منذ سنتين

مشاركة علي في حروب الردة اعتراف بخلافة ابي بكر

لقد شارك علي «رضي الله عنه» في زمن خلافة أبي بكر «رضي الله عنه» في حرب المرتدين، وأخذ جارية من سبي (بني حنيفة)، أنجبت له فيما بعد ولده المسمى (محمد بن الحنفية). ويلزم من هذا أن علياً «رضي الله عنه» يرى صحة خلافة أبي بكر، وإلا لما ارتضى أن يشاركه في هذا الأمر.


بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين . . وبعد . . إن هذا السؤال ينقسم إلى شقين : أحدهما : مشاركة علي « عليه السلام » في حرب المرتدين . الثاني : سبي علي « عليه السلام » لجارية من بني حنيفة . فأما بالنسبة لمشاركته « عليه السلام » في الحروب ، فنقول : علي عليه السلام في حروب الردة أولاً : لم يذكر أحد أن علياً « عليه السلام » قد شارك في حرب المرتدين ، ولم يذكر أحد أنه « عليه السلام » هو الذي سبى جارية من بني حنيفة ، بل وجدنا في النصوص تصريحات بأنه رفض المشاركة في الحروب التي حصلت في عهد أبي بكر وعمر وعثمان . . ويدل على ذلك : ما أشار إليه البلاذري ، من أن عمر بن الخطاب عرض على أمير المؤمنين علي « عليه السلام » الشخوص إلى القادسية ، ليكون قائداً لجيش المسلمين ، فأباه ، فوجه سعد بن أبي وقاص 1 . وفصل ذلك المسعودي ، فقال : « لما قتل أبو عبيد الثقفي بالجسر شق ذلك على عمر وعلى المسلمين ، فخطب عمر الناس وحضهم على الجهاد ، وأمرهم بالتأهّب لأرض العراق ، وعسكر عمر بصِرار ، وهو يريد الشخوص . وقد استعمل على مقدّمته طلحة بن عبيد الله ، وعلى ميمنته الزُّبير بن العوّام ، وعلى ميسرته عبد الرحمان بن عوف . ودعا الناس فاستشارهم ، فأشاروا عليه بالمسير . ثم قال لعلي « عليه السلام » : « ما ترى يا أبا الحسن : أسير أم أبعث » ؟! قال : « سر بنفسك ، فإنه أهيب للعدو وأرهب » ، وخرج من عنده . فدعا العباس في جِلّة من مشيخة قريش وشاورهم ، فقالوا : « أقم ، وابعث غيرك ، لتكون للمسلمين إن انهزموا فئة » وخرجوا . فدخل عليه عبد الرحمان بن عوف ، فاستشاره ، فقال عبد الرحمان : « فُديتَ بأبي وأمي ، أقم وابعث غيرك ، فإنه إن انهزم جيشك فليس ذلك كهزيمتك ، وإنك إن تُهزم أو تُقتل يكفر المسلمون ، ولا يشهدوا ان لا إله إلا الله أبداً » . قال : « أشِر عليَّ من أبعث » ؟! قال : سعد بن أبي وقاص . فقال عمر : أعلم أن سعداً رجل شجاع ، ولكني أخشى أن لا يكون عنده (معرفة بـ) تدبير الحرب . قال : عبد الرحمان : هو على ما تصف من الشجاعة ، وقد صحب رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، وشهد بدراً ، فاعهد إليه عهداً ، وشاورنا فيما أردت أن تحدث إليه ، فإنه لن يخالف أمرك ، ثم خرج . فدخل عليه عثمان بن عفان ، فقال له : يا أبا عبد الله ، أشر عليّ : أسير أم أقيم ؟! فقال عثمان : « أقم يا أمير المؤمنين ، وابعث الجيوش ، فإني لا آمن عليك إن أتى عليك آتٍ أن ترجع العرب عن الإسلام ، ولكن ابعث الجيوش وداركها بعضها على بعض ، وابعث رجلاً له تجربة بالحرب وبصيرة بها » قال عمر : ومن هو ؟! قال : علي بن أبي طالب . قال : فالقَه ، وكلِّمه ، وذاكره ذلك ، فهل تراه يسرع إليه أم لا ؟! فخرج عثمان ، فلقي علياً فذاكره ذلك ، فأبى علي ذلك وكرهه ، فعاد عثمان إلى عمر فأخبره . فقال له عمر : فمَن ترى ؟! قال : سعيد بن زيد إلخ . . 