منذ سنتين

مفهوم" عنده علم الكتاب"

نص السؤال: من هو الذي عنده علم الكتاب ، لان اخواننا السنة يقولون:انه عبد الله بن سلام ، وهو رجل يهودي اسلم واخلص اسلامة؟


يتضح من خلال مراجعة المصادر التفسيرية ان المفسرين لم يتفقوا علي تفسير واحد للاية المباركة  بل فيها اكثر من تفسير، وقد تعرض العلامة الطبرسي في تفسيره "مجمع البيان" لذكر الاقوال المذكورة ، ناتي به ثم نردفه بما ورد في تفسير " الميزان للعلامة الطباطبائي رحمه الله ،قال في مجمع البيان: "و يقول الذين كفروا " لك يا محمد « لست مرسلا » من جهة الله تعالي إلينا « قل » لهم « كفي بالله شهيدا بيني و بينكم » أي كفي الله شاهدا بيني و بينكم بما أظهر من الآيات و أبان من الدلالات علي نبوتي « و من عنده علم الكتاب » قيل فيه أقوال:  ( أحدها ) أن من عنده علم الكتاب هو" الله" عن الحسن و الضحاك و سعيد بن جبير و اختاره الزجاج، قال: و يدل عليه قراءة من قرأ و من عنده علم الكتاب.  ( و الثاني ) إن المراد به مؤمنوا أهل الكتاب منهم عبد الله بن سلام و سلمان الفارسي و تميم الداري، عن ابن عباس و قتادة و مجاهد، و اختاره الجبائي ،و أنكر الأولون هذا القول بأن قالوا السورة مكية و هؤلاء أسلموا بعد الهجرة.  ( و الثالث ) إن المراد به علي بن أبي طالب و أئمة الهدي (عليهم‏السلام)، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه‏السلام) ،و روي عن بريد بن معاوية عن أبي عبد الله أنه قال: " إيانا عني و علي أولنا و أفضلنا و خيرنا بعد النبي (صلي‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم) " و روي عنه عبد الله بن كثير أنه وضع يده علي صدره ثم قال: " عندنا و الله علم الكتاب كملا" و يؤيد ذلك ما روي عن الشعبي أنه قال: ما أحد أعلم بكتاب الله بعد النبي من علي بن أبي طالب (عليه‏السلام) و من الصالحين من أولاده.  و روي عن عاصم بن أبي النجود عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: ما رأيت أحدا أقرأ من علي بن أبي طالب (عليه‏السلام) للقرآن.  و روي أبو عبد الرحمن أيضا عن عبد الله بن مسعود قال: " لو كنت أعلم أن أحدا أعلم بكتاب الله مني لأتيته. قال: فقلت له: فعلي؟ و قال أ و لم آته. (1).  انتهي كلام صاحب المجمع قدس سره اما العلامة الطباطبائي فقد توسع في التفسير ناتي لاتمام الفائدة وان كان فيما جاء في المجمع كفاية، قال الطباطبائي قدس سره : الآية خاتمة السورة و تعطف الكلام علي ما في مفتتحها من قوله : « و الذي أنزل إليك من ربك الحق و لكن أكثر الناس لا يؤمنون » و هي كرة ثالثة علي منكري حقية كتاب الله يستشهد فيها بأن الله يشهد علي الرسالة و من حصل له العلم بهذا الكتاب يشهد به. قوله تعالي : « و يقول الذين كفروا لست مرسلا » إلخ بناء الكلام في السورة علي إنكارهم حقية الكتاب و عدم عدهم إياه آية إلهية للرسالة و لذا كانوا يقترحون آية غيره كما حكاه الله تعالي في خلال الآيات مرة بعد مرة و أجاب عنه بما يرد عليهم قولهم فكأنهم لما يئسوا مما اقترحوا أنكروا أصل الرسالة لعدم إذعانهم بما أنزل الله من آية و عدم إجابتهم فيما اقترحوه من آية فكانوا يقولون : « لست مرسلا» فلقن الله نبيه (صلي‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم) الحجة عليهم لرسالته بقوله : « قل كفي بالله شهيدا بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب » و هو حجة قاطعة و ليس بكلام خطابي و لا إحالة إلي ما لا طريق إلي حصول العلم به . فقوله : « قل كفي بالله شهيدا بيني و بينكم » استشهاد بالله سبحانه و هو ولي أمر الإرسال و إنما هي شهادة تأدية لا شهادة تحمل فقط فإن أمثال قوله تعالي : « إنك لمن المرسلين علي صراط مستقيم » من آيات