منذ سنتين

{وانذر عشيرتك الاقربين}

قال الطبري ما ملخصه: إنه لما نزل قوله تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ دعا علياً «عليه السلام»؛ فأمره أن يصنع طعاماً، ويدعو له بني عبد المطلب ليكلمهم، ويبلغهم ما أُمِر به. فصنع علي «عليه السلام» صاعاً من طعام، وجعل عليه رجل شاة، وملأ عساً من لبن، ثم دعاهم، وهم يومئذٍ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً، أو ينقصونه، فيهم أعمام النبي «صلى الله عليه وآله»: أبو طالب، وحمزة والعباس، وأبو لهب؛ فأكلوا. قال علي «عليه السلام»: فأكل القوم، حتى ما لهم بشيء من حاجة، وما أرى إلا موضع أيديهم، وأيم الله الذي نفس علي بيده، إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم. ثم قال: إسق القوم؛ فجئتهم بذلك العس؛ فشربوا منه حتى رووا منه جميعاً، وأيم الله، إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله. فلما أراد رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يكلمهم بدره أبو لهب فقال: لقدْماً سحركم صاحبكم، فتفرق القوم، ولم يكلمهم الرسول «صلى الله عليه وآله». فأمر «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه السلام» في اليوم الثاني: أن يفعل كما فعل آنفاً، وبعد أن أكلوا وشربوا قال لهم رسول الله «صلى الله عليه وآله»: يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة. وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه؛ فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي، ووصي، وخليفتي فيكم ؟! قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقال علي: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي. ثم قال: إن هذا أخي، ووصي، وخليفتي فيكم؛ فاسمعوا له وأطيعوا. قال : فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع. وفي بعض نصوص الرواية: أنه لما قام علي «عليه السلام» فأجاب، أجلسه النبي «صلى الله عليه وآله». ثم أعاد الكلام، فأجابه علي، فأجلسه، ثم أعاد عليهم، فلم يجيبوا، وأجاب علي «عليه السلام»، فقال له «صلى الله عليه وآله» ذلك. وحسب نص الإسكافي: أنه «صلى الله عليه وآله» قال: هذا أخي، ووصيي، وخليفتي من بعدي. وأنهم قالوا لأبي طالب: أطع ابنك، فقد أمره عليك (راجع هذه القضية في: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص63 ومختصر تاريخ أبي الفداء (ط دار الفكر ـ بيروت) ج2 ص14 وشواهد التنزيل ج1 ص372 و 421 و (بتحقيق المحمودي) ج1 ص542 وكنز العمال (الطبعة الثانية) ج15 ص16 و 117 و 113 و 130 عن ابن إسحاق، وابن جرير وصححه، وأحمد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي معاً في الدلائل، وتاريخ ابن عساكر، وترجمه الإمام علي (بتحقيق المحمودي) ج1 ص87 و 88 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص244 عن الإسكافي، وحياة محمد لهيكل (الطبعة الأولى) ص286. ومسند أحمد ج1 ص159 وكفاية الطالب ص205 عن الثعلبي، ومنهاج السنة ج4 ص80 عن البغوي، وابن أبي حاتم، والواحدي، والثعلبي، وابن جرير، وفرائد السمطين (بتحقيق المحمودي) ج1 ص86 وإثبات الوصية للمسعودي ص115 و 116 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص460 و 459. والغدير ج2 ص278 ـ 284 عن بعض من ذكرنا، وعن: أنباء نجباء الأبناء ص46 و 47 وشرح الشفاء للخفاجي ج3 ص37. وراجع أيضاً: تفسير الخازن ص390 وكتاب سليم بن قيس، وخصائص النسائي ص86 الحديث 63، وبحار الأنوار ج38 والدر المنثور ج5 ص97 عن مصادر كنز العمال، لكنه حَّرف فيه، ومجمع الزوائد ج8 ص302 عن عدد من الحفاظ وأسقط بعضه أيضاً، وينابيع المودة ص105 وغاية المرام ص320 وابن بطريق في العمدة، وتفسير الثعالبي، وتفسير الطبري ج19 ص75 والبداية والنهاية ج3 ص40 وتفسير القرآن العظيم ج3 ص350 و 351 ومناقب أهل البيت «عليهم السلام» للشيرواني ص107 والتفسير الصافي ج4 ص53 والعثمانية للجاحظ ص303 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج14 ص427 وج30 ص80).


