منذ سنتين

الفتوحات بعد الرسول ؟

من المعروف في التاريخ أن عمر هو الذي فتح القدس ، وأن صلاح الدين حررها ، ومعروفة بطولات خالد بن الوليد في الفتوحات التي قام بها عمر . وقد وصلت الفتوحات الإسلامية إلى بلاد الأندلس في عهد بني أمية وانتشر الدين الإسلامي في تلك البلاد . . السؤال هو : هل ذلك صحيح ؟! وهل كان للأئمة صلوات الله عليهم دور في صنع هذا التاريخ ؟! . .


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . فإنني أسأل الله عز وجل لكم دوام التوفيق والتسديد ، وأن يحفظكم ويرعاكم إنه ولي قدير . . محتويات   ألف : آثار الفتوح على الشعوب التي افتتحت أرضها آثار ونتائج ب : آثار الفتوح على الفاتحين طموحات الشباب إبعاد المعترضين ج : الأئمة وتلك الفتوحات وحول أسئلتكم التي طرحتموها ، أقول : قد يكون من الضروري الاقتصار في الأسئلة على ما يمثل عقدة في النواحي العقيدية ، والإيمانية ، وغيرها مما يرتبط بفهم حقائق الدين وشرائعه ، وآياته ، ونصوصه ، التي تحتاج إلى إيضاح . . فإن أعمارنا لا تتسع لمعالجة الموضوعات الجانبية ، أو التي لها صفة علمية وحسب . وقد ورد في الحديث الشريف ما يشير إلى أن العلم كثير فخذوا منه ما أهمكم . . أخي الكريم . . بالنسبة لما سألتم عنه ، أقول : إن الفتوحات ، والاستيلاء على البلاد والعباد ، ليست غاية للإسلام ، بل الغاية هي نشر الدين ، والحق والعدل ، والإيمان ، من قبل من يحق له أن يتصدى لذلك ، وبرعاية وهداية ودلالة ، وتفويض من قبل المعصوم . وبإجازة و رضى منه . . وأنتم تعلمون . . أن الأمور إنما هي بغاياتها ، وبدوافعها . . فإذا كان الدافع هو رضا الله تعالى ، وليس مجرد توسيع رقعة النفوذ ، وبسط السلطة ، والحصول على الأموال ، وعلى الرقيق ، من السبايا والعبيد . . وإذا كانت قد روعيت في الفتوحات جيمع الشرائط الشرعية ، ومنها استجازة المعصوم في التصدي لمثل هذا الأمر الخطير . . وإذا كانت قد حققت نتائج طيبة تصب في مصلحة الإسلام والمسلمين . وكانت قائمة على الحق والعدل . . إذا كان الأمر كذلك . . فإن بالإمكان القول : إن ما فعلوه وما قاموا به من فتوحات كان حسناً . . ولكن مراجعة أحداث التاريخ تشير إلى عدم توفر أي شرط من الشروط الآنفة الذكر . . فالفاتحون كانوا لا يعترفون بالإمام الحق . . بل هم كانوا يناوؤونه ويتآمرون عليه . . وهم أيضاً لا يراعون موازين القسط والعدل في الناس الذين يتسلطون عليهم ، ولا يهتمون بأمر الدعوة إلى الله ونشر الدين فيهم . . بل هم يمارسون الظلم والتعدي ، والعسف ، والإذلال ، همتهم منصرفة إلى الحصول على البلاد ، وعلى خيراتها ، وعلى الأموال ، وعلى السبايا والحسناوات ، وعلى العبيد والموالي . . وما إلى ذلك . . وقد نتج عن تلك الفتوحات مصائب وبلايا ، وكوارث ورزايا ، سواء في المجال الاجتماعي ، أم التربوي ، أم الالتزام الديني ، وبسببها دخلت الشبهات وراج الفساد والانحراف ، في المجتمعات الإسلامية ، واختلطت المفاهيم ، وظهرت الدعوات الهدامة ، وما إلى ذلك من أمور اتسع بسببها الخرق على الراقع ، وكانت قاصمة الظهر ، وبها كان ضياع العمر ، وبوار الدهر . . وإنما لم تُسْلِم الصين لحد ربما بسبب ما جرى للصغد ، كما ذكره الطبري ، وقد ضاعت الأندلس ، بسبب قضايا البربر . . وإذا كان قواد الجيوش الفاتحة هم الفسقة الفجرة ، من أمثال خالد بن الوليد ، الغادر ببني جذيمة ، والقاتل لمالك بن نويرة ، والفاجر بامرأة ذلك القتيل في ليلة قتله ، والفار من الزحف بجيش الإسلام في غزوة مؤتة ، فإن على الإسلام السلام ، وعلى البلاد المفتوحة على أيدي هؤلاء أن تنتظر المصائب ، والبلايا ، والكوارث ، والرزايا ، ولن تجد لرحمة وعدل الإسلام أية رائحة أو أثر في حياتها الاجتماعية والسياسية وغيرها . هذا بالإضافة إلى أن الجيوش الفاتحة كانت على غاية من الجهل بأحكام الدين وشرائعه . وفي منتهى الشراهة للأموال ، والتوثب للحصول على السبايا الحسناوات . . أما صلاح الدين . . فإن خيانته أظهر من الشمس وأبين