logo-img
السیاسات و الشروط
منذ 3 سنوات

زواج عمر ببنت علي

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين.. يعتقد الشيعة أن علياً «رضي الله عنه» إمام معصوم، ثم نجده ـ باعترافهم ـ يزوج ابنته أم كلثوم «شقيقة الحسن والحسين» من عمر ابن الخطاب «رضي الله عنه»!! (أثبت هذا الزواج من شيوخ الشيعة: الكليني في الكافي في الفروع (6 / 115)، والطوسي في تهذيب الأحكام (باب عدد النساء ج 8 / ص 148) وفـي (2 / 380)، وفي كتابه الاستبصار (3 / 356)، والمازنداراني في مناقب آل أبي طالب، (3 / 162)، والعاملي في مسالك الأفهام، (1 / كتاب النكاح)، ومرتضى علم الهدى في الشافي، (ص 116)، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، (3 / 124)، والأردبيلي في حديقة الشيعة، (ص 277)، والشوشتري في مجالس المؤمنين. (ص 76، 82)، والمجلسي في بحار الأنوار، (ص621). وانظر للزيادة: رسالة «زواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ـ حقيقة لا افتراء» لأبي معاذ الإسماعيلي.). فيلزم الشيعة أحد أمرين أحلاهما مر: الأول: أن عليّاً «رضي الله عنه» غير معصوم ؛ لأنه زوج ابنته من كافر!، وهذا ما يناقض أساسات المذهب، بل يترتب عليه أن غيره من الأئمة غير معصومين. والثاني: أن عمر «رضي الله عنه» مسلمٌ! قد ارتضى علي «رضي الله عنه» مصاهرته. وهذان جوابان محيّران. وفي صياغة أخرى: لماذا زوَّج علي بن أبي طالب «رضي الله عنه»، وهو الإمام المعصوم الأول عندهم ابنته أم كلثوم شقيقة الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة لعمر بن الخطاب «رضي الله عنه» مع أنه الكافر في زعمهم.. أليس ذلك ينافي عصمة علي «رضي الله عنه» أو يزكي عمر «رضي الله عنه»، لأن علياً ارتضاه لابنته، فأي الجوابين تختار الرافضة؟! فإن كان الأول، فهذا معناه: سقوط أصل من أصول المذهب الشيعي وهو عصمة الأئمة، وإن كان الثاني فهذا يستلزم تزكية عمر الذي تطفح كتب الرافضة بتكفيره وتفسيقه.


بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين.. وبعد.. محتويات   تكفير الشيعة لعمر زواج عمر بأم كلثوم بنت علي عليه السلام الزواج بأم كلثوم تحت التهديد هل هي بنت الزهراء عليها السلام؟! هذا الزواج لا يدفع الإشكال عن عمر أبو القاسم الكوفي يتحدث هل للحاكم أن يعمل بعلمه؟! روايات لئيمة وحاقدة رواية مكذوبة عمر يقول: رفئوني إعتذار، أم إدانة؟! الرواية الأغرب والأعجب فإننا نجيب بما يلي: تكفير الشيعة لعمر أولاً: ليس صحيحاً ما نسبه إلى الشيعة من تكفير لعمر بن الخطاب، وإنما هم يثبتون من خلال الآيات والروايات التي طفحت بها كتب أهل السنة أفعالاً له خالف فيها النصوص القرآنية والنبوية.. ولسنا من يدَّعي: أننا مطَّلعون على النوايا، والضمائر، لأن المخالفة قد تكون لأجل غلبة هوى، أو انسياقاً مع عصبية، أو استجابة لطموح أو غير ذلك.. فالمخالفة لا تستلزم الكفر دائماً إلا إذا صرح صاحبها بالكفر والطغيان على الله. ونحن نقبح عمل من يكفر إنساناً لمجرد مخالفته وعصيانه لأوامر الله ورسوله.. لأن الحكم بالكفر يحتاج إلى الإستناد إلى حجة قوية