القرآن و كونه آية معجزة من الله ضروري ، و كونه قولا و كلاما له سبحانه ضروري و اشتماله علي تصديق الرسالة بدلالة المطابقة المعتمدة علي علم ضروري أيضا ضروري ، و لا نعني بشهادة التأدية إلا ذلك . و من فسر شهادته تعالي من المفسرين بأنه تعالي قد أظهر علي رسالتي من الأدلة و الحجج ما فيه غني عن شهادة شاهد آخر ثم قال : و تسمية ذلك شهادة مع أنه فعل و هي قول من المجاز حيث إنه يغني غناها بل هو أقوي منها . انتهي . فقد قصد المطلوب من غير طريقه . و ذلك أن الأدلة و الحجج الدالة علي حقية رسالته (صلي‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم) إما القرآن و هو الآية  المعجزة الخالدة ، و إما غيره من الخوارق و المعجزات و آيات السورة - كما تري - لا تجيب الكفار علي ما اقترحوه من هذا القسم الثاني و لا معني حينئذ للاستشهاد بما لم يجابوا عليه ، و أما القرآن فمن البين أن الاستناد إليه من جهة أنه معجزة تصدق الرسالة بدلالتها عليها أي كلام له تعالي يشهد بالرسالة ، و إذا كان كذلك فما معني العدول عن كونه كلاما له تعالي يدل علي حقية الرسالة أي شهادة لفظية منه تعالي علي ذلك بحقيقة معني الشهادة إلي كونه دليلا فعليا منه عليها سمي مجازا بالشهادة ؟ . علي أن كون فعله تعالي أقوي دلالة علي ذلك من قوله ممنوع . فقد تحصل أن معني قوله : « الله شهيد بيني و بينكم » أن ما وقع في القرآن من تصديق الرسالة شهادة إلهية بذلك . و أما جعل الشهادة شهادة تحمل ففيه إفساد المعني من أصله و أي معني لإرجاع أمر متنازع فيه إلي علم الله و اتخاذ ذلك حجة علي الخصم و لا سبيل له إلي ما في علم الله في أمره ؟ أ هو كما يقول أو فرية يفتريها علي الله ؟ . و قوله : « و من عنده علم الكتاب » أي و كفي بمن عنده علم الكتاب شهيدا بيني و بينكم ، و قد ذكر بعضهم أن المراد بالكتاب اللوح المحفوظ و يتعين علي هذا أن يكون المراد بالموصول هو الله سبحانه فكأنه قيل : كفي بالله الذي عنده علم الكتاب شهيدا « إلخ. و فيه أولا أنه خلاف ظاهر العطف ، و ثانيا أنه من عطف الذات مع صفته إلي نفس الذات و هو قبيح غير جائز في الفصيح و لذلك تري الزمخشري لما نقل في الكشاف ، هذا القول عن الحسن بقوله : و عن الحسن : « لا و الله ما يعني إلا الله » قال بعده : و المعني كفي بالذي يستحق العبادة و بالذي لا يعلم علم ما في اللوح إلا هو شهيدا بيني و بينكم . انتهي فاحتال إلي تصحيحه بتبديل لفظة الجلالة « الله » من « الذي يستحق العبادة » و تبديل « من » من « الذي » ليعود المعطوف و المعطوف عليه وصفين فيكون في معني عطف أحد وصفي الذات علي الآخر و إناطة الحكم بالذات بما له من الوصفين كدخالتهما فيه فافهم ذلك . لكن من المعلوم أن تبديل لفظ من لفظ يستقيم إفادته لمعني لا يوجب استقامة ذلك  في اللفظ الأول و إلا لبطلت أحكام الألفاظ . علي أن التأمل فيما تقدم في معني هذه الشهادة و أن المراد به تصديق القرآن لرسالة النبي (صلي‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم) يعطي أن وضع لفظة الجلالة في هذا الموضع لا للتلميح إلي معناه الوصفي بل لإسناده الشهادة إلي الذات المقدسة المستجمعة لجميع صفات الكمال لأن شهادته أكبر الشهادات قال سبحانه : « قل أي شي‏ء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني و بينكم » . و ذكر آخرون : أن المراد بالكتاب التوراة و الإنجيل أو خصوص التوراة و المعني و كفي بعلماء الكتاب شهداء بيني و بينكم لأنهم يعلمون بما بشر الله به الأنبياء في و يقرءون نعتي في الكتاب . و فيه أن الذي أخذ في الآية هو الشهادة دون مجرد العلم ، و السورة مكية و لم يؤمن أحد من علماء أهل الكتاب يومئذ كما قيل و لا شهد للرسالة بشي‏ء فلا