logo-img
السیاسات و الشروط
منذ 3 سنوات

حول اميَة النبي الاكرم (ص)

ما معني النبي الامي ؟ والرجاء ذكر الاراء المختلفة ؟


لقد تعرض المفسرون لبحث الموضوع في اكثرمن مصدر ونحن هنا نكتفي بنقل ما جا ء في "التفسير الامثل الجزء الخامس تفسيرالاية152 من سورة الاعراف " للشيخ ﺁ ية مكارم الشيرازي ، ثم نردفة – اتماما للفائدة بما ورد في كتاب الفكر الخالد لاية الله الشيخ جعفرالسبحاني . قال في التفسير الامثل: كيف كان النبي اميَا؟ هناك احتمالات ثلاثة معروفة حول مفهوم الامي كما قلنا سابقا: اولها: ان معناه : الذي لم يدرس . الثاني : ان معناه : المولود في ارض مكة , والناهض منها. الثالث : ان معناه الذي قام من بين صفوف الجماهير. ولكن الراي الاشهر هو التفسير الاول , وهو اكثر انسجاما مع موارد استعمال هذه اللفظة , ويمكن ان تكون المعاني الثلاثة مرادة برمتها ايضا, كما قلنا. ثم انه لا نقاش بين المؤرخين بان الرسول الاكرم (ص ) لم يدرس , ولم يكتب شيئا, وقد قال القرآن الـكريم -ايضا - في الاية (48) من سورة العنكبوت حول وضع النبي قبل البعثة : (وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك اذا لارتاب المبطلون ). واسـاسا كان عدد العارفين بالكتابة والقراءة في المحيط الحجازي قليلا جدا, حيث كان الجهل هو الـحـالـة الـسـائدة عـلي الناس بحيث ان هؤلاء العارفين بالكتابة والقراءة كانوا معروفين باعيانهم واشـخـاصـهـم , فـقـد كان عددهم في مكة من الرجال لا يتجاوز (17) شخصا, ومن النساء امراة واحدة . . مـن الـمسلم ان النبي (ص ) لو كان قد تعلم القراءة والكتابة - في مثل هذه البيئة - لدي استاذ لشاع ذلك وصارامرا معروفا للجميع , وعلي فرض اننا لم نقبل بنبوته , ولكن كيف يمكنه (ص ) ان ينفي - في كتابه - بصراحة هذاالموضوع ؟ الا يعترض عليه الناس ويقولون : ان دراستك وتعلمك للقراءة والكتابة امر مسلم معروف لنا, فكيف تنفي ذلك ؟ ان هذه قرينة واضحة علي امية النبي . وعـلـي كل حال , فان وجود هذه الصفة في النبي (ص ) كان تاكيدا علي نبوته حتي ينتفي اي احتمال في ارتباطه الا باللّه وبعالم ما وراء الطبيعة في صعيد دعوته . هـذا بـالـنـسبة الي فترة ما قبل النبوة , واما بعد البعثة فلم ينقل احد المورخين انه تلقي القراءة او الكتابة من احد,وعلي هذا بقي (ص ) علي اميته حتي نهاية عمره . ولـكـن مـن الـخطا الكبير ان تتصور ان عدم التعلم عند احد يعني عدم المعرفة بالكتابة والقراءة , والذين فسرواالامية بعدم المعرفة بالكتابة والقراءة كانهم لم يلتفتوا الي هذا التفاوت . ولا مـانع ابدا من ان النبي (ص ) كان عارفا بالقراءة والكتابة بتعليم اللّه , ومن دون ان يتتلمذ علي يد احد من البشر, لان مثل هذه المعرفة هي بلا شك من الكمالات الانسانية , ومكملة لمقام النبوة . ويشهد بذلك ما ورد في الاحاديث المروية عن اهل البيت (ع ) . ان نص الرواية ولكنه لاجل ان لا يبقي اي مجال لادني تشكيك في دعوته لم يكن (ص ) يستفيد من هذه المقدرة . وقـول الـبـعـض : ان القدرة علي الكتابة والقراءة لا تعد كمالا, فهما وسيلة للوصول الي الكمالات الـعلمية , وليسا بحد ذاتها علما حقيقيا ولا كمالا واقعيا فان جوابه كامن في نفسه , لان العلم بطريق الكمال كمال ايضا. قد يقال : انه نفي في روايتين عن ائمة اهل البيت (ع ) بصراحة تفسير الامي بعدم القراءة والكتابة , بل بالمنسوب