قطعية، كتصريح نفس الشخص، وإظهاره الكفر، أو إخبار النبي «صلى الله عليه وآله»، ومن يمكنه الإطلاع على الغيب، ومعرفة السرائر، ولو استناداً إلى ما أخبره به رسول الله «صلى الله عليه وآله». ثانياً: ما ذُكِر، من أن علياً «عليه السلام» ارتضى عمر زوجاً لابنته غير دقيق، فإن الروايات تصرح بما يدل على ضدَّ ذلك، فهي تذكر: أنه قد خطبها منه ثلاث مرات، فكان يتعلل بصغرها تارة، وبغير ذلك أخرى.. ومهما يكن من أمر، فإننا نذكر فيما يلي فصلاً تحدثنا فيه عن هذا الأمر، جاء في كتاب الصحيح من سيرة الإمام علي «عليه السلام»، وهو التالي: زواج عمر بأم كلثوم بنت علي عليه السلام ذكروا: أنه في السنة السابعة عشرة من الهجرة 1 كان زواج عمر بن الخطاب بأم كلثوم بنت أمير المؤمنين «عليه السلام» 2 . وزعموا: أنه دخل بها في ذي القعدة 3 . وروى خبر هذا التزويج أهل السنة وبعض كتب الشيعة على حد سواء. غير أن بين هذه الروايات الكثير من الإختلاف والتباين.. الذي دعا بعض العلماء والمحققين إلى الشك في أصل الموضوع كما ورد في بعض رسائل الشيخ المفيد، والسيد المرتضى «قدس الله اسرارهما». كما أن ثمة مؤاخذات عديدة وأساسية على عدد من تلك الروايات. فراجع في هذا أو ذاك كتابنا: «ظلامة أم كلثوم».. الفصل الأول والثاني.. غير أن من المفيد: أن نشير هنا إلى أن بعض الروايات تصرّح بأن عمر مات قبل بلوغها 4 . وذلك يدل على أنها لم تكن من بنات الزهراء «عليها السلام». وفي بعضها: أنه مات قبل أن يدخل بها 5 . الزواج بأم كلثوم تحت التهديد وقد صرّحت الروايات أيضاً: بأن هذا الزواج قد جاء نتيجة الإلحاح، ثم التهديد القوي والحاسم.. بعد أن تعلل أمير المؤمنين «عليه السلام» لدفعه عنها بعلل مختلفة، فاعتذر له: تارة: بأنها صغيرة. وأخرى: بأنه عزلها لولد أخيه جعفر بن أبي طالب «رضوان الله تعالى عليه». وثالثة: بأنه يريد أن يستأذن الحسنين «عليهما السلام» 6 . قال الطبرسي: قال أصحابنا: «إنما زوجها منه بعد مدافعة كثيرة، وامتناع شديد، واعتلال عليه بشيء بعد شيء، حتى ألجأته الضرورة إلى أن ردَّ أمرها إلى العباس بن عبد المطلب، فزوجها إياه» 7 . وقد يكون تصرف العباس هذا فضولياً، لأن في بعض النصوص: أن عمر تهدد وتوعد، وأرسل مع العباس هذا التهديد والوعيد الشديد والأكيد، فطلب العباس من أمير المؤمنين «عليه السلام» أن يوكل الأمر إليه، فسكت «عليه السلام». وقد روي عن الإمام الصادق «عليه السلام»، في تزويج أم كلثوم قوله: «ذلك فرج غصبناه (أو غصبنا عليه)» 8 . هل هي بنت الزهراء عليها السلام؟! ثم إن هناك حرصاً ظاهراً لدى فريق من الناس على تأكيد زواج عمر بن الخطاب بأم كلثوم بنت علي من فاطمة «عليهم السلام».. في محاولة منه لتأكيد صلته برسول الله «صلى الله عليه وآله» من جهة، والتخفيف من السلبيات التي لحقته بمهاجمته للزهراء «عليها السلام»، وضربه لها، الذي انتهى بإسقاط جنينها واستشهادها «عليها السلام». مع أن ذلك لا يجدي في رفع شيء من ذلك عنه، حتى لو كان ثمة من يرغب في إثبات حصول هذا الزواج. ولكن إصرار هؤلاء لا يجدي في تقويض احتمال أن تكون التي تزوجها عمر