logo-img
السیاسات و الشروط
منذ 3 سنوات

الاختلاف في الوضوء

ماذا عن هذا الاختلاف في الوضوء بين المسلمين السنة والشيعة ؟


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . إن الخلاف الظاهر عملياً في موضوع الوضوء هو في أمرين : أحدهما : طريقة غسل اليدين ، حيث يبدأ المسلمون الشيعة بغسلهما من المرفقين إلى أطراف الأصابع ، ولكن المسلمين السنة يبدأون بغسلهما من الأصابع إلى المرفقين . . ويقول المسلمون السنة : إن كلمة « إلى » في قوله تعالى : ﴿ ... المزید فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ... ﴾ 1 تدل على أن الغسل ينتهي عند المرافق . ولكن المسلمين الشيعة قالوا : إنه سبحانه ليس بصدد بيان كيفية الغسل ، بل هو بصدد تحديد المغسول ، فهو كقولك : إغسل رجليك إلى الركبتين ، فذلك لا يعني أنه يجب عليك أن تبدأ بالغسل من أسفل قدميك باتجاه الأعلى ، لكي ينتهي بالركبتين . وقد رووا عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ما يثبت صحة هذا المعنى . الأمر الثاني : موضوع غسل الرجلين ، حيث ذهب الشيعة إلى وجوب مسحهما ، وقال أهل السنة بوجوب الغسل ، غير أن أحمد بن حنبل جوَّز مسحهما ، كما نقل عنه 2 ، ونقل عن بعض أهل الظاهر ، وجوب الغسل والمسح 3 . واستدل المسلمون الشيعة بالإضافة إلى وجود روايات كثيرة رويت في مسند أحمد بن حنبل وغيره صرحت بالمسح . . بقوله تعالى : ﴿ ... وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ... ﴾ 1 فإنها معطوفة على ما قبلها ، من قبيل العطف على المحل ، لأن الباء في قوله : ﴿ ... بِرُءُوسِكُمْ ... ﴾ 1  حرف جر زائد داخل على المفعول به ، جيء به لإفادة معنى التبعيض ، أي امسحوا بعض رؤوسكم . وأيدوا ذلك أيضاً بأن كلمة ﴿ ... وَأَرْجُلَكُمْ ... ﴾ 1 قد قرئت بالجر ، وهي قراءة ابن كثير ، وحمزة ، وأبي عمير ، وعاصم في رواية أبي بكر ، وقرأ نافع ، وابن عامر ، وعاصم في رواية حفص ، بالنصب . وقد قيل : بل إن الجرَّ قد كان لأجل المجاورة ، فهو لفظي ، ليس له أثر في المعنى . فأجيب : بأن الجر بالمجاورة إنما يجوز مع الأمن من اللبس والشبهة . بل إن الكسر على الجوار معدود في دائرة اللحن والغلط الذي يُنزَه القرآن عنه . كما أن الجر بالمجاورة لا يكون مع حرف العطف . وقد صرح الفخر الرازي : بأنه بناء على قراءة الجر ، فالمسح هو المتعين ، وبناء على قراء النصب فكذلك ، لأن كلمة ﴿ ... وَأَرْجُلَكُمْ ... ﴾ 1 إما أن تكون تابعة لـ ﴿ ... وَامْسَحُوا ... ﴾ 1 أو لـ ﴿ ... فَاغْسِلُوا ... ﴾ 1 ، ومن الواضح أنه إذا تنازع عاملان فالأقرب مقدم ، والأقرب هنا قوله تعالى : ﴿ ... وَامْسَحُوا ... ﴾ 1  . وهذا ما يؤكد على لزوم الأخذ بأخبار المسح ، التي رواها المسلمون السنة في كتبهم ، لأنها مؤيدة بالكتاب العزيز . أما أخبار الغَسل ، فالاحتياط يقتضي اجتنابها ، لأنها مخالفة لظاهر الكتاب . . وقال إبراهيم الحلبي في كتابه غنية المتملي في شرح منية المصلي : « الصحيح أن الأرجل معطوفة على ﴿ ... بِرُءُوسِكُمْ ... ﴾ 1 في القراءتين ، ونصبها على المحل ، وجرها على اللفظ ، وذلك لامتناع العطف على المنصوب ، بكلمة ﴿ ... فَاغْسِلُوا ... ﴾ 1 للفصل بين العاطف والمعطوف بجملة أجنبية ، والأصل أن لا يفصل بينهما بمفرد ، فضلاً عن الجملة. ولم يسمع من الفصيح نحو ضربت زيداً ، ومررت بعمرو وبكراً ، بعطف بكر على زيد » . ثم ذكر : أن الجر بالمجاورة في النعت وفي التأكيد ، وهو قليل في النعت . ونفس هذا الكلام ذكره ابن حزم في المحلى ج1 ص207 أيضاً . وأما أخبار غسل الرجلين ، فعمدتها خبر حمران مولى عثمان بن عفان ، وهو مخالف لظاهر الآية . أما خبر عبد الله بن عمر وابن العاص ، المروي في الصحيحين وفيه : « فجعلنا نمسح على أرجلنا ، فنادى [أي النبي صلى الله عليه وآله] ويل للأعقاب من النار » . فهو يدل على شهرة المسح بين المسلمين . والنبي لم يعترض على المسح ، وإنما اعترض على قذارة أعقابهم ، ولعلها قذارات لا يصح الدخول في الصلاة معها . . بل ذكر في بداية المجتهد : أنه صلى الله عليه وآله لم ينكر المسح ، بل أنكر تقصيرهم فيه ، وعدم تعميمه لتلك المواضع . . وهناك مسائل خلافية أخرى في موضوع الوضوء مثل المسح على الخفين ، ومسح الأذنين وغير ذلك يطول الحديث فيها . والحمد لله رب العالمين 4 . .

3