لقد وجدنا أهل الفتنة البغاة لمَّا حاصروا دار عثمان بن عفان «رضي الله عنه» دافع عنه علي «رضي الله عنه» وطرد الناس عنه، وأنفذ إليه ولديه الحسن والحسين وابن أخيه عبدالله بن جعفر (انظر : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج 10 ص 581) طبعة إيران، وتاريخ المسعودي الشيعي (ج 2 ص 344) بيروت .)، لولا أن عثمان «رضي الله عنه» عزم على الناس أن يدعوا أسلحتهم ويلزموا بيوتهم. وهذا يدلُّ على بطلان ما تزعمه الشيعة من التباغض والعداوة بينهما.
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
فإننا نجيب بما يلي :
أولاً : إن علياً « عليه السلام » لم يكن ينطلق في مواقفه من مشاعره الشخصية تجاه الأشخاص ، من حيث هم أشخاص . فهو لا يبغض عثمان لأنه ابن فلان ، أو لأن لونه أبيض أو أسمر ، أو لأنه طويل أو قصير ، أو غني أو فقير . . بل هو يبغض من أعمال عثمان ما كان مخالفاً للشرع ، أو مجانباً للعدل والإنصاف ، ويدعوه إلى تركها والإقلاع عنها ، فإن استقام على طريق الخير والحق والصلاح استقامت علاقته به . . وإن أخل بذلك اختلت هذه العلاقة . .
وقد حاول « عليه السلام » أن يساعد عثمان على الخروج من محنته ، وأعطاه عثمان الوعود الصريحة بإنصاف الناس ، وأعلن وعوده هذه على المنبر ، ولكنه عاد فأخل بها .
فعاد إلى مطالبته له بالرجوع إلى ما هو أمثل وأجمل ، فأجاب ، وطرد « عليه السلام » الناس عنه ، فلما أخل بوعده ، وخاس بعهده من جديد لم يجد علي « عليه السلام » بداً من الإعتزال . ولكنه لما وجد أن الخطر قد أصبح دائماً أرسل ولديه لدفع ما يمكن دفعه من البلاء .
ولا يدعي الشيعة : أن علياً « عليه السلام » كان يعامل عثمان من منطلق العدواة والبغض . .
ثانياً : إن مراجعة حال عثمان مع مناوئيه تظهر : أنه لم يكن بصدد الإذعان لمطالبهم المشروعة ، بل كان يحاول جمع الرجال لحربهم . وقد طلب من معاوية أن يمده بالرجال ، فأجابه إلى ذلك ، ولكن الجيش الذي أرسله قد سوَّف وتباطأ عن نجدته ، ـ بأمر من معاوية نفسه ـ حتى قتل . .
ثالثاً : إن قتل عثمان بهذه الطريقة كان سيفتح أبواب الفتنة ، ويمهد الطريق لمعاوية ، ولغيره من طلاب اللبانات لإفساد الأمة ، والتلاعب بمصيرها . وقد بينت كلمات أمير المؤمنين علي « عليه السلام » وكذلك النصوص الأخرى : أن معاوية كان هو الراغب بقتل عثمان ، والساعي له . بل ما قتل عثمان غيره ، فراجع النصوص التالية :
معاوية هو قاتل عثمان
ومن النصوص الدالة على حرص معاوية على قتل عثمان نذكر :
1 ـ إن عثمان قد استنجد معاوية ، فتلكأ عنه ، وتربص به ، ثم أرسل جيشاً ، وأمره بالمقام بذي خشب ، ولا يتجاوزها . وحذر قائده من أن يقول : « الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ، فإنني أنا الشاهد وأنت الغائب .
قال : فأقام بذي خشب ، حتى قتل عثمان ، فاستقدمه حينئذٍ معاوية ، فعاد إلى الشام بالجيش الذي كان أرسل معه . وإنما صنع ذلك معاوية ليقتل عثمان ، فيدعو إلى نفسه » 1 .
2 ـ كتب علي أمير المؤمنين « عليه السلام » إليه : « ولعمري ، ما قتله غيرك ، ولا خَذَلَهُ سواك ، ولقد تربصت به الدوائر ، وتمنيت له الأماني » 2 .
3 ـ عنه « عليه السلام » فيما كتبه له : « إنك إنما نصرت عثمان حينما كان النصر لك ، وخذلته حينما كان النصر له » 3 .
4 ـ كتب أبو أيوب الأنصاري لمعاوية : « فما نحن وقتلة عثمان ؟! إن الذي تربص بعثمان ، وثبط أهل الشام عن نصرته لأنت الخ . . » 4 .
5 ـ كتب إليه شبث بن ربعي : « إنك لا تجد شيئاً تستغوي به الناس ، وتستميل له أهواءهم ، وتستخلص به طاعتهم ، إلا أن قلت لهم : قتل إمامكم مظلوماً ، فهلموا نطلب بدمه ، فاستجاب لك سفهاء طغام رذال ، وقد علمنا أنك قد أبطأت عنه بالنصر ، وأحببت له القتل بهذه المنزلة التي تطلب » 5 .
