منذ سنتين

متى كان اسلام عمر ؟!

أن عمر قد أسلم بعد إسلام حمزة بن عبد المطلب (عليه السلام) بثلاثة أيام. وكان إسلامه سبباً لخروجه (صلى الله عليه وآله) من دار الأرقم، بعد أن تكامل المسلمون أربعين رجلاً ، أو ما هو قريب من ذلك.


ونحن نشير هنا إلى : أ ـ أن الخروج من دار الأرقم ـ كما يقولون ـ إنما كان في الثالثة من البعثة ، حينما أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بالإعلان بالدعوة ، وهم يصرحون بأن إسلام عمر كان في السادسة من البعثة . ب ـ إنهم يقولون إن عمر قد أسلم بعد الهجرة إلى الحبشة ، حتى لقد رق للمهاجرين ، لما رآهم يستعدون للرحيل ، حتى رجوا إسلامه منذئذٍ ، والهجرة إلى الحبشة قد كانت في السنة الخامسة من البعثة ، والخروج من دار الأرقم قد كان قبل ذلك أي في السنة الثالثة . ج ـ أنه قد اشترك في تعذيب المسلمين ، وإنما كان ذلك بعد الخروج من دار الأرقم ، والإعلان بالدعوة . متى أسلم عمر إذاً ؟! إننا نستطيع أن نقول باطمئنان : إنه لم يسلم في السنة السادسة قطعاً بل أسلم بعد ذلك بسنوات ، ومستندنا في ذلك : أولاً : إنهم يقولون : إنه قد أسلم بعد فرض صلاة الظهر ، فصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الظهر معلناً تحت حماية عمر كما تقدم ، وصلاة الظهر قد فرضت ـ حسب قولهم ـ حين الإسراء والمعراج الذي كان ـ عندهم ـ في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة من البعثة ، فكلامهم متناقض . وإن كنا نحن قد حققنا : أن الإسراء والمعراج كان في حوالي السنة الثانية من البعثة . وقد أجاب البعض عن ذلك ، بأن المقصود هو صلاة الغداة أي الصبح 1 . ولكنه توجيه لا يصح ؛ فإن كلمة الظهر لا تنطبق على الغداة ولا تطلق عليها وهو جواب عجيب وغريب كما ترى . وإن كان مرادهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يؤخر صلاة الصبح إلى ارتفاع الشمس فهو غير معقول ؛ إذ كيف يؤخر النبي (صلى الله عليه وآله) صلاته عن وقتها بلا عذر ظاهر ؟ . ثانياً : إن عبد الله بن عمر يصرح : أنه حين أسلم أبوه كان له هو من العمر ست سنين 2 . ويرى البعض : أن عمره كان خمس سنين 3 . ويدل على ذلك : رواية أن ابن عمر كان حين إسلام أبيه على سطح البيت ، ورأى أن الناس قد هاجوا ضد أبيه ، وحصروه في البيت ؛ فجاء العاص بن وائل ففرقهم عنه ، وقد استفسر ابن عمر أباه حينئذٍ عن بعض الخصوصيات كما سيأتي عن قريب . كما أن ابن عمر يروي : أنه حين أسلم أبوه غدا يتبع أثره ، وينظر ما يفعل ، يقول : وأنا غلام أعقل ما رأيت 4 ، مما يدل على أن ابن عمر كان حين إسلام أبيه مميزاً مدركاً . وذلك يدل على أن عمر أسلم حوالي السنة التاسعة من البعثة ـ كما ذهب إليه البعض 5 ـ لأن ابن عمر ولد في الثالثة من البعثة ، وتم عمره على الخمس عشرة سنة في عام الخندق سنة خمس من الهجرة ، حيث أجازه (صلى الله عليه وآله) فيها كما هو مشهور 6 . بل ورد عن ابن شهاب : أن حفصة وابن عمر قد أسلما قبل عمر ، ولما أسلم أبوهما كان عبد الله ابن نحو من سبع سنين 7 وذلك يعني أن إسلام عمر قد كان في العاشرة من البعثة . بل نقول : إن عمر بن الخطاب لم يسلم إلا قبل الهجرة بقليل ، ويدل على ذلك : أولاً : إنه بلغه ، أن أخته لا تأكل الميتة 8 . وواضح : أن تحريم الميتة إنما كان في سورة الأنعام ، التي نزلت في مكة جملة واحدة . وكانت ـ كما تقول بعض الروايات ـ أسماء بنت يزيد الأوسية آخذة بزمام ناقته (صلى الله عليه وآله) 9 وإسلام الأوس وأهل المدينة إنما كان بعد الهجرة إلى الطائف ، ومجيء نسائهم إلى مكة قد كان بعد العقبة الأولى . وما تقدم في فصل : بحوث تسبق السيرة ، من أن زيد بن عمرو بن نفيل كان لا يأكل الميتة . . لو صح ؛ فإنما هو لأجل أنه كان يدين بالنصرانية إلا أن يقال : إن تحريم الميتة قد كان على لسان النبي (صلى الله عليه وآله) قبل نزول سورة الأنعام لكن ذلك يحتاج إلى دليل وشاهد وهو غير موجود . ثالثاً : لقد استقرب البعض : أن يكون قد أسلم بعد أربعين ، أو خمس وأربعين ممن أسلم بعد الهجرة إلى الحبشة 10 . ويؤيد ذلك : أن الذين هاجروا إلى الحبشة كانوا أكثر من ثمانين رجلاً ، والهجرة إليها إنما كانت في الخامسة ، وإسلام عمر كان في السادسة من البعثة حسب زعمهم ـ فلا بد أن يكون الأربعون الذين أتمهم عمر بإسلامه غير هؤلاء الذين هاجروا ، وإن كان ابن الجوزي يعد الذين أسلموا قبل عمر ، فيذكر أسماء من هاجر إلى الحبشة على الأكثر 11 الأمر الذي يشير إلى أنه يرى : أن الأربعين الذين أتمهم عمر هم هؤلاء ، وليسوا فريقاً آخر قد أسلم بعد هجرتهم . ويؤيد ذلك أيضاً : الروايات التي تصرح بأنه أسلم في السادسة من البعثة ، وأنه رق للمهاجرين إلى الحبشة ، حتى لقد رجوا إسلامه ، فإذا كان ذلك ، فلسوف يأتي في حديث المؤاخاة التي جرت في المدينة بعد الهجرة بين المهاجرين والأنصار : أن المهاجرين كانوا حين المؤاخاة خمسة وأربعين رجلاً أو أقل أو أكثر بقليل 12 . أي أن الذين أسلموا بعد الهجرة إلى الحبشة كانوا خصوص هؤلاء ، فإذا كان عمر قد أسلم وكان تمام الأربعين فيهم فإن معنى ذلك هو أنه قد أسلم قبل الهجرة بقليل ، ثم هاجر . ولعله لأجل ذلك لم يتعرض للتعذيب في مكة ، كما سنشير إليه حين الكلام عن الذين عذبوا فيها . رابعاً : لقد جاء في الروايات في إسلام عمر : أنه (دنا من رسول الله ، وهو يصلي ويجهر بالقراءة ، فسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرأ : ﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ... ﴾ 13 حتى بلغ ﴿ ... الظَّالِمُونَ ﴾ 14 15 . وواضح : أن هاتين الآيتين قد وردتا في سورة العنكبوت ، وهي إما آخر ما نزل في مكة ، أو هي السورة قبل الأخيرة 16 . فإسلام عمر قد كان قبل الهجرة بقليل ، لأنه يكون أسلم قبل نزول هاتين السورتين . خامساً : لقد روى البخاري في صحيحه ، بسنده عن نافع قال : إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر . . ثم حاول نافع أن يوجه هذا بأن ابن عمر بايع تحت الشجرة قبل أبيه ، ثم قال : فهي التي يتحدث الناس : أن ابن عمر أسلم قبل عمر 17 . ولكننا نقول لنافع : ألم يكن الناس يعرفون اللغة العربية ؟ فلم لم يقولوا : إنه بايع قبل أبيه ، وقالوا : أسلم قبل أبيه ؟! . ثم ألم يكن أحد منهم يعرف أن هذا الكلام لا يدل على ذاك ولا يشير إليه ، فكيف يصح أن يكون هو المقصود منه ؟! . ونحن نعتقد : أن ما يقوله الناس في ذلك الزمان هو الصحيح الظاهر ، فإن ابن عمر قد أسلم قبل الهجرة بيسير ، ثم أسلم أبوه وهاجر 18 . سادساً : إن عمر قد رفض في عام الحديبية : حمل رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) بحجة أن بني عدي لا ينصرونه ؛ فمعنى ذلك هو أنه قد أسلم وهاجر ولم يعلم أحد بإسلامه ، وإلا لكان قد عذب ، ولم ينصره بنو عدي 19 ، لا سيما مع ما سيأتي من حالة الذل التي كان يعاني منها هذا الرجل قبل إسلامه . سابعاً : إن عمر كما يدَّعون قد أسلم حينما سمع النبي (صلى الله عليه وآله) يقرأ في صلاته ويجهر في القراءة ، وكان عمر مختبئاً تحت أستار الكعبة . . مع أنهم يقولون : إن النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمين لم يتمكنوا من الصلاة في الكعبة إلا بعد إسلام عمر! فأي ذلك هو الصحيح ؟ 20 .

1