منذ سنتين

هل عذب المشركون ابا بكر؟!

هذا ويذكرون: أن أبا بكر قد تعرض للعذاب في سبيل الإسلام حيث إن عمر بن عثمان أخذه وقرنه مع طلحة بن عبيد الله التيمي في حبل حين أسلما، وعذبهما نوفل بن خويلد، وفتنهما عن دينهما، فلذلك سمي أبو بكر وطلحة بـ (القرينين). ويرى البعض أن الذي قرنهما وعذبهما هو نوفل فقط، وليس لعمر بن عثمان ذكر في شيء (راجع في ذلك: العثمانية للجاحظ ص27 و28، وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص253، وسيرة ابن هشام ج1 ص301، ونسب قريش لمصعب الزبيري ص230، والبداية والنهاية ج3 ص29، والبيهقي، ومستدرك الحاكم ج3 ص369 والبدء والتاريخ ج5 ص82.).


ونحن نسجل هنا ما يلي إنهم يقولون: إن أبا بكر قد منعه الله بقومه 1 ، وهذا يتناقض تماماً مع قولهم: إنه قد عذب، كما أنه يناقض قوله الآتي لابن الدغنة: إن قومه قد أخرجوه. إنه يظهر من مراجعة كتب السيرة: أن كل قبيلة كانت تتولى تعذيب من يدخل في الإسلام منها، ولم يكن منهم من يجرؤ على تعذيب من كان من قبيلة أخرى، كما سنرى. لقد قال الإسكافي: (إنا لا نعلم: أن العذاب كان واقعاً إلا بعبد أو عسيف، (وهو الأجير)، ولمن لا عشيرة له تمنعه) 2 . مع أنهم يقولون: إن أبا بكر كان رئيساً متبعاً، وكبيراً مطاعاً 3 ينتظره عظماء قريش ولا يقطعون أمراً دونه، حتى يأتيهم ليبتوا في أمر محمد (صلى الله عليه وآله)، (كما تقدم في حديث إسلام أبي بكر). وعلى حسب تعبيراتهم: كان ذا مكانة علية، وصدراً معظماً، ورئيساً في قريش مكرماً 4 فكيف يعذب أبو بكر من قبل جماعة ليسوا من قبيلته؟ وكيف يترك قومه رئيسهم، وصاحب مجدهم الباذخ يتعرض للمهانة من قبل هؤلاء؟. وعلى حد تعبير ابن هشام وغيره: كان (مآلفاً لقومه، محبباً، سهلاً. إلى أن قال: وكان رجال قومه يأتونه، ويألفونه لغير واحد من الأمر) 5 . وعلى حد التعبير المزعوم لابن الدغنة: (لا يخرج مثله، أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق)؟ 6 . ويلاحظ: أن هذه الكلمات هي ـ تقريباً ـ نفس الكلمات التي تنسب إلى خديجة في وصف النبي (صلى الله عليه وآله) حين بعثته، قالها ابن الدغنة حين هجرة أبي بكر إلى الحبشة ـ وسيأتي عدم صحتها ـ فاقرأ، واسمع، واعجب ما بدا لك!! ملاحظة: هل كان أبو بكر رئيساً؟! إننا إنما ذكرنا هذا الذي سبق آنفاً، لبيان تناقض كلماتهم، إذ لو صح هذا لم يمكن أن يصح ذاك، وإلا فنحن نشك في أن يكون أبو بكر رئيساً، معظماً، وكبيراً مطاعاً، ويدل على ذلك: 1 ـ إن أبا بكر حج، ومعه أبو سفيان، فرفع صوته عليه، فقال أبو قحافة: إخفض صوتك يا أبا بكر عن ابن حرب. فقال أبو بكر: يا أبا قحافة، إن الله بنى في الإسلام بيوتاً كانت غير مبنية، وهدم بيوتاً كانت في الجاهلية مبنية، وبيت أبي سفيان مما هدم 7 . 2 ـ وحين بويع أبو بكر نادى أبو سفيان: (غلبكم على هذا الأمر أذل أهل بيت في قريش). وفي نص الحاكم: (ما بال هذا الأمر في أقل قريش قلة، وأذلها ذلة، يعني أبا بكر) 8 . وعلى حد تعبير البلاذري: إن أبا سفيان جاء إلى علي (عليه السلام) فقال: يا علي، بايعتم رجلاً من أذل قبيلة من قريش؟ 9 . 3 ـ ويقول عوف بن عطية: وأما الأمان بنو عدي *** وتيم حين تزدحم الأمور فلا تشهد بهم فتيان حرب *** ولكن أدن من حلب وعير إذا رهنوا رماحهم بزبـد *** فإن رماح تيم لا تضير 10 ملاحظة أخيرة وأخيراً، فإن ما يذكرونه: من أن أبا بكر هو أول من أظهر إسلامه، فمنعه قومه، أو أنه ضُرب حتى كاد يموت 11 . يكذبه الكثير مما قدمناه، ونزيد هنا: أن النبي كان أول من أعلن الدعوة، وليس أبا بكر. هذا عدا عن أنهم يذكرون تارة: أن ابن مسعود هو أول من أعلن، وأخرى عمر بن الخطاب، وهنا يذكرون: أبا بكر. كما أن الرواية تنص على أن إظهار أبي بكر للإسلام قد كان حينما كان المسلمون ثمانية وثلاثين رجلاً والنبي (صلى الله عليه وآله) في دار الأرقم. وقد تقدم: أن أبا بكر لم يكن قد أسلم بعد، لأنه إنما أسلم بعد أكثر من خمسين رجلاً. إلا أن يكون المقصود هو بلوغ المسلمين الذين أسلموا بعد الهجرة إلى الحبشة ثمانية وثلاثين رجلاً، لكن ذلك لا يتلاءم مع تصريح الرواية بأن ذلك قد كان يوم إسلام حمزة، حينما كان النبي (صلى الله عليه وآله) في دار الأرقم 12 .