(...اليوم اكملت...) هل نزلت قبل (...فما بلغت رسالته ...)
بسمه تعالى
إنكم تقولون: إن قوله تعالى: ﴿ ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... ﴾ .. قد نزلت بعد نصب النبي (صلى الله عليه وآله) الإمام علياً (عليه السلام) إماماً في يوم الغدير.. وإن آية: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ... ﴾ .. قد نزلت قبل يوم الغدير.. مع أن آية الإكمال قد وردت في أول سورة المائدة، وآية الأمر بإبلاغ إمامة الإمام علي (عليه السلام) قد جاءت في وسطها. والمفروض هو أن يكون العكس، لاسيما وأن القرآن كان ينزل نجوماً، وبالتدريج.. فكيف تفسرون ذلك؟!..
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
وبعد..
فإن الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى بعض التفصيل، بقدر ما يسمح لنا به المجال..
محتويات
مرتكزات الإيمان
نزول سورة المائدة
تاريخ نزول سورة المائدة
ضعوا هذه الآية في سورة كذا
الدوافع والأهداف
لماذا قدم آية الإكمال
النزول على النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الإبلاغ
متى كانت النبوة
النزول لأجل هداية الناس
ألف: النزول للسورة بتمامها
لو كان لا بد من الانتظار
نزول السورة مرتين
نزول الآية أيضاً مرتين
النزول التدريجي للآيات
شواهد وأدلة
ألف: إن سورة الأنعام قد نزلت جملة واحدة بمكة
خلاصة أخيرة
فنقول:
مرتكزات الإيمان
إن الإيمان بنبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يرتكز إلى أحد أمرين:
أحدهما: الإيمان المستند إلى إدراك العقل، وقضاء الفطرة بصحة الحقائق التي جاء بها..
وهذا هو ما كان إيمان أبي طالب، وحمزة وجعفر، وخديجة.. و.. و.. مرتكزاً عليه، فإنهم قد أدركوا صحة ما جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعقولهم، وقضت به فطرتهم، ولم يحتاجوا إلى إظهار معجزة، ولا طلبوا من النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك، خصوصاً مع ما صاحب ذلك من معرفة قريبة، واطلاع مباشر على حياة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ومزاياه، وصدقه، ثم رؤية كرامات الله له، وألطافه به، ثم ما حباه به من رعاية وتسديد ومن نصر وتأييد..
وهذا هو إيمان أهل البصائر، الذين يَزِنون الأمور بموازين العدل، ويعطون النصفة من أنفسهم، وهو ما يفترض بالناس كلهم أن يكونوا عليه، أو أن يسعوا للوصول إليه.. وأن يلتزموا به ولا يتجاوزوه..
ولو أن الناس سلكوا هذا النهج لاستغنوا عن طلب الآيات والمعجزات، خصوصاً في ما يرتبط بأمر التوحيد والانقياد لله، والطاعة، والعبادة له، وما يتبع ذلك من تفاصيل تفيد في التعريف بصفات ذاته، وصفات فعله تبارك وتعالى.. فضلاً عن كل ما حدثهم به الله ورسوله مما يرتبط بالعلاقة والرابطة بين الخالق، ومخلوقاته..
وتدبير شؤون الحياة وفق الحكمة.. وهداية الكائنات كلها، ورعايتها وتربيتها.. فإن ذلك كله مما تفرض الفطرة السليمة والعقول المستقيمة الخضوع له، والإيمان به، وعقد القلب عليه.
فإذا قال لهم الله: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ 1 .. فهو إنما يخاطب عقولهم، ويتحدث عن أمر يمكنهم أن يدركوه، وأن يؤمنوا به.. وكذلك حين يقول لهم: ﴿ ... المزید قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴾ 2 ﴿ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ 3 .. وغير ذلك مما تحكم به العقول، وتؤيده الفطرة البشرية الصافية والمستقيمة..
والأمر الآخر: الإيمان المستند إلى ظهور المعجزة القاهرة، والقاطعة للعذر، والتي تضطر العقل إلى الإقرار بالعجز، والبخوع والخضوع والاستسلام. وهذا ما يحتاج إليه أو يطلبه نوعان من الناس:
النوع الأول:
الذين يرغبون في إبقاء الأمور على ما كانت عليه.. ممن يثقل عليهم الانقياد إلى دعوات الأنبياء، ويأنفون من الالتزام بأحكام الله. وهؤلاء هم الذين كانوا يقترحون على الأنبياء أن يأتوهم بالآيات، وأن يظهروا المعجزات، ثم يكونون هم أول الجاحدين بها، والمكذبين لها..