تعصب يؤدي لاختزال النص وقد ذكر الطبري هذا الحديث في تاريخه على النحو المتقدم.. لكنه اختزل النص في تفسيره جامع البيان: فإنه بعد أن ذكره حرفياً متناً وسنداً غيَّر فيه عبارة واحدة فقال: «فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي، وكذا.. وكذا..». إلى أن قال: «ثم قال: إن هذا أخي، وكذا وكذا». محتويات   تعصب يؤدي لاختزال النص جرى الخلف على خطى السلف سند حديث الإنذار إن هذا الكلام مردود بنو عبد المطلب أقل من أربعين يأكل الجذعة ويشرب الفرق إجابة علي عليه السلام لا تجعله ولياً أين حمزة وجعفر؟! فاستبدل كلمة: «ووصيي وخليفتي فيكم» بكلمة: «وكذا.. وكذا» 1 . كما أن ابن كثير الذي ينقل عادة نصوص الطبري من تاريخه وعدل في خصوص هذا المورد إلى تفسير الطبري، وأخذ هذا النص منه، واكتفى بكلمة كذا.. وكذا.. عن النص الحقيقي الصادر عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فراجع 2 . جرى الخلف على خطى السلف وقد جرى الخلف على خطى السلف، ولكن بصورة أبشع وأشنع، فإن محمد حسين هيكل ذكر هذا الحديث أيضاً في كتابه حياة محمد (الطبعة الأولى) ص104 وفق نص الطبري في تاريخه. لكنه في الطبعة الثانية لكتابه هذا نفسه، المطبوع سنة 1354 هـ. ذكر هذا الحديث عينه في ص139، إلا أنه حذف كلمة: «وخليفتي فيكم» واقتصر على قوله: «ويكون أخي ووصيي». وذلك لقاء خمس مئة جنيه مصري، أو لقاء شراء ألف نسخة من كتابه 3 كما قيل. سند حديث الإنذار وقد جرى ابن تيمية على عادته في إنكار فضائل أمير المؤمنين «عليه السلام»، فزعم أن في سند رواية الطبري أبا مريم الكوفي، وهو مجمع على تركه. وقال أحمد: ليس بثقة. واتهمه ابن المديني بوضع الحديث 4 . ونقول: إن هذا الكلام مردود ألف: بالنسبة لأبي مريم نقول: أولاً: إن من يراجع كتب الجرح والتعديل عند أهل السنة يرى أن أحداً من رجال الأسانيد الذي يروي عنهم البخاري ومسلم، وغيرهما من أصحاب الصحاح والمسانيد ـ لم يسلم من الجرح والقدح، باستثناء الشاذ النادر الذي قد لا يصل إلى واحد بالمئة.. فلو أخذنا بقاعدة ابن تيمية، وهي ترك رواية كل من ورد فيه قدح لم تسلم لنا رواية واحدة من ذلك، سوى المتواترات. وهي قليلة جداً، لا تؤسس لفقه، ولا لدين.. فكيف إذا كنا نرى ابن تيمية يطعن حتى في المتواترات نفسها.. ثانياً: بالنسبة لأبي مريم نقول: قال ابن عدي: سمعت ابن عقدة يثني على أبي مريم ويطريه، وتجاوز الحد في مدحه 5 . وقال عنه الذهبي: كان ذا اعتناء بالعلم وبالرجال 6 . ثالثاً: قد صرحوا بسبب تضعيفهم لأبي مريم، وهو كونه شيعياً. وهي تهمة لا تضر، فقد روى أصحاب الصحاح ولا سيما البخاري ومسلم عن عشرات الشيعة، وقد أورد في المراجعات قائمة طويلة بأسماء عدد منهم، فراجع 7 . رابعاً: قد صحح حديث إنذار العشيرة المتقي الهندي 8 ، والإسكافي المعتزلي 9 ، والخفاجي في شرح الشفاء 10 . ورواه أحمد بسندٍ جميع رجاله من رجال الصحاح بلا كلام، وهم: شريك، والأعمش، والمنهال، وعباد، وعلي «عليه السلام» 11 . خامساً: لو