ابو بكر قاتل المرتدين وعلي يرضى بابقاء الناس على ضلالهم
لماذا قاتل أبو بكر «رضي الله عنه» المرتدين، وقال: لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه، بينما يقول الشيعة بأن علياً «رضي الله عنه»، لم يخرج المصحف الذي كتبه عن الرسول(صلى الله عليه (وآله) وسلم) خوفاً من أن يرتد الناس!! وقد كان هو الخليفة، وله من الصفات والتأييد الإلهي كما يدعي الشيعة، ومع هذا يرفض أن يُخرج المصحف خوفاً من ارتداد الناس، ويرضى أن يدع الناس في الضلال، وأبو بكر يقاتل المرتدين على عقال بعير!!
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
محتويات
الآيات والروايات لا تنطبق على المرتدين
وملخص القصة كما وردت في الغدير
علي عليه السلام يرضى بالضلال
فإننا نجيب بما يلي:
الآيات والروايات لا تنطبق على المرتدين
بالنسبة للذين ادعوا النبوة نقول:
ألف: إن الذين ارتدوا عن الإسلام بادعاء النبوة أو بمتابعة من ادعاها، إنما فعلوا ذلك في حياة النبي «صلى الله عليه وآله»، لا بعد وفاته، فليسوا مصداقاً لقوله تعالى: ﴿ ... المزید أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ... ﴾ 1 . ولا ينطبق عليهم قوله: «إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى» 2 .
وهؤلاء هم:
1 ـ الأسود العنسي.
2 ـ طليحة بن خويلد.
3 ـ مسيلمة الكذاب.
4 ـ علقمة بن علاثة.
فأما سجاح، فقد انضمت إلى مسيلمة، ولم تكن ذات خطر يذكر..
وأما أم زمل: سلمى بنت مالك، فلم تكن ذات شأن، لأنها إنما أنضوى إليها فلول من غطفان والشرداء في تلك المنطقة لمواصلة الحرب ضد خالد.. فلم تكن ذات دعوة مستقلة.
ب: بالنسبة لمانعي الزكاة، نقول:
إن تفحص النصوص يعطي: أن قوام هذا الأمر هو مالك بن نويرة وأصحابه، وقد اعترض عمر بن الخطاب، وغيره من الصحابة على قتل مالك وطالبوا أبا بكر بقتل خالد به، لأنه كان مسلماً، فأبى أبو بكر ذلك، وعذر خالداً بأنه تأوَّل فأخطأ، ورد سبي بني حنيفة، وعرض على متمم بن نويرة ديَّة أخيه 3 .
وذلك كله يدلُّ على أن مانعي الزكاة الذين يبدو أن العمدة فيهم هو مالك بن نويرة لم يرتدوا، وأن هذه تهمة صاغها أتباع الخلفاء للتخفيف من وقع هذه الكارثة..
ج: قد ظهر: أن الحروب التي سميت بحروب الردة: لم تكن حروب ردة، بل كانت حروب سلطة، فإن أبا بكر لم يحارب المرتدين، بل حارب المسلمين وقتلهم، وعفا عن قاتلهم، وأيده وسدده، ودفع عنه، لمجرد أنهم لم يعترفوا بخلافته، وبالتالي أعلنوا أنهم لن يدفعوا الزكاة إلا إلى أهل بيت نبيهم، أو أنهم سوف يعطونها لفقرائهم في قبائلهم 4 .
ولكن أتباع الخلفاء قد حاولوا أن يتستروا على هذا الأمر بادعاء أنهم ارتدوا عن دينهم.
ولكن ما يثير الدهشة هو أن نرى أبا بكر يزوج أخته من أحد زعماء الردة في نفس اللحظة التي جيء به إليه أسيراً.. مع أن من غير المعقول أن يتحقق اليقين بتوبة المرتد في لحظة الإتيان به أسيراً، وقبل أن يطلق من الحديد..
وملخص القصة كما وردت في الغدير
بعد ما ارتد الأشعث بن قيس وأتى بمعرات، وقاتل المسلمين، وأخذ وأتي به أسيراً إلى الخليفة، فقال: ماذا تراني أصنع بك ؟! فإنك قد فعلت ما علمت.