النوع الثاني:
أولئك الذين يرغبون في معرفة الحق، ولا يأبون عن الالتزام به لو ظهر لهم.. ولكنهم ليسوا مثل جعفر، وحمزة، وخديجة و.. في وعيهم، وفي نظرتهم إلى الأمور، وإدراكهم للحقائق. فيحتاجون إلى عوامل تساعدهم على تحصيل اليقين بحقانية الدعوة، وواقع ارتباطها بالله سبحانه. من خلال المعجزة التي تقهر عقولهم، وتسوقهم إلى التسليم، لأن بها يتم إخضاع وجدانهم للغيب الإلهي..
وبما أن هذا القرآن هو معجزة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم يكن بإمكان كل هؤلاء أن ينالوا معانيه، ولا أن يدركوا مراميه ومغازيه.. لأن فيهم الكبير والصغير، وفيهم الذكي والغبي، وكانوا في أسوأ حالات الأمية والجهل، والبداوة.. فكان لا بد من الرفق بهم، وتيسير الإيمان لهم، وفتح أبواب الهداية أمامهم..
فاحتاج الأمر إلى وسيلة إقناع، يفهمها هذا النوع من الناس ـ الذين لا يمكنهم إدراك حقائق القرآن، ومستوى إعجازه التشريعي، أو العلمي، أو البلاغي، أو غير ذلك.. ولم يكن يمكن تأجيل إيمانهم وإسلامهم إلى حين تحقق بعض الإخبارات الغيبية المستقبلية، الأمر الذي قد يمتد إلى سنوات كثيرة كالإخبار عن غلبة الروم في قوله تعالى: ﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴾ 4 .. ولا.. ولا.. الخ..
ولا بد أن تكون وسيلة الإقناع هذه بحيث يدركها، ويفهمها جميع الناس بمختلف فئاتهم، وطبقاتهم، وأن تكون في متناول يد أعلم الناس، وأعقلهم كما هي في متناول يد أكثر الناس سطحية وسذاجة، ولو كان بعمر تسع سنوات للفتاة، وبعمر خمس عشرة سنة للفتى..
وقد اختار الله سبحانه أن تكون هذه الوسيلة هي أن تنزل السورة في بادئ الأمر بتمامها، فيقرؤها النبي (صلى الله عليه وآله) على الناس، ثم تبدأ الأحداث بالتحقق، فكلما حدث أمر، ينزل جبرئيل (عليه السلام)، بالآيات التي ترتبط بذلك الحدث، فيرى الناس: أن هذه الآيات هي نفسها التي كانت قد نزلت في ضمن تلك السورة قبل ساعة، أو يوم، أو شهر مثلاً.. فيدرك الذكي والغبي، وكل من يملك أدنى مستوى من العقل، بأن هذا القرآن لا بد أن يكون من عند الله، لأن الله وحده هو الذي يعلم بما يكون في المستقبل. وها هو قد أنزل الآيات المرتبطة بأحداث بعينها قبل أن تحدث..
وهم يعرفون النبي (صلى الله عليه وآله) عن قرب، ويعيشون معه، ويرون أنه مثلهم، ويملك الوسائل التي يملكونها، ويعيش نفس الحياة التي يعيشونها.
وبعدما تقدم نقول:
إننا من أجل توضيح هذه الإجابة، نشير إلى العديد من القضايا ضمن الفقرات التالية:
نزول سورة المائدة
إن سورة المائدة قد نزلت دفعة واحدة كما يظهر مما رواه:
1 ـ عبد الله بن عمرو، قال: أنزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) سورة المائدة، وهو راكب على راحلته، فلم تستطع أن تحمله، فنزل عنها 5 ..
2 ـ عن أسماء بنت يزيد، قالت: إني لآخذة بزمام العضباء، ناقة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ نزلت المائدة كلها، فكادت من ثقلها تدق عضد الناقة 6 ..