2 . ولتوضيح بعض الأمور نشير إلى ما يلي : ألف : قد يحتمل بعض الباحثين : أن يكون عمر يريد أن يولي علياً « عليه السلام » بعض تلك الجيوش ، وينتدبه للتوجه إلى بعض البلاد ، ثم يعزله ، ليثير الشبهة حول أهليته ، أو حول نواياه ، ليضعف موقعه ، ويحط من مقامه . . ولا يهمنا هنا تحقيق هذا الأمر إثباتاً أو نفياً ، فإنه مجرد احتمال لم يقدم له صاحبه شاهداً يدل عليه . ب : تقدم : أن أبا بكر كان قد فكر في إرسال علي « عليه السلام » لقتال المرتدين ، فقال له عمرو بن العاص : لا يطيعك 3 . فإذا كان « عليه السلام » لا يطيع أبا بكر ، فهل يطيع عمر في القتال لأجل فتح البلاد ، وبسط النفوذ ؟! . . مع العلم : بأن شيئاً لم يتغير فيما يرتبط برأي علي « عليه السلام » في غاصبية أبي بكر وعمر للمقام الذي جعله الله تعالى له بنص يوم الغدير ، وغيره . . ج : تقدم حين الحديث عن مشورة عمرو بن العاص على أبي بكر بعدم انتداب علي « عليه السلام » لحرب المتنبئين بعض ما يفيد في استجلاء دلالات هذا التصرف من عمر ، وهذا الموقف من علي ، فراجع ما ذكرناه سابقاً . د : ما نسب إلى عبد الرحمان بن عوف هنا ، من أنه إذا هزم عمر أو قتل يكفر المسلمون ، ولا يشهدوا أن لا إله إلا الله . . غير صحيح . فإن بقاء المسلمين على إسلامهم ليس لأجل عمر ، كما أن عمر قد قتل بعد ذلك على يد أبي لؤلؤة ، ولم يكفر المسلمون ، ولا كفر بعضهم . ومجرد وقوع الهزيمة على عمر لا يلزم منه أيضاً كفر أحد . . وقد استشهد الرسول الأعظم « صلى الله عليه وآله » ، ولم يكفروا لأجل موته ، فهل يكفرون بموت عمر . وإنما عرض لهم كفر الطاعة والوفاء ، كالكفر الذي في قوله تعالى : ﴿ ... وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ 4 . أي ومن لم يطع . . وقد عبر بالكفر هنا ، لأن الكافر لا يهتم بالطاعة ولا يبالي بها ، وكذلك يكون حال الذي يستطيع ولا يحج ، فإنه يكون حاله في مقام العمل كحال الكافر . هـ : زعمت الرواية : أن الذي أشار بتولية سعد بن أبي وقاص هو عبد الرحمان بن عوف . مع أن رواية الفتوح قد ذكرت أن علياً « عليه السلام » هو المشير على عمر بسعد . الحنفية من سبي أبي بكر ثانياً : وقد قال السائل : إن أم محمد بن الحنفية كانت سبيّة من سبايا الردة ، الذين سباهم خالد بن الوليد لمّا ارتدت بنو حنيفة ، وادَّعت نبّوة مسيلمة . وقالوا : إن أبا بكر دفعها إلى علي « عليه السلام » من سهمه في المغنم 5 . وقد اختلفوا فيها : هل هي أمة لبني حنيفة سوداء سنديّة ؟! 6 . أم هي عربية من بني حنيفة أنفسهم ؟! وهذا غير دقيق ، فلاحظ ما يلي : 6 ـ الإستدلال على خلافة أبي بكر : انطلاقاً مما تقدّم ، حاول البعض أن يتخذ من ذلك دليلاً على صحة خلافة أبي بكر . يقول السمعاني : « كانت من سبي بني حنيفة ، أعطاها إيّاه (كذا) أبو بكر الصديق ، ولو لم يكن إماماً لما صحّ قسمته ، وتصرّفه في خمس الغنيمة ، وعلي « عليه السلام » أخذ خولة ، وأعتقها ، وقد تزوج بها » 7 . كما أن ابن الجوزي جعل ما يذهب إليه الرافضة في أبي بكر من أعجب التغفيل ، بعد أن كانوا يعلمون باستيلاده الحنفية من سبيه . الأمر الذي يدل على رضاه ببيعته . . 8 . ونقول : إن استدلال هؤلاء بهذا الدليل غريب وعجيب ، لأسباب عديدة هي : 1 ـ فإن صحة سبي المشرك ، وصحة بيعه وشرائه ، والإستيلاء عليه لا تتوقف على أن يكون السابي له عادلاً ، أو حاكماً ، أو خليفة ، بل وحتى مسلماً أيضاً ، إذ يجوز ذلك حتى ولو سباه مشرك مثله ، أو سباه غير الحاكم ، وغير الخليفة ، ولا دلالة فيه على صحة خلافة أحد . 2 ـ إن من يجوّز خلافة كل متغلب ، ويرى وجوب طاعته ، والإيتمار بأوامره ، وعدم جواز الخروج ، بل ولا الإعتراض عليه ، وصحة كل تصرفاته . . كما هو مذهب هؤلاء المستدلين أنفسهم لا يفيده أخذ علي من سبي أبي بكر لإثبات مشروعية خلافته . . ولا يدل ذلك على تبرئة أبي بكر من غاصبيته لمقام ليس له . ولعله لأجل هذا بعينه لم يرتض الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني ، المعلق على أنساب السمعاني ، هذا الإستدلال . حيث قال : « . . أهل السنّة في غنى عن مثل هذا الإستدلال » 9 . 