منذ سنتين

القبح الفعلي والفاعلي

اريد معرفة الفرق بين الحسن والقبح العقلي، الفعلي ، الفاعلي ماهو؟


الحسن والقبح العقليان اتفق الاشاعرة، والمحدثون والفقهاء من السنة علي أن القبيح هو المنهي عنه شرعاً، والحسن الذي لم يرد عنه نهي من الشارع، سواء ورد به أمر الزامي او لم يرد، فتدخل فيه حتي المباحات. اما الامامية ومن وافقهم من المعتزلة، فقد ذهبوا الي أن الاشياء منها ما هو حسن لذاته،وان لم يرد به امر شرعي، ومنها ما هو قبيح لذاته، ويستحق فاعله اللوم والذم وان لم يرد به نهي من الشارع. وقبل بيان أدلة الطرفين لا بد من بيان المراد من الحسن والقبح اللذين ادعاهما الامامية وأتباعهم، وأنكرهما الاشاعرة وعموم اهل السنة، وقد ذكروا للحسن والقبح معاني ثلاثة: الاول: صفتا الكمال والنقص، فحسن الشيء كماله، وقبحه نقصانه. الثاني: الموافقة لغرض الآمر وعدمها، فاذا وافق مطلوب الآمر كان حسناً والا كان قبيحاً. الثالث: ما يترتب علي الشيء من مدح وذم. اما الحسن والقبح بالمعني الاول والثاني فليسا محلاً للخلاف بين جميع الفرق وكلهم متفقون علي ان العقل يحكم بالحسن والقبح بهذين الاعتبارين، واما المعني الثالث للحسن والقبح فهو الذي ادعاه الامامية واتباعهم، وانكره الاشاعرة وغيرهم من فقهاء أهل السنة ومحدثيهم، فالامامية والمعتزلة يدعون أن في بعض الافعال حسناً ذاتياً أمر بها الشارع أو لم يأمر، وفي بعضها قبحاً ذاتياً يستحق فاعلها اللوم والذم، نهي عنها الشارع أو لم ينه. ومثلوا للحسن الذاتي بالصدق والاحسان، وللقبح الذاتي بالكذب والظلم وغيرهما مما يراه العقلاء قبيحاً حتي ولو لم ترد به الشرائع والاديان. ولو كان الحسن والقبح موقوفين علي أوامر الشارع ونواهيه، لما حكم بحسن الصدق والاحسان، وقبح الكذب والظلم من ينكر الشرائع والاديان. هذا بالاضافة الي انه يلزم ان لا يقبح من الله شيء حتي اظهار المعجزة علي أيدي الكذابين، وذلك يؤدي الي عدم معرفة الانبياء، ولجاز علي الله أن يأمر بالكفر وتكذيب الانبياء وغير ذلك، لدوران القبح والحسن مدار الامر والنهي الشرعيين. فاذا أمر بهذه الأشياء كان أمره مقتضياً لحسنها، واذا نهي عن الصدق ورد الوديعة والاحسان الي اليتيم، كانت هذه الامور قبيحة، الي غير ذلك من اللوازم الفاسدة التي لا يمكن للاشاعرة الالتزام بها. ثم ان المعتزلة القائلين بالحسن والقبح في الافعال: بين من يقول بانهما ذاتيان وهم المتقدمون منهم، وبين من يقول بثبوتهما في الاشياء لوجود صفة في الافعال تقتضي حسنها او قبحها، وهم المتأخرون من المعتزلة. ويدعي الجبائي احد اعلامهم المتأخرين، ان حسن الاشياء وقبحها بالوجوه والاعتبارات، فضرب اليتيم بذاته لا يتصف بأي صفة منهما، ولكنه يكون حسناً اذا وقع بقصد تأديب اليتيم، وقبيحاً اذا وقع بقصد الاساءة اليه. واحتج الاشاعرة وأتباعهم علي انكارهما، بان الانسان ليس مختاراً في أفعاله. والفعل اذا لم يكن اختيارياً لا يوصف بالحسن والقبح، وبانهما لو كانا ذاتيين للافعال يلزم ان لا يتغير الفعل بالوجوه والاعتبارات، لان ما بالذات لا يتغير، مع ان القبيح قد يصبح حسناً، والحسن قد يصبح قبيحاً، فالكذب يحسن اذا منع عن قتل نبي أو ولي مثلاً، بل قد يجب أحياناً لبعض الاغراض والمصالح العامة التي اهتم بها الشارع واولاها المزيد من عنايته، ومن ذلك يتبين انهما ليسا