من الأمس ، فإن الخطة كانت تقضي بأن يكون هو في مصر ، وعمه نور الدين في الشام ، ليطبقا على القوات الصليبية الغازية . . فنكل صلاح الدين وتراجع ، وتم للغزاة ما أرادوا . . ثم إنه مما يثير الريب والدهشة : أنه بعد أن حرر القدس ترك للصليبيين طريقاً إلى القدس ، وأعطاهم يافا . . كما أن أبناء أخيه هم الذين سلموا القدس للصليبيين ، وسلم أقاربه الآخرون قلاع تبنين ، وصيدا ، وهونين ، وصفد ، إليهم أيضاً . . وأما الأئمة فكانت مهمتهم هي إصلاح ما أفسده الطغاة ومداواة الجراح ، وتخفيف وقع تلك المصائب . ولو أن الحكام المعتدين ، قد سلموا الأمر لأهله ، ولو أنهم قاموا بتلك الفتوحات ، على الحق والعدل . . لا على أساس الظلم والتعدي ، والجور ، لعمَّ الإسلام العالم كله بالعدل ، وبالدعوة الصحيحة إلى الله ، التي لا تستعمل السيف إلا لرد العدوان ، ولإفساح المجال لكلمة الحق ، لتجد طريقها إلى العقول والقلوب . ولا يحاصرها الطغاة والجبارون ، والمستكبرون بظلمهم واستكبارهم . . ولنا حول الفتوحات كلام فيه بعض التفصيل ، ذكرناه في كتابنا « الحياة السياسية للإمام الحسن عليه السلام » نرسله إليك علك تجد فيه ما ينفع ويقنع . . وهو التالي : ألف : آثار الفتوح على الشعوب التي افتتحت أرضها إن من الواضح : أن تلك الفتوحات لم يكن يتبعها أي اهتمام ـ من قبل ـ الهيئة الحاكمة بإرشاد الناس ، وتعليمهم ، وتثقيفهم ، وتربيتهم تربية دينية صالحة ، بحيث يتحول الإسلام في داخلهم إلى طاقة عقائدية ، تشحن وجدان الإنسان وضميره بالمعاني السامية ، والنبيلة ، ولينعكس ذلك ـ من ثم ـ على كل حركات ذلك الإنسان ومواقفه ، وتغنى روحه وذاته بالمعاني والخصائص الإنسانية الإسلامية السامية ، وتؤثر في صنع ، ثم في بلورة خصائصه الأخلاقية ، على أساس تلك المعاني التي فجرتها العقيدة في داخل ذاته ، وفي عمق ضميره ووجدانه . نعم . . لقد اتسعت رقعة الإسلام خلال عقدين من الزمن اتساعاً هائلاً ، يفوق أضعافاً كثيرة جداً ما تم إنجازه على هذا الصعيد في عهد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله . ولكن الفارق بينهما كان شاسعاً ، والبون كان بعيداً ، فلقد كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله لا يكتفي من الناس بإظهار الإسلام والتلفظ بالشهادتين ، ثم ممارستهم السطحية لبعض الشعائر والظواهر الإسلامية ، وإنما كان يرسل لهم المعلمين والمرشدين ، والمربين ، ليعلموهم الكتاب والحكمة ، وأحكام الدين 1 . أما هذه الفتوحات العظيمة التي تم إنجازها على عهد الخلفاء الثلاثة بعده صلى الله عليه وآله ، ثم في عهد الأمويين ، فلم يكن يصحبها تربية ولا تعليم ، ولا كان ثمة كوادر كافية للقيام بمهمة كهذه ، بالنسبة لهذه الرقعة الواسعة ، وهذا المد البشري الهائل ، ولا كان يهم الخلفاء والفاتحين ذلك من قريب ، ولا من بعيد . وإنما كانوا يكتفون من المستسلمين بالتلفظ بالشهادتين ، ثم بممارسة بعض الحركات والشعائر ، ظاهراً ، من دون أن يكون لها أي عمق عقيدي ، أو رصيد ضميري أو وجداني ذي بال . . ولذلك نجد في كتب التاريخ : أن كثيراً من البلدان تفتح ، ثم تعود إلى الكفر والعصيان ، ثم تفتح مرة أخرى 2 . فالنبي صلى الله عليه وآله كان يريد من الناس الإسلام والإيمان معاً . . ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ... ﴾ 3 . أما الآخرون ، فكانوا يكتفون منهم بظاهر الإسلام ، ولا يهمهم ما بعد ذلك . ونجد عدم الاهتمام هذا واضحاً جلياً لدى القرشيين 4 . . وحتى الكثيرين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله منهم . . حتى لقد قال موسى بن يسار : « إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كانوا أعراباً جفاة ، فجئنا نحن أبناء فارس ، فلخصنا هذا الدين » 5 . . وهكذا . . فإن أهل البلاد المفتوحة بعد الرسول صلى الله عليه وآله قد بقوا على ما كانوا عليه من عاداتهم وتقاليدهم ، ومفاهيمهم الجاهلية ، التي كانت تهيمن على حركاتهم ، وعلى مواقفهم ، وعلى علاقاتهم