3 ـ إن كون الحنفية من سبي أبي بكر غير معلوم ، بل نكاد نقطع بخلافه ، وذلك استناداً إلى الأمور التالية : ألف : قال المعتزلي : « وقال قوم ، وهم المحققون ، وقولهم الأظهر : إن بني أسد أغارت على بني حنيفة في خلافة أبي بكر الصديق ، فسبوا خولة بنت جعفر ، وقدموا بها المدينة ، فباعوها من علي « عليه السلام » . وبلغ قومها خبرها ، فقدموا المدينة على علي « عليه السلام » ، فعرفوها ، وأخبروه بموضعها منهم ، فأعتقها ، ومهرها وتزوجها ، فولدت له محمداً ، فكنّاه أبا القاسم . . وهذا القول هو اختيار أحمد بن يحيى البلاذري في كتابه المعروف بـ : (تاريخ الأشراف) » 10 . وقد ذكر البلاذري عن علي بن المغيرة الأثرم ، وعباس بن هشام الكلبي نحو ما تقدم . . ثم قال : « وهذا أثبت من خبر المدائني » 11 . ولكن نص رواية الكلبي عن خراش بن إسماعيل كما يلي : إن خولة سباها قوم من العرب في خلافة أبي بكر ، فاشتراها أسامة بن زيد بن حارثة ، وباعها من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب « عليه السلام » ، فلما عرف أمير المؤمنين صورة حالها أعتقها ، وتزوجها ، ومهرها . وقال ابن الكلبي : من قال : إن خولة من سبي اليمامة فقد أبطل 12 . ولكن الحقيقة هي : أن ما ذكروه من شراء علي « عليه السلام » لها ، وإن كان صحيحاً ، ولكنهم غلطوا في قولهم : إن شراءها كان في زمن أبي بكر ، بل كان ذلك في زمن الرسول الأعظم « صلى الله عليه وآله » كما ذكره الآخرون ، وتؤيده القرائن والشواهد الآتية . ب : قال البري التلمساني : « وأما أبو القاسم محمد بن علي ، ابن الحنفية ، فأمه من سبي بني حنيفة ، اشتراها علي ، واتخذها أم ولد ، فولدت له محمداً ، فأنجبت . واسمها : خولة بنت أياس بن جعفر ، جانّ الصفا . ويقال : بل كانت أمة لبني حنيفة ، سندية سوداء ، ولم تكن من أنفسهم ، وإنما صالحهم خالد بن الوليد على الرقيق ، ولم يصالحهم على أنفسهم » 13 . ج : إن بعض ما ذكروه في وفاة ابن الحنفية ، وفي مدة عمره يؤيد : أنه ولد في زمن الرسول « صلى الله عليه وآله » . وعدم ذكره في جملة الصحابة ولو على سبيل الإحتمال ، لعله غفلة منهم ، أو لعدم ذهابهم إلى تلك الأقوال التي يقتضي الجمع بينها ذلك . . أو لأنهم قد سلّموا : بأن أمه كانت من سبي أبي بكر ، ولم يخطر على بالهم غير ذلك . . وبيان ذلك : أن ابن الحنفية قد عاش على أشهر الأقوال خمساً وستين سنة . . بل لقد وجد في هامش عمدة الطالب : أنه مات وله « سبع وستون سنة » 14 . وإذا أضفنا إلى ذلك : أن ابن حجر يختار : أن وفاته كانت سنة 73 ، وينسب سائر الأقوال إلى (القيل) ، والظاهر : أن دليله هو ما رواه البخاري في تاريخه ، حيث قال : « حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبو عوانة ، عن أبي حمزة ، قال : قضينا نسكنا حين قتل ابن الزبير ، ثم رجعنا إلى المدينة مع محمد ، فمكث ثلاثة أيام ثم توفي . . » 15 . فإننا لا بد وأن نستنتج : أن ولادة ابن الحنفية قد كانت سنة 8 للهجرة ، بل قبلها . وعلى هذا . . فلا يصح أن تكون من سبي أبي بكر على يد خالد بن الوليد ، كما يدَّعون . . وقولهم : إن علياً « عليه السلام » لم يعرف في حياة فاطمة « عليها السلام » غير فاطمة ، لا يتلاءَمُ مع هذا البيان ، فإنه لما أرسله الرسول « صلى الله عليه وآله » ليأخذ الخمس من خالد وأصحابه اصطفى جارية ، وأصابها ، وشكوه إلى رسول الله « صلى الله عليه وآله » فناصره عليهم 16 .إلا أن يكون مرادهم أنه لم يتخذ زوجة دائمة في حياة فاطمة « عليها السلام » ، فيكون أولد خولة قبل شهادة فاطمة « عليها السلام » . . وأعتقها ثم تزوجها بعد شهادة فاطمة « عليها السلام » . وذكر لهم أنه لا يفعل إلا ما يأمره به . فلا مانع بناء على ذلك من ولادة ابن الحنفية في عهد رسول الله « صلى الله عليه وآله » . والحمد لله ، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله . . 17 .

1