هي أم كلثوم الصغرى التي كانت أمها أم ولد 9 . بل سيأتي: أن هذا الإحتمال قد يكون هو الأقوى أو الأوضح، إذا قايسنا بين وفاة عمر، وبين ولادة أم كلثوم بنت الزهراء «عليهما السلام»، حيث سيظهر: أنه لا يتلاءم مع احتمال أن تكون التي تزوجها هي بنت الزهراء «عليها السلام». بل لو فرضنا في أسوأ الأحوال: أنها هي بنت الزهراء «عليها السلام»، فإن الأمر إذا كان قد بلغ حد التهديد، سيفقد قدرته على الدلالة على الإنسجام والرضا. هذا الزواج لا يدفع الإشكال عن عمر وربما يقال: إننا حين نناقش بعض أهل السنة حول إمامة الإمام علي «عليه السلام»، وما جرى بينه وبين الخلفاء، فإنهم يحتجون علينا بقضية تزويج الإمام علي «عليه السلام» ابنته أم كلثوم لعمر بن الخطاب.. ويقولون: لو كانت هناك مشكلة فيما بين الإمام علي «عليه السلام» وعمر، لم يزوجه ابنته.. كما أنه لو كان عمر قد تجرأ على السيدة الزهراء «عليها السلام»، وضربها، وأسقط جنينها، فإن الإمام علياً «عليه السلام»، لا يزوجه بنت السيدة الزهراء «عليها السلام» بالذات، فيؤذي بذلك روح الأم، ويؤذي ابنتها أيضاً.. ونجيب: أولاً: إن للتزويج أسبابه وظروفه، فقد يكون عن ميل ورغبة، وقد يكون عن حاجة وضرورة تلجىء إلى ذلك.. وقد يكون عن رضاً، وقد يكون عن إكراه وإجبار.. وربما يكون المطلوب هو الإرغام والإستعلاء على أبيها أو عشيرتها.. وربما يكون الداعي إلى قبول ذلك هو رعاية مصالح عامة أو خاصة.. والأسباب، والدواعي، تختلف من شخص لآخر، ومن حالة لأخرى.. ولأجل ذلك تزوج النبي «صلى الله عليه وآله» أم حبيبة بنت أبي سفيان، الذي كان يحارب النبي «صلى الله عليه وآله» بكل ما يستطيع، وتزوج صفية بنت حيي بن أخطب، وهو من أعلام اليهود. وتزوج الهلالية، فكان ذلك من أسباب تحرير قومها من الرق، ودخولهم في الإسلام. فلا يمكن الجزم بأن تزويج أم كلثوم من عمر، كان عن ميل ورغبة منها ومن أبيها، إلا بالتصريح منها ومنه «عليه السلام» بذلك.. ثانياً: هناك تصريحات عديدة وقرائن حالية ومقالية متضافرة، تدل على أن عمر بن الخطاب قد مارس ضغوطاً كبيرة للحصول على هذا الزواج.. وإن من يرمي النبي «صلى الله عليه وآله» بالهجر، ويهاجم السيدة الزهراء «عليها السلام»، ويؤذيها بالضرب وإسقاط الجنين، لا بد أن يُخاف منه لو أطلق أي تهديد، ولا بد أن يسعى إلى دفع المكروه الآتي من قِبَله باختيار أهون الشرور.. ثالثاً: إن عمر قد سعى أيضاً ـ كما يروي أهل السنة ـ إلى التزوج من أم كلثوم بنت أبي بكر، فلم يمكنهم دفعه عن ذلك، حتى توسلت عائشة بعمرو بن العاص، فدفعه عنها بطريقته الخاصة 10 . فإن قيل: إن هذا كذب.. فالجواب هو: أن الشيعة لم يدونوا ذلك في كتبهم، ولا رووه في أخبارهم، وإنما رواه لهم أهل السنة أنفسهم، فلماذا يكذب علماء أهل السنة على عمر؟! وأي نفع له أو لهم في ذلك؟!.. رابعاً: إن الروايات تدل على أن الزواج، بمعنى إجراء العقد قد وقع، ولكن لا دليل على أنه قد بنى بها، لا سيما مع قولهم: إنه تزوج بها وهي صغيرة، وإنه مات قبل أن يدخل بها 11 . ويؤيد ذلك: أن عمر كان محرجاً أمام الناس بسبب صغر سنها، خصوصاً بالنسبة