وصية الرسول لعلي وصية اخلاقية و روحية عامة و لا علاقة لها بالخلافة
قال: «وبالرغم مما يذكر الإماميون من نصوص حول تعيين النبي (صلى الله عليه وآله) للإمام علي بن ابي طالب كخليفة من بعده، إلا ان تراثهم يحفل بنصوص أخرى تؤكد التزام الرسول الأعظم وأهل البيت بمبدأ الشورى وحق الأمة في انتخاب أئمتها. تقول رواية يذكرها الشريف المرتضى ـ وهو من ابرز علماء الشيعة في القرن الخامس الهجري ـ ان العباس بن عبد المطلب خاطب أمير المؤمنين في مرض النبي (صلى الله عليه وآله) ان يسأله عن القائم بالأمر بعده، فان كان لنا بينه وان كان لغيرنا وصى بنا. وان أمير المؤمنين قال: "دخلنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين ثقل، فقلنا: يا رسول الله.. استخلف علينا، فقال: لا، إني أخاف ان تتفرقوا عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون، ولكن ان علم الله في قلوبكم خيرا اختار لكم". و يقول الكليني في (الكافي) نقلا عن الإمام جعفر بن محمد الصادق: انه لما حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وأمير المؤمنين فقال للعباس:، يا عم محمد.. تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته؟.. فرد عليه فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إني شيخ كبير كثير العيال قليل المال من يطيقك وأنت تباري الريح. قال فاطرق هنيهة ثم قال: يا عباس أتأخذ تراث محمد وتنجز عداته وتقض دينه ؟.. فقال كرر كلامه.. قال: أما إني سأعطيها من يأخذها بحقها. ثم قال: يا علي يا أخا محمد أتنجز عدات محمد وتقضي دينه وتقبض تراثه ؟.. فقال: نعم بأبي أنت وأمي ذاك عليَّ ولي. وهذه الوصية، كما هو ملاحظ وصية عادية شخصية آنية، لا علاقة لها بالسياسة والإمامة، والخلافة الدينية، وقد عرضها الرسول في البداية على العباس بن عبد المطلب، فأشفق منها، وتحملها الإمام أمير المؤمنين طواعية. وهناك وصية أخرى نقلها الشيخ المفيد في بعض كتبه عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) تقول ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أوصى بها إليه قبل وفاته، وهي أيضا وصية أخلاقية روحية عامة، وتتعلق بالنظر في الوقوف والصدقات. واذا القينا بنظرة على هذه الروايات التي يذكرها أقطاب الشيعة الإمامية كالكليني والمفيد والمرتضى، فإننا نرى إنها تكشف عن عدم وصية رسول الله للإمام علي بالخلافة والإمامة، وترك الأمر شورى» (احمد الكاتب ـ تطور الفكر السياسي الشيعي: 11 ـ 12.).
الرواية التي ذكرها المرتضى ليست من تراث الشيعة وانما نقلها عن القاضي عبد الجبار للرد عليها!!!
الرد على الشبهة
أقول: أما الرواية التي نسبها إلى الشريف المرتضى فهي مما أورده في كتابه الشافي ج 3 / 91 كجزء من كلام القاضي عبد الجبار المعتزلي في كتابه (المغنى الذي أورد عدة روايات تنفي ان يكون النبي (صلى الله عليه وآله) قد أوصى لعلي أو ان علياً (عليه السلام) قد أوصى للحسن (عليه السلام) وعقب عليها المرتضى (رحمهم الله) بقوله:
«والأخبار التي ادعاها (صاحب المغنى) لم تنقل الا من جهة واحدة (أي جهة أهل السنة) وجميع شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) على اختلاف مذاهبهم يدفعها وينكرها ويكذب رواتها فضلا عن ان ينقلها ولا شىء منها الا ومتى فتشت عن ناقله واصله وجدته صادراً عن متعصب مشهور الانحراف عن أهل البيت (عليهم السلام) والإعراض عنهم» 1 .
وفي ضوء ذلك يتضح ان هذه الرواية ليست من تراث الشيعة وان الشريف المرتضى حين أوردها لم يكن مصدقاً بها بل رادا عليها فهل حقا غفل الاستاذ الكاتب عن ذلك ؟
اما رواية الكليني فهي رواية ضعيفة ومعارضة لروايات كثيرة جداً في الكافي نفسه تؤكد انََّ عليا وارث تراث محمد (صلى الله عليه وآله)قبل حادثة وفاة النبي (صلى الله عليه وآله).
