منذ سنتين

لماذا خالفت الشيعة كل ما روي عن اهل السنة ؟

ادعت كتب الشيعة ان الائمة كانت تنكر كل حديث يرويه امام من ائمة العامة ، وان موسى بن جعفر قد انكر كل حديث رواه مالك امام المذهب ، إلى ان قال : وكان الصادق يأمر بما فيه خلاف اهل السنة والجماعة الخ .


ان الشيعة ترى ان الكذب على ائمة اهل البيت كالكذب على الله ورسوله ، موبقة توجب دخول النار وهو عندهم من مفطرات الصائم في شهر رمضان ، وحديثهم وفقههم صريحان بذلك ، فثقاتهم لا يتهمون في النقل عن ائمتهم ابدا ، على ان فيهم من الورع والعبقرية ما يسمو بهم عن كل دنية ، وإذا كانت ائمة العترة الطاهرة تنكر حديث من ذكرهم موسى جار الله فما ذنب الشيعة ؟ وقد بلغه القدح في ائمته عن كثير من سلفه الصالح 1 فلم يره شيئا نكرا ، بل لعله يوسع الجارحين عذرا ، فلما بلغه بعض الشئ عن ائمة اهل البيت مزق كل فروة ، وجب كل ذروة . والامام الكاظم اعرف الناس بمالك ، كانا في بلد واحد ، وعصر واحد ، وقد انتهى إليه ميراث السنن عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله وتصافق الناس على علمه وورعه ، وزهده وكظمه الغيظ ، وتجاوزه عمن اساء إليه ، وانقطاعه إلى الله مخلصا له في العبادة ، ناصحا لعباده في الارشاد والافادة ، فكان الواجب ان يستغرب الناس من الامام مالك عدم سماعه منه ، فان الموطأ خلو من حديثه عليه السلام 2 . واغرب من هذا ان مالكا كان لا يروي عن الامام الصادق على ما قيل 3 حتى يضم إليه احد ، والشيخان كلاهما لم يخرجا شيئا عن الكاظم ، ولا عن الرضا ، ولا عن الجواد ، ولا عن الهادي، ولا عن الزكي الحسن العسكري 4 ولا عن الحسن بن الحسن ، ولا عن الشهيد زيد بن علي بن الحسين ، ولا عن يحيى بن زيد ، ولا عن النفس الزكية محمد بن عبد الله الكامل بن الحسن الرضا بن الحسن السبط ، ولا عن اخيه ابراهيم بن عبد الله ، ولا عن الحسين شهيد فخ ، ولا عن يحيى بن عبد الله بن الحسن ، ولا عن عن اخيه ادريس ابن عبد الله ، ولا عن محمد بن جعفر الصادق ، ولا عن محمد بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن المعروف بابن طباطبا ، ولا عن اخيه القاسم الرسي ، ولا عن محمد بن محمد بن زيد بن علي ، ولا عن محمد بن القاسم بن علي بن عمر الاشرف ابن زين العابدين صاحب الطالقان المعاصر للبخاري ، ولا عن غيرهم من اعلام العترة الطاهرة ، كعبد الله بن الحسن ، وعلي بن جعفر العريضي ، واخويه اسماعيل بن جعفر واسحاق ابن جعفر ، وغيرهما من ثقل رسول الله ، وبقيته في امته ، صلى الله عليه وآله ، حتى انهما لم يرويا شيئا من حديث سبطه الاكبر وريحانته من الدنيا الامام ابي محمد الحسن المجتبى سيد شباب اهل الجنة . نعم رووا اباطيل مختلقة افتراء على الامام زين العابدين وسيد الساجدين عن ابيه سيد الشهداء وخامس اصحاب الكساء وانا أتلو عليك ما أخرجه البخاري من ذلك ، فأقول : اخرج هذا الشيخ 5 عن الزهري من طريقين ، قال : اخبرني علي ابن حسين ، ان حسين بن علي ، اخبره ان علي بن ابي طالب ، قال : ان رسول الله صلى الله عليه وآله طرقه وفاطمة ، فقال لهم : الا تصلون ؟ فقال علي : يا رسول الله انما انفسنا بيد الله فإذا شاء ان يبعثنا بعثنا ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وآله حين قال له ذلك ولم يرجع إليه شيئا ، ثم سمعه وهو مدبر يضرب فخذه ، وهو يقول : وكان الانسان اكثر شئ جدلا . واخرج الشيخ البخاري عن الزهري ايضا 6 قال : اخبرنا علي بن حسين ، ان حسين بن علي ، اخبره ان عليا قال : كان لي شارفان من نصيبي من المغنم يوم بدر ، فلما أردت ان ابتني بفاطمة ( عليها السلام ) واعدت رجلا صواغا من بني قينقاع ان يرتحل معي فنأتي بأذخر فأردت ان أبيعهما من الصواغين فنستعين بذلك على وليمة عرسي ، فبينا انا اجمع لشارفي من الاقتاب والغرائر والحبال ، وشارفاي مناخان إلى جنب حجرة رجل من الانصار ، حتى جمعت ما جمعت ، فإذا انا بشارفي قد اجبت اسنمتهما ، وبقرت خواصرهما ، واخذ من اكبادهما ، فلم املك عيني حين رأيت المنظر ، قلت : من فعل هذا ؟ قالوا : حمزة وهو في هذا البيت في شرب من الانصار ، عنده قينة واصحابه ، فقالت القينة في غنائها : ألا يا حمز للشرف النواء ، فوثب حمزة إلى السيف فاجب اسنمتهما وبقر خواصرهما واخذ من اكبادهما ، قال علي . فانطلقت حتى دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وعنده زيد بن حارثة ، وعرف النبي الذي لقيت فقال : مالك ؟ فقلت : يا رسول الله ما رأيت كاليوم عدا حمزة على ناقتي فأجب اسنمتهما وبقر خواصرهما ، وها هو ذا في بيت معه شرب ، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وآله يمشي حتى جاء البيت الذي فيه حمزة فطفق النبي يلوم حمزة فيما فعل ، فإذا حمزة ثمل محمرة عيناه ، فنظر إلى النبي ، ثم صعد النظر ، فنظر إلى ركبتيه ، ثم صعد النظر ، فنظر إلى وجهه ، ثم قال حمزة : وهل انتم الا عبيد لابي الحديث . قلت : هذا هو العلم الذي يؤثره البخاري عن علي بن حسين عن حسين بن علي عن علي بن ابي طالب ، وكأنه ما صح لديه عنهم سوى ان اخا الرسول وبضعته الزهراء البتول كانا ينامان عن الصلاة ، وان هارون هذه الامة وابا شبرها وشبيرها ومشبرها كان اكثر شئ جدلا ، وان سيد الشهداء اسد الله واسد رسوله الذي خصه بسبعين تكبيرة عند الصلاة عليه كان يشرب الخمر ، ويأكل الميتة من يد القينة ، ويقول الهجر والكفر ، نعوذ بالله من هذه الأضاليل ، والله المستعان على هذه الاباطيل ، وقد استوفينا الكلام عليها في كتابنا ـ تحفة المحدثين ـ بما لا مندوحة للباحثين المدققين عن الوقوف عليه ، واني والله لا عجب من الشيخ البخاري يروي عن الف ومئتين من الخوارج 7 ويحتج باكثر من مئة مجهول 8 ويعتمد على كثيرين ممن سبق الطعن بهم 9 كعكرمة البربري الخارجي ، واسماعيل بن اويس ، وعاصم بن علي ، وعمرو ابن مرزوق ، وامثالهم ويصحح حديث المرجئة والقدرية ، ولا تأخذه لومة لائم في الاحتجاج بمروان بن الحكم ، والمغيرة ابن شعبة ، ومعاوية الاموي ، وعمرو بن العاص ، وامثالهم ولا يخجل من الاحتجاج بعمران بن حطان داعية الخوارج وزعيمهم ، وهو القائل في شقيق