إليه، حتى اضطر إلى محاولة تبرير ذلك على المنبر 12 .. خامساً: قد تقدم: أنه لا دليل يثبت أن التي تزوجها عمر هي بنت الزهراء «عليها السلام»، فقد كان لعلي «عليه السلام» بنت اسمها: أم كلثوم أمها أم ولد 13 .. ولعل ما ذكر من صغر سن زوجة عمر، حتى ليصرح بعضهم: بأن عمر قد توفي قبل أن يدخل بها، يؤيد: أن تكون التي تزوجها هي هذه. فإن عمر قد قتل سنة 23، فلماذا لم يدخل بها، وهي لم تعد صغيرة، فقد كان عمرها يناهز الخمس عشرة سنة حين وفاته؟! أما ما ورد في المناقب وغيره: من أن أم كلثوم الصغرى قد تزوجت من كثير بن عباس 14 ، لا من عمر، فيرد عليه: أن زواجها به ربما يكون بعد وفاة عمر بن الخطاب عنها. حيث لم يدخل بها عمر لصغرها، فلما كبرت تزوجت بالرجل الآخر.. أما ما زعموه، من أن عمر قد برَّر زواجه بأم كلثوم بنت الزهراء «عليها السلام» بدعوى السبب والنسب. والإتصال برسول الله «صلى الله عليه وآله» عن هذا الطريق، لا يتحقق إذا تزوج بأم كلثوم بنت علي، إلا إن كان يقصد أمراً آخراً يخص علياً «عليه السلام». أما هذا، فلعله مكذوب على لسان عمر في وقت متأخر، ويكون مراده الحقيقي هو: إذلال علي «عليه السلام»، وكسر عنفوانه بهذا الزواج.. وفي جميع الأحوال نقول: إن تضارب النصوص حول هذا الأمر يجعلنا نشك في كل شيء، لا سيما مع علمنا بحرص أتباعه ومحبيه على التسويق لهذا الأمر لأكثر من سبب.. أبو القاسم الكوفي يتحدث هذا وقد روى أبو القاسم الكوفي ـ ونسب ذلك إلى رواية مشايخه عامة ـ: أن عمر بعث العباس إلى علي يسأله أن يزوجه بأم كلثوم، فامتنع. فأخبره بامتناعه فقال: أيأنف من تزويجي؟! والله، لئن لم يزوجني لأقتلنه. فأعلم العباس علياً «عليه السلام» بذلك فأقام على الإمتناع. فأعلم عمر بذلك، فقال عمر: أحضر في يوم الجمعة في المسجد، وكن قريباً من المنبر لتسمع ما يجري، فتعلم أني قادر على قتله إن أردت. فحضر، فقال عمر للناس: إن ههنا رجلاً من أصحاب محمد وقد زنى، وقد اطلع عليه أمير المؤمنين وحده، فما أنتم قائلون. فقال الناس من كل جانب: إذا كان أمير المؤمنين اطلع عليه، فما الحاجة إلى أن يطلع عليه غيره، وليمض في حكم الله. فلما انصرف طلب عمر من العباس أن يُعلم علياً «عليه السلام» بما سمع. فوالله، لئن لم يفعل لأفعلن. فأعلم العباس علياً «عليه السلام» بذلك. فقال «عليه السلام»: أنا أعلم أن ذلك يهون عليه، وما كنت بالذي يفعل ما يلتمسه أبداً.. فأقسم عليه العباس أن يجعل أمرها إليه، ومضى العباس إلى عمر فزوجه إياها 15 . وقد اعتبر صاحب الإستغاثة.. أن نفس جعل علي «عليه السلام» أمر ابنته هذه دون سواها إلى العباس دليل على وجود قهر وإجبار كان قد مورس ضد علي «عليه السلام». بل لقد ورد في نص آخر: أنه أمر الزبير أن يضع درعه على سطح علي «عليه السلام»، فوضعه بالرمح، ليرميه بالسرقة 16 . وقال السيد المرتضى: «وعمر ألحّ على علي «عليه السلام»، وتوعده بما خاف علي على أمر عظيم فيه من ظهور ما لم يزل يخفيه، فسأله العباس ـ لما رأى ذلك ـ رد أمرها إليه، فزوجها منه». وقال في أعلام الورى: قال أصحابنا: إنما زوّجها «عليه السلام» منه بعد