اما رواية الشيخ المفيد في اماليه / المجلس السادس والعشرون / ص 220 ـ 221 فهي وصية أخلاقية عامة من النبي (صلى الله عليه وآله)لعلي (عليه السلام) ومن علي لولده الحسن وليس معنى ذلك عدم وجود وصية أخرى في موضوع آخر فلا تعارض بينهما أصلا.
لقد كان ينبغي على (الأستاذ الكاتب) ان يبحث المسألة بحثاً علميا فيورد كل روايات الوصية في المصادر الشيعية والسنية ويناقشها مناقشة علمية سندا ودلالة أما ان يكتفي بما ذكر ليقول بعده «وإذا القينا نظرة على هذه الروايات التي يذكرها اقطاب الشيعة الإمامية كالكليني والمفيد والمرتضى فاننا نرى انها تكشف عن عدم وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) للإمام علي بالخلافة والامامة.. وترك الأمر شورى»فهو مما لا يرتضيه منه قارىء يحترم عقله ووقته.
والى القارىء الكريم نموذج من روايات الوصية التي ذكرها المفسرون والمؤرخون والمحدثون.
روى الطبري في تفسير قوله تعالى ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ 2 عن ابن حميد قال «ثنا سلمة قال: ثني محمد بن اسحق عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب عن عبد الله بن عباس عن علي بن ابي طالب قال:
لما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ 2 دعاني رسول الله فقال لى: يا علي ان الله امرني ان انذر عشيرتي الأقربين، قال: فضقت بذلك ذرعاً،وعرفت اني متى ما أُبادِهُّم بهذا الامر أرَ منهم ما اكره فَصَمَتُُّ، حتى جاء جبرئيل فقال: يا محمد، انك الا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك، فاصنع لنا صاعاً من طعام، واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عساً من لبن ثم اجمع بني عبد المطلب حتى اكلمهم، وابلغهم ما امرت به، ففعلت ما امرني به، ثم دعوتهم له وهم يومئذ اربعون رجلاً يزيدون رجلاً او ينقصونه، فيهم اعمامه ابو طالب وحمزة والعباس وابو لهب فلما اجتمعوا اليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم، فجئت به فلما وضعته تناول رسول الله (عليه السلام) حذية من اللحم فشقها بأسنانه ثم القاها في نواحي الصحفة، وقال: خذوا باسم الله، فأكل القوم حتى ما لهم بشىء حاجة، وما ارى الا مواضع ايديهم، وايم الله الذي نفس علي بيده، ان كان الرجل الواحد ليأكل ما قدمت لجميعهم، ثم قال: اسق الناس، فجئتهم بذلك العس، فشربوا حتى رووا منه جميعاً وايم الله ان كان الرجل الواحد منم ليشرب مثله، فلما اراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان يكلمهم، بدره ابو لهب الى الكلام فقال لشد ما سحركم به صاحبكم، فتفرق القوم، ولم يكلمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال من الغد: يا علي، ان هذا الرجل قد سبقني الى ما قد سمعت من القول، فتفرق القوم قبل ان اكلمهم، فعد لنا من الطعام مثل الذي صنعت، ثم اجمعهم لي، قال، ففعلت، ثم جمعتهم،ثم دعاني بالطعام فقربته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتى ما لهم بشىء حاجة، قال: اسقهم، فجئتهم بذلك العس، فشربوا حتى رووا منه جميعاً.
ثم تكلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا بني عبد المطلب، اني والله ما اعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به. اني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله ان أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني
على هذا الامر على ان يكون اخي وكذا وكذا.
قال فأحجم القوم عنها جميعاً وقلت واني لأحدثهم سناً، وارمصهم عيناً، واعظمهم بطناً، واحمشهم ساقاً انا يا نبي الله انا اكون وزيرك.
فأخذ برقبتي ثم قال: ان هذا اخي وكذا وكذا فاسمعوا له واطيعوا.
قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب قد أمرك ان تسمع لابنك وتطيع» 3 .
