سلمان
من الذي حرر سلمان ؟
هناك نصوص كثيرة تفيد : أن النبي «صلى الله عليه وآله» هو الذي حرر سلمان من الرق . فقد عده كثير من العلماء والمؤرخين من موالي رسول الله «صلى الله عليه وآله» 1 . وعن بريدة : «كان لليهود ؛ فاشتراه رسول الله «صلى الله عليه وآله» بكذا وكذا درهماً ، وعلى أن يغرس له نخلاً ، ويعمل فيها سلمان حتى تطعم ، فغرس رسول الله «صلى الله عليه وآله» النخل» 2 . وسئل الشعبي : هل كان سلمان من موالي رسول الله «صلى الله عليه وآله» ؟ قال : نعم ، أفضلهم . كان مكاتباً ؛ فاشتراه ، فأعتقه 3 . وقال الخطيب البغدادي : «أدى رسول الله «صلى الله عليه وآله» كتابته ، فهو إلى بني هاشم» 4 . وقال المبرد : «وكان «صلى الله عليه وآله» أدى إلى بني قريظة مكاتبة سلمان ، فكان سلمان مولى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فقال علي بن أبي طالب «عليه السلام» : سلمان منا أهل البيت» 5 . وقال أبو عمر : «وقد روي من وجوه : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» اشتراه على العتق» 6 . وتقدم كتاب المفاداة ، الذي ينص على أن ولاء سلمان هو لمحمد بن عبد الله رسول الله ، وأهل بيته ، فليس لأحد على سلمان سبيل . وفي مهج الدعوات ، في حديث حور الجنة وتحفها ، مسنداً عن فاطمة عليها السلام : «فقلت للثالثة : ما اسمك ؟ قالت : سلمى . قلت : ولم سميت سلمى ؟ قالت : خلقت أنا لسلمان الفارسي ، مولى أبيك رسول الله» 7 . وفي رسالة سلمان إلى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، كتب له سلمان : من سلمان مولى رسول الله «صلى الله عليه وآله» 8 . وروى الحاكم أن علي بن عاصم ذكر في حديث إسلام سلمان : أنه كان عبداً ، فلما قدم النبي «صلى الله عليه وآله» المدينة ، أتاه ، فأسلم فابتاعه النبي «صلى الله عليه وآله» وأعتقه 9 . وفي حديث سلام سلمان على أهل القبور ، قال «رحمه الله» : سألتكم بالله العظيم ، والنبي الكريم إلا أجابني منكم مجيب ، فأنا سلمان الفارسي : مولى رسول الله «صلى الله عليه وآله» 10 . وعن ابن عباس قال : رأيت سلمان الفارسي «رحمه الله» في منامي ، فقلت له : يا سلمان ، ألست مولى النبي «صلى الله عليه وآله» ؟ قال : بلى ، فإذا عليه تاج من ياقوت الخ . . 11 . هذا بالإضافة إلى الحديث الذي يقول سلمان في آخره : فأعتقني رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وسماني سلماناً 12 . ابو بكر و عتق سلمان وبعد كل ما تقدم ، فإننا نعرف : أن دعوى : أن أبا بكر قد اشترى سلمان فأعتقه 13 لا يمكن أن تصح بأي وجه . ويكفي في ردها حديث كتاب المفاداة المتقدم ، بالإضافة إلى النصوص الآنفة الذكر ، إلى جانب النصوص الأخرى ، التي تدَّعي : أنه قد أعانه الصحابة ورسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى أدى ما عليه من مال الكتابة ، وإن كان سيتضح أنها غير خالية عن المناقشة . لماذا يكذبون ؟ ولعل أهمية سلمان ، وعظمته وجلالته في المسلمين ، قد جعلت البعض يرغبون في أن يجعلوا للشخصيات التي يحترمونها ، ويهتمون في حشد الفضائل لها ، نصيباً في هذا الرجل الفذ ، وفضلاً لها عليه ، حتى ولو كان ذلك على حساب كرامات وفضائل رسول الله «صلى الله عليه وآله» نفسه ، فإن الإغارة على بعض فضائله وكراماته «صلى الله عليه وآله» ، ونسبتها إلى غيره ، لا تنقص من شأنه ـ بزعمهم ـ شيئاً ، إذ يكفيه شرفاً : أنه النبي الهادي لهذه الأمة ، وأنه رسول الله «صلى الله عليه وآله» . كما أن ذلك يمكن أن يكون ردة فعل على تلك الرواية التي لا يجدون دليلاً ملموساً على ردها وتكذيبها ، والتي تقول : إنه أسلم في مكة ، وحسن إسلامه ، وأن النبي «صلى الله عليه وآله» شاوره ـ امتحاناً له ـ فيمن يبدأ بدعوته في مكة ، فجال سلمان في أهل مكة يخبرهم ، ويشيرهم ، ويجتمع مع النبي «صلى الله عليه وآله» وأبي طالب لهذا الغرض ، ثم أشار بدعوة أبي بكر ؛ لأنه معروف بين العرب بتعبير الأحلام ، وهم يرون فيه ضرباً من علم الغيب ، مع معرفته بتواريخ العرب وأنسابها بالإضافة إلى أنه معلم للصبيان ، ويطيعه ويجله من أخذ عنه من فتيانهم ، ولكلامه تأثير فيهم ؛ فإذا آمن فلسوف يكون لذلك أثره ، ولسوف تلين قلوب كثيرة ، لا سيما وأن معلمي الصبيان راغبون في الرئاسة ، فاستصوب النبي «صلى الله عليه وآله» وأبو طالب ذلك ، وشرع سلمان في دلالة الرجل ، وإدخاله في الإسلام 14 . فلعل سلمان ـ كما تدل عليه هذه الرواية ، ويظهر من غيرها ـ كان في بدء أمره في مكة وأسلم هناك ، ثم انتقل إلى المدينة . وعن تقدم إسلام سلمان ، نجد عدداً من الروايات تشير إلى ذلك 15 ومن ذلك : أن أعرابياً سأل النبي «صلى الله عليه وآله» عنه قال : أليس كان مجوسياً ، ثم أسلم ؟! فقال «صلى الله عليه وآله» : يا أعرابي ، أخاطبك عن ربي ، وتقاولني ؟! إن سلمان ما كان مجوسياً ، ولكنه كان مضمراً للإيمان ، مظهراً للشرك 16 17 .