الاجتماعية بصورة عامة ، ولم يتعمق الإسلام في وجدانهم ، ولا مسَّ ضمائرهم ، فضلاً عن أن يكونوا قد ذابوا فيه ، بحيث يصبح هو المهيمن ، والمحرك والدافع لهم في كل موقف وكل حركة . . آثار ونتائج وعلى صعيد آثار هذه الظاهرة على المدى البعيد ، فقد كانت لها آثار سيئة جداً . . فإن تلك العادات ، والتقاليد ، والمفاهيم ، والانحرافات الجاهلية ، والعلاقات القبلية ، والأهواء والأطماع الشخصية وما يتبع ذلك من ممارسات لا إنسانية لم ير فيها المستفيدون منها ـ الذين ما عرفوا من الإسلام إلا اسمه ، ولا من الدين إلا رسمه ـ أمراً مخالفاً للإسلام ، أو مصادماً له ، ولا أحسوا فيها أية منافرة أو منافاة له ، إن لم نقل : إنها ـ بزعم أولئك المستفيدين منها ـ قد انتزعت من الإسلام اعترافاً بها ، وأصبح يؤمِّن غطاء وحماية لها ، حيث قد صارت ملبسة بلباس الشرع ، ومصبوغة بصبغة الدين . بل إن الحكام وأعوانهم ، ممن كان لهم مكانة ما لدى الناس ، بسبب صحبتهم للنبي صلى الله عليه وآله ، ورؤيتهم له ـ هم أيضاً ، أو أكثرهم ـ لم يكن الإسلام قد تعمق في نفوسهم كثيراً ، بل بقوا على ما كانوا عليه من انحرافات ، ومن مفاهيم وتقاليد جاهلية وقبلية ، وقد استفادوا من مركزهم ، ومن موقعهم ، ومن مكانتهم في مجال تركيز تلك المفاهيم والعادات والانحرافات ، ولو عن طريق وضع الأحاديث على لسان النبي صلى الله عليه وآله لتأييدها ، كما كان الحال بالنسبة للتمييز العنصري ، وتفضيل العربي على المولى ، وغير ذلك مما تقدمت الإشارة إلى بعض منه . ولا أقل . . من أنهم لم يكن يهمهم أمر الإسلام ، ونشر مفاهيمه وتعاليمه ، من قريب ولا من بعيد . وبعد . . فإنه إذا كان إسلام الناس صورياً ، لا يدعمه أي بعد عقيدي ، وليس له أية خلفيات وقواعد ثقافية وعلمية ، ولا يتصل بروح الإنسان وعقله ووجدانه ، بحيث يصير محركاً وجدانياً ، ودافعاً ضميرياً . . فإنه سيتقلص تدريجاً ، ولا يعود له أي أثر على صعيد الحركة والموقف . . ولسوف يعتاد الناس على إسلام كهذا . . يرون أنه لا يتنافى مع جميع أشكال الانحرافات والجرائم ، وتصبح هداية هؤلاء الناس على المدى البعيد أكثر صعوبة ، وأعظم مؤونة ، إن لم نقل : إنه يحتاج إلى عملية بل إلى عمليات جراحية عميقة جداً تستنفد الكثير من الطاقات والمواهب . . وتنتهي بهدر العظيم من القدرات والإمكانات . . ولقد كان بالإمكان تجنب كل ذلك ، لو كان ثمة تأس واتباع للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ، وتأثُّر لخطاه المباركة والميمونة في هذا المجال . وعلى صعيد آخر . . فإن مجتمعاً كهذا لا يملك المناعات ولا الحصانات الكافية ، التي تضمن عدم صيرورته ألعوبة بأيدي الأشرار ، بل بأيدي أولئك الذين يتخذونه أداة لهدم الإسلام الحقيقي ، الذي يرونه يقف حاجزاً أو مانعاً أمام أطماعهم وأهوائهم وانحرافاتهم ، وقد حصل ذلك بالفعل ، كما يتضح لمن يراجع التاريخ ، ولا سيما فترة الحكم الأموي ، ثم ما يلي ذلك من فترات . وعن مجتمع العراق في عصر الإمام الحسن عليه السلام ، نجد النص التاريخي يقول : « ومعه أخلاط من الناس ، بعضهم شيعته ، وشيعة أبيه عليهما السلام ، وبعضهم محكِّمة ، يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة ، وبعضهم أصحاب طمع في الغنائم وبعضهم شكاك ، وبعضهم أصحاب عصبية ، اتبعوا رؤساء لأحكام ومثلها في أصول دين » 6 . . لقد كان هذا حال مجتمع العراق في عهد الإمام الحسن عليه الصلاة والسلام ، رغم أنه كان أقرب إلى مركز الحكم الإسلامي من غيره ، ورغم أنه قد كان ثمة عناية خاصة من قبل الهيئة الحاكمة بشأن العراق ، الذي كان مركز الانطلاق لغزو بلاد المشرق . . وقد تحدثنا عن مجتمع العراق بشيء من التفصيل في بحثنا المستفيض حول الخوارج ، والذي نأمل في تقديمه إلى القراء في فرصة قريبة إن شاء الله تعالى . ولكن يلاحظ على النص المتقدم قوله : « بعضهم شيعته ، وشيعة أبيه » . . فإننا لا نعتقد : أن هذا البعض كان من الكثرة بحيث يصح جعله في قبال سائر الفئات