سلمنا أن ثمة جرحاً في بعض رجال سند بعينه فنقول: إن طرق هذا الحديث مستفيضة، يقوي بعضها بعضاً.. ب: بالنسبة للطعن في رواية ابن أبي حاتم باشتمال سندها على عبد الله بن عبد القدوس، الذي ضعفه الدار قطني 12 . وقال النسائي: ليس بثقة 13 . وقال ابن معين: ليس بشيء، رافضي خبيث 14 . نقول: قال الشيخ المظفر «رحمه الله»: «تضعيفهم معارض بما في تقريب ابن حجر: بأنه صدوق. وفي تهذيب التهذيب: قال محمد بن عيسى، ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال البخاري: هو في الأصل صدوق، إلا أنه يروي عن أقوام ضعاف، مع أنه أيضاً من رجال سنن الترمذي.. ومدح هؤلاء مقدم، لعدم العبرة في قدح أحد المتخالفين في الدين في الآخر، ويقبل مدحه فيه. وهم قذفوه بذلك، لأنهم رموه بالتشيع، ولا نعرفه من رجالهم. ولكن قد ذكر ابن عدي: أن عامة ما يرويه في فضائل أهل البيت 15 ، ولعل هذا هو سر تهمتهم له» 16 . بنو عبد المطلب أقل من أربعين وادعى ابن تيمية: أن بني عبد المطلب لم يكونوا آنئذ أربعين رجلاً، كما نصت عليه الرواية، وهذا دليل آخر على سقوطها عن الإعتبار 17 . ونقول: أولاً: إذا كان لعبد المطلب عشرة أولاد، فإن لأولاده أولاداً، فلماذا لا يكون أولادهم ثلاثين رجلاً أيضاً، فقد كان لأبي طالب وحده أربعة، ولعل لغيره منهم أكثر من أربعة.. لا سيما وأن اصغر أولاد عبد المطلب هو أبو النبي «صلى الله عليه وآله»، الذي لو كان حياً آنئذ لكان عمره اكثر من ستين عاماً، لأن النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه كان عمره آنئذ ثلاثاً وأربعين سنة.. ثانياً: إن الظاهر هو: أن كلمة «عبد» زيادة من الرواة، أو أن في الرواية حذفاً، فقد صرحت بعض النصوص: بأنه «صلى الله عليه وآله» دعا بني عبد المطلب، ونفراً من بني المطلب 18 ، كما أنه ثمة عدداً آخر من الروايات يقول: بأنه دعا بني هاشم 19 . يأكل الجذعة ويشرب الفرق ومن الأمور التي توقف عندها ابن تيمية قول الرواية عن أولئك المجتمعين: إن الرجل منهم ليأكل الجذعة، ويشرب الفُرق 20 من اللبن. وقال: إنه كذب، إذ ليس في بني هاشم من يعرف بأنه يأكل جذعاً، ويشرب فرقاً 17 . ونقول: قال بعض العلماء في جوابه: أولاً: إن عدم معروفيتهم بالأكل لا تدل على كونهم كذلك، فلعلهم كذلك في الواقع. ثانياً: لو سلم، فإنه يلزم منه مبالغة الراوي في إظهار معجزة النبي «صلى الله عليه وآله» في إطعامهم رجل الشاة، وعسَّ اللبن الواحد 21 . ثالثاً: إن القضايا التاريخية إنما تثبت بمثل هذا النقل، فليكن وصف علي «عليه السلام» لهم بذلك من الدلائل على أنهم كانوا كذلك. فإن هناك الكثير من الأمور المبثوثة في النصوص، لم يتنبه المؤلفون والمصنفون لدلالتها التاريخية إلا في وقت متأخر، وقد يكون الكثير منها لا يزال على إبهامه وغموضه إلى يومنا هذا.. إجابة علي عليه السلام لا تجعله ولياً وذكر ابن تيمية أيضاً: أن مجرد الإجابة للمعاونة، لا يوجب أن يكون المجيب وصياً ولا خليفة بعده «صلى الله عليه وآله»، فإن جميع المؤمنين اجابوا