منذ سنتين

الاستدلال على امامة اهل البيت بنصوص التوراة

كتب صاحب النشرة مقالا يستنكر فيه الاستدلال بالتوراة على إمامة أهل البيت ( عليهم السلام ) وعنون المقال بمانشيت عريض يقول فيه ( المنهج السبئي في البناء الفكري ) ومما جاء في مقاله هذا قوله : « يلاحظ اعتماد بعض الكتاب المتأخرين على التوراة والإنجيل لتعزيز نظرية الإمامة ونظرية الاثني عشرية . وقد نقل السيد مرتضى العسكري في كتاب : ( معالم المدرستين ) الجزء الأول ص 539 فقرة من سفر التكوين ، الاصحاح 17 ، الرقم 2018 تقول : ( وإسماعيل أباركه وأثمره وأكثره جدا جدا ، اثنا عشر إماما يلد واجعله أمة كبيرة ) وعلق عليها قائلا : ( يتضح من هذه الفقرة ان التكثير والمباركة إنما هما في صلب إسماعيل ( عليه السلام ) مما يجعل القصد واضحا في الرسول محمد ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) باعتبارهم امتدادا لنسل إسماعيل ) . كما استشهد بتلك الفقرة كاتب هو : تامر مير مصطفى في كتاب له صدر تحت عنوان : ( بشائر الأسفار بمحمد وآله الأطهار ) عن دار التوحيد بقم سنة 1414 . وفسر الكاتب ( الإثني عشر رئيسا ) الذين وعد الله في التوراة إسماعيل بولادتهم منه بأن المقصود منها ليس هم أبناؤه الإثني عشر المذكورة أسماؤهم في التوراة ( سفر التكوين 25 ، 13 ، 16 ) وإنما المقصود هم الأئمة الإثنا عشر من ذرية الرسول ، وذلك بعد حساب كلمة ( كثيرا جدا ) بحساب الجمل واثبات ان مجموعها يعادل رقم 92 وهو مجموع كلمة ( محمد ) ، وقال : كما أثبتنا ان مباركة الله الاولى لاسماعيل قد تحققت بمحمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فان المباركة الثانية قد تحققت بظهور اثني عشر إماما مباركا جعلهم الله خلفاء لرسوله وامتدادا طبيعيا لدعوته المباركة ( المصدر ص 62 ) . ولا نريد هنا ان نناقش الكاتبين في مدى دلالة الفقرة الإسرائيلية على المطلوب ، أو صراحتها ، وهل تشمل ( الإثنا عشر ) لا تحتاج إلى كل هذا التكلف والمقارنة والاستعانة بالمصادر الإسرائيلية ، ويكفي ان يتم بحثها وإثباتها عن طريق القرآن الكريم والأحاديث النبوية وأحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) إذا ثبتت فيها ونعمت ، وإذا لم تثبت بعض معانيها وتفاصليها فلا بد ان نقتصر على الأحاديث الصحيحة . وربما كان عبد الله بن سبأ على فرض وجوده قد أساء إلى الشيعة والتشيع بمقارنته المشهورة بين وصية النبي موسى ( عليه السلام ) ليوشع بن نون ووصية النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) لعلي بن أبي طالب حيث قدم بهذه المقارنة مادة لاتهام الشيعة باستيراد نظرياتهم من الإسرائيليات » ( الشورى العدد الثالث ص 6 . ) .