قال: تمن عليَّ، فتفكني من الحديد، وتزوجني أختك، فإني قد راجعت وأسلمت.
فقال أبو بكر: قد فعلت، فزوجه أم فروة ابنة أبي قحافة، فاخترط سيفه ودخل سوق الإبل فجعل لا يرى جملاً ولا ناقة إلا عرقبه.
فصاح الناس: كفر الأشعث.
فلما فرغ طرح سيفه وقال: إني والله ما كفرت، ولكن زوجني هذا الرجل أخته، ولو كنا في بلادنا كانت وليمة غير هذه، يا أهل المدينة! كلوا، ويا أصحاب الإبل! تعالوا خذوا شرواها، فكان ذلك اليوم قد شبه بيوم الأضحى، وفي ذلك يقول وبرة بن قيس الخزرجي:
لقد أولم الكنـدي يـوم مـلاكه *** ولـيمـةَ حمّـَالٍ لـثـقل الجرائم
لقد سل سيفاً كـان مذ كان مغمدا *** لدى الحرب منها في الطلا والجماجم
فـأغـمده في كل بكـر و سابـح *** وعـير وبغـل في الحشا والقوائم
فـقل للفـتى الكنـدي يوم لقائه *** ذهـبت بأسنى مجـد أولاد آدم
وقال الأصبغ بن حرملة الليثي متسخطاً لهذه المصاهرة:
أتـيت بكندي قـد ارتد و انتهـى *** إلى غأيـة مـن نكث ميثاقه كفرا
فكان ثـواب النكث إحياء نفسه *** و كان ثواب الكفر تزويجه البكرا
و لو أنه يـأبـى علـيك نكاحها *** وتـزويـجها منه لأمهرته مهرا
و لو أنـه رام الـزيادة مـثلهـا *** لأنكحته عشرا و أتـبعته عشرا
فـقل لأبي بكر: لقد شنت بعدها *** قريشاً وأخملـت النباهـة والذكـرا
أما كان في تـيم بـن مرة واحد *** تـزوجه ؟! لـو لا أردت به الفخرا
و لو كـنت لما أن أتـاك قـتلته *** لأحـرزتها ذكـراً و قدمتهـا ذخرا
فأضحى يرى ما قد فعلت فريضة *** عـليك فلا حمـداً حويت ولا أجـرا 5
وكان عدم قتل الأشعث هو أحد الأمور التي قال أبو بكر حين موته: إنه ودَّ لو أنه فعلها.
فقد روي عن عبد الرحمان بن عوف قال: إنه دخل على أبي بكر في مرضه التي توفي فيه، فأصابه مهتماً، فقال له عبد الرحمن: أصبحت والحمد لله بارئاً.
فقال أبو بكر «رضي الله عنه»: أتراه ؟!
قال: نعم.. إني وليت أمركم خيركم في نفسي، فكلّكم ورم أنفه من ذلك يريد أن يكون الأمر له دونه، ورأيتم الدنيا قد أقبلت ولما تقبل، وهي مقبلة حتى تتخذوا ستور الحرير، ونضائد الديباج، وتألموا الاضطجاع على الصوف الأذري كما يألم أحدكم أن ينام على حسك..
والله، لأن يقدم أحدكم فتضرب عنقه في غير حدّ خير له من أن يخوض في غمرة الدنيا، وأنتم أول ضال بالناس غداً، فتصدونهم عن الطريق يميناً وشمالاً..
يا هادي الطريق، إنما هو الفجر أو البحر [أو البجر] 6 .
فقلت له: خفض عليك رحمك الله، فإن هذا يهيضك في أمرك، إنما الناس في أمرك بين رجلين:
إما رجل رأى ما رأيت فهو معك.
وإما رجل خالفك فهو مشير عليك وصاحبك كما تحب، ولا نعلمك أردت إلا خيراً، ولم تزل صالحاً مصلحاً، وإنك لا تأسى على شيء من الدنيا.