عاقر الناقة أشقى الآخرين ابن ملجم المرادي ، وضربته لأخي النبي ووليه ، ومن كان منه بمنزلة هارون من موسى : يا ضربة من تقي ما أراد بها *** الا ليبلغ من ذي العرش رضوانا اني لاذكره يوما فاحسبه *** اوفى البرية عند الله ميزانا ثم يعرض عن سبط رسول الله الاكبر ، وريحانته من الدنيا الحسن بن علي امام الامة وسيد شباب اهل الجنة ، وعن الصادقين من اهل البيت ، وهم اعدال الكتاب ، وسفينة النجاة وباب حطة وامان هذه الامة 10 . لكم ذخركم ان النبي وآله *** وحزبهم ذخري إذا التمس الذخر واما قول هذا الرجل : وكان الصادق يأمر بما فيه خلاف اهل السنة والجماعة . فجوابه : انه عليه السلام إذا استفتاه من يعرفه بالعمل بهديه يفتيه بما عنده من ذلك ، وإذا استفتاه من يعرفه باتباع غيره اجابه بما جاء عنهم ، وإذا سأله من لا يعرفه ، قال في الجواب : جاء عن فلان كذا ، وعن فلان كذا ، فيذكر في الاثناء مذهب اهل البيت في المسألة . هذه طريقته ، وربما كانت طريقة غيره من ائمة اهل البيت ، وقد قال عليه السلام لمعاذ بن مسلم الهراء 11 " بلغني انك تقعد في الجامع فتفتي الناس ، قال : نعم وأردت ان اسألك عن ذلك قبل ان اخرج اني اقعد في المسجد فيجئ الرجل فيسألني عن الشئ فإذا عرفته بالخلاف لكم اخبرته بما يفعلون ، ويجئ الرجل اعرفه بمودتكم وحبكم فاخبره بما جاء عنكم ، ويجئ الرجل لا اعرفه ولا ادري من هو ، فاقول : جاء عن فلان كذا ، وجاء عن فلان كذا ، فادخل قولكم فيما بين ذلك ، فقال لي : اصنع كذا فاني كذا اصنع " . اه‍ . قلت : وحيث كان من سيرته عليه السلام هذا الصنع روى الناس عنه في المسائل الخلافية احكاما متعارضة ، فالتبست بعد ذلك على اوليائه فسألوه عنها ، فكان مضمون جوابه : ان ما كان منها موافقا للعامة فانما قلته له كي يأخذوا بمذهبهم ، وما كان منه مخالفا لهم فانما قلته بيانا للحقيقة كي يأخذ به المقتدون بنا . وهذا كل ما عندنا من العمل بالاخبار المتعارضة الصحيحة إذا لم يكن شئ منها مؤيدا بآية من كتاب الله عزوجل ، وفيه من احترام مذاهب المسلمين كافة ما لا يخفى على أولي الالباب ، لكن منينا بموسى جار الله واضرابه ممن لا يفقهون ، فانا لله وانا إليه راجعون . لا اشك ان موسى جار الله رأى عمر بن قيس ـ وهو من اعلام اهل السنة واعيان التابعين ـ يقول 12 : من اراد الحق فليأت الكوفة فلينظر ما قال ابو حنيفة واصحابه فليخالفهم . اه‍ . أو رأى عمار بن زريق ـ وهو من اعلام التابعين وشيوخ اهل السنة ايضا ـ يأمر ابا الجواب فيقول له : خالف أبا حنيفة فانك تصب . اه‍ . أو رأى عمار بن زريق المذكور يقول : إذا سئلت عن شئ فلم يكن عندك شئ ، فانظر ما قال ابو حنيفة فخالفه ، فانك تصب . اه‍ . أو راى ابن عمار يقول : إذا شككت في شئ فنظرت إلى ما قال أبو حنيفة فخالفته ، كان هو الحق فان البركة في خلافه ، أو راى غيرهم من امثالهم ، ينسجون في هذا القول على منوالهم فظن ان الصادق عليه السلام انما يرمي إلى هذا الغرض ﴿ ... يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ ... ﴾ 13 14 .