التي تحدث عنها ذلك النص ، إذ : « قد كان الناس كرهوا علياً ، ودخلهم الشك والفتنة ، وركنوا إلى الدنيا ، وقلّ مناصحوه ، فكان أهل البصرة على خلافه ، والبغض له ، وجلّ أهل الكوفة وقراؤهم ، أهل الشام ، وقريش كلها » 7 . بل لقد روى الكشي عن الباقر ( عليه السلام ) قوله : « كان علي بن أبي طالب عليه السلام عندكم بالعراق ، يقاتل عدوه ، ومعه أصحابه وما كان منهم خمسون رجلاً يعرفونه حق معرفته ، وحق معرفته إمامته » 8 . وفي حرب صفين يقول علي عليه السلام لعدي بن حاتم : « أدن . فدنا حتى وضع أذنه عند أنفه . فقال : ويحك ، إن عامة من معي اليوم يعصيني . وإن معاوية فيمن يطيعه ولا يعصيه » 9 . . هذا . . وإن سلوك الحكام والولاة مع الناس آنئذٍ لم يكن إسلامياً على وجه العموم . وإن إلقاء نظرة سريعة على معاملتهم للناس آنئذٍ ، تكفي لإعطاء صورة عن ذلك . . وكنموذج على ذلك نذكر النص التالي : « لم يزل أهل أفريقية من أطوع البلدان وأسمعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك ، حتى دب إليهم أهل العراق ، واستثاروهم ، فشقوا العصا ، وفرقوا بينهم إلى اليوم ، وكانوا يقولون : لا نخالف الأئمة بما تجني العمال ، فقالوا لهم : إنما يعمل هؤلاء بأمر أولئك ، فقالوا حتى نَخْبُرَهُم . فخرج ميسرة في بضعة وعشرين رجلاً ، فقدموا على هشام ، فلم يؤذن لهم ، فدخلوا على الأبرش ، فقالوا : أبلغ أمير المؤمنين : أن أميرنا يغزو بنا ، وبجنده ، فإذا غنمنا نفّلهم ، ويقول : هذا أخلص لجهادنا وإذا حاصرنا مدينة قدّمنا وأخّرهم ، ويقول : هذا ازدياد في الأجر ، ومثلنا كفى إخوانه . ثم إنهم عمدوا إلى ماشيتنا ، فجعلوا يبقرون بطونها عن سخالها ، يطلبون الفراء البيض لأمير المؤمنين ، فيقتلون ألف شاة في جلد ، فاحتملنا ذلك . ثم إنهم سامونا أن يأخذوا كل جميلة من بناتنا . فقلنا : لم نجد هذا في كتاب ولا سنة ، ونحن مسلمون ، فأحببنا أن نعلم : أعن رأي أمير المؤمنين هذا ، أم لا ؟! . . فطال عليهم المقام ، ونفدت نفقاتهم ، فكتبوا أسماءهم ودفعوها إلى وزرائه ، وقالوا : إن سأل أمير المؤمنين ، فأخبروه ، ثم رجعوا إلى أفريقية ، فخرجوا على عامل هشام ، فقتلوه ، واستولوا على أفريقية ، وبلغ الخبر هشاماً ، فسأل عن النفر ، فعرف أسماءهم ، فإذا هم الذين صنعوا ذلك » 10 . . ويذكر نص آخر : أن قتيبة بن مسلم أوقع بأهل الطالقان ، فقتل من أهلها مقتلة عظيمة ، لم يسمع بمثلها ، وصلب منهم سماطين : أربعة فراسخ في نظام واحد ، الرجل بجنب الرجل ، وذلك مما كسر جموعهم » 11 . . كما أن بعضهم يعطي أماناً لبلد في معاملة جرجان ، على أن لا يقتل منهم رجلاً واحداً ، فيقتلهم جميعاً إلا رجلاً واحداً 12 . . وآخر يصالح أهل مدينة قنسرين ، ويجعل من جملة الشروط : أن يهدم المدينة من الأساس وهكذا كان 13 . وأيضاً : فقد دعا نائب خراسان : « أهل الذمة بسمرقند ، ومن وراء النهر إلى الدخول في الإسلام ، ويضع عنهم الجزية ، فأجابوه إلى ذلك ، وأسلم غالبهم ، ثم طالبهم بالجزية ، فنصبوا له الحرب ، وقاتلوه » 14 . . كما أن عقبة بن نافع ، الذي ولاَّه معاوية ابن أبي سفيان على افريقية ، حينما دخلها « وضع السيف في أهل البلاد ، لأنهم كانوا إذا دخل إليهم أمير أطاعوا ، وأظهر بعضهم الإسلام ، فإذا عاد الأمير عنهم نكثوا ، وارتد من أسلم » 15 . وقال ابن الأثير : « لما رأى أهل فارس ما يفعل المسلمون بالسواد ، قالوا لرستم والفيرزان ، وهما على أهل فارس : لم يبرح بكما الاختلاف حتى وهنتما أهل فارس الخ . . » 16 . وأمثال ذلك كثير جداً . ولأجل ذلك ، فقد اشتدت مقاومة أهل البلاد المفتوحة ، وكثر نقض العهود ، حتى اضطر المسلمون إلى فتح كثير من البلاد أكثر من مرة ، كما ألمحنا إليه فيما سبق . ب : آثار الفتوح على الفاتحين وبعد كل ما تقدم . . فإن سياسات التمييز في العطاء ، وتفضيل العرب على غيرهم ، ثم حبس كبار الصحابة في المدينة ، وتولية الأعمال الجليلة ، وقيادة الجيوش خاصة ، لفئة خاصة ، لم تكن على الأغلب تملك رصيداً