لاشك ان الانسان لو رجع الي وجدانه لوجد أن الخلق و الاخراج من حفنة التراب الذليل الذي يداس بالاقدام الي ان يكون انساناً خليفة لله تعالي هي نعمة كبري.بل ان الوجدان يشهد اكثر من ذلك فلو نظر الانسان الي نفسه و الي الحيوان فانه يري هذه النعمة الكبيرة التي انعم الله تعالي بها عليه بان لم يجعله من البهائم. بل عندما يري انساناً من نوعه لكنه فاقد للعقل هنا يشعر الانسان بعظمة النعمة.اذاً هذه نعمة لاشك فيها هذا اولا.
و ثانيا: انا لوعرفنا معني العبادة المذكورة في الآية و عرفنا الاهداف الاخري التي أشار اليها القرآن الكريم لبيان الهدف من خلقة الانسان لوصلنا الي النتيجة باقصر طريق.
اما العبادة المذكورة في قوله تعالي " الا ليعبدون" فتعني: أي ليتكاملوا في مذهب العبادة و ليبلغوا أعلي مقام للانسانية في هذا المذهب. [1] اذا الآية لاتشير الي أن الله خلق الانسان ليصلي او ليصوم او ليحج حتي ياتي الاشكال، وان اللام فيها ليست هي لام الامر بمعني الوجوب الفقهي بل هي ارشاد الي طريق التكامل في مسير الله تعالي لان العبادة في الحقيقة منهج لتربية الإنسان في الأبعاد المختلفة ... المزید العبادة بمعناها الشمولي التي هي التسليم لأمر اللّه ستهب روح الإنسان تكاملا في الأبعاد المختلفة. فلاياتي الكلام اذاً لماذا خلقنا؟ وهل هو محتاج الي عبادتنا.
كذلك ينبغي معرفة معني كلمة «العبد» و العبودية و تحليلهما! «العبد»: لغة هو الإنسان المتعلّق بمولاه و صاحبه من قرنه إلي قدمه!
فالعبودية هي قمّة التكامل و أوج بلوغ الإنسان و اقترابه من اللّه! و لا يسير إلّا في منهجه اللاحب. [2]
وبعبارة اخري: ان الاهداف تارة تكون اهدافا اولية ابتدائية واخري متوسطة واخري نهائي؛ فاقامة الصلاة او الصيام او... قد تكون في بادئ الامر هدفا اوليا ابتدائيا الا انها بالتعمق والتامل نراها تنتهي الي هدف نهائي ليس وراءه هدف اصل وهو التكامل والقرب الالهي.
الخلاصة: ان الله تعالي خلقنا لا لنعبث ونلهوا في الحياة بل خلقنا لنتكامل من خلال السير وفقا للنهج الذي رسمه لنا في الكتاب و السنة. من هنا تظهر لنا فائدة الصلاة التي تمثل عنصرا فاعلا في الامر بالمعروف و النهي عن الفحشاء "ان الصلاة تنهي عن الفحشاء و المنكر" [3] و كذلك تظهر لنا قيمة الصوم " لعلكم تتقون" اي ان الصوم عنصر من عناصر تحصيل التقوي وهو " جنة من النار" اي وقاية من النار، و متي يكون وقاية من النار؟ انما يكون كذلك عندما يكون فاعلا في تكامل الانسان و تغيير شخصيته من السلب الي الايجاب ومن الباطل الي الحق بحيث يصبح بحق خليفة الله في الارض وان يكون الانساني المثالي في المجتمع؛ و هكذا الكلام في سائر العبادات من حج او زكاة او جهاد او...
نعم عندما نعرف ان قوله تعالي " الا ليعبدون" اي الا ليصلوا او يصوموا و.... و كان التفسير لها انهم خلقوا ليتكاملوا في الطريق الصحيح حينئذ نعرف قيمة الخلق لان معناه النهائي بصورة مختصرة خلقتهم ليكونوا خلفاء لي والخلافة تحتاج الي الاقتراب مني والاقتراب مني يحتاج الي التخلق باخلاقي وهل توجد نعمة اكبر من ان تكون اخلاق الانسان اخلاق الله تعالي و هي صفة الانبياء حيث كانوا متخلقين باخلاق الله تعالي.
كما ان هناك مسالة مهمة وهي انه قد يكون السؤال في الحقيقة يعود الي خشية الانسان من النار، هنا نقول باختصار ان الجنة التي اراد الله لنا قد وفر لنا كل سبل الوصول اليها من عقل و بعث انبياء و مصلحين و.فتح امامنا باب التوبة و أعد لنا باب الشفاعة و باب رحمته التي وسعت كل شيء و.... و لم يكلفنا الله شيئا كبيرا مقابل هذه النعمة الكبيرة الا ان نكون في تعاملنا مع الاخرين اناسا بالمعني الصحيح فالوصول الي الجنة ليس بالامر المحال بل هو برحمة الله تعالي يسير.
وقد يضحي الانسان بكثير من وقته ومن راحته من اجل اشياء رغم اهميتها الا انها لاتقاس بالجنة فمثلا انت كطالب جامعي كم بذلت من عمرك الشريف من اجل ان تحصل علي الشهادة الجامعية و انت تري ان ذلك أمرا عقلائيا و هو كذلك و قد حث عليه الشرع فحث علي طلب العلم ولو بالصين نسال الله ان توفق في هذاالطريق المبارك.
الا انه لايقاس - علي اي حال- بالفوز بالرضوان الالهي، علما ان الله تعالم لم يكلفنا بما يخل ويؤثر في مسيرة حياتنا بل رسم لنا الطريق الذي يحقق لنا الدنيا والاخرة بيسر ولقد اشر النبي الاكرم (ص) الي ذلك بقوله: " لَكِنْ بَعَثَنِي بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ السَّمْحَة" [4] . فاذا كانت الشهادة الجامعية تتطلب منا كل هذا الجهد فليس كثيرا ان نبذل اقل من ذلك للوصول الي الجنة والخلاص من النار.
واخيرا نختم الكلام بمثال قد يقرب الفكرة: افرض ان انسانا ما اعطاك مبلغا من المال الكافي للتجارة وبصرك بعملية وطرق المتاجرة فدخلت السوق واشتركت بمعاملة سوف تدر عليك في المستقبل ربحا وفيرا الا انك في اثناء المعاملة تعرضت لبعض المزاحمات من الاخرين و بذلت جهدا فكريا او جسديا، فهل ياتري انك تلوم من اعطاك المال ومهد لك الطريق للدخول الي السوق؟!! قطعا الجواب بالنفي، بل نقول اكثر من ذلك انك لاتلمه حتي اذا خسرت المعاملة لانك تري انه متفضل عليك وانما سبب الخسارة هي منك او من ظرف خاص احاط بك،اليس كذلك؟.
البحث يحتاج وقفة اكبر نسال الله تعالي ان نكون قد اقتربنا شيئا ما من الاجابة.
اذا كانت الاجابة غير وافية اكتب لنا بالنقاط التي بقيت غامضة ونحن انشاء الله تعالي سوف نجيب عنها.