3 ـ عن أم عمرو بنت عبس، عن عمها: أنه كان في مسير مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنزلت عليه سورة المائدة، فاندق كتف راحلته العضباء، من ثقل السورة 7 ..
4 ـ عن محمد بن كعب القرظي، قال: نزلت سورة المائدة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع، فيما بين مكة والمدينة، وهو على ناقته، فانصدعت كتفها، فنزل عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) 8 ..
5 ـ عن الربيع بن أنس قال: نزلت سورة المائدة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المسير من حجة الوداع، وهو راكب راحلته، فبركت به راحلته من ثقلها 9 .
تاريخ نزول سورة المائدة
وقد اختلفوا في تاريخ نزول سورة المائدة، وما يهمنا هنا هو الإشارة إلى أمرين:
الأول: ما روي من أن سورة المائدة قد نزلت منصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله)، من الحديبية 10 .
الثاني: قال القرطبي: «ومن هذه السورة ما نزل في حجة الوداع، ومنها ما نزل عام الفتح» 10 ..
وذلك يشير إلى أن آيات هذه السورة قد نزلت نجوماً أيضاً.. وهذا نزول آخر غير نزول السورة بتمامها، كما هو واضح..
ضعوا هذه الآية في سورة كذا
ومن جهة أخرى، فإنهم قالوا: «الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي، لا شبهة في ذلك» 11 ..
وقد رووا: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كان يقول: ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا..
وقد روي ذلك عن ابن عباس 12 ..
وروي عن عثمان بن عفان 13 ..
وفي نص آخر: أن جبرئيل كان هو الذي يقول: ضعوا هذه الآية في مكان كذا..
وفي بعض الروايات: أن المسلمين كانوا لا يعرفون ابتداء السورة وانتهاء غيرها، إلا بذلك، روي ذلك عن ابن عباس 14 ..
وعن سعيد بن جبير 15 ..
وعن ابن مسعود 16 ..
ولكننا لا نجد إلا موارد يسيرة تحدثت عن ذلك 17 ..
الدوافع والأهداف
وهذا معناه: أن النبي (صلى الله عليه وآله)، الذي لا ينطق عن الهوى، ولا يفعل شيئاً من تلقاء نفسه، أو أن جبرئيل (عليه السلام) قد كان يأمر بذلك انطلاقاً من مصلحة اقتضت وضع الآية في خصوص ذلك الموضع، فإذا كان قد تعمد وضع آية الإكمال قبل آية الأمر بالتبليغ، فلا بد أن يكون قد راعى المصلحة في ذلك أيضاً..
لماذا قدم آية الإكمال
وإذ قد عرفنا: أن هذا التفريق بين آية ﴿ ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... ﴾ 18 .. وآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... ﴾ 19 .. قد جاء وفق سياسة إلهية، ورعاية لمصالح بعينها، فإننا نقول: لعل المصلحة هي حفظ الإمامة، وحفظ إيمان الناس.. وتيسير سبل الهداية لهم كما سيتضح..
وربما تكون المصلحة فيما يرتبط بإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) هي حفظ القرآن عن محاولات التحريف فيه، فإن الإسلام كما يحتاج إلى صيانة حقائقه ومقدساته، فإنه كان يحتاج أيضاً إلى جهاد الإمام علي (عليه السلام) وتضحياته..
هذا الجهاد الذي حمل معه الخزي والعار والذل، لأهل الطغيان والجحود، فأورثهم الحقد والضغينة، حتى ظهرت حسيكة النفاق هذه بأبشع صورها بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا حاجة إلى البيان أكثر من هذا..
غير أننا نقول: إن الخيارات أمام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كانت هي التالية:
1 ـ أن يباشر الرسول (صلى الله عليه وآله)، بنفسه قتل المعتدين، ويرد بسيفه كيد الطغاة والجبارين، فيقتلهم ويستأصل شأفتهم، ويبيد خضراءهم..
وهذا يعني أن لا تصفو نفوس ذويهم له، وأن لا يتمكن حبه (صلى الله عليه وآله)، من قلوبهم، فضلاً عن أن يكون أحب إليهم من كل شيء حتى من أنفسهم!!.. كما هو الواجب، الذي يفرضه الالتزام بالإسلام، والدخول في دائرة الإيمان..