روحياً ، ولا ثقافياً إسلامياً ، سوى أنها تتمتع بثقة الهيئة الحاكمة ، أو انها رأت النبي صلى الله عليه وآله لبرهة وجيزة جداً ، أو أنها من قريش . إن كل ذلك وسواه من سياسات ، ليس فقط قد جعل من هذه الأمة المنتصرة أمة مغرورة ، معجبة بنفسها ، لا تقف عند حدٍ ، ولا تنتهي إلى غاية . . وخلق طبقة من الأثرياء ، الذين اتخمهم المال ، وأبطرتهم النعمة ، مع عدم وجود روادع دينية أو وجدانية كافية لديهم . وقد كان معظمهم من أبناء واعضاء الهيئة الحاكمة ، وأعوانهم المقربين ، ومن قريش بصورة خاصة ، فنال الأمة منهم كل مكروه ، وأصيب الإسلام على أيديهم في مقاتله . . نعم . . لقد بهرتهم المناصب ، وأسالت لعابهم الفتوحات ، بما فيها من غنائم وسبايا ، وبسط نفوذ ، فشمخ كل منهم بأنفه ، ونظر في عطفه ، وتكبر ، وتجبر ، لأنه كان يتعامل مع الواقع الجديد بعقليته الجاهلية ، التي تعتبر القبيلة ، لا الأمة أساساً ، والفرد ـ لا الجماعة ـ ميزاناً ، ومنطلقاً لمجمل تعامله ، وعلاقاته ، وكل مواقفه وحركاته . . وصاروا يهتمون بتقوية أمرهم ، وتثبيت سلطانهم ، فصاروا يجمعون الأنصار بالمال ، وبالإغراء بالمناصب 17 . . ثم بالإصهار إلى القبائل ، وبغير ذلك من سياسات ، ليس الترهيب والقمع في كثير من الأحيان إلا واحداً منها 18 . واستمروا في بسط نفوذهم وسلطانهم على أساس أنه ملك قبلي فردي بالدرجة الأولى 19 . . وإذا كان أبو بكر ، وكذلك عمر لا يدري : أخليفة هو أم ملك 20 . . فإن معاوية بن أبي سفيان كان نفسه ملكاً بالفعل ، وكذلك كان يعتبره الكثيرون 21 . . بل إن عمر نفسه قد اعتبر نفسه ملكاً في بعض المناسبات 22 . نعم لقد كان معاوية ، والأمويون يعتبرون أنفسهم ـ بل ويعتبروهم كثيرون ـ ملوكاً قيصريين . .وأن على الدين والإسلام ـ بنظرهم ـ أن يكون مجرد شعار يخدم هذا الملك ويقويه ، وإذا وجدوا فيه أنه سيكون مانعاً لهم من الوصول إلى ما يطمحون إليه ، ويعملون في سبيل الحصول عليه ، فلا بد من تدميره ، واستئصاله من جذوره . فالمستفيدون الحقيقيون من تلك الفتوحات ـ ولاسيما على المدى البعيد ـ هم خصوص هذه الطبقة دون سواها ، وهم الذين كانوا يحصلون على النفائس ، والأقطاع ، والذهب ، وصوافي الغنائم . . وهم الذين لا بد أن يختصوا بالحسناوات من النساء ، بعنوان سبايا وجواري . . وقد بلغت الثروات في عهد الخلفاء الثلاثة الأول أرقاماً خيالية ، كما تدل عليه الكثير من النصوص التاريخية 23 . . وقد زادت هذه الأرقام وتضاعفت في عهد الحكم الاموي ، الذي لم يكن يقف عند حدود ، ولا يرجع إلى دين ، حتى أن خالداً القسري كان يتقاضى راتباً سنوياً قدره عشرون مليون درهم ، بينما كان ما يختلسه يتجاوز المئة مليون 24 . بل إننا نجد : أن من يقال عنه : أنه من أزهد الناس ، وهو عمر بن الخطاب ، بل يقولون : إنه لم يترك صامتاً 25 . وكان يرتزق من بيت المال ، ويقتر على نفسه كثيراً ، كما ذكرته بعض النصوص ، وكانت قد أصابته خصاصة ، فاستشار الصحابة فأشاروا عليه أن يأكل من بيت المال ما يقوته 26 . ولما حج فبلغت نفقته ستة عشر ديناراً قال : أسرفنا في هذا المال 27 . إن عمر هذا . . قد أصدق زوجته أربعين ألف درهم أو دينار 28 . وقيل مئة ألف 29 . كما أنه أعطى صهراً له قدم عليه من مكة عشرة آلاف درهم من صلب ماله 30 . بل يقولون : « إن ابناً لعمر باع ميراثه من عمر بماءة ألف درهم » 31 . ويؤيد ذلك ما يذكره أبو يوسف : من أنه « كان لعمر بن الخطاب أربعة آلاف فرس موسومة في سبيل الله تعالى ، فإذا كان في عطاء الرجل خفة ، أو كان محتاجاً ، أعطاه الفرس ، وقال له : إن أعييته ، أو ضيَّعته من علف ، أو شرب ، فأنت ضامن ، وإن قاتلت عليه فأُصيب ، أو أصبت ، فليس عليك شيء » 32 . فإن الظاهر هو : أن هذه الأفراس كانت له ، وقد فعل ذلك تقرباً إلى الله ـ كما يقول!! ـ ، ولا يبعد أن يكون الأمر هو ذلك ، إذا كان إرث واحد ـ من أولاده مئة ألف فقط . ولقد كان هذا في الوقت الذي كان يعيش فيه البعض أقسى حياة يعيشها إنسان ، فلم يكن يملك