logo-img
السیاسات و الشروط
منذ 3 سنوات

هل للنبي بنات غير الزهراء

تبنيتم في كتابكم « بنات النبي [ صلى الله عليه و آله ] أم ربائبه » بأنه لا يوجد بنات للنبي غير فاطمة الزهراء [عليها السلام] ، وقد اعترض عليكم البعض بما حاصله : « إن المعلوم تاريخيا بل هو المشهور و المتسالم عليه بين محققي الفريقين و مؤرخيهم : أنه كان للنبي [ صلى الله عليه و آله ] من البنات زينب و أم كلثوم و رقية . و أنهن عشن و تزوجن ، و إن ذهب شاذ من المعاصرين تبعا لشاذ من المتقدمين إلى نفي كون هؤلاء من بنات النبي ، مدعياً أنهن ربائب له!! و هذا من أغرب الآراء و أعجبها ، كونه مخالفا لصريح القرآن الكريم في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ ... } . و قال أيضاً : « فهو [ أي القرآن ] لم يتحدث عن ابنة واحدة ، وإنما تحدث عن بنات ، ما يدل على أن هناك أكثر من بنت لرسول الله [ صلى الله عليه و آله ] » [ الزهراء القدوة ص 60 و 350 ] . فما رأيكم فيما قيل ؟


قد أجبنا عن هذا السؤال في كتابنا « خلفيات كتاب مأساة الزهراء [ عليها السلام ] » الجزء السادس من صفحة 44 إلى 55 الطبعة الأولى ، بيروت . . فيرجى المراجعة . . و نحن نذكر هنا المقطع المشار إليه ، مع بعض التقليم و التطعيم ، فنقول : 1 ـ قد وجدنا : أن القرآن حين أثبت الولاية لأمير المؤمنين [عليه السلام] ، قال : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 1 . وهذه الآية قد نزلت في خصوص أمير المؤمنين [عليه السلام] حينما تصدق بخاتمه على الفقير ، وكان ذلك منه [عليه السلام] في حال ركوعه في صلاته ، وقد ثبت ذلك بالروايات المعتبرة والصحيحة التي رواها المسلمون في كتب تفاسيرهم ، وفي مجاميعهم الحديثية وغيرها . . وقد لاحظنا أنه سبحانه قد جاء بصيغة الجمع ، فقال : ﴿ ... المزید وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 2 ولم يقل الذي آمن ، وأقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع ، مع أنه لا يقصد سوى فرد واحد بعينه ، وخصوص واقعة معروفة ومحددة . ولو صح ما ذكره هذا البعض ، وأردنا أن نأخذ بالقاعدة التي زعم أنها تجري في مثل هذه الموارد ، لكان لا بد من القول : إن المقصود هو أشخاص كثيرون ، ولا ينحصر الأمر بعلي [عليه السلام] إلا أن يدعي أيضاً : أن هذه الآية لم تنزل في إمامة أمير المؤمنين علي [عليه السلام] ، كما ادعى أن آية : ﴿ ... أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ... ﴾ 3 لم تنزل في الأئمة الإثني عشر . . 2 ـ إن الله سبحانه في آية المباهلة يقول : ﴿ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ 4 . فقد قال : ﴿ ... وَنِسَاءنَا ... ﴾ 5 بصيغة الجمع ، مع أن المقصود هو خصوص الزهراء [عليها السلام] ، وهي فرد واحد . وقد دلت النصوص الكثيرة التي رواها السنة و الشيعة على أنها [عليها السلام] هي المقصودة بالآية . . ومن يدري فلربما يأتي الوقت الذي ينكر فيه هذا البعض حتى هذا الأمر أيضاً . . وإن غداً لناظره قريب . . كما أنه سبحانه قال : ﴿ ... أَبْنَاءنَا ... ﴾ 5 ويقصد بذلك الحسن و الحسين [عليهما السلام] وهما اثنان فقط . 