مدافعة كثيرة، وامتناع شديد، واعتلال عليه بشيء بعد شيء حتى ألجأته الضرورة إلى أن ردَّ أمرها إلى العباس بن عبد المطلب، فزوجها إياه 17 . وعلى كل حال، فهناك روايات ألمحت بوضوح إلى الإكراه والإجبار الذي مارسه عمر.. وألمحت أيضاً إلى ما ورد في كتب الشيعة من تفاصيل، حتى إنك لتستطيع أن تجد معظم عناصر رواية الإستغاثة متوفرة في كتب أهل السنة، الذين كانوا وما زالوا حريصين كل الحرص على إبعاد أي شبهة عن ساحة عمر بن الخطاب الذي لا نبالغ إذا قلنا: إنه أعز الخلفاء عليهم، وأحبهم إليهم.. ولكنها قد جاءت مجزأة ومتفرقة في الأبواب المختلفة، لا يلتفت أحد إلى وجود أي رابط بينها، إلا إذا اطلع على رواية الإستغاثة.. وسنقرأ في هذا الفصل بعضاً مما يوضح ذلك.. فنقول: هل للحاكم أن يعمل بعلمه؟! إن رواياتهم قد أشارت إلى أن عمر قد حاول أن ينتزع من الناس اعترافاً بأن له أن يعمل بعلمه، فيعاقب من يشاء لمجرد زعمه أنه رآه على فاحشة.. ولكن علياً «عليه السلام» يرفض ذلك منه. وأضاف بعضهم: عبد الرحمن بن عوف. فقد روي: أن عمر كان يعس ذات ليلة بالمدينة، فلما أصبح قال للناس: «أرأيتم لو أن إماماً رأى رجلاً وامرأة على فاحشة، فأقام عليهما الحد، ما كنتم فاعلين؟! قالوا: إنما أنت إمام. فقال علي بن أبي طالب: ليس ذلك لك، إذن يقام عليك الحد، إن الله لم يأمن على هذا الأمر أقل من أربعة شهود» 18 . وجاء في نص آخر: ثم تركهم ما شاء الله أن يتركهم، ثم سألهم فقال القوم مثل مقالتهم الأولى، وقال علي «عليه السلام» مثل مقالته الأولى 19 . روايات لئيمة وحاقدة وبعد، فإنه لا مجال لقبول الروايات الواردة في كتب أهل السنة، التي تتحدث عن أن علياً «عليه السلام» قد أمر بابنته فزيّنت (أو فصنعت) ثم أرسلها إلى عمر ليتفحصها، وقد أمسك هذا الثاني بذراعها، أو بساقها.. 20 . أو أنه قد قبّلها، أو ضمها إليه. أو نحو ذلك. وفي بعض رواياتهم أنها جبهته بقسوة من أجل ذلك، وقالت له: «تفعل هذا؟! لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك. ثم خرجت حتى أتت أباها فأخبرته الخبر، وقالت: بعثتني إلى شيخ سوء». فقال: يا بنية إنه زوجك. ثم زوجه إياها 21 . فإنها روايات مكذوبة بلا ريب، وقد قال عنها سبط ابن الجوزي: «قلت: هذا قبيح. والله، لو كانت أمة لما فعل بها هذا. ثم بإجماع المسلمين، لا يجوز لمس الأجنبية، فكيف ينسب إلى عمر هذا» 22 . نعم.. إن الناس يأنفون عن نسبة مثل هذا السقوط إليهم، فكيف نسبوا ذلك إلى خليفتهم، الذي يدّعون له العدالة والإستقامة، والقيام بمهام النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله»؟! ويكفي قبحاً في ذلك: أن نجد واضع الرواية قد ذكر أن تلك البنت الصغيرة السن قد رفضت تصرفه هذا، وأنكرته، وهددته بكسر أنفه، واعتبرته شيخ سوء. ولعل هناك من لا يرى مانعاً من صدور هذا الأمر من عمر، استناداً إلى ما ورد في بعض النصوص، من أنه قد فعل ذلك أمام الناس، ثم قال لهم: «إني خطبتها من أبيها، فزوّجنيها». أو استنادا إلى أن عمر لم يكن ممن يسعى إلى كبح جماح شهوته، وهو القائل: ما بقي فيّ شيء من أمر الجاهلية إلا أني لست