أقول: قوله (كذا وكذا) في الموردين حذف لأصل الكلام من النساخ الأوائل كما يظهر من رواية الطبري الآتية حيث أوردها في تاريخه بالسند نفسه وفيها «على ان يكون اخي ووصيي وخلفيتي فيكم» «ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم» 4 .
ورواها ابن عساكر بسنده إلى نصر بن سليمان قال انبأنا محمد بن اسحق عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب عن عبد الله بن عباس عن علي بن ابي طالب (عليه السلام) وفيها «فايكم يؤازرني على هذا الامر على ان يكون اخي ووصيي وخليفتي فيكم» 5 .
ورواها ابن كثير في تفسيره عن ابن جرير الطبري وفيها «على ان يكون اخي وكذا و كذا» في الموردين.
ثم علق عليها ابن كثير بقوله: «تفرد بهذا السياق عبد الغفار بن القاسم ابي مريم وهو متروك كذاب شيعي اتهمه علي بن المدينيوغيره بوضع الحديث» 6 .
قال ابن حبان: «وكان ممن يروي المثالب في عثمان بن عفان» 7 .
وقال الدار قطنى: «متروك، وهو شيخ شعبة اثنى عليه شعبة وخفي على شعبة امره» 8 .
ونُقِلَ عن شعبة قوله: «لم أَرَ احفظ منه».
قال الذهبي: «بقي الى قريب الستين ومائة وكان ذا اعتناء بالعلم والرجال وقد اخذ عنه شعبة ولما تبيََّن له انه ليس بثقة تركه» 9 .
اقول: أي اخذ عنه شعبة وتعلم منه لما عندما لم يكن يحدث ببلايا عن عثمان فلما حدث بها تركه كما يظهر من قول ابن المديني الاتي.
قال علي ابن المديني: «وكان لشعبة (في عبد الغفار) رأيٌ وتعلََّمَ منه زعموا توقيف الرجال ثم ظهر منه رأي ردىء في الرفض فترك حديثه» 10 .
وقال ابن عدى: «وسمعت احمد بن محمد بن سعيد (ابن عقدة) 11 (تـ 332) يثني على ابي مريم ويطريه وتجاوز الحد في مدحه حتى قال: لو انتشر علم ابي مريم وخرج حديثه لم يحتج الناس الى شعبة» 12 .
وقد فات ابن كثير ان قريباً من سياق حديث الطبري قد رواه احمد بن حنبل في مسنده ج 1 / 159 بسند آخر من غير طريق عبد الغفار قال احمد حدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا ابو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن ابي صادق عن ربيعة بن ناجذ عن علي (عليه السلام) وفيها «ويكون اخي وصاحبي ووارثي».
وروى احمد في مسنده 1 / 111 بسند آخر قال: حدثنا اسود بن عامر قال حدثنا شريك عن الاعمش عن المنهال عن عباد بن عبد الله الاسلامي عن علي (عليه السلام) وفيها «ويكون خليفتي».
وقد رواها قريباً من هذا السياق ايضاً ابو الحسن الثعلبي في تفسيره بسنده عن الحسين بن محمد بن الحسين قال: حدثنا موسى بن محمد حدثنا الحسن بن علي بن شعيب العمري حدثنا عباد بن يعقوب حدثنا علي بن هاشم عن صباح بن يحيى المزني عن زكريا بن ميسرة عن ابي اسحق عن البراء بن عازب.
ورواها أيضا قريباً من هذا السياق الثعلبي في تفسيره وابن عساكر في تاريخ دمشق بسندهما عن ابي رافع.
أقول: وقد يشكل بعد الاذعان بصحتها بانها معارضة بما رواه الطبري واحمد و اصحاب الصحاح عن عائشة وابن عباس وابي هريرة من انه لما نزل قوله تعالى (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَك الأَقْرَبِينَ). واللفظ لاحمد «دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قريشاً فعمََّ وخص فقال يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار يا معشر بني كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا معشر بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا معشر بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة بنت محمد انقذي نفسك من الله فاني والله لا املك لكم من الله شيئا، الا ان لكم رحما سأبلها ببلالها» (المسند 2 / 360).