6 ـ قال الطبري : فلما جاء معاوية الكتاب تربص به ، وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول الله « صلى الله عليه وآله » . وقد علم اجتماعهم . فلما أبطأ أمره على عثمان الخ . . 6 .
7 ـ كتب إليه ابن عباس : « . .فأقسم بالله ، لأنت المتربص بقتله ، والمحب لهلاكه ، والحابس الناس قِبَلك عنه على بصيرة من أمره . .
ولقد أتاك كتابه وصريخه ، يستغيث بك ويستصرخ ، فما حفلت به . . فقتل كما كنت أردت . . فإن يك قتل مظلوماً فأنت أظلم الظالمين » 7 .
8 ـ ولابن عباس كتاب آخر يذكر له فيه ذلك أيضاً 8 .
9 ـ يقول المنقري : إنه لمَّا نُعِيَ عثمان إلى معاوية : « ضاق معاوية صدراً بما أتاه ، وندم على خذلانه عثمان ، وقال في جملة أبيات له :
ندمت على ما كان من تبعي الهوى *** وقصري فيـه حسـرة وعـويل 9
10 ـ حينما سأل معاوية أبا الطفيل الكناني عن سبب عدم نصره عثمان ، قال له : « منعني ما منعك ، إذ تربَّصُ به ريب المنون ، وأنت بالشام .
قال : أو ما ترى طلبي بدمه نصرة له ؟!
فضحك أبو الطفيل ، ثم قال : أنت وعثمان كما قال الشاعر الجعدي :
لا ألفينك بعد المـوت تنـدبـني *** وفي حياتـي ما زودتـنـي زادا 10
11 ـ ذكر اليعقوبي : أن معاوية أمر الجيش بالمقام في أوائل الشام ، وأن يكونوا مكانهم ، حتى يأتي عثمان ليعرف صحة الأمر ، فأتى عثمان وسأله عن المدة ، فقال : قد قدمت لأعرف رأيك وأعود إليهم ، فأجيئك بهم . قال :
« لا والله ، ولكنك أردت أن أقتل فتقول : أنا ولي الثار . إرجع فجئني بالناس . فرجع ولم يعد إليه حتى قتل . . » 11 .
12 ـ اعترف معاوية نفسه للحجاج بن خزيمة : بأنه قعد عن عثمان ، وقد استغاث به فلم يجبه ، وأنه قال في ذلك أبياتاً 12 ، وهي الأبيات اللامية التي أشرنا إليها آنفاً .
13 ـ صرح الشهرستاني : بأن جميع عمال عثمان وأمراءه قد « خذلوه ، ورفضوه حتى أتى قدره عليه » .
وهم : معاوية ، وسعد بن أبي وقاص ، والوليد بن عقبة ، وعبد الله بن عامر ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح 13 .
14 ـ قال ابن عباس لمعاوية في المدينة ، حينما اتهم بني هاشم بقتل عثمان : « أنت قتلت عثمان ، ثم قمت تغمص على الناس أنك تطلب بدمه ، فانكسر معاوية » 14 .
15 ـ كتب محمد بن مسلمة لمعاوية : « . .ولعمري يا معاوية ، ما طلبت إلا الدنيا ، ولا اتبعت إلا الهوى ، ولئن كنت نصرت عثمان ميتاً ، خذلته حياً » 15 .
16 ـ من كتاب لأمير المؤمنين « عليه السلام » إليه : « أما بعد ، فوالله ما قتل ابن عمك غيرك ، وإني لأرجو أن ألحقك به على مثل ذنبه ، وأعظم من خطيئته » 16 .
17 ـ كما أن الأصبغ بن نباته واجهه بمثل ما تقدم عن غير واحد 17 .
18 ـ إن الإمام الحسن « عليه السلام » قال له : « ثم ولاك عثمان فتربصت عليه » 18 .
19 ـ قال معاوية لعمرو بن العاص :
« صدقت ، ولكننا نقاتله على ما في أيدينا ، ونلزمه قتل عثمان .
قال عمرو : وا سوأتاه ، إن أحق الناس ألا يذكر عثمان لا أنا ولا أنت .
قال : ولم ؟! ويحك ! !
قال : أما أنت فخذلته ومعك أهل الشام ، حتى استغاث بيزيد بن أسد البجلي ، فسار إليه .
وأما أنا فتركته عياناً ، وهربت إلى فلسطين .
فقال معاوية : دعني من هذا الخ . . » 19 .
20 ـ لما وصلت رسالة عثمان الإستنجادية إلى معاوية ، قال له المسور بن مخرمة : « يا معاوية ، إن عثمان مقتول ، فانظر فيما كتبت به إليه .
فقال معاوية : يا مسور ، إني مصرح : إن عثمان بدأ فعمل بما يحب الله ويرضاه ، ثم غير وبدل ، فغير الله عليه . أفيتهيأ لي أن أرد ما غير الله عز وجل » ؟! 20 .
فهو يستدلُّ بالجبر من أجل تبرير تخاذله عن نصر عثمان ! ! .
وحسبنا ما ذكرناه ، فإن الحر تكفيه الإشارة . .
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله . . 21 .