الي ام القري (مكة ). ونقول في الرد: ان احدي هاتين الروايتين مرفوعة حسب اصطلاح علم الحديث فلا قيمة لها من حيث السند,والرواية الاخري منقولة عن جعفر بن محمد الصوفي وهو مجهول . وامـا مـا تـصوره البعض من ان الاية الثانية من سورة الجمعة (يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الـكـتـاب والـحكمة ) وآيات اءخري دليل علي اءن النبي (ص ) كان يتلو القرآن علي الناس من شيء مـكتوب , فهو خطا بالغ , لان التلاوة تطلق علي التلاوة من مكتوب علي شيء, كما تطلق علي القراءة حفظا ومن ظهر القلب , واستعمال لفظة التلاوة في حق الذين يقراون الاشعار او الادعية حفظا ومن علي ظهر القلب كثير. من مجموع ما قلناه نستنتج : 1 - ان الـنـبي (ص ) لم يتلق القراءة والكتابة من احد حتما, وبهذا تكون احدي صفاته انه لم يدرس عند استاذ. 2 - اننا لا نملك اي دليل معتبر علي ان النبي (ص ) قرا او كتب شيئا قبل النبوة , او بعدها. 3 - ان هذا الموضوع لا يتنافي مع تعليم اللّه تعالي القراءة او الكتابة لنبيه (ص ).انتهي الشيخ مكارم الشيرازي في تفسيرة .   اما الشيخ السبحاني فقد تعرض للمسالة بالصورة التالية: فلسفة أُمّيّة النبي الأكرم ـ صلَّي الله عليه وآله وسلَّم ـ سؤال: ما المراد من كون النبي أُمّيّاً؟ وما هي فلسفة كونه ـ صلَّي الله عليه وآله وسلَّم ـ أُمّيّاً؟ الجواب:لقد ورد مصطلح «الأُمّيّ» وبالأشكال التالية: «أُمّيّ» «أُمّيّون» و «أُمّيّين» ست مرات (1) في القرآن الكريم، وكان المراد في جميعها معني واحداً فقط، وذلك المعني هو الإنسان أو الناس الذين يبقون علي الحالة والوضع التي ولدوا عليها، والمقصود من البقاء علي الحالة والكيفية السابقة هو أنّهم بالنسبة إلي صفة القراءة والكتابة لم تتغير حالتهم عمّا ولدوا عليه، فكما أنّهم كانوا في الأيام الأُولي لولادتهم غير قادرين علي القراءة والكتابة، فكذلك لم يحدث أيُّ تحول في حياتهم من هذه الجهة، وقد أُطلق في اللغة العربية علي مثل هذه الحالة (عدم التحوّل والتغيّر) مصطلح «الأُميّة» و علي الشخص الذي يتّصف بهذه الحالة مصطلح «الأُمّيّ». ونحن إذا راجعنا القرآن الكريم نجد أنّه يصفه ـ صلَّي الله عليه وآله وسلَّم ـ بوصف «الأُمّيّ» ويوضح أنّه ـ صلَّي الله عليه وآله وسلَّم ـ وإلي حين نزول الوحي عليه كان أُمّيّاً، حيث يقول سبحانه: ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوراةِ وَالإِنّجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَليْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الّتي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَروُهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون ). (2) ونحن إذا أمعّنا النظر في الآية المباركة نجد أنّه سبحانه يصف النبي الأكرم بخصال عشر (3) ، القسم الأعظم منها يدلّ علي صدق دعوة النبي ـ صلَّي الله عليه وآله وسلَّم ـ وهذه الصفات هي: 1. رسول، 2. نبي، 3. أُمّي، 4. مكتوب اسمه في التوراة والإنجيل، 5. منعوت فيهما بأنّه يأمر بالمعروف، 6. وينهي عن المنكر، 7. ويحل لهم الطيّبات، 8. ويحرّم عليهم الخبائث، 9. ويضع عنهم إصرهم،10. ويضع عنهم الأغلال التي كانت عليهم. وهذه الخصال العشر جميعهاـ باستثناء الأُولي والثانية ـ تدلّ علي صحّة وصدق نبوّة النبي الأكرم ـ صلَّي الله عليه وآله وسلَّم ـ ، ومن يطالع القرآن الكريم لا يجد أيّ آية تدلّ علي حقّانية النبي الأكرم كهذه الآية التي جمعت فيها كلّ تلك الصفات والأدلّة، وكأنّ الآية تريد أن تعرف العالم علي أدلّة وبراهين نبوّته ـ صلَّي الله عليه وآله وسلَّم ـ وتقول لهم: إنّ دليل نبوّته يتمثل في: 1.     