منذ سنتين

كيف احب الانصار عليا وسلموا الخلافة لابي بكر ؟!

يذكر علماء الشيعة الاثني عشرية كثيراً حب الأنصار لعلي بن أبي طالب، وأنهم كانوا كثرة في جنده في موقعة صفين. فيقال لهم: إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يسلّموا الخلافة إليه وسلّموها لأبي بكر؟! لن تجد إجابة مقنعة تسلّي بها نفسك. إن نظرة الأنصار ومن قبلهم المهاجرين أبعد وأصوب منا جميعاً، لقد كانت هذه الفئة المؤمنة تُفرّق بين الخلافة وبين الارتباط العاطفي مع قرابة النبي (ص). ولذا رأينا الكتب الشيعية التي تمتدح هؤلاء الأنصار ووقوفهم جنباً إلى جنب مع علي في موقعة صفين هي الكتب نفسها التي تنعتهم بالردَّة والانقلاب على الأعقاب في حادثة السقيفة! ميزان عجيب يُكال به أصحاب رسول الله: إن كانوا مع علي في أمر من الأمور صاروا خير الناس، وإن كان موقفهم مع من خالف علياً أو قُل في غير الاتجاه الذي أراده علي صاروا أهل ردَّة ومصلحة ونفاق! فإن قالوا حكمنا عليهم بالردَّة والانقلاب على أعقابهم لأنهم أنكروا النص على علي بن أبي طالب، قيل لهؤلاء المستنكرين: أو ليس الشيعة الاثنا عشرية يذكرون أن حديث الغدير متواتر، وأن مئات من الصحابة قد رووه ؟ فأين الإنكار؟ عندما أقول بلساني: إن رسول الله (ص) قال لعلي: (من كنت مولاه فعلي مولاه) فأين إنكاري للنص؟! فإن قيل: أنكروا المعنى، قيل لهؤلاء: ومن ذا الذي قال بأن ما ذهبتم إليه في تفسير الحديث هو الحق؟! هل أنتم أفهم وأعقل من صحابة رسول الله الذين عاشوا تلك اللحظات وسمعوا الحديث بآذانهم؟! أم أنكم أفهم بالعربية منهم حتى صرتم تعقلون من الحديث ما لم يعقلوه هم؟! (ثم أبصرت الحقيقة، محمد سالم الخضر: ص 291 ـ 292 .).


بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد.. فإننا نجيب بما يلي: أولاً : إننا حين نقول: إن أهل البلد الفلاني يحبون فلاناً، فلا يعني ذلك أنه لا يوجد فيهم مبغض له، أو من لا يعرفه، أو من يكون غير مهتم بهذا الأمر. وكذا إذا قلنا: إنهم كرماء، أو شجعان، أو بخلاء.. بل معناه: أن الأعم الأغلب كذلك. ولذلك وجدنا أن بعض زعماء الأوس، وهم من الأنصار قد شارك في الهجوم على بيت فاطمة «عليها السلام» مثل أسيد بن خضير مثلاً. ثانياً : ذكرنا في السؤال رقم 83: أن الأنصار حين رأوا أن الأمور تسير في الإتجاه الآخر، الذي يخشونه، حاولوا استباق الأمور، فوقعوا في المحذور، ثم لما رأوا مدى تصميم الذين استولوا على الخلافة على نيل مقاصدهم.. وأن معارضتهم لهم ستنتهي إلى أخطار جسام، بيَّن لهم مداها ما جرى على بنت الرسول «صلى الله عليه وآله»، رأوا أن تراجعهم سيكون أسلم لهم. ولم تكن الخلافة بيد الأنصار ليسلموها إلى هذا أو ذاك طواعية وتكرماً، ولكنهم استسلموا للأمر الواقع، حباً بالسلامة، ورغبة فيما حسبوا أنه عافية. ثالثاً : بعد أن فات الأنصار ما أملوه، واستولى أبو بكر على الموقف والقرار، قالوا: لا نبايع إلا علياً 1 . ولكن هذا الصوت تلاشى تحت وطأة العنف الذي مورس، والإختلافات التي ظهرت، والحساسيات القبلية التي أثارها أبو بكر بخطابه، فكانت هذه الكلمة مجرد صيحة في واد.. لأن المهاجرين بزعامة أبي بكر وعمر، قد هاجموا بيت الزهراء «عليها السلام»، وجرى ما جرى.. وأصبح الإستمرار في المعارضة خطراً، ومؤذياً لهم ولغيرهم.. رابعاً : إن الشيعة لا يتهمون الأنصار بالردَّة عن الدين إلى الشرك والكفر، بل هم يقولون نفس ما قاله القرآن الكريم: ﴿ ... أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ... ﴾ 2 . وما قاله رسول الله «صلى الله عليه وآله» ـ حسب رواية صحاح أهل السنة ـ عن أصحابه الذين يذادون عن الحوض.. وأنه يقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى. ويفسرون هذا الإرتداد، وذلك الإنقلاب، بما يحفظ كرامة الصحابة، ويصونهم عن تهمة الخروج من الدين. فيقولون: المراد بالإرتداد: الإرتداد عن الطاعة، وعن البيعة ونحو ذلك.. وليس المراد ردَّة الأسود العنسي وغيره ممن ادعوا النبوة، لأن ردتهم كانت في حياة النبي «صلى الله عليه وآله»، وليس المراد أيضاً الصحابي المظلوم مالك بن نويرة، لأنه شخص واحد، ومعه جماعة قليلة من قومه، والخطاب في الآية للصحابة كلهم، والكلام في الرواية عن أكثر الصحابة، لأن الأدلة الكثيرة تشهد بأنه لم يرتد أصلاً، والدليل على ذلك: أن أبا بكر دفع ديته إلى أخيه. خامساً : إن الميزان العجيب الذي تحدَّث عنه السائل لم يأت به الشيعة من عند أنفسهم، بل أخذوه عن الله ورسوله.. ولا نريد أن نورد هنا عشرات الآيات والروايات الصحيحة التي رواها خصوص أهل السنة، مع أن ذلك ميسور لنا. وإنما نكتفي بذكر حديث واحد يدلُّ على هذه الحقيقة، وهو قول رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «علي مع الحق، والحق مع علي، يدور معه حيث (حيثما) دار» 3 . فإن معناه: أن من كان مع علي كان مع الحق، ومن كان مع غيره لم يكن مع الحق. فلا معنى لمؤاخذة الشيعة إذا أثنوا على من وافق علياً «عليه السلام»، واعترضوا على من خالفه !! سادساً : ما ذكره السائل، من أن الصحابة لم ينكروا حديث الغدير، لأنهم رووه نقول: روي عن الإمام الباقر «عليه السلام» في رسالته إلى سعد الخير عن تعامل بعض الفئات مع القرآن: «أقاموا حروفه وحرفوا حدوده» 4 . وهذا يعطي: أن المطلوب ليس هو مجرد رواية حديث الغدير، بل المطلوب هو القبول بمضمونه، والإلتزام به، وعدم التلاعب بدلالته. والذي حدث بالنسبة لحديث الغدير: ألف: أن أكثر الصحابة لم يلتزم بما يحتمه عليه، ويسوقه إليه هذا الحديث، فلم يف أكثرهم ببيعته «عليه السلام».. إما رغبة في الإستيلاء على الأمر بنفسه، أو لمساعدة من أراد هذا الأمر، ليستفيد هو من دنياه مناصب، ونفوذاً، وأموالاً.. وما إلى ذلك.. أو حباً بالسلامة، وإيثاراً للعافية الشخصية، أو لغير ذلك من أسباب. وماذا يفيد القول باللسان، إذا لم يرضه الجنان، ولم يعمل بمقتضاه على مر الأزمان؟! ب: إن بعض الصحابة قد كتم حديث الغدير، وزعم أنه كبر ونسي، فدعا علي «عليه السلام» عليه أن يصيبه ببلاء، فاستجاب الله له 5 . ج: ثم جاء بعد ذلك من حاول التلاعب بدلالة الحديث بادعاءات باطلة ما أنزل الله بها من سلطان. سابعاً : لم يدع أحد أنه أعقل، ولا أفهم من أحد باللغة العربية. ولكن الحقيقة هي: أن أحداً من الصحابة لم يصرح بإنكاره دلالة الحديث على الإمامة والبيعة والولاية بمعناها الصحيح الذي يقوله الشيعة.. ولم يصرحوا بأن المراد به غير ما فهمه علماء الشيعة منه. بل غاية ما هناك: أن فريقاً من الصحابة لم يتمكنوا من العمل بمقتضى هذا الحديث، رغم محاولتهم ذلك، وهم: علي «عليه السلام» وبنو هاشم وجماعات آخرون.. وفريق آخر عمل على مخالفة هذا الحديث، والإستيلاء على الأمر، ونقض بيعته له يوم الغدير، وقد علَّل هذه المخالفة بعللٍ واهيةٍ، مثل أن الخلافة والنبوة لا تجتمعان في بيت واحد، ونحو ذلك.. وفريق أحب السلامة، وتابع الأقوياء، لأنه أراد أن ينأى بنفسه عن المتاعب، أو لأنه لم يكن يهتم كثيراً بما يجري حوله. وفريق آخر تابع أصحاب السلطة، طمعاً بالمقامات والمناصب، والإمتيازات والغنائم.. والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله.. 6 .