منذ سنتين

براءة زوجات الانبياء من الفحش و الفجور

براءة زوجات الانبياء من الفحش و الفجور


كثيراً ما يروج من لا يخاف الله من أعداء الشيعة أن الشيعة يطعنون في عرض رسول الله صلى الله عليه وآله ، ويتهمون عائشة بالزنا . والشيعة وإن كانوا لا ينزهون أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله عن الكفر والفسق ، إلا أنهم ينزهونهن عن فعل الفجور والفاحشة ؛ لأن فعل الزوجة للفاحشة عادة ما يشين الزوج ، ويعيبه ، ويحط من قدره ، وأما فسق الزوجة وكفرها فلا يشين الزوج ولا ينقصه ، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز مثلا لمن كفر من زوجات الأنبياء عليهم السلام ، وهما زوجتا نوح ولوط ، فقال تعالى : ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾ 1 . وكلمات أعلام الشيعة قديماً وحديثاً متضافرة في تنزيه زوجات الأنبياء عليهم السلام عن الفحش والفجور ، وإليك بعضا منها : 1 ـ قال السيد المرتضى قدس سره في أماليه 1 / 503 في ردِّه على من زعم أن ابن نوح لم يكن ابنه حقيقة ، وإنما وُلد على فراشه : الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجب أن يُنزَّهوا عن مثل هذه الحال ، لأنها تَعُرُّ وتَشِين وتَغُضُّ من القدر ، وقد جنَّب الله تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلام ما هو دون ذلك تعظيماً لهم وتوقيراً ونفياً لكل ما ينفِّر عن القبول منهم . 2 ـ قال الشيخ الطوسي في تفسير التبيان 10 / 52 في تفسير قوله تعالى : ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ... المزید ﴾ 2 : قال ابن عباس : (كانت امرأة نوح كافرة ، تقول للناس : إنه مجنون . وكانت امرأة لوط تدل على أضيافه ، فكان ذلك خيانتهما لهما ، وما زنت امرأة نبي قط) ؛ لما في ذلك من التنفير عن الرسول وإلحاق الوصمة به ، فمن نسب أحداً من زوجات النبي إلى الزنا فقد أخطأ خطأً عظيماً ، وليس ذلك قولاً لمحصِّل . 3 ـ قال العلامة الطباطبائي في الرد أيضاً : وفيه : أنه على ما فيه من نسبة العار والشين إلى ساحة الأنبياء عليهم السلام ، والذوق المكتسب من كلامه تعالى يدفع ذلك عن ساحتهم ، وينزِّه جانبهم عن أمثال هذه الأباطيل ، أنه ليس مما يدل عليه اللفظ بصراحة ولا ظهور ، فليس في القصة إلا قوله : ﴿ ... إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ... ﴾ 3 ، وليس بظاهر فيما تجرَّؤوا عليه ، وقوله في امرأة نوح :﴿ ... اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ... ﴾ 2 ، وليس إلا ظاهراً في أنهما كانتا كافرتين ، تواليان أعداء زوجيهما ، وتسران إليهم بأسرارهما ، وتستنجدانهم عليهما 4 . وما يقال خلاف ذلك فهو مردود على قائله ، لا يصح نسبته إلى الشيعة بعد تصريح أساطين علمائهم بما يعتقده الشيعة في هذه المسألة . وما روي من أن عائشة جمعت أربعين ديناراً من خيانة ، ووزعتها على مُبْغضي علي عليه السلام كما في كتاب (مشارق أنوار اليقين) لرجب البرسي ، ص 86 فهو خبر ضعيف رواه الحافظ رجب البرسي مرسلاً ، ورواه غيره بسند فيه : علي بن الحسين المقري الكوفي ، ومحمد بن حليم التمار ، والمخول بن إبراهيم ، عن زيد بن كثير الجمحي ، وهؤلاء كلهم مجاهيل ، لا ذكر لهم في كتب الرجال . قال المجلسي قدس سره : وهذا إن كان رواية فهي شاذة مخالفة لبعض الأصول 5 . ومع الإغماض عن سند الرواية ، فالخيانة في الخبر لا يراد بها ارتكاب