3 ـ كما أنه تعالى يقول : ﴿ ... قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ... ﴾ 6 والمقصود هم المعصومون منهم ، دون سواهم ، من ذوي قرباه [صلى الله عليه وآله] . 4 ـ وقال : ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ... ﴾ 7 . ويقصد الخمسة أصحاب الكساء ، دون كل من عداهم من أهل بيته [صلى الله عليه وآله] إذ لا شك في عدم دخول العباس وأبنائه وعقيل وجعفر وو . . فهؤلاء جميعاً غير داخلين في المراد من الآية فضلاً عن نسائه [صلى الله عليه وآله] . وأما بالنسبة لبقية الأئمة الإثني عشر   [صلوات الله وسلامه عليهم] فقد جاء في الروايات عن أهل بيت العصمة أنهم داخلون في المراد من الآية أيضاً . وبعد ما تقدم نقول : إن قوله تعالى : ﴿ ... وَبَنَاتِكَ ... ﴾ 8 يقصد به أيضاً خصوص الزهراء [عليها السلام] ، إذ قد دل الدليل على عدم وجود بنات للنبي [صلى الله عليه وآله] سواها . وقد ذكرنا طائفة من هذه الأدلة في كتابنا « بنات النبي أم ربائبه » . نلخصها هنا على النحو التالي : إن مما يدل على عدم وجود بنات للنبي [صلى الله عليه وآله] سوى الزهراء [عليها السلام] : 1ـ النصوص التي ذكرت : أن ابناء رسول الله [صلى الله عليه وآله] ، ومنهم فاطمة [عليها السلام] قد ولدوا جميعاً بعد البعثة 9 . 2 ـ إن سورة الكوثر قد نزلت بعد موت ابناء رسول الله [صلى الله عليه وآله] ، وبعد قول العاص بن وائل وغيره : قد انقطع نسله ، فهو أبتر ، اذ أن القاسم مات أولا ، ثم مات عبد الله 10 وحين مات القاسم كان عمره سنتين ، وهو أكبر ولده ، وقيل عاش حتى مشى 11 . وقد مات القاسم بعد النبوة كما تدل عليه الأحاديث والنصوص 12 . فجاءت هذه السورة ، لتكون بشارة لرسول الله [صلى الله عليه وآله] ببقاء نسله وذكره ورسالته من خلال ذرية فاطمة [عليها السلام] ، حيث كانت [عليها السلام] هي آخر من ولد لرسول الله [صلى الله عليه وآله] 13 . وذلك كله يدل على أنه لم يكن له [صلى الله عليه وآله] بنات تزوجن في الجاهلية بابناء أبي لهب ، ثم طلقوهن ، ثم لما بعث رسول الله [صلى الله عليه وآله] تزوجت إحداهن من عثمان ، وهاجرت معه في السنة الخامسة إلى الحبشة . 3 ـ إنه وان كان قد اشتهر بين الناس ما ذكره ابن اسحاق من أن النبي [صلى الله عليه وآله] قد تزوج خديجة قبل البعثة بخمس عشرة سنة . . لكن هناك أقوال أخرى في تاريخ هذا الزواج . . لا يمكن معها القول بأنها قد ولدت له بنات وكبرن ، وتزوجت اثنتان منهن بابني أبي لهب ، ثم لما بعث [صلى الله عليه وآله] ، طلقتا منهما ، وتزوجتا بعثمان . . وذلك لأن هناك من يقول : إن خديجة [عليها السلام] قد تزوجت برسول الله [صلى الله عليه وآله] قبل البعثة بخمس سنين 14 . وقيل : قبلها بثلاث سنين 15 . 4 ـ إن إحدى هاتين البنتين هي أم كلثوم التي يدعون أنها بعد أن طلقت من ابن أبي لهب قبل الدخول !! بقيت عزباء إلى أن تزوجها عثمان أيضاً ، بعد موت أختها بعد الهجرة بمدة . واللافت : أننا لا نجد لها ذكراً في جملة النساء اللواتي هاجرن مع علي [عليه السلام] ، بوصية من رسول الله [صلى الله عليه وآله] . . بل ذكرت الفواطم ، وأم أيمن ، وجماعة من ضعفاء المؤمنين 16 . 5 ـ هناك رواية ذكرها أبو القاسم الكوفي مفادها : أن زينب ورقية كانتا بنتين لزوج أخت خديجة ، من امرأة أخرى ، فمات التميمي وزوجته ، وبقيت الطفلتان ، فضمتهما خديجة إليها ، فهما ربيبتا خديجة ورسول الله [صلى الله عليه وآله] 17 . 