إلى الإسلام، وأعانوا، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيله. كما أنه لو أجابه الأربعون، أو جماعة منهم، فهل يمكن أن يكون الكل خليفة له؟! 22 . ونجيب: أولاً: قال الشيخ المظفر: «إن قوله ـ أي قول النبي «صلى الله عليه وآله» ـ هذا ليس علة تامة للخلافة، ولم يدِّع ذلك النبي «صلى الله عليه وآله»، ليشمل حتى من لم يكن من عشيرته. بل أمره الله بإنذار عشيرته، لأنهم أولى بالدفع عنه ونصره، فلم يجعل هذه المنزلة إلا لهم، وليعلم من أول الأمر أن هذه المنزلة لعلي «عليه السلام»، لأن الله ورسوله يعلمان: أنه لا يجيب النبي «صلى الله عليه وآله» ولا يؤازره غير علي «عليه السلام». فكان ذلك من باب تثبيت إمامته بإقامة الحجة عليهم. ومع فرض تعدد المجيبين يعين الرسول الأحق بها منهم» 23 . ويوضح هذا الأمر، ما ورد من أنه «صلى الله عليه وآله» قال: «إن الله لم يبعث رسولاً إلا جعل له أخاً، ووزيراً، ووصياً، ووارثاً من أهله. وقد جعل لي وزيراً كما جعل للأنبياء من قبلي». إلى أن قال: «وقد ـ والله ـ أنبأني به، وسماه لي. ولكن أمرني أن أدعوكم، وأنصح لكم، وأعرض عليكم، لئلا تكون لكم الحجة فيما بعد..» 24 . فقد دل هذا النص: على أنه «صلى الله عليه وآله» كان يعرف أنهم سوف لا يجيبونه، باستثناء علي «عليه السلام». ثانياً: إن ظاهر قوله «صلى الله عليه وآله»: أيكم يؤازرني الخ.. أن الخطاب كان لواحد منهم على سبيل البدل، فالذي يجيب منهم أولاً يكون هو الوصي والولي. وتقارن إجابة اثنين أو أكثر بعيد الحصول.. ولو أجابه أكثر من واحد.. فإنه سوف يكل أمر التعيين إلى ما بعد ظهور المؤازرة، فمن كانت مؤازرته أتم وأعظم، وأوفق بمقاصد الشريعة، وظهر أنه الأقوى والأليق بالمقام، فإنه سيختاره دون غيره.. ثالثاً: ليس المطلوب هو المؤازرة له في الجملة ليقال: إن سائر المسلمين قد آزروه في الجملة. بل المراد المؤازرة التامة في كل موطن وموقف، مثل النوم على فراشه «صلى الله عليه وآله» ليلة الهجرة، وقلع باب خيبر، وقتل صناديد العرب، وما إلى ذلك.. ولم يحصل ذلك إلا من أمير المؤمنين «عليه السلام». أين حمزة وجعفر؟! وذكر ابن تيمية أيضاً: أن حمزة وجعفر، وعبيدة بن الحارث قد اجابوا إلى ما أجاب إليه علي «عليه السلام». بل لقد أسلم حمزة قبل أن يصير المؤمنون أربعين رجلاً 25 . فحصلت المؤازرة منهم، فلماذا لم يستحقوا مقام الخلافة بعدها.. ونجيب: ألف: بالنسبة لحمزة «رضوان الله تعالى عليه»، نقول: أولاً: لا دليل أن حمزة قد أسلم قبل حديث إنذار العشيرة الأقربين.. بل إن صريح حديث إسلامه: أنه أعلنه بعد اشتداد الأمر بين النبي «صلى الله عليه وآله» وبين قريش، لأجل سب أبي جهل للنبي «صلى الله عليه وآله»، وذلك إنما كان بعد إنذار العشيرة. وإن ادَّعوا أنه أسلم في السنة الثانية من البعثة 26 . فلعل المقصود: هو السنة الثانية بعد ما يسمونه الإعلان بالدعوة، أي بعد خروجه «صلى الله عليه وآله» من دار الأرقم. ثانياً: إن وجود حمزة في حديث إنذار العشيرة مسلماً، لا