ويرد عليه ان عائشة وابن عباس كانا طفلين في ذلك الوقت او لم يكونا قد ولدا بعد اما ابو هريرة فلم يكن قد اسلم انذاك وكان في اليمن فلم يكن اذن من شهود الواقعة بخلاف علي (عليه السلام) حيث شهدها وجرت على يديه ورواها عنه ابن عباس وعباد بن عبيد الله الاسدي وربيعة بن ناجذ والبراء بن عازب و ابو رافع وابنه عبيد الله الذي كان كاتبا لعلي (عليه السلام).
هذا مضافاً إلى ان لفظ العشيرة على فرض التسليم بانه مشترك بين بني الاب الادنين او القبيلة فان لفظة (الأقربين) قرينة صريحة في ارادة معنى بني الاب الادنين وهم بنو هاشم دون قريش ومما يؤكد هذا ما رواه البخاري عن جبير بن مطعم قال: «مشينا وعثمان بن عفان الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلنا يا رسول الله اعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) انما بنو المطلب وبنو هاشم شىء واحد»، ويؤكد ذلك ما ذكروه ايضا في (ذوي القربى) انه لفظ عام خُصَّ ببني هاشم والمطلب 13 .
اقول: مضافا الى ذلك فإن قول النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي في هذه المناسبة انه اخوه ووصيه وصاحبه ووارثه ووزيره وخليفته تصدقه أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) الاخرى كحديث المؤاخاة حيث اخى النبي (صلى الله عليه وآله) بينه وبين علي فقال له: «أنت أخي في الدنيا والآخرة»، وقال له: «أنت أخي وصاحبي»، وان عليا كان يقول: «والله اني لأخو رسول الله ووليه». ويقول: «انا عبد الله وأخو رسوله لم يقلها قبلي ولا يقولها احد بعدي الا كذاب مفتر» 14 .
وحديث المنزلة حيث قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي: «انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي» رواه البخاري وغيره، وهذا الحديث من اقوى الشواهد على صدق ما روي عن علي (عليه السلام) في قصة الانذار.
والقرآن يقول عن موسى: ﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ ﴾ 15 .
وقد كان هذا قبل مجىء موسى الى مصر واجتماعه بأهل بيته فلما قدم مصر و اجتمع معهم ابلغهم شأن هارون وموقعه من رسالته وانه نبي ووزير وخليفة ووصي.
ولما كان موقع علي (عليه السلام) من محمد (صلى الله عليه وآله) ورسالته كموقع هارون من موسى ورسالته الا ان عليا لم يكن نبيا، فقد شاءت الحكمة الإلهية ان يكون إنذار محمد (صلى الله عليه وآله) لعشيرته الأقربين شبيها بإنذار موسى لعشيرته الأقربين.
ففي القرآن الكريم قوله تعالى ﴿ ... المزید وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ ... ﴾ 16 والضمير في (مثله) يعود الى الشاهد من بني اسرائيل وهو موسى.
وفي التوراة في سفر التثنية الإصحاح 18 الفقرات 15 ـ 22 «يقيم لك الرب من اقرباء اخيك نبياً مثلي» «سأقيم لهم من اقرباء اخيهم نبيا مثلك واضع كلامي في فمه لكي يبلغهم جميع ما امره به».
وفي القرآن الكريم ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولًا ﴾ 17 .
ان هذه المثلية بين محمد (صلى الله عليه وآله) وموسى (عليه السلام) قد تحققت بشكلها الكامل من خلال قصة انذار العشيرة وإبلاغ الناس ان لمحمد (صلى الله عليه وآله) منذ البدء وزيراً وخليفة وهو اخوه علي كما ان لموسى وزيراً وخليفة هو اخوه هارون، ولم يعرض القرآن الكريم في قصص انبيائه نبيا له وزير كموسى من هذه الناحية.
وقد اقترن شخص محمد (صلى الله عليه وآله) بشخص علي لدى قريش في العهد المكي فضلا عن العهد المدني روى ابن الأثير في اسد الغابة «ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعلي ليلة الهجرة: ان قريشا لم يفقدوني ما رأوك، فلما أصبح ورأوا عليا قالوا: لو خرج محمد لخرج بعلي معه» 18 .
وقد بلغ موسى ووزيره هارون الرسالة الى فرعون وتحمل موسى وهارون من فرعون ومن قومهما ما تحملا وقد جعل الله الامامة من بعد موسى في ذرية هارون.