وسوف تتهيأ الفرصة أمام شياطين الإنس والجن لدعوة هؤلاء الموتورين إلى الكيد له، والتآمر عليه، وإلى خيانته، ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً..
كما أنهم إذا ما اتخذوا ذلك ذريعة للعزوف عن إعلان إسلامهم واستسلامهم.. فإنهم سوف يمنعون أقواماً كثيرين من التعاطي بحرية وبعفوية مع أهل الإيمان، ثم حرمانهم وحرمان من يلوذ بهم من أبناء وأرحام، من الدخول الجدي في المجتمع الإسلامي، والتفاعل معه، والذوبان فيه.
2 ـ أن يتولى هذا الأمر الآخرون من رجال القبائل المختلفة، فيقاتلون وحدهم الناس لأجل الإسلام، ودفاعاً عن المسلمين، وهذا خيار لا مجال للمصير إليه أيضاً، فإن احتفاظه (صلى الله عليه وآله)، بأهل بيته وذوي قرابته سيكون مثاراً لتساؤلات كثيرة، من شأنها أن تضعف عامل الثقة، وتؤثر سلباً على حقيقة الاعتقاد بالنبوة، ودرجة الانقياد لها، والالتزام بأوامرها، ومستوى صفاء النية والاستبسال في المواقف الحرجة، حيث لا بد من خوض اللجج، وبذل المهج..
ثم هو بالإضافة إلى ذلك سوف يهيء لزيادة حدة التمزق من داخل الكيان الإسلامي، الذي لم يزل يعيش الناس في داخله روح الجاهلية، ومفاهيمها. وتتحكم بهم العصبيات العشائرية والقبلية، ولم يقطع مراحل كبيرة في مسيرة السمو الروحي، وتزكية النفوس، وإخلاصها لله في ما تحجم عنه، أو تقدم عليه..
وسيؤسس ذلك لجولات ولحروب، وتعديات ومآسٍ لا تنتهي، ولأحقاد لا تزول، بل تتضاعف باطراد، حيث ستدفعهم عصبياتهم للانتقام المتبادل.. وستكون النتيجة هي قتل الأبرياء، والتمزق والتشرذم، ولضعف أهل الدين، والسقوط في مستنقع الجريمة.. ثم الرذيلة بأبشع الصور، وأكثرها إثارة للقرف والاشمئزاز والتقزز..
وقد لاحظنا: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) يصر في حرب صفين ـ مثلاً ـ على أن يقابل تميم الشام بتميم العراق، وربيعة الشام، بربيعة العراق.. وهكذا بالنسبة لسائر القبائل، فإنه كان يقابلها بمثلها.. لا لأجل أنه يتعامل (عليه السلام) بالمنطق القبلي ـ حاشاه ـ بل لأنه يريد:
أولاً: أن لا يمعن الناس في قتل بعضهم البعض، لأن المهم عنده هو وأد الفتنة بأقل قدر من الخسائر..
ثانياً: أن لا يكون هناك حرص من القبائل على إدراك ما تعتبره ثارات لها عند القبائل الأخرى، الأمر الذي سيهيء للمزيد من التمزق والصراع من داخل المجتمع الإسلامي..
3 ـ وقد كان الخيار الأقل ضرراً، هو أن يدفع بأهل بيته الأبرار، ليكونوا هم حماة هذا الدين، والمدافعين عنه، وأن لا يحرم الآخرين من فرصة للجهاد في سبيل الله تعالى.. ضمن الحدود المقبولة والمعقولة. فكان يقدم أهل بيته، والإمام علياً (عليه السلام)، ليكونوا هم أنصار دين الله.. وقتلة أعداء الله، ثم ليكونوا هم الشهداء على هذه الأمة، والحافظين لوحدتها، والمحافظين على عزتها وكرامتها.
وإذا ما سعى الناس للانتقام من الإمام علي (عليه السلام)، وذريته، وتآمروا عليهم، فإن الإمام علياً وأهل بيته (عليهم السلام)، لن يعاملوهم بغير الرفق، ولن يكون همهم الانتقام لأنفسهم، بل سوف يكون همهم حفظ الدين، ونشر أعلامه..
