منذ سنتين

المراد بالفاحشة في قوله تعالى : ... فخانتاهما ...

إن أحد النواصب نشر هذه الصورة من تفسير القمي فما هي صحة الرواية ؟! وهل توجد روايات عند القوم مثل هذه [للرد عليه فقط] ؟ السؤال حول تفسير الآية الشريفة : ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ... ﴾ .


إننا في مقام الإجابة عن السؤال حول تفسير الآية الشريفة : ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ... ﴾ 1 . وأن المراد بالخيانة هو الفاحشة . نقول : أولاً : إن تفسير القمي لا يمكن الاعتماد عليه والاستناد إليه ، ولا يصح الاحتجاج بجزئيات مضامينه ، لأن الظاهر هو أن هذا التفسير قد اختلط بتفسير لرجل آخر اسمه أبو الجارود ، لسبب ما قد يكون هو تصدي بعضهم للجمع بين التفسيرين ، وقد يكون غير ذلك . وأبو الجارود مطعون فيه ومذموم ، ولا يمكن الاعتماد على روايته . . فما يوثق به من هذا التفسير هو خصوص ما علم أنه برواية القمي [رضوان الله عليه] . فإذا تحققنا بأن الرواية له ، فلا بد أن ننظر في سندها ، ونحاكمه [أي السند] وفق الأصول المرعية ، فإن ثبت اعتباره انتقلنا لمناقشة المتن ، فإن لم نجد فيه أي إشكال أخذنا بالرواية ، [بعد أن صح لنا سندها ، ومتنها ، وسلامتها من أي إشكال . .] وإلا فما علينا إذا رددناها جناح . . والحديث المشار إليه حول تفسير الخيانة بالفاحشة لم يظهر أنه من كلام القمي [رحمه الله] . . وحتى لو كان من كلامه ، فإنه لم يذكر لنا عمن رواه . وهل هو من كلام إمام معصوم ، أو من كلام آخرين . . أو هو رأي للقمي نفسه!! . ثانياً : إن هذا التفسير للآية الشريفة ينافي تفسيرها المروي عن الأئمة الأطهار [صلوات الله عليهم] ، من أن خيانة امرأة لوط هي أنها كانت تعلم قوم لوط بمجيء الرجال إليه ، فكانت تخرج فتصفر ، فإذا سمعوا الصفير جاؤوا . . وقد روي عن ابن عباس : هذا المعنى أيضاً قال : كانت امرأة نوح وامرأة لوط منافقتين 2 . وعنه كانت امرأة نوح كافرة ، تقول للناس : إنه مجنون . وكانت امرأة لوط تدل على أضيافه فكان ذلك خيانتهما لهما . وما بغت امرأة نبي قط ، وإنما كانت خيانتهما في الدين 3 . ثالثاً : قد ذكر العلامة المجلسي 4 أن الخاصة والعامة بأجمعهم يقرون بقداسة أذيال أزواج رسول الله [صلى الله عليه وآله] مما ذكر . وقال الطوسي : ما زنت امرأة نبي قط . . إلى أن قال : فمن نسب أحداً من زوجات النبي إلى الزنى فقد أخطأ خطأً عظيماً ، وليس ذلك قولاً لمحصل 2 . رابعاً : قد صرحت رواية القمي بأنه قد كان ثمة عقد وزواج بين تلك الزوجة وبين رجل بعينه . وهذا يعني أن المراد بالفاحشة الوارد في كلام القمي هو هذا الفعل الناشئ عن الشبهة التي أوجدها العقد ، حين قيل لها : إنه لا يحل لها الخروج من دون محرم . فليس في كلامه اتهام بالزنى بمعناه الحقيقي ، وذلك واضح . خامساً : إن هذا الكلام حتى لو ورد في رواية عن معصوم ، فإن ضعف سند الرواية يمنع من الإعتماد عليها ، بل لا مجال للإعتماد عليها لضعف السند ، وللإشكال في الدلالة أيضاً ، من حيث مخالفتها لإجماع المسلمين شيعة وسنة ، القائم على طهارة زوجات الأنبياء من هذا الأمر الشنيع . سادساً : إن هناك آية أخرى تقول : ﴿  يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا  ﴾ 5 . فقد أثبتت هذه الآية الشريفة إمكانية صدور الفاحشة من نسائه [صلى الله عليه وآله] . . وحيث إنه لا يمكن حملها على معناها الحقيقي ، فلا بد من القول بأن المراد من الفاحشة هو العمل الخارج عن الحد المسموح به ، وهو يصدق على كل معصية . فلعل المراد بالرواية التي هي مورد البحث هذا المعنى . وقد ذكر القمي نفسه رواية تفسر هذه الآية ، فقال في تفسيره قال : « حدثنا محمد بن أحمد قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن غالب ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن حماد ، عن حريز قال : سألت أبا عبد الله [عليه السلام] عن قول الله عز وجل : ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ... ﴾ 5 . قال : « الفاحشة : الخروج بالسيف » 6 . فقد طبق [عليه السلام] الفاحشة التي لها معنى عام على خروجها على علي [عليه السلام] ومحاربتها له في حرب الجمل ، فإذا كان المراد بالفاحشة في هذه الآية هو ذلك ، وإذا كان ذلك هو المعنى اللغوي لهذه الكلمة ، فإنه يصح أن يقال : إن مراد القمي بها في تفسيره لكلمة الخيانة هو نفس هذا المعنى أعني تجاوز الحد ، ولو بإجراء العقد على زوجة النبي بزعم لزوم هذا العقد أو جوازه [لتتمكن من السفر مع محرم] حتى لو كان هذا التوهم باطلاً . . فلعل هذا هو مقصود القمي . . أي أنه يقول : إن نفس إجراء العقد ولو لم يتعقبه أي شيء آخر حتى النظر ، فضلاً عن اللمس ، وعما سوى ذلك يعد تجاوزاً وخروجاً يستحق معه إطلاق لفظ الفاحشة عليه . . فإذا كانت الآية قد صرحت بإمكان ذلك ، وتحدثت الرواية عما يتوافق مع هذا التفسير ، فليكن هذا المقدار هو مقصود القمي ، أو أية رواية أو نص آخر سواه ، لو صح هذا النص سنداً وهو مجرد فرض . والحمد لله ، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين 7 8 .