احد اوصيائه المعصومين عليهم السلام، لان الواجب في الصلاة هو قراءة القرآن فلا يكفي قراءة شئ لم يحرز كونه قرآنا، و قد استقل العقل بوجوب احراز الفراغ اليقيني بعد العلم باشتغال الذمة، و علي ذلك فلا بد من تكرار الصلاة بعدد القراءات المختلفه او تكرار مورد الاختلاف في الصلاة الواحدة، لاحراز الامتثال القطعي، ففي سورة الفاتحه يجب الجمع بين قراءة "مالك"، و قراءة " ملك". اما السورة التامة التي تجب قراءتها بعد الحمد –بناء علي الاظهر- فيجب لها اما اختيار سورة ليس فيها اختلاف في القراءة، و اما التكرار علي النحو المتقدم و اما بالنظر الي ما ثبت قطعيا من تقرير المعصومين –عليهم السلام- شيعتم علي القراءة، باية واحدة من القراءات المعروفة في زمانهم، فلا شك في كفاية كل واحدة منها. فقد كانت هذه القراءات معروفة في زمانهم، و لم يرد عنهم انهم ردعوا عن بعضها، و لو ثبت الردع لوصل الينا بالتواتر، و لااقل من نقله بالآحاد، بل ورد عنهم –عليهم السلام- امضاء هذه القراءات بقولهم: اقرا كما يقرا الناس. اقرؤا كما علمتم. [24]و علي ذلك فلا معني لتخصيص الجواز بالقراءات السبع او العشر، نعم يعتبر في الجواز ان لا تكون القراءة شاذة، غير ثابتة بنقل الثقات عند علماء اهل السنة، و لا موضوعة، اما الشاذة فمثالها قراءة ، ملك يوم الدين بصيغة الماضي و نصب يوم، واما الموضوعة فمثالها قراءه "انما يخشي الله من عباده العلماء" برفع كلمة الله و نصب كلمة العلماء علي قراءة الخزاعي عن ابي حنيفة. و صفوة القول: انه تجوز القراءة في الصلاة بكل قراءة كانت متعارفة في زمان اهل البيت عليهم السلام.

2