اقول 1 : ان الاستدلال بالتوراة على مسألة إمامة أهل البيت : لم تكن من ابتداع المتأخرين بل هو استدلال قديم دأب علماء الشيعة على ذكره ضمن الأدلة الأخرى على الإمامة . . . وقد اخذ الشيعة الأوائل هذا المنهج عن أئمتهم : ومنهج أهل البيت : هو منهج القرآن نفسه حيث كان يستدل على نبوة محمد ( صلى الله عليه و آله ) بأدلة متنوعة منها وجود خبر بعثته في التوراة . . ثم ان المؤسس للمقارنة هو رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) بقوله ( يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي ) وقوله ( الخلفاء بعدي اثنا عشر عدتهم كنقباء بني إسرائيل ) . الرد على الشبهة ويؤاخذ على كلامه الانف الذكر : أولا ان الاستدلال بالتوراة على مسألة إمامة أهل البيت ( عليهم السلام ) لم تكن من ابتداع المتأخرين بل هو استدلال قديم دأب علماء الشيعة على ذكره ضمن الادلة الاخرى على الامامة وقد مر في الشبهة الاولى ان اقدم كتاب كلامي عند الشيعة هو ياقوت الكلام لابراهيم بن نوبخت قد ذكر ذلك كما ذكره أيضا النعماني ( ت361هـ ) في كتابه الغيبة وفيما يلي نص كلامه : قال النعماني رحمه الله « ويزيد بإذن الله تعالى هذا الباب دلالة وبرهانا وتوكيدا تجب به الحجة على كل مخالف . . ما ثبت في التوراة مما يدل على الائمة الاثني عشر ( عليهم السلام ) ما ذكره في السفر الاول فيها من قصة إسماعيل قوله عز وجل ( وقد أجبت دعاءك في إسماعيل وقد سمعتك ما باركته وسأكثره جدا جدا وسيلد اثني عشر عظيما اجعلهم أئمة كشعب عظيم ) أقرأني عبد الحليم بن الحسين السمري رحمه الله ما أملاه عليه رجل من اليهود ، ثم أورد النص العبري وهو ( وليشمعيل شمعتيخا هني برختي اوتو وهفرتي اوتو وهربيتي اوتو بمئد مئد شنيم عاسار نسيئم يولد ونتتيوا لغوي غادول » ، ثم فسره بما ذكره في أول كلامه . ثم قال ( رحمه الله ) بعد ذلك : « فما بعد شهادة كتاب الله عز وجل ورواية الشيعة عن نبيِّها وأئمتها ورواية العامة من طرقها عن رجالها وشهادة الكتب المتقدمة وأهلها بصحة أمر الائمة الاثني عشر لمسترشد مرتاد طالب أو معاند جاحد من حجة تجب وبرهان يظهر وحق يلزم ان في هذا كفاية ومقنعا ومعتبرا ودليلا وبرهانا لمن هداه الله إلى نوره » 2 . وقد اخذ الشيعة الاوائل هذا المنهج عن أئمتهم ( عليهم السلام ) حين كانوا يحاجُّون أهل الكتاب ويدلونهم على مواضع ذكرهم مع الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في التوراة والانجيل . ففي حوار الجاثليق مع الرضا ( عليه السلام ) : قال الرضا ( عليه السلام ) لنسطاس الرومي : كيف حفظك للسفر الثالث من الانجيل قال ما احفظني له ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال أتقرأ الانجيل قال : بلى لعمري ، قال فخذ على السفر الثالث فان كان فيه ذكر محمد وأهل بيته وأمته فاشهدوا لي وان لم يكن ذكره فلا تشهدوا 3 . . . ومنهج أهل البيت ( عليهم السلام ) هو منهج القرآن نفسه حيث كان يستدل على نبوة محمد ( صلى الله عليه وآله ) بأدلة متنوعة منها وجود خبر بعثته في التوراة كقوله تعالى ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ 4 وقوله ﴿ ... يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ ... ﴾ 5 وقد اجمع علماء الاسلام على الاستدلال بالتوراة والانجيل على نبوة محمد ( صلى الله عليه وآله ) في مقام الاحتجاج على أهل الكتاب وكتبوا بذلك عشرات الكتب . وإذا كان الله تعالى قد أكرم أهل البيت ( عليهم السلام ) بان ذكرهم في كتبه الاولى جنباً إلى جنب مع رسوله المكي الموعود فما وجه الغرابة ان يستدل بذلك على إمامتهم ؟ والذي ينعم النظر في عدد من نصوص البشارة بمحمد ( صلى الله عليه وآله ) في الكتب السابقة يجد فيها النبي مقرونا بأهل بيته وليس من شك ان الفقرة ( 20 ) من الاصحاح ( 17 ) من سفر التكوين 6 هي اشهر نص وأوضحه في الحديث عن النبي وأهل بيته وعددهم ، وكان يدركها علماء اليهود بوضوح وكانوا حين ينشرح صدرهم للاسلام يختارون الائتمام بأهل البيت ( عليهم السلام ) سواء في زمانهم أو في عصر الغيبة . قال ابن تيمية في تعليقه على حديث الاثني عشر : « وهؤلاء المبشر بهم في حديث جابر بن سمرة وقرر انهم يكونون مفرقين في الامة ولا تقوم الساعة حتى يوجدوا ، و ( قد ) غلط كثير ممن تشرف بالاسلام من اليهود فظنوا انهم الذين تدعوا إليهم فرقة الرافضة فاتبعوهم » 7 . وكلامه وان كان سلبياً من ناحية تطبيق النص على أهل البيت ( عليهم السلام ) ولكنه من ناحية أخرى يؤكد ما ذكره النعماني وما ورد عن أهل البيت ( عليهم السلام ) من وجود نصوص في أمر أهل البيت ( عليهم السلام ) كما هو الحال في خاتم الانبياء ( صلى الله عليه وآله ) . وقد فات ابن تيمية ونظراءه ان علماء اليهود الذين أسلموا وتشيعوا لاهل البيت ( عليهم السلام ) كانوا قد وجدوا أنفسهم أمام ظاهرة من النصوص التوراتية بعضها يعضد بعضاً باتجاه أهل البيت ( عليهم السلام ) دون غيرهم 8 . ثانيا قوله : ( وربما كان ابن سبأ على فرض وجوده قد أساء إلى التشيع بمقارنته بين وصية النبي موسى ليوشع ووصية النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ) ... أقول : ان المؤسس للمقارنة بين الوصيتين هو رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقوله « يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي » وهو حديث صحيح مروي في الكتب المعتبرة عند السنة فضلاً عن الشيعة 9 . و بقوله ( صلى الله عليه وآله ) لسلمان لما سأله يا رسول الله لكل نبي وصي فمن وصيك فسكت عنه ثم بعد ذلك دعاه فقال ياسلمان تعلم من وصي موسى قال سلمان قلت نعم يوشع بن نون ، قال ولم قلت لانه كان أعلمهم ، قال : « فان وصيي وموضع سري وخير من اترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني علي بن ابي طالب » 10 . وبقوله ( صلى الله عليه وآله ) : الخلفاء بعدي اثنا عشر عدتهم كنقباء بني إسرائيل . وكذلك قوله ( صلى الله عليه وآله ) في الحسن والحسين إني سميتهما باسم شبر وشبير ولدي هارون . فهل يقال في حق النبي ( صلى الله عليه وآله ) انه قدَّم مادة لاتهام الاسلام باستيراد نظرياته من الاسرائيليات ؟ وقبل ذلك فان القرآن الكريم هو المؤسس لهذه المقارنة وغارس بذرتها ، حين ضرب الامثال للاخِرين بما جرى على الاولين ، وقد عني عناية خاصة بقصص بني إسرائيل للتشابه الكبير بينها وبين نظيراتها في بني إسماعيل بعد بعثة محمد ( صلى الله عليه وآله ) إلى آخر الدنيا . وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : كل ما كان في الامم السالفة فإنه يكون في هذه الامة مثله حذو النعل بالنعل والقُذَّة بالقذة 11 وفي رواية « لتركبن سنن من كان قبلكم حلوَها ومرَّها » 12 13 .