logo-img
السیاسات و الشروط
منذ 3 سنوات

تسمية ابي بكر بالصديق

يرى البعض: أن الله تعالى قد سمى أبا بكر بالصديق في قضية الغار، كما في شواهد النبوة، حيث قد روي: أنه حين أذن الله تعالى لنبيه بالهجرة، قال لجبرائيل: من يهاجر معي؟ قال جبرائيل: أبوبكر الصديق (تاريخ الخميس ج1 ص323 عن شواهد النبوة ، والسيرة الحلبية ج2 ص29).


ولكننا نشك في صحة ذلك: أولاً لتناقض الروايات في تسمية أبي بكر بالصديق ، وسبب ذلك وزمانه ؛ فمن قائل: إن ذلك كان في قضية الغار كما هنا . ومن قائل : إنه كان حينما رجع النبي «صلى الله عليه وآله» من رحلة الإسراء ، وتصديق أبي بكر له في ذلك ، وحين وصف النبي «صلى الله عليه وآله» لقومه بيت المقدس 1 . وقول ثالث: إن ذلك كان حين بعثة النبي «صلى الله عليه وآله» ، حيث صدقه أبو بكر ، فسمي الصديق 2 . وقول رابع: إن ذلك كان حين رحلة النبي «صلى الله عليه وآله» إلى السماء ، حيث روي عنه «صلى الله عليه وآله» قوله: لما عرج بي إلى السماء، ما مررت بسماء إلا وجدت اسمي فيها مكتوباً محمد رسول الله أبو بكر الصديق 3 فأي ذلك هو الصحيح؟! ثانياً لدينا العديد من الروايات الصحيحة والحسنة سنداً ، والمروية في عشرات المصادر ، تنص على أن «الصديق» هو أمير المؤمنين «عليه السلام» ، دون أبي بكر ، ونذكر منها : 1 ـ عن علي «عليه السلام»، بسند صحيح على شرط الشيخين، أنه قال: أنا عبد الله، وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتري، لقد صليت قبل الناس بسبع سنين 4 . وقال غير مرة: «أنا الصديق الأكبر، والفاروق الأول، أسلمت قبل إسلام أبي بكر وصليت قبل صلاته» 5 . والظاهر أن المراد: أنه «عليه السلام» كان يتعبد مع النبي «صلى الله عليه وآله» على دين الحنيفية ـ حتى قبل بعثته ـ من حين تمييزه ، إلى أن علم الدين، ونزل قوله تعالى : ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ... المزید ﴾ 6 ، بل وقبل ذلك أيضاً . وبذلك يبطل قول ابن كثير : «كيف يتمكن أن يصلي قبل الناس بسبع سنين ؟ هذا لا يتصور أصلاً » 7 . 2 ـ وأخرج القرشي في شمس الأخبار رواية طويلة عن النبي «صلى الله عليه وآله» أن الله قد سمى علياً ب‍ «الصديق الأكبر» في ليلة الإسراء 8 . 3 ـ عن ابن عباس، عن النبي «صلى الله عليه وآله»: الصديقون ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار صاحب آل ياسين، وعلي بن أبي طالب الثالث أفضلهم. وقريب منه ما روي عن أبي ليلى الغفاري ، بسند حسن ، كما نص عليه السيوطي 9 . وكذا عن الحسن بن عبد الرحمن بن أبي ليلى 10 . فحصر النبي «صلى الله عليه وآله» للصديقين بالثـلاثة ، ينافي تسمية أبي بكر ب‍ «الصديق» على النحو المتقدم، وإلا كانوا أربعة ، ولم يصح الحصر. 4 ـ عن معاذة قالت : سمعت علياً ، وهو يخطب على منبر البصرة ، يقول : أنا الصديق الأكبر ، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر ، وأسلمت قبل أن يسلم أبو بكر 11 . وظاهره : أنه في صدد نفي صديقية أبي بكر، التي شاعت بين الناس. 5 ـ عن أبي ذر ، وابن عباس ، قالا : سمعنا النبي «صلى الله عليه وآله» يقول لعلي : أنت الصديق الأكبر ، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل 12 ، وقريب منه عن أبي ليلى الغفاري. 6 ـ عن أبي ذر، وسلمان: إن الرسول «صلى الله عليه وآله» أخذ بيد علي، فقال : إن هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل الخ 13 . 7 ـ وفي خطبة طويلة لأم الخير بنت الحريش، أوردتها في صفين، وصفت فيها أمير المؤمنين «عليه السلام» بـ «الصديق الأكبر» 14 . 8 ـ وقال محب الدين الطبري: «إن رسول الله سماه صديقاً» 15 . 9 ـ وقال الخجندي: «وكان يلقب بيعسوب الأمة، وبالصديق الأكبر» 2 . 10 ـ وجاء في رواية أخرى: «فيجيبهم ملك من بطنان العرش: يا معشر الآدميين، ليس هذا ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً، ولا حامل عرش، هذا الصديق الأكبر علي بن أبي طالب الخ . .» 16 . 11 ـ إن آية : ﴿ ... أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ... ﴾ 17 نزلت في علي «عليه السلام» وكذا آية : ﴿ وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ... ﴾ 18 ، وآية : ﴿ ... فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ ... ﴾ 19 20 . 12 ـ وفي رواية عن أنس : «وأما علي فهو الصديق الأكبر الخ . .» 21 . وثمة روايات أخرى ؛ فلتراجع في مصادرها 22 . وبعدما تقدم نعرف أن لقب «الصديق» خاص بالإمام علي «عليه السلام» ، ولا يمكن إثباته لغيره. هذا وقد ذكر العلامة الأميني روايات تدل على أن الصديق هو أبو بكر ، ثم فندها بما لا يدع مجالاً للشك في كذبها وافتعالها ؛ حيث حكم كبار النقاد والحفاظ عليها بالوضع والكذب من أمثال: الذهبي، والخطيب، وابن حبان، والسيوطي، والفيروزآبادي، والعجلوني، ومن أراد أن يقف على ذلك ، فعليه بالرجوع إلى كتاب الغدير؛ فإن فيه ما ينقع الغلة، ويزيح الشبهة. متى كان وضع هذه الالقاب والظاهر أن سرقة هذا اللقب، وغيره من الألقاب، قد حصلت في وقت متقدم، حتى اضطر الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» إلى الإعلان على منبر البصرة 23 : أنه «عليه السلام» هو الصديق الأكبر ، وليس أبا بكر ، وأن كل من يدعي هذا اللقب لنفسه فهو كذاب مفتر ، وقد كرر «عليه السلام» ذلك كثيراً. ولكن السياسة التي حكمت الأمة ، وهيمنت على فكرها واتجاهاتها استطاعت أن تحتفظ بهذه الألقاب لمن تريد الاحتفاظ لهم بها ، ولم يكن ثمة أية قوة تستطيع أن ترد أو أن تمنع ، أو حتى أن تعترض ولو بشكل سلمي بحت ، لا سيما وأن وضع مثل هذه الأمور قد تم وحصل على أيدي علماء من وعاظ السلاطين 24 .