سوى رقعتين ، يستر بإحداهما فرجه ، وبالأخرى دبره 33 . ولعله لأجل هذا ، ولأجل الحفاظ على الوجه الزهدي للخليفة ، نجد الحسن البصري ، يحاول الدفاع عن الخليفة الثاني في هذا المجال بالذات ، حيث إنه حينما يسأله البعض ، إن كان عمر بن الخطاب أوصى بثلث ماله : أربعين ألفاً ، يحاول إنكار ذلك ، ثم توجيهه بقوله : لا والله ، لمالهُ كان أيسر من أن يكون ثلثه أربعين ألفاً . ولكن أوصى بأربعين ألفاً ، فأجازوها » 31 . وعلى كل حال ، فإننا نستطيع أن نحشد الكثير الكثير من الشواهد والأدلة على مدى اهتمام الحكام وأعوانهم ، وكل من ينتسب إليهم بجمع الأموال ، والحصول على الغنائم ، بحق أو بغير حق . ويكفي أن نذكر : أن زياداً بعث « الحكم بن عمر الغفاري على خراسان ، فأصابوا غنائم كثيرة ، فكتب إليه زياد : أما بعد ، فإن أمير المؤمنين كتب : أن يصطفي له البيضاء والصفراء ، ولا يقسم بين المسلمين ذهباً ولا فضة » فرفض الحكم ذلك ، وقسمه بين المسلمين ، فوجه إليه معاوية من قيَّده ، وحبسه . فمات في قيوده ، ودفن فيها . « وقال : إني مخاصم » 34 . هذا وقد بدأ التعذيب في الجزية من زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب 35 . بل لقد رأيناهم يضربون الجزية حتى على من أسلم من أهل الذمة ، وذلك بحجة : أن الجزية بمنزلة الضريبة على العبد ، فلا يسقط إسلام العبد ضريبته . لكن عمر بن عبد العزيز شذّ عن هذه السياسة وأسقطها عنهم ، كما يذكرون 36 . كما أن عمر بن الخطاب قد حاول أخذ الجزية من رجل أسلم ، على اعتبار : أنه : إنما أسلم متعوذاً ، فقال له ذلك الشخص : إن في الإسلام لمعاذاً . فقال عمر : صدقت ، إن في الإسلام لمعاذاً 37 . وأما مضاعفته الجزية على نصارى تغلب ، فهي معروفة ومشهورة 38 . وقال خالد بن الوليد ، يخاطب جنوده ، ويرغبهم بأرض السواد : « ألا ترون إلى الطعام كرفغ 39 التراب ؟ . وبالله ، لو لم يلزمنا الجهاد في الله ، والدعاء إلى الله عز وجل ، ولم يكن إلا المعاش لكان الرأي : أن نقارع على هذا الريف ، حتى نكون أولى به ، ونولي الجوع والإقلال من تولى ، ممن اثاقل عما أنتم عليه » 40 . وفي فتح شاهرتا ، يعطي بعض عبيد المسلمين أماناً لأهل المدينة ، فلا يرضى المسلمون ، وينتهي بهم الأمر : إلى أن رفعوا ذلك إلى عمر بن الخطاب ، فكتب : « إن العبد المسلم من المسلمين ، أمانه أمانهم . قال : ففاتنا ما كنا أشرفنا عليه من غنائمهم . . » 41 . وقال أحد الشعراء عند وفاة المهلب : ألا ذهب الغزو المقرب للغنى *** ومات الندى والجود بعد المهلب وعدا عن ذلك كله ، فإن قبيلة بجيلة تأبى الذهاب إلى العراق ، حتى ينفلها الحاكم ربع الخمس من الغنائم 42 . نعم . . إن ذلك كله ، لم يكن إلا من أجل ملء جيوبهم ، ثم التقوِّي ـ أحياناً ـ على حرب خصومهم . ولكن ما ذكره خالد بن الوليد آنفاً ليس هو كل الحقيقة ، وذلك لأن ما كان يصل إلى الطبقة المستضعفة من الجند ، لم يكن إلا أقل القليل ، مما لا يكفي لسد خلتهم ، ورفع خصاصتهم ، بل كان محدوداً جداً ، لا يلبث أن ينتهي ويتلاشى ، مع أنهم كانوا هم وقود تلك الحروب ، وهم صانعوا النصر والظفر فيها . . وقد يكون الكثيرون منهم ممن قد افتتحت أرضهم بالأمس القريب . ثم هم يحرمون من كثير من الامتيازات ، حسبما تقدم بالنسبة لأهل أفريقية ، الذين قدموا ليشتكوا للخليفة الأموي هشام بن عبد الملك . ولكن أكثر هؤلاء قد أصبحوا يجدون في هذه الحروب مصدر عيش لهم ، يحصلون عن طريقه على المال ، مهما كان ضئيلاً وزهيداً ، وذلك مما يرضيهم بطبيعة الحال ، ويجعلهم ـ لو كان فيهم من له أدنى اطلاع على الإسلام وأحكامه ـ يغمضون العين عن جميع ممارسات الحكام ، وأعمالهم الشيطانية واللاإسلامية . . وبعض الانتفاضات وإن كانت قد حصلت في بعض الفترات . . ولكنها لا تلبث أن تنتهي ، وسرعان ما تسحق ، أمام الضربات الماحقة ، التي يسددها إليها الحكام آنئذٍ . وعلى كل حال . . فإن الحرب من أجل الغنائم والأموال ، كانت هي الصفة المميزة لأكثر تلك الفتوحات ، وكأنني