وقال تعالى: ﴿ وَمِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ 19 . ﴿ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ... ﴾ 20 .
وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ... ﴾ 21 .
وكذلك بلََّغ محمد (صلى الله عليه وآله) ووزيره عليٌ الرسالة الى قريش ومن آمن منهم ومن غيرهم وتحملا من قومهما ما تحملا، وقد جعل الله الامامة من بعد النبي (صلى الله عليه وآله) في ذرية علي وقال تعالى: ﴿ وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ 22 وقد ذكر المفسرون ان هذه الاية في امة محمد (صلى الله عليه وآله) وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ 23 وقد تظافرت الروايات عن اهل البيت (عليهم السلام) انهم هم الذي اورثهم الله الكتاب وعلومه وجعلهم سابقين بالخيرات باذن الله أي جعلهم ائمة هدى للناس 24 .
وقد تظافرت الروايات من اهل السنة والشيعة ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «ان الأئمة من بعده اثنا عشر عدتهم عدة نقباء بني اسرائيل» 25 .
اما صفة علي كوصي للنبي (صلى الله عليه وآله) الواردة في حديث الانذار فقد تكررت منه (صلى الله عليه وآله) في مناسبات عدة منها جوابه (صلى الله عليه وآله)لسلمان لما سأله عن وصيه اجابه ان وصيي علي (عليه السلام) 26 .
ومنها ما رواه ابن حبان بسنده عن خالد بن عبيد الله العتكي من اهل البصرة سكن مرو عن انس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله) «هذا (علي) وصيي وموضع سري وخير من اترك بعدي» 27 .
وقد عُرِفَت عن علي (عليه السلام) هذه الصفة واشتهرت له حتى صارت مختصة به فاذا قيل الوصي انصرف الذهن الى علي (عليه السلام) وقد نظمها الشعراء منذ صدر الإسلام والى اليوم.
قال ابن ابي الحديد: «ومما رويناه من الشعر القول في صدر الإسلام المتضمن كونه (عليه السلام) وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قول عبد الله بن ابي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:
ومنا علي ذاك صاحب خيبر *** وصاحب بدر يوم سالت كتائبه
وصي النبي المصطفى وابن عمه *** فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه
وقال ابو الهيثم بن التيهان وكان بدريا:
ان الوصي امامنا وولينا *** برح الخفاء وباحت الأسرار
الى غيرها مما نقله عن كتاب وقعة الجمل، لابي مخنف ثم علق عليها ابن ابي الحديد قائلا: ذكر هذه الأشعار والاراجيز باجمعها ابو مخنف لوط بن يحيى في كتاب وقعة الجمل، وابو مخنف من المحدِّثين وممن يرى صحة الامامة بالاختيار وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها.
ثم ذكر ابن ابي الحديد نماذج اخرى من اشعار صفين تتضمن تسميته (عليه السلام) بالوصي مما ذكره ابن مزاحم ثم قال ابن ابي الحديد: والاشعار التي تتضمن هذه اللفظة كثيرة جداً ولكنا ذكرنا منها ها هنا بعض ما قيل فاما ما عداها فانه يجل عن الحصر ويعظم عن الاحصاء والعد ولولا خوف الملالة والاضجار لذكرنا من ذلك ما يملأ اوراقا كثيرة» 28 .
ومن الطريف ان الأستاذ الكاتب فى الوقت الذي يجعل من وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي وصية شخصية وعادية يستشهد برسالة محمد بن عبد الله بن الحسن إلى أبي جعفر المنصور فيذكر قوله «فان الحق حقنا وإنما ادعيتم هذا الامر بنا، وخرجتم له بشيعتنا وحضيتم بفضلنا وان ابانا علي كان الوصي وكان الامام فكيف ورثتم ولايته وولده احياء ؟» الكتاب ص 35.
وليس من شك ان هذه الوصية التي يذكرها محمد بن عبد الله بن الحسن هنا ليست وصية عادية اذ لو كانت كذلك فلا مزية فيها خاصة لعلي وهو فى مقام الاحتجاج على المنصور بان الحق حقهم، وقوله «ان ابانا علي كان الوصي وكان الامام فكيف ورثتم ولايته وولده احياء ؟» صريح في ان هذه الوصية ذات جنبة سياسية ترتبط بولاية الحكم 29 .