وبذلك يكون (صلى الله عليه وآله)، قد حفظ الناس من الجحود والعناد، وجنبهم مخاطر إبطان الحقد عليه (صلى الله عليه وآله)، أو السعي لتحريف كتاب الله، أو الإعلان بالخروج على الدين وأهله، لأن ذلك ـ لو حصل ـ سوف يزيد من صعوبة نشر هذا الدين إن لم يكن سبباً في أن يسقط الكيان كله، ولتبطل من ثم جهود الأنبياء، وتُطَلّ دماء الشهداء..
فالأخذ بهذا الخيار إذن يجسد رحمة الله للناس، ورفقه بهم، وتيسير الإيمان لهم، ولذرياتهم، ولمن يلوذ بهم، ولعله لأجل ذلك لم يذكر اسم الإمام علي (عليه السلام) في القرآن.. حفظاً للقرآن من أن يحرفه من هو أشر وأضر ممن رمى القرآن بالنبل وهو يقول:
تـهـددني بجبـار عنيــد *** فها أنا ذاك جبار عنيـــد
إذا مـا جئت ربك يوم حشر *** فقل: يارب مزقني الـوليـد
نعم، إنه من أجل ذلك وسواه لم يذكر اسم الإمام علي (عليه السلام) في القرآن بصراحة، مع أنه تحدث عن أمور صنعها الإمام علي (عليه السلام)، كتصدقه بالخاتم حين صلاته.. وأنزل آيات كثيرة فيه، ومنها آية: اليوم أكملت لكم دينكم.. وآية الأمر ببلاغ الرسالة.. وتحدث عن الإمامة كأساس للدين، وركز مفهومها، وأوضح معالمها..
ومما يؤيد حقيقة: أن عدم ذكر اسم الإمام علي (عليه السلام) في القرآن قد جاء وفق سياسة بيانية إلهية.. ما روي بسند صحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام)، حيث أوضح أن الله تعالى قد ذكر الإمامة للناس بصراحة تامة، وأوكل تفسير ذلك إلى نبيه (صلى الله عليه وآله)، تماماً كما فعل في الصلاة، والزكاة، وغير ذلك..
ولعل ذلك يدخل ـ كما قلنا ـ في السياسة القاضية بحفظ القرآن: ﴿ ... وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ 20 .. والقاضية أيضاً بالرفق بالأمة، واللطف بالناس، وتألفهم على هذا الدين، وفسح المجال أمام من يلوذ بهم للتأمل، والتدبر، بعيداً عن الحواجز والموانع، وعن العُقَدِ، وغير ذلك، والحديث الصحيح الذي أشرنا إليه، يقول:
قيل للإمام الصادق (عليه السلام)، إن الناس يقولون: فما له لم يسم علياً وأهل بيته (عليهم السلام) في كتاب الله عز وجل..
قال: فقال: قولوا لهم: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزلت عليه الصلاة، ولم يسم الله لهم ثلاثاً، ولا أربعاً، حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الذي فسر ذلك لهم، ونزلت عليه الزكاة ولم يسم لهم من كل أربعين درهماً درهم، حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الذي فسر ذلك لهم..
ونزلت: ﴿ ... أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ... ﴾ 21 .. ونزلت في علي والحسن والحسين (عليهم السلام) ـ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام): من كنت مولاه فعلي مولاه..
وقال (صلى الله عليه وآله): أوصيكم بكتاب الله، وأهل بيتي، فإني سألت الله عز وجل أن لا يفرق بينهما، حتى يوردهما علي الحوض، فأعطاني ذلك..
وقال: لا تعلّموهم فهم أعلم منكم.
وقال: إنهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم في باب ضلالة..
فلو سكت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يبين مَنْ أهل بيته (عليهم السلام)، لادّعاها آل فلان، وآل فلان. لكن الله عز وجل، أنزله في كتابه تصديقاً لنبيه (صلى الله عليه وآله): ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 22 .. فكان علي والحسن والحسين، وفاطمة (عليهم السلام) فأدخلهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحت الكساء في بيت أم سلمة الخ 23 ..
النزول على النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الإبلاغ
قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ... ﴾ 24 ..
وقال سبحانه: ﴿ ... إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ 25 ..
وقد دلت الآيات على أن القرآن: ﴿ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ﴾ 26 .. ﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ 27 ..