أتذكر ـ وإن كنت لم أستطع العثور على ذلك الآن رغم بحثي الجاد ـ إن في بعض المعارك يعلن الفريق الآخر إسلامه ، فلا يلتفتون إليهم ، ويعتبرونهم كاذبين ، وذلك طمعاً في أموالهم ونسائهم . وقد نجد آثار هذه الظاهرة ، حتى في زمن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أيضاً ، حيث إن المسلمين لم يكونوا قد بلغوا مرحلة النضج الرسالي بعد ، ولا تفاعلوا مع الإسلام وأحكامه على النحو المطلوب . بل كانت لا تزال فيهم بعض النزعات الجاهلية ، والأطماع الدنيوية ، فيقول الحارث بن مسلم التميمي : إن النبي صلى الله عليه وآله أرسلهم في سرية ، قال : « فلما بلغنا المغار استحثثت فرسي ، وسبقت أصحابي ، واستقبلنا الحي بالرنين ، فقلت لهم : قولوا لا إله إلا الله تحرزوا ؟ فقالوها . فجاء أصحابي ، فلاموني ، وقالوا : حرمتنا الغنيمة بعد أن بردت في أيدينا . فلما قفلنا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله ، فدعاني ، فحسَّن ما صنعت ، وقال : أما إن الله قد كتب لك من كل إنسان منهم كذا وكذا الخ . . » 43 . وقال الزبير للذي سأله عن مسيره لحرب علي ( عليه السلام ) : « حدثنا أن ههنا بيضاء وصفراء ـ يعني دراهم ودنانير ، فجئنا لنأخذ منها » 44 . وبعد ذلك كله ، فقد قال المعتزلي في مقام إصراره على لزوم دخول علي في الشورى ، لأن الأحقاد عليه من قريش والعرب كانت على أشدها ـ قال ـ : « لا كإسلام كثير من العرب ، فبعضهم تقليداً وبعضهم للطمع والكسب ، وبعضهم خوفاً من السيف ، وبعضهم على طريق الحمية والانتصار ، أو لعدواة قوم آخرين من أضداد الإسلام وأعدائه » 45 . وبعد كل ما تقدم . . فطبيعي : أن حياة النعيم والرفاهية لدى الهيئة الحاكمة وأعوانها ، وكذلك التمتع بالحسناوات والجواري ، من شأنه أن يزرع بذور الخمول ، وحب السلامة ، والإخلاد للراحة ، بحثاً عن الملذات . . ثم يستتبع ذلك : العمل على دفع الآخرين ليخوضوا الغمرات ، ويقدموا التضحيات ، في سبيل تأمين المزيد من تلك الامتيازات ، وفي سبيل حمايتها أيضاً : تربية النشء على أيدي غير المسلمات : هذا كله . . عدا عن أن الجواري اللواتي لم يسلمن ، أو لم يتعمق الإسلام في قلوبهن على الأكثر . . قد كن يعشن في قلب ذلك المجتمع ، وكن يتولين تربية النشء الجديد فيه ، سواء كان من أولادهن ، أو من أولاد الأخريات من الحرائر . وقد رأينا : أن الكثيرين من الأشراف والرؤساء قد كانوا من أمهات نصرانيات ، أو تلمذوا على نصارى فقد : 1 ـ كان لأولاد سعد بن أبي وقاص معلم نصراني 46 . 2 ـ يوسف بن عمرو الذي كانت أمه نصرانية ، كما نص عليه كثير من المؤرخين 47 . 3 ـ خالد القسري ، الذي بنى لأمه كنيسة كما نص عليه كثير من المؤرخين أيضاً 48 وكان خالد يهدم المساجد ، ويبني البيع والكنائس ، ويولي المجوس الخ 49 وكان جد خالد من يهود تيماء 50 . ومن أبناء نساء كتابيات يذكرون : 4 ـ الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي . 5 ـ عبيدة السلمي . 6 ـ أبو الأعور السلمي . 7 ـ حنظلة بن صفوان . 8 ـ عبد الله بن الوليد بن عبد الملك . 9 ـ يزيد بن أسيد . 10 ـ عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان . 11 ـ العباس بن الوليد بن عبد الملك . 12 ـ مالك بن ضب الكلبي . 13 ـ شقيق بن سلمة أبو وائل . 14 ـ عبد الله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي 51 . 15 ـ عمر بن أبي ربيعة 52 . 16 ـ وأبو سلمة بن عبد الرحمن 53 . وذكر ابن حبيب طائفة من أبناء اليهوديات من قريش مثل : 1 ـ عاصم بن الوليد بن عتبة . 2 ـ هاشم بن عتبة بن نوفل . 3 ـ عامر بن عتبة بن نوفل . 4 ـ قويت بن حبيب بن أسد . 5 ـ عيسى بن عمارة بن عقبة . 6 ـ عمرو بن قدامة بن مظعون . 7 ـ أبو عزة الجمحي الشاعر . 8 ـ الخيار بن عدي . 