يضر، إذ هو كأبي طالب «عليه السلام»، إذ من القريب جداً أن يكون قد اعتبر نفسه غير مقصود بخطاب النبي «صلى الله عليه وآله»، فإنه يرى أن بقاءه حياً إلى ما بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» أبعد احتمالاً، لأنه كما يظهر لنا كان أكبر من النبي «صلى الله عليه وآله» بحوالي عشرين سنة، بدليل: أنه كان أكبر من عبد الله والد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، الذي كان أصغر أولاد عبد المطلب. بل قد يكون حمزة لا يرى في نفسه القدرة على المؤازرة التامة، من جهات باطنية ترتبط بإدراكه حجم التحديات، وعظمة المسؤوليات وبغير ذلك من أمور قد يرجع بعضها إلى ما يراه من تقدم علي «عليه السلام» فيها عليه.. ب: بالنسبة لأبي طالب نقول: أولاً: إنه كان شيخاً هرماً، لا يكاد يحتمل البقاء إلى ما بعد وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله». ثانياً: إن المطلوب هو: أن يبقى إسلام أبي طالب غير ظاهر إلى هذا الحد.. ثالثاً: إن احتمال أن يتمكن من مؤازرة النبي «صلى الله عليه وآله» بمستوى مؤازرة غيره وفي جميع المجالات، حتى في مجالات الجهاد والتضحية وفي سائر الشؤون غير ظاهر، بل هو كان يرى نفسه عاجزاً عن ذلك بسبب ضعف قواه وتقدمه في السن، ولعله يتقدم ولده علي «عليه السلام» في مزايا أخرى.. ج: بالنسبة لعبيدة بن الحارث بن المطلب، نقول: فأولاً: هو أسن من النبي «صلى الله عليه وآله» بعشر سنين 27 . ثانياً: لا ندري إن كان عبيدة قد أسلم قبل حديث إنذار العشيرة أو تأخر عنه، لأنهم يقولون: إنه أسلم قبل دخول النبي «صلى الله عليه وآله» دار الأرقم 28 . وإنما كان ذلك في آخر السنة الثالثة من البعثة. فيكون أصل حضوره ـ مسلماً ـ في قضية إنذار العشيرة غير معلوم.. د: بالنسبة لجعفر بن أبي طالب.. نقول: إن الأمر أيضاً كذلك، فقد أسلم بعد أخيه علي «عليه السلام»، وذلك حين أمره أبوه بأن يصل جناح ابن عمه في الصلاة، إضافة إلى خديجة وعلي «عليهما السلام» 29 . ولم يعلم تاريخ حصول ذلك، فلعله تأخر إلى ما بعد حديث إنذار العشيرة وقبيل إسلام أبي ذر، الذي كان رابعاً أو خامساً في الإسلام.. وأبوذر إنما أسلم بعد اشتداد الأمر بين النبي «صلى الله عليه وآله» وبين المشركين حسبما تقدم.. ولا شيء يثبت لنا: أن إسلام الناس قد تواصل بعد علي وخديجة «عليهما السلام»، فلعله توقف لسنوات، ثلاث أو أكثر، ثم أسلم جعفر بأمر أبيه، ثم أسلم أبو ذر.. ويؤيد ذلك ما تقدم: من أن النبي «صلى الله عليه وآله» مكث ما شاء الله يصلي مع علي «عليه السلام» قبل أن يعثر عليهما أبو طالب. ويؤيده أيضاً: أن تقدم إسلام علي وخديجه «عليهما السلام» كان من البديهيات لدى الكبير والصغير.. فلولا أنه قد مر عليهما وقت تأكد فيه للناس انحصار الإسلام بهما، لم يصل الأمر في تقدم إسلامهما إلى هذه البداهة والوضوح.. ولعل تأخر إسلام جعفر هذه المدة هو الذي أفسح المجال للدعاوى الباطلة التي تقول: إنه أسلم بعد خمسة وعشرين، أو واحدٍ وثلاثين رجلاً 30 31 .