وقد روى أهل السنة: أن القرآن قد نزل أولاً إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم صار ينزل نجوماً 28 ..
وحكي الإجماع على ذلك 29 ..
وهناك روايات تقول: إن القرآن قد نزل أولاً جملة واحدة إلى البيت المعمور، الذي هو في السماء الرابعة 30 ..
ولم ير الشيخ المفيد أنه يمكن الاطمينان إلى صحة هذه الروايات 31 ..
وقالوا أيضاً: إن القرآن قد نزل أولاً دفعة واحدة على قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكنه لم يؤمر بتبليغه وربما يستأنس لهذا القول ببعض الشواهد 32 .
وهذه الروايات والأقوال.. قد يكون جلها، أو كلها صحيحاً، إذا اعتبرنا: أن جلال وعظمة القرآن اقتضت مراتب من النزول له، فنزل إلى اللوح المحفوظ، ثم إلى البيت المعمور، ثم إلى السماء الدنيا..
ثم يأتي النزول التبليغي للناس، فينزله الله في شهر رمضان، على قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم ينزل سورة سورة، ليقرأها النبي (صلى الله عليه وآله) على الناس، ثم تنزل الآيات متفرقة، كلما حدث أمر..
متى كانت النبوة
وإذا كانت نبوة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لم تبدأ حين كان في سن الأربعين، بل هو نبي منذ صغره ـ أيده المجلسي بوجوه كثيرة 33 ..
أو أنه كان نبياً وآدم بين الروح والجسد 34 ..
وكان الله سبحانه قد خلقه قبل الخلق بألف دهر، وأشهده خلق كل شيء، كما في بعض الروايات 35 ..
ثم جعله نوراً محدقاً بالعرش ـ عرش القدرة ـ ليطلع على المزيد من جلال وعظمة وقدرة وملك الله سبحانه، وذلك تكريماً منه تعالى له، وتجلةً وشرفاً استحقه (صلى الله عليه وآله)، وكان له أهلاً..
ومن خلال هذا الإشراف، وذلك المقام، فإنه (صلى الله عليه وآله) يكون قد نال من المعارف الإلهية ما يليق بمقام النبوة الخاتمة، التي هي أعظم مقام..
ومن خلال نبوته الخاتمة هذه، فإن الله سبحانه يطلعه على غيبه، بكشف اللوح المحفوظ له (صلى الله عليه وآله)، ويكون بذلك قد علم بالقرآن قبل إنزاله إليه للتبليغ على يد جبرئيل (عليه السلام)..
ولعل هذا يفسر لنا حقيقة أنه حين كان ينزل عليه القرآن في المرة التالية، كان يسبق جبرئيل (عليه السلام) بالقراءة، بسبب معرفته به، فقد قال الله تعالى له: ﴿ ... وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ... ﴾ 36 .. وقال: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴾ 37 ..
أي أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعرف القرآن قبل هذا النزول، إما باطلاعه على اللوح المحفوظ، أو بإيداع القرآن في قلبه سابقاً بواسطة جبرئيل (عليه السلام)، أو بواسطة الوحي الإلهامي..
فأراد الله سبحانه أن يعرف الناس بأن هذا النزول ليس هو النزول الأول، بل هو نزول اقتضته مصالح العباد في هدايتهم وإرشادهم، وفي تربيتهم بالصورة المناسبة لحالهم..
النزول لأجل هداية الناس
وحين يريد الله سبحانه أن يوصل القرآن إلى الناس، فإنه يستفاد من الروايات: أن ذلك يتم عبر إنزاله مرتين، فيكون له نزولان بالنسبة إليهم..
ألف: النزول للسورة بتمامها
فقد ورد: أن سورة المائدة، والأنعام، ويونس، والتوبة، والكهف، وبضع وثمانون آية من أول سورة آل عمران، وجميع سور المفصل.. بل أكثر سور القرآن، ربما باستثناء سورتين أو ثلاثة ـ كالبقرة وآل عمران ـ إن جميع ذلك قد نزل سورة سورة..
وقد قال تعالى في أول سورة النور: ﴿ ... سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا ... ﴾ 38 .. مع أن الأحداث التي ذكرت سبباً لنزول آياتها مختلفة ومتفرقة..