ذاتيين في الافعال. والجواب ان القائلين بالحسن والقبح الذاتيين، انما يقولان بهما بلحاظ ذوات الافعال مع قطع النظر عن العناوين الاخري الطارئة التي تبدل وجه الشيء وتشتمل علي مصلحة أقوي من المفسدة القائمة بذاته، وتختلف الاشياء في ذلك اختلافاً بيناً، فبعضها يكون علة للقبح بحيث لا يختلف مهما اختلفت عناوينه واعتباراته كالظلم، فانه اينما وجد، وكيفما اتفق حصوله لا يمكن ان يكون حسناً، وبعض الاشياء ليست بذاته علة للقبح والحسن، وانما تكون بذواتها مقتضية له، كالكذب مثلاً، فان ذات الكذب مع قطع النظر عن جميع العناوين مقتضية للقبح، كما وان الصدق مقتض للحسن، ولا ينافي ذلك أن يطرأ عليهما عنوان آخر يمنع عن تأثير ذلك المقتضي في الجهة التي يقتضيها، وليس ذلك الا لان اقتضاءهما للحسن والقبح، ليس كاقتضاء العلة لمعلولها.} انظر كفاية الشيخ كاظم الخراساني في اصول الفقه الجعفري، ورسائل الشيخ الانصاري.{ وللاشاعرة أدلة اخري موجودة في كتب الكلام، وكلها مغالطة لا ترتكز علي المنطق الصحيح، ولا يؤيدها الدليل والبرهان. فانكار الحسن والقبح في الافعال، انكار للضروريات، ومغالطة سافرة للوجدان، فان الصدق والكذب والظلم والاحسان الي الضعفاء والايتام وأشباه ذلك لا يرتاب العقل بحسن بعضها وقبح البعض الآخر، وبمدح المحسن وذم المسيء، سواء ورد الشرع بذلك أو لم يرد، كما وان العقل لا مجال له في كثير من الامور التي شرعها الاسلام، كوجوب الوفاء بالعقود، واكل الميتة، والصلاة والصيام وغير ذلك من الواجبات والمحرمات الشرعية، فان العقل في هذه وأمثالها لا يحكم بحسن، ولا بقبح، بل يكون مقلداً للشرع فيها. ويدعي الاشاعرة وأتباعهم ان استقباح الظلم والكذب، واستحسان مكارم الاخلاق وأطايب الصفات، وان كان بحكم العقل، الا ان المنشأ في ذلك هو التدين بالشرائع التي كانت تحرص علي التدين بهذه المبادئ وانتشارها بين الناس، او لما يترتب عليها من الاغراض عند العقلاء، ولا دليل علي استقباحها واستحسانها لذاتها مجردة عن هذه الاعتبارات. }انظر المستصفي للغزالي ص 36{.   وقد تبين مما ذكرنا ان الامامية لم يتفقوا مع المعتزلة في هذه المسألة اتفاقاً كلياً، لان المعتزلة بين موافق للامامية، وبين من يقول بهما ولكن بالوجوه والاعتبارات كالجبائي واتباعه، كما وان بعضهم يلتزم بالحسن والقبح قبل ورود الشرع لصفة في الافعال تقتضيهما، ومرد ذلك الي عدم كونهما ذاتيين في الافعال. انظر الرابط التالي:   http://www.aljaafaria.com/makteba/makte_ahlulbayt/alsheha/data/a23.html اما االكلام في القبح الفعلي والقبح الفاعلي:  وللفرق بين القبح الفعلي والقبح الفاعلي عدّة احتمالات : الإحتمال الأوّل : انَّ الفعل إذا كان قبيحاً في نفسه وبعنوانه الأوّلي فقبحه فعلي ، ويمكن التمثيل له بسفك دم المؤمن بغير حقّ ، فإنَّ قبح هذا الفعل غير مرتبط بقصد الفاعل بل هو بنفسه وبعنوانه الأولي قبيح، ولهذا يمكن التعبير عن هذا القبح بالقبح الفعلي . وأمّا القبح الفاعلي فهو صدور الفعل ممّن يعتقد قبحه ، فالمتّصف بالقبح هو الفعل أيضاً ولكن لا بعنوانه الاولي فقد يكون الفعل بعنوانه الاولي ليس قبيحاً ولكن باعتبار انَّه صدر ممّن يعتقد قبحه أوجب ذلك ان يتّصف الفعل بالقبح الفاعلي فالقبح الفعلي والقبح الفاعلي كلاهما وصفان للفعل إلاّ انَّ الاول وصف للفعل بعنوانه الاولي