9 ـ الحصين بن سفيان بن أمية وغيرهم 54 . وكان حبيب بن أبي هلال الذي يروي عن سعيد بن جبير قد عشق امرأة نصرانية فكان يأتي إلى البيعة لأجلها ، فجرحه علماء الرجال بذلك . بل قيل إنه قد تنصر وتزوج بها 55 . بل إن طلحة قد تزوج بيهودية في زمن عمر 56 . وتزوج عبد الله بن أبي ربيعة بنصرانية أيضاً وذلك في زمن عمر 57 . وعثمان أيضاً تزوج بنائلة بنت الفرافصة على نسائه وهي نصرانية 58 . ومع أنه قد كان لعمر غلام نصراني لم يسلم ، وقد أعتقه حين وفاته 59 . إلا أننا نجده يعترض على أبي موسى ، لأن كاتبه غلام نصراني 60 . ويقول الجاحظ : « أكثر من قتل في الزندقة ممن كان ينتحل الإسلام ويظهره هم الذين كان آباؤهم نصارى ، على أنك لو عددت اليوم أهل الظنة ومواضع التهمة لم تجد أكثرهم إلا كذلك » 61 . ولو أردنا استقصاء هذه الأمور لطال بنا الأمر . . وعلى كل حال . . فإن تربية تلك الجواري للنشء الجديد ـ قد كان من شأنه أن يخفض من المستوى الديني ، ومن مستوى الالتزام بالأحكام الإسلامية لدى ذلك النشء بالذات . . وهذا بطبيعة الحال ـ من شأنه أن يشكل خطراً جدياً على الإسلام وعلى المسلمين ، ولذلك . . فإننا نجد الأئمة عليهم السلام يهتمون بتربية العبيد والجواري تربية إسلامية صالحة ، ثم عتقهم 62 . وقد شجع الإسلام العتق على نطاق واسع . وجعل له من الأسباب الإلزامية والراجحة الشيء الكثير ، الذي من شأنه أن يقضي على ظاهرة العبودية من أساسها . بل لقد اعتبر العتق في نفسه راجحاً ، ومن دون أي سبب . طموحات الشباب ومن جهة أخرى . . فإننا نجد : أن الحكام كانوا يستفيدون من تلك الفتوحات في مجال إرضاء طموحات الشباب ، وإشباع غرورهم ، إذا كانوا بصدد تأهيلهم لمناصب عالية ، وإظهار شخصياتهم . . بل لقد رأينا معاوية يجبر ولده يزيد لعنه الله على قيادة جيش غاز لبعض المناطق 63 والظاهر أن ذلك لأجل ما ذكرناه . إبعاد المعترضين أضف إلى ذلك : أنهم كانوا يستفيدون منها كذلك في إبعاد المعترضين على سياساتهم ، والناقمين على أعمالهم ، وتصرفاتهم ، وكشاهد على ذلك نذكر : أنه لما تفاقمت النقمة على عثمان استدعى بعض عماله ومستشاريه ، وهم : معاوية وعمرو بن العاص ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وسعيد بن العاص ، وعبد الله بن عامر 64 واستشارهم فيما ينبغي له عمله لمواجهة نقمة الناس على سياساته ، ومطالبتهم له بعزل عماله 65 ، واستبدالهم بمن هم خير منهم ، فأشار عليه عبد الله بن عامر بقوله : « رأيي لك يا أمير المؤمنين : أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك ، وأن تجمرهم 66 في المغازي ، حتى يذلوا لك ، فلا يكون همة أحدهم إلا نفسه ، وما هو فيه من دَبَرة دابته ، وقَمَلِ فروه » . وأضاف في نص آخر قوله : « فرد عثمان عماله على أعمالهم ، وأمرهم بالتضييق على من قبلهم ، وأمرهم بتجمير الناس في البعوث ، وعزم على تحريم أعطياتهم ، ليطيعوه ، ويحتاجوا إليه . . » 67 . وحينما أنكر الناس على عثمان بعض أفعاله ، وأشار عليه معاوية بقتل علي عليه السلام ، وطلحة ، والزبير ، فأبى عليه ذلك ، قال له معاوية : « فثانية ؟ قال : وما هي ؟ قال : فرقهم عنك ، فلا يجتمع منهم اثنان في مصر واحد . واضرب عليهم البعوث والندب ، حتى يكون دَبَر بعير كل واحد منهم أهم عليه من صلاته . قال عثمان : سبحان الله شيوخ المهاجرين والأنصار ، وكبار أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وبقية الشورى ، أخرجهم من ديارهم ، وأفرق بينهم وبين أهليهم ؟ . . الخ . . » 68 . ويقول اليعقوبي عن معاوية : « وكان إذا بلغه عن رجل ما يكره قطع لسانه بالإعطاء ، وربما احتال عليه ، فبعث به في الحروب ، وقدمه ، وكان أكثر فعله المكر والحيلة » 69 . إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه في عجالة كهذه . . ج : الأئمة وتلك الفتوحات 1 ـ وبعد كل ما تقدم . . فإنه يتضح لنا : لماذا لم يتقدم أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام خطوة واحدة نحو الفتوحات ، وتوسعة رقعة البلاد الإسلامية ، حتى في أيام خلافته ، بل كان يهتم بتركيز العقيدة ، وتثبيت المنطلقات والمثل الإسلامية الرفيعة والنبيلة ، ونشر الفكر القرآني المحمدي الصافي ، وإعطاء خط الإسلا?

1