6 ـ ذكر ابن شهر آشوب : أن زينب ورقية كانتا [ابنتي هالة أخت خديجة] كما في كتابي الأنوار والبدع 18 . وقال ابن شهر آشوب أيضاً : « . . وفي الأنوار ، والكشف واللمع ، وكتاب البلاذري : أن زينب ورقية كانتا ربيبتيه من جحش » 19 . 7 ـ إن من يدعي : أن للنبي بنات غير فاطمة يقول : إنهن بناته [صلى الله عليه وآله] من خديجة . . مع أن خديجة حسبما تؤيده الشواهد والأدلة قد تزوجها رسول الله [صلى الله عليه وآله] بكراً ، ولم تكن قد تزوجت من أحد قبله [صلى الله عليه وآله] . ومن شواهد ذلك : ألف ـ تناقض الروايات حول هذا الزواج المزعوم ، وتاريخ هذا الزواج ، وكم ولدت ؟ ومن ولدت له 20 . ب ـ إن التي تمتنع من الزواج بأشراف قريش ، لا تتزوج أعرابياً من بني تميم ، ولو فعلت ذلك لعيرت به 21 . وهذا البعض قد استدل بتعيير العرب على نفي ضرب الزهراء [عليها السلام] ، المتواتر روائياً وتاريخياً ، فلماذا لا يستدل به على نفي تزوج خديجة من أعرابي . ج ـ قال ابن شهر آشوب : روى أحمد البلاذري ، وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما ، والمرتضى في الشافي ، وأبو جعفر في التلخيص : أن النبي [صلى الله عليه وآله] تزوج بها ، وكانت عذراء . يؤكد ذلك ، ما ذكره في كتابي الأنوار والبدع : أن رقية وزينب كانتا ابنتي هالة ، أخت خديجة 22 . 8 ـ قد روي عن أبي الحمراء ، عن النبي [صلى الله عليه وآله] قوله : « يا علي أوتيت ثلاثا ، لم يؤتهن أحد ولا أنا ، أوتيت صهرا مثلي ، ولم أؤت أنا مثلي . وأوتيت صديقة مثل ابنتي ، ولم أوت مثلها [زوجة] . وأوتيت الحسن و الحسين من صلبك ، ولم أوت من صلبي مثلهما ، ولكنكم مني ، وأنا منكم » 23 . وقريب منه ما روي عن أبي ذر ، مرفوعاً 24 . فلو كان ثمة صهر لرسول الله [صلى الله عليه وآله] غير علي [عليه السلام] ، لم يصح قوله [صلى الله عليه وآله] : « أوتيت صهرا مثلي ، ولم أوت أنا مثلي . . » لا سيما وأن هذا الكلام قد جاء بعد ولادة الحسنين [عليهما السلام] . إذ أن الإشكال يصبح ظاهراً ، فإن هذه الفضيلة لا تختص بعلي [عليه السلام] ، بل يشاركه فيها عثمان . 9 ـ وفي صحيح البخاري : أن رجلاً حاول أن يسجل إدانة لعثمان ولعلي على حد سواء ، فتصدى لابن عمر ، فكان بينهما كلام ، وكان مما قاله له : فما قولك في علي وعثمان . . ؟ قال : أما عثمان ، فكان الله قد عفا عنه ، وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه . أما علي ، فابن عم رسول الله [صلى الله عليه وآله] ، وختنه ، وأشار بيده ، فقال : وهذا بيته حيث ترون 25 . فنلاحظ : أن دفاع ابن عمر عن عثمان ، قد اقتصر على أنه حين فر يوم أحد قد عفا الله عنه ، لكن الخارجين عليه لم يعفوا عنه ، بل قتلوه . . ولم يذكر أنه صهر رسول الله ، أو نحو ذلك . . أما بالنسبة لأمير المؤمنين [عليه السلام] فقد وصفه بأنه ابن عم رسول الله ، وصهره وكون بيته ضمن بيوت رسول الله [صلى الله عليه وآله] . . فلو كان عثمان صهراً لرسول الله [صلى الله عليه وآله] ، لكان على ابن عمر أن يستدل به أيضاً ، كما استدل به بالنسبة لأمير المؤمنين [عليه السلام] ، لأنه بصدد الاستدلال بكل ما يساعد على دفع التهمة عن