معني للاحتجاج بالاستناد إلي شهادة لم يقم بها أحد بعد . و قيل : المراد القوم الذين أسلموا من علماء أهل الكتاب كعبد الله بن سلام و تميم الداري و الجارود و سلمان الفارسي ، و قيل هو عبد الله بن سلام ، و رد بأن السورة مكية و هؤلاء إنما أسلموا بالمدينة . و للقائلين بأنه عبد الله بن سلام جهد بليغ في الدفاع عنه فقال بعضهم : إن مكية السورة لا تنافي كون بعض آياتها مدنية فلم لا يجوز أن تكون هذه الآية مدنية مع كون السورة مكية . و فيه أولا : أن مجرد الجواز لا يثبت ذلك ما لم يكن هناك نقل صحيح قابل للتعويل عليه . علي أن الجمهور نصوا علي أنها مكية كما نقل عن البحر . و ثانيا : أن ذلك إنما هو في بعض الآيات الموضوعة في خلال آيات السور النازلة و أما في مثل هذه الآية التي هي ختام ناظرة إلي ما افتتحت به السورة فلا إذ لا معني لإرجاء بعض الكلام المرتبط الأجزاء إلي أمد غير محدود . و قال بعضهم : إن كون الآية مكية لا ينافي أن يكون الكلام إخبارا عما سيشهد به . و فيه أن ذلك يوجب رداءة الحجة و سقوطها فأي معني لأن يحتج علي قوم يقولون : « لست مرسلا » فيقال : صدقوا به اليوم لأن بعض علماء أهل الكتاب سوف يشهدون به . و قال بعضهم : إن هذه الشهادة شهادة تحمل لا يستلزم إيمان الشهيد حين الشهادة فيجوز أن تكون الآية مكية و المراد بها عبد الله بن سلام أو غيره من علماء اليهود و النصاري و إن لم يؤمنوا حين نزول الآية . و فيه أن المعني حينئذ يعود إلي الاحتجاج بعلم علماء أهل الكتاب و إن لم يعترفوا به و لم يؤمنوا ، و لو كان كذلك لكان المتعين أن يستشهد بعلم الذين كفروا أنفسهم فإن الحجة كانت قد تمت عليهم بكون القرآن كلام الله و لا يكون ذلك إلا عن علمهم به فما الموجب للعدول عنهم إلي غيرهم و هم مشتركون في الكفر بالرسالة و نفيها علي أنه تقدم أن الشهادة في الآية ليست إلا شهادة أداء دون التحمل . و قال بعضهم : - و هو ابن تيمية و قد أغرب - أن الآية مدنية بالاتفاق . و هو كما تري . و ذكر بعضهم : أن المراد بالكتاب القرآن الكريم ، و المعني أن من تحمل هذا الكتاب و تحقق بعلمه و اختص به فإنه يشهد علي أنه من عند الله و أني مرسل به فيعود مختتم السورة إلي مفتتحها من قوله : « تلك آيات الكتاب و الذي أنزل إليك من ربك الحق و لكن أكثر الناس لا يؤمنون » و ينعطف آخرها علي أولها و علي ما في أواسطها من قوله : « أ فمن يعلم أن ما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمي إنما يتذكر أولوا الألباب » . و هذا في الحقيقة انتصار و تأييد منه تعالي لكتابه قبال ما أزري به و استهانه الذين كفروا حيث قالوا : « لو لا أنزل عليه آية من ربه » مرة بعد مرة و « لست مرسلا » فلم يعبئوا بأمره و لم يبالوا به و أجاب الله عن قولهم مرة بعد مرة و لم يتعرض لأمر القرآن و لم يذكر أنه أعظم آية للرسالة و كان من الواجب ذلك فقوله : « قل كفي بالله شهيدا بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب » استيفاء لهذا الغرض الواجب الذي لا يتم البيان دونه و هذا من أحسن الشواهد علي ما تقدم أن الآية كسائر السورة مكية . و بهذا يتأيد ما ذكره جمع و وردت به الروايات من طرق أئمة أهل البيت (عليهم‏السلام) أن الآية نزلت في علي (عليه‏السلام) فلو انطبق قوله : « و من عنده علم الكتاب » علي أحد ممن آمن بالنبي (صلي‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم) يومئذ لكان هو فقد كان أعلم الأمة بكتاب الله و تكاثرت الروايات الصحيحة علي ذلك و لو لم يرد فيه إلا قوله (صلي‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم) في حديث الثقلين المتواتر من طرق الفريق : « لن يفترقا حتي يردا علي الحوض » لكان فيه كفاية .(2 )