أبالي أي الناس نكحت وأيهم أنكحت 23 . وإلى أنه قد حدثنا هو نفسه: أنه كان إذا أراد الحاجة تقول له زوجته: ما تذهب إلا إلى فتيات بني فلان تنظر إليهن 24 . وله قصة معروفة مع عاتكة بنت زيد التي كانت تحت عبد الله بن أبي بكر، فمات عنها، واشترط عليها أن لا تتزوج بعده فتبتلت، ورفضت الزواج حتى من عمر، فطلب عمر من وليها أن يزوجه إياها، فزوجه إياها، فدخل عمر عليها فعاركها حتى غلبها على نفسها فنكحها، فلما فرغ قال: أف. أف. أف. ثم خرج من عندها وتركها الخ.. 25 . فإننا بدورنا نقول: إن ذلك لا يصلح لتبرير إرسال أبيها إياها إليه على هذا النحو.. فإن المفروض: هو أن لا يرسلها إلا مع نساء يصلحن من شأنها، ويرافقنها إلى بيت الزوجية بإعزاز وإكرام حيث الخدر والستر.. ولا نتعقل أي معنى لأن يرسلها أبوها إلى عمر على هذا النحو البعيد عن معنى الكرامة والتكريم لها، والذي لا يفعله رعاع الناس، فكيف يتوهم صدوره عن بيت الإمامة والكرامة، والعز والشرف. وعن أهل بيت النبوة «صلوات الله وسلامه عليهم» بالذات؟! وكيف يزوجها بمن يعصي الله فيها على هذا النحو المرفوض في الشرع، والذي يأباه كرام الناس، وأهل الشرف والغيرة؟. رواية مكذوبة وهناك رواية مكذوبة، تقول: لما تأيمت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب «عليه السلام» من عمر بن الخطاب دخل عليها الحسن والحسين أخواها، فقالا لها: إنك من عرفت، سيدة نساء العالمين، وبنت سيدتهن، وإنك والله لئن أمكنت علياً «عليه السلام» من رقبتك (رمّتك) لينكحنك بعض أيتامه، ولئن أردت أن تصيبي بنفسك مالاً عظيماً لتصيبنه. فوالله ما قاما حتى طلع علي يتكئ على عصاه.. (ثم تذكر الرواية كلاماً له معهم) ثم تقول: فقال: أي بنية، إن الله قد جعل أمرك بيدك، فأنا أحب أن تجعليه بيدي. فقالت: أي أبه، والله إني لامرأة أرغب فيما ترغب فيه النساء، فأنا أحب أن أصيب ما يصيب النساء من الدنيا، وأنا أريد أن أنظر في أمر نفسي. فقال: لا والله يا بنية، ما هذا من رأيك ما هو إلا رأي هذين. ثم قام فقال: والله لا أكلم رجلاً منهم أو تفعلين. فأخذا بثيابه فقالا: اجلس يا أبه، فوالله ما على هجرانك من صبر، اجعلي أمرك بيده. فقالت: قد فعلت.. فقال: فإني قد زوجتك من عون بن جعفر. وإنه لغلام. ثم رجع إليها فبعث إليها بأربعة آلاف درهم، وبعث إلى ابن أخيه فأدخلها عليه 26 . قال ابن إسحاق: فما نشب عون أن هلك، فرجع إليها علي، فقال: يا بنية، اجعلي أمرك بيدي، ففعلت، فزوجها محمد بن جعفر 27 .. ثم يذكر الطبري: أنه زوجها بعبد الله بن جعفر أيضاً 28 . ونقول: يرد على هذه الرواية ما يلي: أولاً: إن سيدة نساء المسلمين في وقتها هي أختها الحوراء زينب «عليها السلام»، لا أم كلثوم. ثانياً: هل سبق أن أنكح علي «عليه السلام» بناته أيتام أهله (على حد تعبير الرواية)، سوى أنه أنكح زينباً «عليها السلام» عبد الله بن جعفر، وهو رجل له مكانته، وموقعه، وليس بالذي يعيِّر به أحد. فإنه من سراة القوم.. كما أن من يصبح رجلاً ويخطب، ويتزوج، هل يصح أن يقال عنه: إنه يتيم؟! وأي مانع من أن ينكح الرجل أيتام أهله إذا كانوا أكفاء، وذوي