انّه ـ صلَّي الله عليه وآله وسلَّم ـ إنسان أُمّيّ لم يقرأ ولم يكتب، وقد جاء والحال هذه بكتاب يعجز الجميع عن مواجهته ومعارضته ولا يشكّ أحد في عظمة تعاليم وقوانين ومفاهيم ذلك الكتاب ، ولا شكّ أنّه وبحساب الاحتمالات والمحاسبات العقلية يستحيل علي إنسان لم يقرأ ولم يكتب وقد عاش في مجتمع جاهلي ومحيط متخلّف أن يأتي ـ و بدون الاستعانة باليد الغيبة ـ بمثل هكذا كتاب عظيم في كلّ جوانبه. 2. انّ هذا النبي قد ذكرت خصائصه وصفاته في الكتب السماوية السابقة كالتوراة والإنجيل، وأنّها مازالت عند أتباعها من اليهود والنصاري وانّه قد بشّر به كلّ من النبي موسي وعيسي عليمها السَّلام، حيث قال سبحانه: ( قُلْ يا أَيُّها النّاسُ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمواتِ وَالأَرْضِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللّه وَرَسُولِه النَّبِيّ الأُمّيّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبَعُوهُ لَعَلَّكمْ تَهْتدُون ).( الأعراف:158.) والشاهد علي أنّ المقصود من لفظ «الأُميّ» هو الشخص الذي لا يقرأ ولا يكتب الآية التالية: ( وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاّ أَمانِيَّ وَ إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنُّونَ ) .( البقرة:78.) إنّ مجيء جملة «لا يعلمون» بعد كلمة «أُمّيّون» و هذا يعني أنّ قول:( لا يعلمون الكتاب )جملة تفسيرية لقوله:( أُمّيّون ) بمعني أنّ طائفة من اليهود فاقدة للثقافة وغير قادرة علي القراءة والكتابة يجهلون واقع كتابهم الذي أُنزل علي نبيّهم وهو التوراة، وكذلك يجهلون محتوي ذلك الكتاب ولا يميزون بين التوراة الحقيقية وبين التوراة المحرّفة ولكونهم «أُمّيّين» تبقي معرفتهم مجرد أُمنية (4) لا غير وفي الآية التالية يقول سبحانه: ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَليلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وََوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ ). البقرة:79 فالإمعان في هاتين الآيتين لا يدع مجالاً للشك والترديد في أنّ معني الأُمّيّ في الآية ليس هو العاجز عن القراءة والكتابة واللغة السامية حيث إنّ القرآن الكريم يقسّم اليهود إلي طائفتين: 1. الطائفة الأُولي هي التي لا تقرأ ولا تكتب ولا تعرف عن التوراة شيئاً. 2. وأمّا الطائفة الثانية فهي الطائفة التي تجيد القراءة والكتابة ولكنّها تستغل ذلك لتحقيق مآربها وأهدافها السيّئة والمشؤومة حيث تسعي لنشر التوراة المحرّفة بين الناس وبصورة واسعة جدّاً لكي يتسنّي لهم من خلال هذا الطريق جمع أكبر مقدار ممكن من الثروة والمال، ولو كانت الطائفة الأُولي تُجيد القراءة والكتابة لما وقعت لقمة سائغة وفريسة سهلة لهذه الطائفة الماكرة والمخادعة ولأمكنها تمييز الصحيح من الخطأ والحق من الباطل. فلسفة أُميّة النبي لقد وقف المجتمع الجاهلي والأُميّ موقف المتحيّر والمتعجّب أمام  المعجزة الخالدة والآية العظمي للرسول الأكرم«القرآن الكريم»، لأنّهم لم يكونوا يصدقون أنّ اللّه سبحانه وتعالي