قال أبو بكر «رضي الله عنه»: أجل أني لا آسي على شيء من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني تركتهن. وثلاث تركتهن وددت أني فعلتهن. وثلاث وددت أني سألت عنهن رسول الله «صلى الله عليه وآله».
فأما الثلاث اللاتي وددت أني تركتهن: فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا قد غلقوه على الحرب.
ووددت أني لم أكن حرقت الفجاءة السلمي، وأني كنت قتلته سريحاً، أو خليته نجيحاً.
ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين ـ يريد عمر وأبا عبيدة ـ فكان أحدهما أميراً وكنت وزيراً.
وأما اللاتي تركتهن: فوددت أني يوم أتيت بالأشعث بن قيس أسيراً كنت ضربت عنقه، فإنه تخيل إلي أنه لا يرى شراً إلا أعان عليه.
ووددت أني حين سيرت خالد بن الوليد إلى أهل الردة كنت أقمت بذي القصة، فإن ظفر المسلمون ظفروا، وإن هزموا كنت بصدد لقاء أو مدد.
ووددت أني إذا وجهت خالد بن الوليد إلى الشام كنت وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فكنت قد بسطت يدي كلتيهما في سبيل الله. ومد يديه.
ووددت أني كنت سألت رسول الله «صلى الله عليه وآله» لمن هذا الأمر ؟! فلا ينازعه أحد.
ووددت أني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب ؟!
ووددت أني كنت سألته عن ميراث ابنة الأخ والعمة، فإن في نفسي منهما شيئاً 7 .
قال الأميني: والإسناد صحيح رجاله، كلهم ثقات، أربعة منهم من رجال الصحاح الست 8 .
وفي هذه الرواية ورواية الأشعث أمور هامة يحسن التوقف عندها، ولكننا نكل أمر ذلك إلى القارئ الكريم، لأن هذا الكتاب ليس موضوعاً لبحث هذه الأمور.
علي عليه السلام يرضى بالضلال
أما بالنسبة لامتناع علي «عليه السلام» من إخراج المصحف الذي كتبه الرسول «صلى الله عليه وآله»، فنقول:
إن أمير المؤمنين «عليه السلام» قد جاء بهذا القرآن إلى الذين استولوا على الخلافة، ولكنهم حين وجدوا فيه ما يحرجهم، أرجعوه إليه، وقالوا له: لا حاجة لنا فيه، ثم طلبوا من زيد بن ثابت أن يجمع لهم قرآناً، فجمع لهم هذا القرآن المتداول بين المسلمين إلى اليوم..
والفرق بينهما: أن قرآن رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان قد كتب مرتباً حسب النزول، مع بيان الآيات الناسخة من المنسوخة، والمحكم من المتشابه، وبيان شأن نزول الآيات، وفي من نزلت، ومتى نزلت، وغير ذلك من شروح وتفاسير..
فوجدوا أن فيه فضائح لا تطاق، فرفضوه، وكتبوا مصحفاً مجرداً عن كل ذلك، واقتصروا فيه على نصوص الآيات..
فعلي «عليه السلام» لم يمتنع عن إخراج القرآن إلى الناس، بل أخرجه إليهم، ولكنهم هم الذين رفضوه وردوه..
فبطل بذلك ما أراد السائل التسويق له، من أن أبا بكر كان يسعى لمنع الردَّة، أما علي «عليه السلام» فكان راضياً ببقاء الضلال!!
أما لماذا لم يخرج علي «عليه السلام» القرآن الذي جمعه للناس أيام خلافته، فقد قلنا في إجابة لنا على سؤال آخر في هذا الكتاب: بأن إخراجه في أيام خلافته سوف يفسح في المجال أمام أهل الريب لإطلاق الإشاعات المسمومة، والتشكيك بصحة ما فيه، وإطلاق الأسئلة عن سبب رده من قبل الخلفاء قبله، وقد يشيعون أن سبب رده من قبلهم هو عدم صحة ما ورد فيه.. ويؤكدون ذلك للناس بادعاء أن حجبه عن أعين الناس طيلة ربع قرن يزيد في الشك بصحته.
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله.. 9 .