الفاحشة ؛ لأن الخيانة خلاف الأمانة ، وهي أخذ المال أو التصرُّف فيه بغير وجه حق . ثم إن خيانة كل امرأة بحسبها ، فقد تكون في المال وقد تكون في غيره . قال ابن حجر العسقلاني في شرح حديث البخاري : (ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها) : فيه إشارة إلى ما وقع من حواء في تزيينها لآدم الأكل من الشجرة حتى وقع في ذلك ، فمعنى خيانتها أنها قبلت ما زيَّن لها إبليس حتى زينتْه لآدم ، ولما كانت هي أم بنات آدم أشبهنها بالولادة ونزع العرق ، فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو بالقول ، وليس المراد بالخيانة هنا ارتكاب الفواحش ، حاشا وكلا ، ولكن لما مالت إلى شهوة النفس من أكل الشجرة ، وحسَّنتْ ذلك لآدم عُدَّ ذلك خيانة له ، وأما من جاء بعدها من النساء فخيانة كل واحدة منهن بحسبها ، وقريب من هذا حديث : (جحد آدم فجحدت ذريته) 6 . ولهذا أخبر الله سبحانه وتعالى عن امرأة نوح وامرأة لوط بأنهما خانتا زوجيهما في قوله تعالى : ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾ 1 . ولا ريب في أنه لا يراد بالخيانة هنا ارتكاب الفاحشة ، فإن نساء الأنبياء كلهن منزَّهات عن ذلك ، حتى مَن كانت منهن من أصحاب النار . قال القرطبي في تفسيره : وقوله ﴿ ... فَخَانَتَاهُمَا ... ﴾ 2 يعني في الدِّين ، لا في الفراش ، وذلك أن هذه كانت تخبر الناس أنه مجنون ، وذلك أنها قالت له : أمَا ينصرك ربك ؟ فقال لها : نعم . قالت : فمتى ؟ قال : إذ فار التنور . فخرجت تقول لقومها : يا قوم والله إنه لمجنون ، ويزعم أنه لا ينصره ربه إلا أن يفور هذا التنور . فهذه خيانتها ، وخيانة الأخرى أنها كانت تدل على الأضياف 7 . وبهذا يتبين أنه لا محذور في وقوع أمثال هذه الخيانات من أزواج الأنبياء والصلحاء . ثم إن الخبر المذكور لم ينسب الخيانة لعائشة ، وإنما وصف المال بأنه جُمع من خيانة ، وأما الخائن فهو غير مذكور في الرواية . فلعلّ خيانة المال ـ لو قلنا بصحّة الخبر ـ كانت صادرة من معاوية الذي كان يتصرَّف في أموال المسلمين كيفما شاء ، فلعلّه وهب لعائشة بعض الأموال لتفريقها في أعداء أمير المؤمنين عليه السلام ، والله أعلم . ولا ينقضي العجب ممن يحاول إدانة الشيعة بهذا الخبر الضعيف الذي لا ينسب الفاحشة لعائشة ، ويتعامى عن الأحاديث الكثيرة الصريحة المخزية التي رواها أهل السنة في مصادرهم المعتمدة وصحَّحوها ، والتي ينسبون فيها لعائشة أموراً قبيحة ، كتهمتها بالزنا التي ذكروا كل تفاصيلها في الحديث المعروف بحديث الإفك المروي في صحيح البخاري 3 / 1490 ، وكذا روايتهم عنها أموراً يقبح ذكرها ، منها : أن النبي صلى الله عليه وآله كان يباشرها وهي حائض 8 ، وأنه كان يقبِّلها ويمص لسانها وهو صائم 9 ، وأنه كان يغتسل معها في إناء واحد 10 ، وأنها كانت تحك المني من ثوبه 11 ، وأنه كان يجامعها من غير إنزال أحياناً فيغتسل 12 ، وأنها كانت تكشف له عن فخذها وهي حائض ، فيضع خدّه وصدره على فخذها ، فتحني عليه فينام 13 . وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة بسنده عن عائشة أنها شوَّفَتْ ـ أي زيَّنت ـ جارية وطافت بها . وقالت : لعلنا نصطاد بها شباب قريش 14 . إلى غير ذلك مما يطول ذِكره ولا حاجة لاستقصائه بتمامه . فمن كان عنده أمثال هذه الروايات المخزية فمن العيب عليه أن يقدح في الشيعة لرواية ضعيفة عندهم ، مخالفة لأصولهم 15 .