سيوحي إلي إنسان منهم بذلك الكتاب العظيم، وتلك الرسالة الباهرة التي يرشدهم فيها الرسول إلي الهدي ويحذرهم من طريق الضلال والانحراف، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في الآية المباركة التالية: ( أَكانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلي رَجُل مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النّاسَ وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْق عِنْدَ رَبِّهِمْ ... المزید) ( يونس:2) ولذلك سعي المجتمع الجاهلي لتوجيه تلك المعجزة الخالدة «القرآن الكريم» بصورة يفصلها عن عالم الغيب وعالم التعليم والهداية الإلهية ولقد ذكروا في هذا المجال العديد من التفسيرات والتحليلات الواهية النابعة من وهمهم وخيالهم الواهي. وقد أشار القرآن الكريم إلي نماذج من تلك الخيالات الواهية والأفكار الساذجة في عدد من الآيات نشير إلي بعضها قال تعالي: ( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاّ إِفْكٌ افْتَريهُ وَ أَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاءُوا ظُلْماً وَ زُوراً ). . الفرقان:4. وقال تعالي أيضاً حاكياً تلك الخيالات الباطلة: ( وَقالُوا أَساطِيرُ الأَوَّلينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلي عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً ). الفرقان:5. ففي هاتين الآيتين إشارة إلي نوعين من التهم التي أُلصقت بالنبي الأكرم ـ صلَّي الله عليه وآله وسلَّم ـ وهي:  1. انّ هذا الكتاب (القرآن) لم يكن من لدنه سبحانه وانّما هو من اختراعات النبي وتنظيمه ونسبته إلي اللّه، وقد أعانه علي ذلك العمل قوم آخرون( إِنْ هذا إِلاّ إِفْكٌ افْتَريهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ) . 2. إنّ هذا الكتاب (القرآن) إنّما هو في الواقع من إملاءات أصحاب الكتب السماوية السابقة حيث كان أحبار اليهود وقساوسة النصاري ـ حسب هذه التهمة ـ يملون علي النبي أفكارهم بكرة وأصيلاً، وبالنتيجة فإنّ هذا الكتاب لا يمثل عملية الوحي والبعث من قبل اللّه للنبي الأكرم. إنّ هذه الآيات وغيرها من الآيات الأُخري المشابهة لها تحكي لنا سعي مشركي مكة وجهودهم الحثيثة في تصوير القرآن بأنّه نتاج عقل الرسول وانّه مترشح من ذهنيته وخياله ـ صلَّي الله عليه وآله وسلَّم ـ والسعي لإقناع الآخرين بتلك التهم الواهية التي ألصقوها بالرسول الأكرم ـ صلَّي الله عليه وآله وسلَّم ـ ، ومن تلك التهم أنّه استعان في تنظيم القرآن بالكهنة و... أو انّ القرآن مأخوذ من العهدين وغيرهما من الكتب. ولقد تصدي القرآن الكريم للردّ علي تلك التهم الواهية والأكاذيب الباطلة وبيّن زيفها وركاكتها بصورة إجمالية. حيث قال سبحانه: ( قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمواتِ وَ الأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحيماً ). الفرقان:6 إلاّ أن القرآن و في سورة العنكبوت قد تصدّي للردّ علي هذه الأفكار السقيمة بصورة مفصّلة وبضرس قاطع حيث خاطب اللّه النبي الأكرم بقوله سبحانه: ( وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتاب وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ ) . العنكبوت:48. فلو كان النبي الأكرم ـ صلَّي الله عليه وآله وسلَّم ـ في فترة صباه قد تعلّم القراءة والكتابة وأنّه قد سعي إلي