أحساب؟! ومن أكفأ من أولاد عقيل، وابنا جعفر وغيرهم من بني هاشم؟! ثالثاً: هل كان الحسنان «عليهما السلام» وأم كلثوم يحبون المال العظيم، والحياة الدنيا.. ولماذا لا يأخذان بقول رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير؟! 29 . رابعاً: إن جرأة أم كلثوم على أبيها، وإظهار أنها ترغب فيما ترغب فيه النساء لهو أمر يثير الدهشة. ولاسيما من امرأة تربت في حجر علي وفاطمة صلوات الله وسلامه عليهما، وعرفت معاني العفة، والزهد والتقوى.. ولم يعرف عنها طيلة حياتها إلا ما ينسجم مع هذه الروح، ولا يشذ عن هذا السبيل.. خامساً: لماذا يهجر ولديه ويقطع صلته بهما من أجل الحصول على هذا الأمر الذي جعله الله سبحانه لها دونه باعترافه «عليه السلام» ـ حسب زعم الرواية؟! سادساً: ما معنى التعبير عن عون بن جعفر بالقول: «وإنه لغلام» مع أنه كان شاباً يشارك في الحروب، ويقاتل ويستشهد، كما ذكرناه فيما تقدم. فإن كلمة غلام من الأضداد، فهي تطلق على الشيخ المسن، وعلى الصغير، فإذا كان المقصود التأكيد على خصوصية فيه، وليست هي خصوصية الشيخوخة، لأن المفروض: أنه لم يكن شيخاً، فينحصر الأمر بالتأكيد على صغر سنه. سابعاً: قد تقدم أن زواجها من عون وإخوته موضع شك أيضاً، فإن عوناً ومحمداً إذا كانا قد قتلا سنة 17 هجرية أي في نفس السنة التي تزوجت فيها عمر، فكيف نوفق بين ذلك وبين حقيقة أن عمر إنما مات سنة 23 هجرية؟! وإذا كان عون وأخوه قد ماتا في الطف، فكيف تزوجها أخوه محمد من بعده، ثم تزوجها عبدالله؟. وإذا كان المتولي لتزويجها للجميع هو أبوها كما يقول البعض ـ حسبما قدمناه ـ فإن أباها كان قد استشهد قبل وقعة الطف بعشرين سنة. عمر يقول: رفئوني وتذكر روايات أهل السنة لقصة هذا الزواج: أن عمر قد خطب إلى علي «عليه السلام» ابنته أم كلثوم، فقال علي: إنما حبست بناتي على بني جعفر، فأصر عليه عمر، فزوجه. فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين فيما بين القبر والمنبر، فقال: رفئوني. رفئوني. فرفأوه 30 . والمراد: قولوا لي: بالرفاه والبنين.. ونقول: من الواضح: أن قولهم للمتزوج بالرفاه والبنين، هو من رسوم الجاهلية، وقد نهى عنه رسول الله «صلى الله عليه وآله».. وقد ورد هذا النهي في كتب الشيعة والسنة على حد سواء.. 1 ـ فقد روى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي عبد الله البرقي رفعه، قال: لما زوج رسول الله «صلى الله عليه وآله» فاطمة «عليها السلام» قالوا: بالرفاه والبنين. فقال: لا، بل على الخير والبركة 31 . 2 ـ روى أحمد بن حنبل، عن الحكم بن نافع، عن إسماعيل بن عياش، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، قال: تزوج عقيل بن أبي طالب، فخرج علينا فقلنا: بالرفاه والبنين. فقال: مه، لا تقولوا ذلك، فإن النبي «صلى الله عليه وآله» قد نهانا عن ذلك وقال: قولوا: بارك الله لك، وبارك الله عليك، وبارك لك فيها. وروى نحوه أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم عن يونس عن الحسن: أن عقيل الخ.. 32 . وبعد ما تقدم نقول: لعل عمر قد قال لهم هذا القول في حال