عثمان . . فلا معنى لترك هذا البرهان القوي ، الدال على ثقة رسول الله [صلى الله عليه وآله] به ، والتمسك بدليل ضعيف وسخيف . لأن العفو عن الفارين يوم أحد كان مشروطا بالتوبة . . وهذا إنما يشمل الذين عادوا مباشرة بمجرد معرفتهم بسلامة رسول الله ، لا بالنسبة لمن لم يعد من فراره إلا بعد ثلاثة أيام . ولو سلمنا أن الله قد عفا عنه . . فلا يلزم من ذلك لزوم عفو الناس عنه أيضاً ، بعد أحداثه التي ارتكبها بحقهم . بل إن عفو الله سبحانه في أحد بهدف التأليف والتقوية في مقابل العدو ، لا يلزم منه عفوه عنه بعد ذلك ، إذا كان قد ارتكب في حق المسلمين ما يوجب العقاب ، فضلاً عن أن يوجب ذلك عفو الناس . 10 ـ وأخيراً . . فإننا نلفت النظر إلى أن هذا البعض قد اعترف بأن خطبة الزهراء [عليها السلام] في المهاجرين والأنصار موثوقة ، وهو بنفسه أيضاً قد شرح هذه الخطبة ، وقد جاء فيها إشارة إلى حقيقة أن الزهراء [عليها السلام] كانت هي البنت الوحيدة لرسول الله [صلى الله عليه وآله] ، حيث قالت[عليها السلام] : « فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم ، وأخا ابن عمي دون رجالكم ، ولنعم المعزى إليه » . ولو كانت زوجتا عثمان ابنتين لرسول الله [صلى الله عليه وآله] لكان عثمان اعترض ، وقال : إن رسول الله كان ابا لزوجتيّ رقية وأم كلثوم ، وكذلك كان زوج زينب . . والغريب أن هذا البعض يعلق على هذه الفقرة بقوله : « تجدوه أبي دون نسائكم ، فأنا ابنته الوحيدة ، ولم تقتصر على الحديث عن نفسها إلخ . . » 26 . وقال : « قد قلنا : إن لرسول الله عدة بنات ، كما هو وارد في كتب التاريخ ، وكما يظهر من القرآن ، لكنه ميز ابنته فاطمة [عليها السلام] عن أخواتها » 27 . ونقول : إن ذلك لا يصحح قولها : « كان أبي دون نسائكم . .» لأنها في مقام إثبات الفضل والتميز عليهم جميعاً ، فلو كان عثمان قد تزوج اختيها لاعترض وقال : إنه أيضاً كان أباً لزوجتي . . فلا يصح نفي هذا الأمر عني . . وفي الختام نقول : إنه قد يكون ثمة بنات قد ولدن لرسول الله [صلى الله عليه وآله] ، وسماهن زينب ورقية وأم كلثوم ، لكنهن متن وهن صغار . ثم وصفه العاص بالأبتر ، ونزلت سورة الكوثر . . وصدق الله سبحانه له وعده وولدت الزهراء ، وأعطاه الكوثر . هذا بالإضافة إلى وجود ربيبات له [صلى الله عليه وآله] اسمهن أيضاً زينب ورقية وأم كلثوم . ثم تزوج عثمان باثنتين من تلك الربائب ، وتزوج أبو العاص بن الربيع بالثالثة ، غير أن ما يلفت نظرنا هو أن هذا البعض يصر على وجود بنات أخريات لرسول الله [صلى الله عليه وآله] سوى الزهراء [عليها السلام] ؟! فهل إن ذلك يدخل في نطاق الغيرة على الحقيقة التاريخية ؟! . خصوصاً تلك التي تؤدي إلى إسداء خدمة لعثمان بن عفان ، حيث ينال بذلك فضيلة جليلة ، تفيده في تأكيد صلاحيته لمقام خلافة النبوة ، ودفع غائلة الحديث عن اغتصابه هذا الموقع من صاحبه الحقيقي ، وفقا للنص الثابت بالأدلة القطعية ، والبراهين الساطعة والجلية ؟! ويزيد تعجبنا حين نعرف أن هذا البعض يشترط اليقين في الأمور التاريخية ، وبديهي أن مجرد وجود ظاهر لفظي لا يفيد هذا اليقين . كما أن الشهرة بين المؤرخين لا تفيده . . ولا ندري كيف يشترط ذلك الشرط ، ويستدل بهذه الأدلة ؟!! 28 .

3