وقال تعالى أيضاً: ﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ... ﴾ 39 .. فإنهم كانوا يقولون ذلك بمجرد فراغه (صلى الله عليه وآله)، من تلاوة القرآن عليهم، ولم يكن هؤلاء القائلون ينتظرون الأيام والليالي حتى إذا اكتمل نزول السورة قالوا ذلك..
بل إنه حتى حين تنزل آيات السورتين أو الثلاث تدريجاً، فإنما هو تدريج بمعنى أن تنزل بتمامها ضمن مدة شهر مثلاً.. ثم تبدأ سورة أخرى بالنزول..
وليس المقصود أن ينزل بعض السورة، ثم ينزل بعض من غيرها.. ثم ينزل ما يكمل السورة الأولى مثلاً.. فإن هذا مما دلت النصوص على خلافه، خصوصاً تلك النصوص التي تقول: إنهم كانوا يعرفون انتهاء السورة وابتداء غيرها بنزول: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ﴾ 40 ..
لو كان لا بد من الانتظار
كما أن السورة القرآنية كانت تؤخذ من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويكتبها الناس في مصاحفهم، ويحفظونها، ويقرؤونها في صلواتهم.. وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يرشدهم إلى مواضع استحباب قراءتها.. وإلى كيفية القراءة، وأوقاتها، وحالاتها ومواردها..
وكانت تعرف بأسمائها في عهده، ويسافر بها أهل القبائل إلى منتجعاتهم، وأهل البلاد والقرى إلى بلادهم وقراهم..
ولم يكونوا ينتظرون زيادة شيء فيها، ولا كانوا يسألون عنه، كما أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يرسل إليهم طالباً منهم إضافة شيء إلى أية سورة كانوا قد حملوها عنه، وأخذوها منه..
ولو أن الباب كان قد بقي مفتوحاً على التبديل والتعديل، لكان علينا أن نشهد وأن نقرأ في التاريخ الكثير من موارد السؤال عن الزيادة أو الإخبار عنها، وبها لهذا الصحابي، ولذاك إلى حين وفاته (صلى الله عليه وآله)..
نزول السورة مرتين
وبعد أن تنزل السورة دفعة واحدة كما قلنا، كانت تنزل تلك السورة نفسها مرة أخرى.. كما هو الحال في سورة الإخلاص، التي نزلت في مكة مرة وفي المدينة أخرى، وكذلك سورة الفاتحة.. فقد نزلت مرة بمكة حين فرضت الصلاة، ومرة بالمدينة لما حولت القبلة 41 ..
نزول الآية أيضاً مرتين
وكما كانت السورة تنزل أكثر من مرة، فإن الآية كانت تنزل أكثر من مرة أيضاً.. وقد رووا ذلك في العديد من الموارد، مثل خواتيم سورة النحل، وأول سورة الروم، وآية الروح، وقوله تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ... ﴾ 42 .. فإن سورتي الإسراء وهود مكيتان، وسبب نزولهما يدل على أنهما نزلتا في المدينة..
قال السيوطي: ولهذا أشكل ذلك على بعضهم، ولا إشكال، لأنها نزلت مرة بعد مرة 43 ..
وقد صرحوا بأن مما يدخل في هذا السياق أنه قد تنزل الآية لأجل سبب بعينه، ثم يتجدد سبب آخر، فيقتضي نزولها مرة أخرى..
وقد مثلوا لذلك:
1 ـ بقوله تعالى: ﴿ ... فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ... ﴾ 44 .. فقد زعموا كذباً وزوراً أنها نزلت في النبي (صلى الله عليه وآله) حينما غضب لتمثيلهم بعمه حمزة، فتوعدهم بالتمثيل بسبعين منهم. وهذا كذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله)..
ونزلت أيضاً في الأنصار في أحد، لنفس السبب 45 ..
2 ـ مثلوا له أيضاً بقوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ... ﴾ 46 ..
فزعموا: أنها نزلت في استغفار النبي (صلى الله عليه وآله) لأبي طالب (عليه السلام)..
وزعموا أيضاً: أنها نزلت في والدة رسول الله (صلى الله عليه وآله)..
وكلا الموردين من الكذب والافتراء..