غفلة منه، ومن دون أن يتعمد محاكاة أهل الجاهلية في أعرافهم، لأننا لا نريد أن نغرق في إساءة الظن إلى حد القول بأن عمر كان ملتزماً بأعراف الجاهلية، غير آبه بتوجيهات رسول الله «صلى الله عليه وآله»!!. إعتذار، أم إدانة؟! وقد اعتذر الحلبي عن ذلك بقوله: «لعل النهي لم يبلغ هؤلاء الصحابة حيث لم ينكروا قوله، كما لم يبلغ عمر» 33 . ونقول: إنه اعتذار أشبه بالإدانة، فإنه إذا لم يبلغ هذا الحكم هؤلاء، ولم يبلغ عمر، فكيف جاز لهم أن يتصدوا أو أن يتصدى عمر على الأقل لمقام خلافة الرسول «صلى الله عليه وآله»، وأخذ موقعه والإضطلاع بمهماته؟!! فإن من يحتاج إلى هداية الغير لا يمكن أن يكون هو الهادي للغير. الرواية الأغرب والأعجب ومن غرائب أساليب الكيد السياسي تلك الرواية التي تروي لنا قصة زواج أم كلثوم بعمر بن الخطاب بطريقة مثيرة، حيث جاء فيها: «أن عمر خطب أم كلثوم، فقال له علي «عليه السلام»: إنها تصغر عن ذلك. فقال عمر: سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي فأحب أن يكون لي من رسول الله «صلى الله عليه وآله» سبب ونسب. فقال علي «عليه السلام» للحسن والحسين: «زوجا عمكما». فقالا: هي امرأة من النساء، تختار لنفسها. فقال (فقام ظ) علي «عليه السلام» مغضباً، فأمسك الحسن بثوبه، وقال: لا صبر لي على هجرانك يا أبتاه. قال: فزوجاه» 34 . ونقول: 1 ـ لا ندري لماذا يأمر غيره بتزويج عمر، ولا يتولى ذلك هو بنفسه، فإنه هو ولي أمر ابنته.. 2 ـ إن ولديه الحسن والحسين «عليهما السلام» حين تزويج أم كلثوم بعمر بن الخطاب كانا قد بلغا الحلم للتو، فلماذا يحيل هذا الأمر إليهما؟! ألم يكن الأنسب أن يحيل أمر ذلك للعباس كما ذكرته روايات أخرى؟! 3 ـ هل كان «عليه السلام» يريد تزويجها جبراً عنها، ومن دون اختيار منها؟! وهل يصح لها هي أن تختار لنفسها من دون إذن أبيها أيضاً؟! 4 ـ وكيف يغضب «عليه السلام» من الحسنين «عليهما السلام»، وهما سيدا شباب أهل الجنة؟! وكيف يُغضب سيدا شباب أهل الجنة أباهما؟! وإذا كان هذا هو حال سيدي شباب أهل الجنة، فلماذا نلوم الآخرين على جرأتهم على آبائهم؟! وعلى عدم طاعتهم لهم؟! 5 ـ وكيف يغضب هو «عليه السلام» من قول الحق، إذا كان ما قالاه هو الحق؟ وإذا كان ما قالاه باطلاً، فكيف يقولان هما هذا الباطل؟! 6 ـ لماذا أخذ الإمام الحسن «عليه السلام» بثوب أبيه «عليه السلام»، ولم يفعل ذلك أخوه الإمام الحسين «عليه السلام» أليس هو شريك أخيه في إغضاب أبيهما أمير المؤمنين «عليه السلام»؟! 7 ـ وأيضاً.. إذا كانت أم كلثوم تصغر عن الزواج.. فكيف صارت بعد ذلك كبيرة لا تصغر عنه؟! وهل كان الحديث الذي رواه عمر له غائباً عن ذهنه. أو أنه كان مقنعاً له، إلى درجة أنها أصبحت صالحة للزواج تكويناً.. وأصبح علي «عليه السلام» مشتاقاً إلى إنجازه إلى حدّ أنه يدخل مع ولديه في معركة بهذا الحجم؟! 8 ـ وأخيراً.. ألم يكن زواج النبي «صلى الله عليه وآله» بحفصة بنت عمر كافياً لتحقيق النسب والصلة بينه وبين النبي «صلى الله عليه وآله» وفقاً لما احتج به عمر؟! والحمد لله والصلاة والسلام على محمد وآله.. 35 .

1