logo-img
السیاسات و الشروط
منذ 3 سنوات

ما مدى صحة دعاء التوسل المعروف ؟

هناك من يشكل ويقول بأن دعاء التوسل المعروف، مضمونه فيه شرك بالله تعالى لاشتماله على الطلب من غير الله عزَ وجل وبالتالي لا يجوز الإتيان به حتى بقصد الرجاء . كيف ضمّن علماؤنا كتب الأدعية أمثال هذا الدعاء ولم يلتفتوا إلى ما التفت إليه هذا المُسْتشكل؟


إن العلماء قد أجابوا عن هذه الشبهة ، وعن غيرها من الشبهات . غير أننا حول موضوع التوسل بالأنبياء والأوصياء ، نقول : قد قال الله تعالى : ﴿ ... المزید وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ... ﴾ 1 . وروي عن الإمام علي [عليه السلام] أنه قال في تفسير هذه الآية : أنا وسيلته 2 . . وعن علي بن إبراهيم في تفسير الآية قال : تقربوا إليه بالإمام 3 . وعن النبي [صلى الله عليه وآله] ، فيما يرتبط بالأئمة من ولد الحسين [عليه السلام] أنه قال : هم العروة الوثقى ، وهم الوسيلة إلى الله تعالى 4 . وروي في مسانيد أهل السنة : عن عثمان بن حنيف : أن رجلاً ضريراً أتى إلى النبي [صلى الله عليه وآله] ، فقال : ادع الله أن يعافيني . فقال [صلى الله عليه وآله] : إن شئت دعوت ، وإن شئت صبرت ، وهو خير . قال : فادعه . فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ، ويصلي ركعتين ، ويدعو بهذا الدعاء : « اللهم إني أسألك ، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، يا محمد ، إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضى . اللهم شفعه فيّ » 5 . يضاف إلى ما تقدم ، قوله تعالى : ﴿ ... وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾ 6 . وقد كان هذا الأمر معروفاً عند الناس ، ويمارسونه ، ولا ينكرهم عليهم أحد من المسلمين . قال المجلسي[رحمه الله] : وقد روى جم غفير من علمائنا ، منهم شاذان بن جبرئيل . ومن المخالفين ، منهم أسعد بن إبراهيم الأردبيلي المالكي ، بأسانيدهم عن عمار بن ياسر ، وزيد بن أرقم ، قالا : كنا بين يدي أمير المؤمنين [عليه السلام] ، وإذا بزعقة عظيمة وكان على دكة القضاء . فقال : يا عمار ، إئت بمن على الباب . فخرجت ، وإذا على الباب امرأة في قبة جمل . وهي تشتكي ، وتصيح : « يا غياث المستغيثين ، إليك توجهت ، وبوليك توسلت ، فبيض وجهي وفرج عني كربتي . قال عمار الخ . . 7 . والأدلة من الحديث والتاريخ على مشروعية التوسل بالأنبياء والأولياء كثيرة جداً ومتنوعة . . وقد جمع العلامة الشيخ علي الأحمدي طائفة كبيرة جداً من الشواهد على ذلك في كتابه « التبرك » فراجعه إن شئت . وأما دعوى الشرك في موضوع التوسل بالأنبياء والأولياء [عليهم السلام] ، فلا معنى لها . لأن المتوسل إنما يتوسل بالنبي والولي إلى الله سبحانه ليقضي حاجاته ، وكما أنه حتى حين يطلب حاجته من نفس أولئك الأبرار فإنما يفعل ذلك لمعرفته بأن الله سبحانه لا يردَّهم خائبين ، فهو يريد منهم أن يكونوا وسيلته إليه سبحانه ، حيث لا يجد في نفسه الأهلية للطلب منه تعالى مباشرة . . فهو إذن لا يعتقد : أنهم هم الذين يفعلون ذلك بقدراتهم الذاتية المستقلة عن الله ، وغير المرتبطة به سبحانه . . ويكون حال العبد حال ولد عاق ، سيء المعاملة لأبيه ، يطلب ممن له عند أبيه مكانة ، أن يتوسط له عنده ، لينال رضاه ، ويفوز ببعض منحه وعطاياه . . فلا شرك في البين . . والحمد لله رب العالمين 8 .

2