وزعموا كذلك: أنها نزلت في رجل استغفر لأبويه، كما رواه الترمذي 47 ..
غير أن ما يهمنا هنا هو تصريحهم بأن الآية والسورة قد تنزل أكثر من مرة لأسباب مختلفة..
3 ـ قالوا: إن آية ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ﴾ 40 قد نزلت مرتين أيضاً: مرة في مكة، ومرة في المدينة 48 ..
4 ـ احتمل سبط ابن الجوزي، وغيره: أن آية: ﴿ ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... ﴾ 18 .. قد نزلت مرتين: في عرفة، وفي غدير خم 49 ..
5 ـ قالوا: إن آية: ﴿ ... تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ... ﴾ 50 قد نزلت مرتين، كما نقله الحافظ ابن حجر 51 ..
6 ـ قالوا أيضاً: إن آية اللعان قد تكون نزلت مرتين 52 ..
7 ـ وقالوا أيضاً عن آية الجزية: إنها يحتمل أن تكون قد نزلت مرتين، وكذا آية الروح وخواتيم سورة النحل 53 ..
النزول التدريجي للآيات
وقد ذكر الله سبحانه نزول آيات القرآن بصورة تدريجية في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ 54
وقال تعالى: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ 55 ..
فإنه وإن كان نزول القرآن سورة سورة يكفي في صحة القول بأنه (صلى الله عليه وآله) كان يقرؤه على مكث، وبأن الله تعالى قد فرقه، وبأنه لم ينزل جملة واحدة.. ولكن الظاهر من الروايات المتواترة أن آياته كانت تنزل أيضاً متفرقة، وفق ما يستجد من أحداث..
وذلك بعد أن تنزل السورة بكاملها أولاً.
ونذكر من الشواهد على ذلك، ما يلي:
شواهد وأدلة
ألف: إن سورة الأنعام قد نزلت جملة واحدة بمكة
وقد شيعها سبعون ألف ملك 56 ..
والروايات تقول أيضاً: إن آيات هذه السورة قد نزلت في مناسبات مختلفة، ونذكر من ذلك على سبيل المثال ما يلي:
1 ـ عن ابن إسحاق، قال: مر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما بلغني بالوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف، وأبي جهل بن هشام، فهمزوه واستهزؤوا به، فغاظه ذلك، فأنزل الله: ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ 57 58 ..
2 ـ عن ابن إسحاق، قال: لما دعا الرسول (صلى الله عليه وآله) قومه للإسلام، قال له زمعة بن الأسود، والنضر بن الحارث، وعبدة بن عبد يغوث، وأبي بن خلف، والعاص بن وائل: لو جعل معك يا محمد ملك يحدث عنك الناس، ويُرى معك. فأنزل الله في ذلك من قولهم: ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ... ﴾ 59 60 ..
3 ـ عن الإمام علي (عليه السلام) قال: قال أبو جهل للنبي (صلى الله عليه وآله): إنا لا نكذبك، ولكن نكذب بما جئت به، فأنزل الله: ﴿ ... فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ 61 62 ..
وعن أبي صالح قال: كان المشركون إذا رأوا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال بعضهم لبعض، فيما بينهم: إنه لنبي، فنزلت هذه الآية: ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ ... ﴾ 61 .. 63
4 ـ عن ابن مسعود، قال: مر الملأ من قريش على النبي (صلى الله عليه وآله) وعنده صهيب وعمار، وبلال، وخباب، ونحوهم من ضعفاء المسلمين، فقالوا: يا محمد، أرضيت بهؤلاء.. إلى أن قال: فأنزل الله فيهم القرآن: ﴿ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ ... ﴾ 64 .. إلى قوله: ﴿ ... وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ ﴾ 65 66 ..
وفي نص آخر عن عكرمة قال: (ما ملخصه) مشى عتبة وشيبة، وقرضة بن عبد عمرو وغيرهم. إلى أبي طالب، وطلبوا منه أن يطرد أولئك الضعفاء من حوله.. وقال له عمر: لو فعلت يا رسول الله، حتى ننظر ما يريدون بقولهم، وما يصيرون إليه من أمرهم، فأنزل الله: ﴿ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا ... ﴾ 64 .. الخ..
إلى أن قال: ونزلت في أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء، ﴿ وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا ... ﴾