logo-img
السیاسات و الشروط
منذ 3 سنوات

حب الوطن من الايمان

لقد ورد عنهم «عليهم السلام» أن «حب الوطن من الإيمان» (سفينة البحار ج2 ص668 .) وإننا بغض النظر عن سند هذا الحديث . لربما يصعب علينا ـ لأول وهلة ـ تصور معنى سليم ومقبول لهذه الكلمة ؛ إذ لماذا يكون حب الوطن من الإيمان ؟! وهل يمكن أن يكون لهذا التراب بما هو تراب ، ولد الإنسان عليه ، وعاش في أجوائه ، مهما كان وضعه الجغرافي سيئاً ، قيمة واحترام إلى حد أن يعتبر حبه من الإيمان ؟ وبسوى هذا الحب ، فإن الإيمان يكون ناقصاً ، وليس فيه تلك الفاعلية المتوخاة ؟ .


وإننا في مقام الإجابة على هذا السؤال ، نقول : إن هذا الحب الذي يهتم به الإسلام لا يمكن أن يكون حباً عشوائياً ، لا هدف له ، ولا فائدة منه ، ولا في خط مخالف للإسلام . وإنما هو حب منسجم مع أهداف الإسلام العليا ، ومن منطلق إيماني واقعي إلهي ، فإنه «من الإيمان» . كما أن الوطن الذي يعتبر الإسلام حبه من الإيمان ، ليس هو محل ولادة الإنسان ، وإنما هو الوطن الإسلامي الكبير ، الذي يعتبر الحفاظ عليه حفاظاً على الدين والإنسانية ، لأن به يعز الدين ، وتعلو كلمة الله ، وهو قوة للإسلام ، لأنه محل استقرار وهدوء ، وموضع بناء القوة فكرياً وروحياً ومادياً ، ثم الحركة على صعيد التنفيذ للانتقال إلى الوضع الأفضل والأمثل . أما حيث الغربة وعدم الاستقرار ، فهناك الضياع ، وهدر الطاقات ، وحيث لا يجد الإنسان الفرصة للتأمل والتفكير في واقعه ، ولا في مستقبله ، ولو أنه استطاع ذلك ، فلسوف لا يستطيع تنفيذ قراراته ، لعدم المركزية التي تمنحه الحركة المنظمة ، والثابتة ، ثم التركيز والاستمرار . نعم ، إن الوطن ليس إلا وسيلة للدفاع عن الدين والحق ، وللوصول إلى الأهداف الخيّرة والنبيلة ، فالدين والإنسان هو الأصل ، والوطن وغيره لا بد أن يكون في خدمة هذا الدين ، ومن أجل ذلك الإنسان . فمن يحافظ على وطنه ، ويحبه بدافع الحفاظ على الإسلام وحبه ، فإن حفاظه وحبه هذا يكون من الإيمان . وأما إذا كان الوطن وطن الشرك والكفر والانحراف ، والانحطاط بإنسانية الإنسان : فإن الحفاظ على وطن كهذا وحبه يكون حفاظاً على الشرك وتقوية له ، كما أن حبه هذا يكون من الكفر والشرك ، لا من الإيمان والإسلام . ومن أجل ذلك فقد حكم الإسلام والقرآن على من كان في بلاد الشرك ، وكان بقاؤه فيها موجباً لضعف دينه وإيمانه : أن يهاجر منها إلى بلاد الإيمان والإسلام ، إلى حيث يستطيع أن يحتفظ بدينه قوياً فاعلاً ، وبإنسانية خلاقة نبيلة ، قال تعالى : ﴿  إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا  ﴾ 1 . بل إن محل ولادة الإنسان إذا كان يحارب الدين الحق ، ويسعى في إطفاء نور الله ، فإنه يجب تدميره على كل أحد حتى على نفس هذا الذي ولد وعاش فيه 2 3 .

4