منذ سنتين

هل جهل النبي بحال خواص اصحابه ام داهن في امرهم ؟!

قد عرف بالتواتر الذي لا يخفى على العامة والخاصة أن أبا بكر وعمر وعثمان «رضي الله عنهم» كان لهم بالنبي (صلى الله عليه وآله) اختصاص عظيم. وكانوا من أعظم الناس صحبة له وقرباً إليه، وقد صاهرهم كلهم، وكان يحبهم ويثني عليهم. وحينئذ فإما أن يكونوا على الإستقامة ظاهراً وباطناً في حياته وبعد موته، وإما أن يكونوا بخلاف ذلك في حياته أو بعد موته. فإن كانوا على غير الاستقامة مع هذا القرب فأحد الأمرين لازم: إما عدم علمه بأحوالهم، أو مداهنته لهم، وأيهما كان فهو من أعظم القدح في الرسول (صلى الله عليه وآله) كما قيل: فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة *** وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم وإن كانوا انحرفوا بعد الاستقامة، فهذا خذلان من الله للرسول في خواص أمته، وأكابر أصحابه، ومن وعد أن يظهر دينه على الدين كله، فكيف يكون أكابر خواصه مرتدين؟! فهذا ونحوه من أعظم ما يقدح به الشيعة في الرسول (صلى الله عليه وآله)؛ كما قال أبوزرعة الرازي: إنما أراد هؤلاء الطعن في الرسول (صلى الله عليه وآله) ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين.


بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد.. فإننا نجيب بما يلي: أولاً : من أين عرف اختصاص أبي بكر وعمر برسول الله «صلى الله عليه وآله»؟! إن كان قد فهم من كلام رسول الله «صلى الله عليه وآله» في حقهما، فيحتاج ذلك إلى إثبات بصورة علمية صحيحة، حيث إن ما ينقل من ذلك إنما رواه الفريق الذي ينسب نفسه إليهما، ويسعى بكل ما أوتي من قوة لدفع الإشكالات عنهما، وتأويل ما صدر منهما من مخالفات، ولو بما لا يسمن ولا يغني من جوع. ولم نجد علياً «عليه السلام» وجميع من يحوم حوله إلا في موقع العاتب والناقد، والساكت على مضض، والمصرح بما لا يرضاه هذا السائل ومن معه، ومن وراءه.. وإن كان هذا الإختصاص قد استفيد من كثرة حضور هذين الرجلين في مجلس رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وتصدرهما مجالسه، وسعيهما للتدخل في كل كبيرة وصغيرة، فهو لا يفيد شيئاً في الدلالة على أنسه ورضاه بفعلهما، ولا يدلُّ على أن سكوته عنهما كان بسبب حبه لهما، وشغفه بهما.. بل قد نجد في الآيات والروايات ما يدلُّ على عدم الرضا عن بعض تدخلاتهما، فراجع على سبيل المثال ما ورد في شأن نزول الآية الأولى من سورة الحجرات، حيث يبدو أنها نزلت أكثر من مرة، وكانت إحداها في حق أبي بكر وعمر 1 . وروي: أن رجلاًٍ قام إلى أمير المؤمنين «عليه السلام» فسأله عن هذه الآية في من نزلت، فقال: في رجلين من قريش 2 . ثانياً : لقد كان غير أبي بكر وعمر أقرب إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وقد يعد البعض من هؤلاء عثمان بن مظعون، وجابر بن عبد الله، وسعد بن معاذ، وعمار بن ياسر، وأبي ذر، وسلمان، لكن لا شك في أن هناك من لا يقاس به أحد، وهو علي «عليه السلام»، وقد أكد النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه ذلك، وصرح بمحبته العظيمة له في عشرات الموارد، بل الأحاديث الواردة من طرق أهل السنة، وفي مصادرهم لا تكاد تحصى كثرة، ومنها قوله «صلى الله عليه وآله» يوم أعطاه الراية في خيبر: «لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله» 3 . وقد تمنى عمر أن تكون الراية له، ولو كانت له لكانت إحدى ثلاث أحب إليه من حمر النعم على حد قوله 4 . فلماذا يتجاهلها فريق من الناس، ويحاول التشكيك في صحتها، ولا يرتب عليها، ولو عشر معشار الأثر الذي يرتبه على ما يدعي هو دون سواه، أنه ورد في حق أبي بكر وعمر وعثمان؟! ثالثاً : قد قلنا كرات ومرات: إن للمصاهرة أسبابها المختلفة، وظروفها الخاصة، وقد صاهر رسول الله «صلى الله عليه وآله» أبا سفيان، في حال كان يجمع الجيوش، ويغزو النبي «صلى الله عليه وآله» بها مرة بعد أخرى، ويسعى في سفك دمه بكل ما أوتي من قوة وحول. ولا شك في أن النسب أوثق من السبب، فإذا كان تخلف ابن النبي نوح عن ركوب السفينة قد أودى به إلى الغرق والهلاك، فما نفع المصاهرة إذا لم يصاحبها عمل بقول رسول الله «صلى الله عليه وآله» في ركوب سفينة النجاة، وفي التمسك بالثقلين؟! وهذا سعد بن معاذ لم تنفعه الصحبة في المنع من أن تناله ضمة القبر لسوء خلقه مع أهله، فكيف بمن قتل الإمام الحسين «عليه السلام»، وسم الإمام الحسن «عليه السلام»، وقتل آلاف المسلمين من أجل الحكم والسلطان؟! ومهما يكن من أمر، فقد يكون الزواج من هذه أو تلك لأجل إصرار أبيها وذويها عليه بما لا يسعه التملص والتخلص منه.. وقد يكون السبب هو معالجة حالة إنسانية.. وقد يكون السبب تأليف قلوب عشيرتها، وترغيبهم بالإسلام كما كان الحال بالنسبة لزواجه «صلى الله عليه وآله» من ميمونة بنت الحارث الهلالية. وقد يكون لأجل أمر يرتبط بالتشريع كزواجه بزينب بنت جحش، التي كانت تحت زيد بن حارثة.. وقد يكون لأسباب أخرى كزواجه «صلى الله عليه وآله» من صفية بنت حيي بن أخطب اليهودي. كما أن عمر يقول لابنته حفصة: لقد علمت: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لا يحبك، ولولا أنا لطلقك 5 ، وذلك أنه كان قد أصر على النبي «صلى الله عليه وآله» بأن يتزوجها. وزواجه بعائشة أيضاً كانت له ظروفه وأسبابه، وقد جاء في كتاب: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ما دلَّ على أن أبا بكر وزوجته هما اللذان أصرَّا عليه بالزواج منها.. أما سائر الروايات التي تتحدَّث عن حالات وأمور أخرى في هذا الزواج، فإنما جاء من طريق عائشة نفسها. أما تزويج رقية وأم كلثوم من عثمان، فهناك كلام كثير حول كون هاتين البنتين ابنتي رسول الله «صلى الله عليه وآله» لصلبه، أو أنهما بنتاه بالكفالة والتربية. رابعاً : بالنسبة لما ذكره السائل عن استقامة أبي بكر، وعمر، وعثمان في حياة النبي «صلى الله عليه وآله»، وهل استمر ذلك بعد موته نقول: إن طريقة استدلاله غير صحيحة، لأسباب عديدة، نذكر منها ما يلي: ألف: إنه قال: إن كانوا على غير الإستقامة ـ مع هذا القرب ـ فإما أنه «صلى الله عليه وآله» لم يكن يعلم بأحوالهم، أو كان مداهناً لهم.. ونجيب: بأنه وإن علم بحالهم، فليس له ترتيب الأثر على علمه هذا، لأن عليه أن يعاملهم بحسب ظاهر حالهم، لا طبقاً لعلومه الخاصة.. ب: ثم قال: وإن كانوا انحرفوا بعد الإستقامة فهذا خذلان من الله لرسوله.. ويجاب: بأن الله تعالى يقول: ﴿ ... وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ... ﴾ 6 ، فإن من يخطئ هو الذي يتحمل مسؤولية خطأه. كما أن أبا لهب لم يؤمن، وابن نوح كذلك، فهل يمكن أن يعد هذا خذلاناً للنبي «صلى الله عليه وآله»، ولنوح «عليه السلام»؟! وقد صرح القرآن بأن الذين آمنوا مع الأنبياء كانوا ثلة قليلة، فهل هذا خذلان للأنبياء أيضاً؟! خامساً : إن الخطأ أو المعصية لأجل شبهة أو هوى ليس ارتداداً، فلماذا يكون مطلوب السائل دائماً هو إثبات الإرتداد على أبي بكر وعمر وعثمان؟! سادساً : إن خطأ بعض الأصحاب حتى لو كانوا أقرب الناس إلى النبي «صلى الله عليه وآله» لا يلزم منه عدم ظهور الدين، ولا القدح في الرسول «صلى الله عليه وآله»، ولا خذلانه. بل هو خذلان لمن عصاه، وتخلف عن طاعته، وطاعة الأئمة من عترته «عليهم السلام». فإن موسى اختار قومه سبعين رجلاً، وكان حالهم هو ما ذكره القرآن عنهم، فهل نقص مقام موسى «عليه السلام» بذلك؟! أو أن الله تعالى لم يظهر دينه؟! كما أن زوجتي نوح ولوط، وابن نوح كانوا في جملة أهل لوط ونوح، ولم يمنع ذلك من ظهور دينهما، ولا كان من أسباب الطعن بهذين النبيين العظيمين.. سابعاً : لقد كان أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» يعدون بمئات الألوف، وكان الأخيار فيهم كثيرين جداً، فلو أن أحد أصحابه كـ : عبد الله بن أبي، أو الحكم بن أبي العاص، أو الوليد بن عقبة لم يكن صالحاً، هل يصح اعتبار النبي «صلى الله عليه وآله» رجل سوء، وهل يصح أن يقال عن نوح ولوط وموسى ويوسف «عليهم السلام» أنهم رجال سوء، لأن الزوجات والأخوة والأبناء كانوا سيئين؟! على أن المعروفين بالصلاح في أصحاب الرسول «صلى الله عليه وآله» لا ينحصرون بأشخاص ثلاثة أو أربعة، إذ هناك مصعب بن عمير، وسعد بن معاذ، وعثمان بن مظعون، وسلمان، وعمار، والمقداد، وأبو ذر، وأبو أيوب، وحجر بن عدي، وأبو الهيثم بن التيهان، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، وعلي بن أبي طالب وكثيرون، فلماذا لا ينظر إلى هؤلاء وأضرابهم، وينظر فقط إلى ثلاثة رجال دون كل أحد سواهم؟! ثامناً : هناك من غيَّر وبدَّل بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله» ـ كما يقول أهل السنة ـ وهم من يسمونهم بأهل الردّة. وقد استحلوا دماءهم، وقتلوهم.. وقد ارتد طليحة بن خويلد وغيره أيضاً.. فلماذا لا يرضون باحتمال أن يكون بعض الصحابة قد انقاد لهواه، وخالف بعض الأوامر، أو وقع في بعض الأخطاء لشبهة عرضت له؟! فليكن ما فعله أبو بكر وعمر وعثمان، من غصب الخلافة، وضرب الزهراء «عليها السلام»، وإسقاط جنينها من هذه المخالفات على أقل تقدير. والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله.. 7 .

2