logo-img
السیاسات و الشروط
منذ 3 سنوات

ان عليا لم يحتج في ما ثبت عنه بأي قول يشير إلى النص عليه

قال البغدادي: «والأغرب من ذلك كله.. ان الإمام علي (عليه السلام) لم يحتج لنفسه ـ فيما ثبت عنه ـ بأي قول يشير إلى هذا (التعيين)».


اقول: لقد احتج علي (عليه السلام) بحديث الغدير وقد تواتر ذلك عنه في كتب الحديث. الرد على الشبهة أقول: أولا: لقد ثبت تاريخيا ان عليا (عليه السلام) قد احتج بحديث الغدير في أكثر من مناسبة كان اشهرها في المصادر التاريخية والحديثية الميسرة بين أيدينا هي مناشدته للناس في مسجد الكوفة بعد عودته من حرب الجمل. قال عبد الحق الدهلوي البخاري 1 في كتابه اللمعات في شرح المشكاة في تعليقه على حديث الغدير: «وهذا حديث صحيح لا مرية فيه وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي واحمد وطرقه كثيرة جدا رواه ستة عشر صحابيا 2 وفي رواية لاحمد انه سمعه من النبي (صلى الله عليه وآله) ثلاثون صحابيا وشهدوا به لعلي (عليه السلام) لما نوزع أيام خلافته وكثير من أسانيده صحاح وحسان ولا التفات لمن قدح في صحته 3 ولا إلى قول بعضهم (ان زيادة اللهم وال من والاه إلى آخره) موضوع فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي 4 كثيرا منها كذا قال الشيخ ابن حجر في الصواعق المحرقة». أقول: روى احمد بن حنبل عن عبد الله بن عمر الجشمي البصري (ت 235) عن عبيد الله بن عمر القواريري عن يونس بن أرقم عن يزيد بن زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (ت 83) قال شهدت عليا في الرحبة 5 قال: «انشد الله رجلا سمع رسول الله وشهد يوم غدير خم إلا قام ولا يقوم إلا من رآه فقام اثنا عشر بدريا فقالوا نشهد انا سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يوم غدير خم (الست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم فقالوا بلى يا رسول الله قال فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)» 6 . وفيه أيضا بسند آخر قال (صلى الله عليه وآله) «واخذل من خذله» 7 . وفيه أيضا بسنده عن أبي الطفيل عامر بن واثلة (ت 100) 8 قال: «جمع علي (عليه السلام) الناس في الرحبة ثم قال لهم:انشد الله كل امرئ سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام فقام ثلاثون من الناس فشهدوا. قال أبو واثلة: فخرجت وكأن في نفسي شيئا فلقيت زيد بن أرقم فقلت له إني سمعت عليا (عليه السلام) يقول كذا وكذا. قال: فما تنكر قد سمعت رسول الله يقول ذلك له» 9 . وقوله (فخرجت وكأن في نفسي شيئا) يبدو منه ان أبا الطفيل استعظم النتائج المترتبة على حديث الغدير وهي هلاك وضلالة من خالف عليا أو خذله أو قاتله أو قدَّم نفسه عليه لذلك راح يستزيد عن القضية اكثر 10 . ومن الجدير ذكره هنا ان حديث الغدير الذي استنشده علي (عليه السلام) لم يكن يتضمن ذكر علي (عليه السلام) فقط بل تضمن أيضا ذكر أهل بيته، وقد روى الحاكم النيسابوري الرواية كاملة عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: «خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى انتهينا إلى غدير خم عند شجيرات خمس ودوحات عظام فكنس الناس ما تحت الشجيرات ثم استراح رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشية فصلى ثم قام خطيبا فحمد الله واثنى عليه ثم قال: أيها الناس إني تارك فيكم أمرين 11 لن تضلوا ان اتبعتموهما وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي ثم قال أتعلمون أني أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ثلاث مرات قالوا نعم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كنت مولاه فعلي مولاه ... المزید» 12 . وفي رواية الطبراني بعد قوله عترتي «وان اللطيف الخبير نَبَّأَني انهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض وسألت ذلك لهما، فلا تَقدَّموهُما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فانهم اعلم منكم» 13 . وقد ورد حديث النبي (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته في مناسبات شتى ولم يكن مقتصرا على مناسبة غدير خم. قال ابن حجر الهيثمي: «اعلم ان لحديث التمسك بذلك طرقا عديدة كثيرة وردت عن نيف وعشرين 14 صحابيا وفي بعض تلك الطرق انه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة 15 وفي أخرى انه قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه 16 وفي أخرى انه قال ذلك بغدير خم وفي آخر انه قال ذلك لما قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف 17 » 18 . ثانيا: وفي ضوء حديث الثقلين وحديث الولاية كان علي (عليه السلام) أيام حكومته يوضح للناس حقيقة منزلته ومنزلة أهل البيت (عليهم السلام). فمن كلماته قوله (عليه السلام): «لا يقاس بآل محمد (صلى الله عليه وآله) من هذه الأمة أحد ولا يُسَوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا هم أساس الدين وعماد اليقين إليهم يفىء الغالي وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة الآن إذ رجع الحق إلى أهله ونقل لى منتقله» (خ 2). وقوله (عليه السلام): «أين الذين زعموا انهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا، ان رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يستعطى الهدى، و يستجلى العمى، ان الأئمة من قريش غُرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم» (خ 152). وقوله (عليه السلام): «وخلف فينا راية الحق، من تقدمها مرق، ومن تخلَّف عنها زهق، ومن لزمها لحق». وقوله (عليه السلام): «هم عيش العلم وموت الجهل.. لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه، وهم دعائم الإسلام، وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق إلى نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه وانقطع لسانه عن منبته» (خ 239). وقوله (عليه السلام) عن نفسه: «وأنا من رسول الله كالضوء من الضوء والذراع من العضد» (الكلام رقم 451). وقوله (عليه السلام): «لقد علمتم اني أحق بها من غيري» خ 74. وقوله (عليه السلام): «أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وانه ليعلم ان محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إلىَّ الطير» (خ 3). وفي ضوء ذلك يتضح ان الولاية لعلي (عليه السلام) في حديث الرسول (صلى الله عليه وآله) لا تعني المحبة والنصرة 19 ، لان هذين الأمرين من حق كل مؤمن، و علي (عليه السلام) أول المؤمنين، وليست لغيره سوابق في الإيمان والجهاد كسوابقه بل ليست لغيره من الطاعة والانقياد لله ورسوله كانقياده وطاعته، وحقه في المحبة والنصرة محفوظ من هذه الناحية، وإنما أراد بالولاية تلك الولاية الخاصة بالرسول دون غيره من المؤمنين، هذه الولاية التي تجعل المؤمنين إلى آخر الدنيا في جانب والرسول في جانب آخر، وولاية الرسول التي ينفرد بها هي ولاية الله تعالى، وولاية الله تعالى لا تقف عند حدود المحبة والنصرة، بل تمتد إلى جانب الإتباع والطاعة والاحتكام إليه، والوقوف عند أمره ونهيه حيا كان او ميتا 20 ومن قوله (صلى الله عليه وآله) من كنت مولاه فهذا علي مولاه. (الإمامة وقيادة المجتمع للحائري ص213).، وهذا هو المعنى الذي فهمه أبو واثلة واستعظمه، لان معناه عليه ان يرتبط بعلي (عليه السلام) كارتباطه برسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى بعد موته وهكذا كان أمره إذ عرف أبو الطفيل عامر بن واثلة انه من شيعة علي (عليه السلام) وشهد مشاهده كلها، وبقي أبو الطفيل بعد علي (عليه السلام) وقد سأله معاوية يوما كيف وَجْدُك على خليلك أبي الحسن يا بن واثلة قال: كحب الفاقد لأخيها وزوجها وولدها وإلى الله تعالى أشكو التقصير 21 . ثالثا: وإذا أراد القارئ الكريم مزيدا من التفصيل عن حديث الغدير وما أثير حوله من اشكالات سندية ودلالية وأجوبة علماء الشيعة على ذلك فعليه بكتاب الغدير ج 1 للعلامة الاميني (رحمهم الله) وكتاب عبقات الأنوار ج 6 ـ 9 تعريب وتلخيص العلامة الميلاني فأنهما أوسع وافضل ما كتب في هذا الباب 22 .

2