الكتاتيب ودور التعليم كباقي الصبية الذين حضروا تلك الدروس وتعلّموا القراءة والكتابة، فهل ياتري يكون بإمكانه أن يصرح بعد نزول الوحي عليه وفي مجتمع يعرف كلّ خصوصياته بهذه الآية التي تنفي عنه القراءة والكتابة ويناديهم وبصوت عال أيّها الناس أنّكم تعلمون أنّني لم أقرأ ولم أكتب أبداً، فكيف جاز لكم أن تنسبوا مضامين آيات القرآن الكريم إلي الكتب الأُخري؟! لا ريب أنّ المتكلّم عندما يقول :«ما جاءني من أحد» فإنّ لفظة «من» زائدة جيء بها لتأكيد عموم النفي بمعني أنّه لم يأت إليه أيُّ إنسان أبداً، وأمّا إذا قال: «ما جاءني أحدٌ» ففي هذه الجملة من الممكن أنّه قد جاءه شخص أو شخصان إلاّ أنّ المتكلّم ـ ومن باب المسامحة ـ لم يحسب هذا المجيء، ولذلك تقوم العرب ولنفي هذا الاحتمال وتأكيده بوضع كلمة «من» قبل الشيء المنفي فتقول «ما جاءني من أحد». ومن الواضح أنّ الآية الكريمة جاءت مطابقة لتلك القاعدة البلاغية حيث استعملت كلمة «من» في قوله تعالي: ( ما كنت تتلوا من قبله من كتاب ) لتأكيد عمومية وشمولية النفي بأنّه ـ صلَّي الله عليه وآله وسلَّم ـ لم يقرأ ولم يكتب أيّ كتاب كان. فالخلاصة انّ من قواعد اللغة العربية انّ النكرة إذا وقعت في سياق النفي تدلّ علي العموم والشمول خاصة إذا اقترنت بـ «من» كما في الآية المذكورة:( ما كنت تتلوا من كتاب ). ولم يكتف القرآن الكريم بهذه الآية في ردّ هذه الأفكار الواهية، بل نجده في آية أُخري يأمر النبي ـ صلَّي الله عليه وآله وسلَّم ـ بأن يخاطب العرب ويذكرهم بتاريخ حياته وانّه قد لبث فيهم عمراً يناهز الأربعين، وأنّهم يعرفون جيداً انّه لم يقرأ كتاباً ولم يخط صحيفة، فكيف جاز لكم رميي بالإفك الشائن وتطلبون مني أن أُبدّل القرآن، حيث قال تعالي: ( قُلْ لَوْ شاءَ اللّهُ ما تَلَوتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لا أَدْريكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ). . يونس:16. بمعني: إذا كنتم تعتقدون انّ القرآن نتاج فكري الخاص وترشحات ذهني وأنّني قد قمت بذلك العمل في ظلّ الاستفادة من القراءة والكتابة والاتّصال بالعلماء والمفكّرين من الأديان الأُخري ولذلك أراكم الآن تطلبون مني أن أُبدّل هذا القرآن بكتاب آخر، فمن الحريّ بكم أن تلقوا نظرة إلي تاريخ حياتي لتعرفوا هل أملك هذه القدرة سابقاً، وممّا لا ريب فيه أنّني لو كنت أملك ذلك لذكرت الكثير من تلك المعاني والمضامين قبل البعثة في مجالسكم ونواديكم، إذ لبثت فيكم قبل ذلك أربعين سنة ولكنّكم لم تجدوا شيئاً من ذلك أبداً فلماذا كلّ ذلك التفكير الخاطئ(أفلا تعقلون)؟! من هنا يتّضح جليّاً انّ النبي الأكرم ـ ولسلسلة من المصالح الاجتماعية ـ لم يكن قبل البعثة يعرف القراءة والكتابة وانّه كان رجلاً أُميّاً لم يتعلم عند أحد من الناس، وكذلك لم يتعلم القراءة والكتابة عن طريق الغيب، لأنّه لو كان يعرف القراءة والكتابة من خلال الغيب مثلاً لما خاطبه القرآن الكريم ووصفه بـ«الأُميّ»، لأنّه ـ صلَّي الله عليه وآله وسلَّم ـ لو كان قد تعلّم القراءة والكتابة ـ وإن كان عن طريق الغيب ـ فإنّه قد تحوّل حينئذ من الحالة التي كان عليها حين ولادته إلي حالة أُخري تختلف عنها، والحال انّنا نجد انّ القرآن الكريم يقول له: إنّك ما زلت علي الحالة التي أنت عليها حين ولدتك أُمّك من ناحية القراءة والكتابة وانّك «أُمّيّ».(5)