logo-img
السیاسات و الشروط
منذ 3 سنوات

الذين يخشون الناس

ويذكر هنا: أن عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والمقداد، وقدامة بن مظعون، كانوا يؤذون في مكة؛ فكانوا يستأذنون النبي «صلى الله عليه وآله» بقتال المشركين، فلا يأذن لهم، فلما أمروا بالقتال، والسير إلى بدر، شق على بعضهم؛ فنزل قوله تعالى:  ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَىٰ ... ﴾  (البحار ج19 ص209 ومجمع البيان ج3 ص77 والدر المنثور ج2 ص184 عن: النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، وصححه، والبيهقي في سننه، وعبد بن حميد، وابن المنذر).


ونحن نقول: إن نفسية المقداد ومواقفه تأبى أن يكون ممن شق عليهم ذلك؛ بدليل موقفه العظيم الآتي بعد صفحات يسيرة إن شاء الله، حينما استشار النبي «صلى الله عليه وآله» أصحابه في حرب قريش. أضف إلى ذلك: أن الآية تدل على أن هؤلاء قد خافوا وجبنوا عن القتال، وكانت خشيتهم وخوفهم من الناس أشد منها بالنسبة إلى الله سبحانه، وأن ذلك كان لأجل حب البقاء، وللتمتع بالدنيا. ونحن نعلم: أن المقداد لم يكن جباناً قط، ولا كان من محبي البقاء في الدنيا على حساب الدين والإسلام، وتلك هي حياته و سيرته خير شاهد على ما نقول. كما أن الرواية والآية تدلان على أن فريقاً من أولئك المذكورين أولاً قد شق ذلك عليهم، وليس الكل. وأما من عدا المقداد ممن ذكرت الرواية أسماءهم، فإن تعلقهم بالدنيا كما يظهر من سيرة حياتهم ومواقفهم المختلفة، يؤيد أن يكونوا ممن شق عليهم ذلك فعلاً. فأما عبد الرحمن بن عوف؛ فلا يشك في كونه من الذين قالوا ذلك كما يفهم من بعض النصوص 1 ولقد ترك هذا الرجل من المال ما هو معروف ومشهور، وقد جرى بين أبي ذر وعثمان وكعب الأحبار ما جرى بسبب ذلك 2 ، وقد صرح بأنه أكثر قريش مالاً 3 . وموقفه في يوم الشورى معروف أيضاً، فإنه قد ضرب بكل الأوامر الإلهية والوصايا النبوية في حق علي «عليه السلام» عرض الحائط، فلم يكن ليهتم كثيراً بأوامر الله ورسوله «صلى الله عليه وآله» وذلك رغبة منه في الدنيا وإيثاراً لها. وأما قدامة فقد حده عمر في الخمر، وتخلف عن بيعة علي «عليه السلام» 4 . كل ذلك طلباً للدنيا، وانسياقاً وراء الهوى. وأما سعد، فقد أبى أن يبايع علياً «عليه السلام»، وقعد عنه في حروبه، وقطع «عليه السلام» عنه العطاء، وصارمه عمار، وأخذ بعض أموال بيت مال الكوفة 5 . إلى غير ذلك مما يدل على تعلقه بالدنيا، وعدم اهتمامه بأوامر الله ورسوله. فهؤلاء هم الذين يمكن أن يكونوا محط نظر الآية والرواية، وإنما أخفى الرواة أسماءهم، وخلطوهم بغيرهم، لأن السياسة كانت ترغب في ذلك، كما هو معلوم 6 .