والثاني وصف للفعل بعنوانه الثانوي، وبهذا يتّضح انَّ القبح الفاعلي قد يجتمع مع القبح الفعلي وقد يفترق عنه ، فلو كان الفعل قبيحاً في نفسه وكان صدوره من الفاعل باعتقاد قبحه فإنَّ الفعل حينئذ يكون قبيحاً بالقبح الفعلي والقبح الفاعلي ، وقد لا يكون الفعل بعنوانه الاولي قبيحاً إلاّ انَّه صدر ممّن يعتقد قبحه فإنَّ ذلك يوجب اتّصاف الفعل بعنوانه الثانوي بالقبح الفاعلي. ومثاله : ما لو أقدم شخص علي قتل رجل باعتقاد انَّه محقون الدم فاتّفق ان كان الرجل مهدور الدم ، فإنَّ القتل ليس قبيحاً بالقبح الفعلي إلاّ انَّه قبيح بالقبح الفاعلي . الإحتمال الثاني : انَّ المتّصف بالقبح الفعلي هو ذات الفعل القبيح واقعاً، وأمّا المتّصف بالقبح الفاعلي فهو النسبة الواقعة بين الفعل والفاعل المعتقد بقبح الفعل، والفرق بين هذا الإحتمال والإحتمال الاوّل هو انَّ القبح الفاعلي هنا ليس وصفاً للفعل وانَّما هو وصف للنسبة الصدوريّة بخلاف الإحتمال الأوّل فإنَّ القبح الفاعلي وصف للفعل بعنوانه الثانوي . وبتعبير آخر : انَّ الفعل عندما يصدر عن الشخص باعتقاد انَّه قبيح فإنَّ ذلك لا يستوجب اتّصاف الفعل بالقبح وانَّما الذي يتّصف بالقبح هو النسبة الصدوريّة المنتزعة عن قيام الفعل بالفاعل ، فإذا أمكن الإشارة الي هذه النسبة فإنَّه يمكن وصفها بالقبح الفاعلي كما نصف العلِّية بالإنحصاريّة وعدم الإنحصاريّة رغم انَّه لا وجود لها والموجود خارجاً انَّما هو منشأ انتزاعها. الإحتمال الثالث : انَّ المتّصف بالقبح الفعلي هو ذات الفعل القبيح واقعاً ، وأمّا المتّصف بالقبح الفاعلي فهو سريرة العبد ، فالقبح إذا وقع وصفاً للسريرة يُعبَّر عنه بالقبح الفاعلي . وبيان ذلك : انَّ واقع الفعل لا ينقلب عمّا هو عليه ، فإذا لم يكن قبيحاً واقعاً فإنَّه لا يتّصف بالقبح بمجرَّد انَّ صدوره عن المكلَّف كان باعتقاد قبحه ، وانَّما الذي يتّصف بالقبح هو ما يكشف عنه صدور الفعل ـ في هذه الحالة ـ وهو خبث السريرة ، فإنَّ صدور الفعل باعتقاد قبحه يكشف عن خبث سريرة الفاعل ، فالمنكشف وهو خبث السريرة هو المتّصف بالقبح الفاعلي ، والمصحّح لوصف السريرة الخبيثة بالقبح الفاعلي هو قيامها بنفس الفاعل. الإحتمال الرابع : انَّ المتّصف بالقبح الفعلي هو ذات الفعل القبيح واقعاً ، وأمّا المتّصف بالقبح الفاعلي فهو الفعل أيضاً ولكن بعنوان صدوره عن شخصيّة ذات هويّة معيّنة تستوجب اكتساب الفعل الصادر عنها صفة القبح   ، فاتّصاف الفعل بالقبح الفاعلي لا يتّصل بقصد الفاعل كما هو في الإحتمال الاول بل يتّصل بالسمة التي عليها الفاعل بقطع النظر عن قصده . ويمكن التمثيل له بالأكل في الطرقات بمرأي من الناس فإنَّه ليس قبيحاً ذاتاً كما انَّ صدوره من سوقة الناس ليس قبيحاً أيضاً إلاّ انَّ صدوره من العالم الوجيه قبيح ، وقبح هذا الفعل لا يتّصل بغرض الفاعل بل يتّصل بشخصه وعنوانه . هذه هي المحتملات المذكورة للفرق بين القبح الفعلي والقبح الفاعلي   ، والإحتمال الاول هو المستظهر من عبائر المحقّق النائيني (رحمه الله) في الفوائد ، والثالث هو المستظهر من تقريرات السيّد الخوئي (رحمه الله) ، والاحتمال الثاني ذهب إليه السيّد الصدر (رحمه الله) ، وأمّا الإحتمال الرابع فقد ذكر السيّد الصدر(رحمه الله) بأنَّه معقول ثبوتاً .( انظر المعجم الاصولي : حرف القاف)