متى كان الاسراء والمعراج؟!
متى كان الإسراء والمعراج؟!
إن المشهور هو: أن الإسراء والمعراج قد كان قبل الهجرة بمدة وجيزة؛ فبعضهم قال: ستة أشهر.
وبعضهم قال: في السنة الثانية عشرة للبعثة، أو في الحادية عشرة أو في العاشرة.
وقيل: بعد الهجرة 1 .
وفي مقابل ذلك نجد البعض يقول: إنه كان في السنة الثانية من البعثة 2 ، وقيل: في الخامسة، وقيل في الثالثة ـ وهو الأرجح عندنا ـ ولعل ابن عساكر يختار ما يقرب مما ذكرنا، حيث إنه ذكر الإسراء في أول البعثة كما ذكره عنه ابن كثير 3 .
وقال مغلطاي، بعد أن ذكر بعض الأقوال: (وقيل: كان بعد النبوة بخمسة أعوام، وقيل: بعام ونصف عام.
وقال عياض: بعد مبعثه بخمسة عشر شهراً) 4 .
وقال ملا علي القاري: (وذكر النووي: أن معظم السلف، وجمهور المحدثين والفقهاء على أن الإسراء والمعراج كان بعد البعثة بستة عشر شهراً) 5 .
وقال ابن شهر آشوب: (ثم فرضت الصلوات الخمس بعد إسرائه في السنة التاسعة من نبوته) 6 .
فإن قوله: (في السنة التاسعة) راجع إلى فرض الصلوات، وقد ظهر من كلامه: أن فرضهما كان بعد الإسراء والمعراج، ولكنه لم يبين لنا تاريخه بالسنة ولا باليوم والشهر.
وقال الديار بكري: (فأما سنة الإسراء، فقال الزهري: كان ذلك بعد المبعث بخمس سنين.
حكاه القاضي عياض، ورجحه القرطبي، والنووي.
وقيل: قبل الهجرة بسنة إلخ) 7 .
الأدلة على المختار
وأما ما يدل على أن الإسراء قد كان في السنوات الأولى من المبعث؛ فعدا عن الأقوال المتقدمة، ولا سيما ما ذكره الزهري والنووي، نشير إلى الأمور التالية:
1 ـ ما روي عن ابن عباس أن ذلك كان بعد البعثة بسنتين 8 وابن عباس كان أقرب إلى زمن الرسول، وأعرف بسيرته من هؤلاء المؤرخين، فإذا ثبت النص عنه قدم على أقوال هؤلاء.
ولربما لا يكون هذا مخالفاً لما تقدم عن الزهري وغيره، إذا كان ابن عباس لا يحسب الثلاث سنوات الأولى، على اعتبار: أنه (صلى الله عليه وآله) إنما أُمر بإنذار الناس بعدها.
2 ـ قد ورد عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): أن الإسراء قد كان بعد ثلاث سنين من مبعثه 9 ، وهذا هو الأصح والمعتمد.
3 ـ ويدل على ذلك بشكل قاطع ما روي عن: ابن عباس، وسعد بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، والإمام الصادق (عليه السلام)، وعمر بن الخطاب، وعائشة، من أنه (صلى الله عليه وآله) ـ حينما عاتبته على كثرة تقبيله ابنته سيدة النساء، فاطمة (عليها السلام) ـ قال لها: نعم يا عائشة، لما أسري بي إلى السماء أدخلني جبرئيل الجنة، فناولني منها تفاحة، فأكلتها، فصارت نطفة في صلبي، فلما نزلت واقعت خديجة، ففاطمة من تلك النطفة ؛ ففاطمة حوراء إنسية، وكلما اشتقت إلى الجنة قبلتها 10 .
ومعلوم مما سبق: أن فاطمة قد ولدت بعد البعثة بخمس سنوات ؛ فالإسراء والمعراج كانا قبل ذلك بأكثر من تسعة أشهر، ولعله قبل ذلك بسنتين.
حتى أذن الله لتلك النطفة بالظهور، والاستقرار في موضعها.
4 ـ إن سورة الإسراء قد نزلت في أوائل البعثة، ويدل على ذلك:
أ ـ ما رواه البخاري وغيره، من أن قوله تعالى في سورة الإسراء: ﴿