تاثير عبد الله بن سبأ على تطور الفكر الشيعي
(يقول احمد الكاتب): «يسجل المؤرخون الشيعة الإمامية الاوائل: (النوبختي والاشعري القمي والكشى) اول تطور ظهر في صفوف الشيعة في عهد الإمام امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) على يدي المدعو (عبدالله بن سبأ) الذي يقولون: انه كان يهوديا واسلم، والذي يقول النوبختي عنه: انه اول من شهر القول بفرض امامة علي، وكان يقول في يهوديته بيوشع بن نون وصيا لموسى فقال كذلك في اسلامه في علي بعد رسول الله، واظهر البراءة من اعدائه وكاشف مخالفيه واظهر الطعن على ابي بكر وعمر وعثمان والصحابة. وسواء كان عبد الله بن سبأ شخصية حقيقية أم اسطورية فان المؤرخين الشيعة يسجلون بوادر ظهور اول تطور في الفكر السياسي الشيعي اعتمادا على موضوع (الوصية) الروحية والشخصية، الثابتة من الرسول الأكرم الى الإمام علي، واضفاء المعنى السياسي عليها، وذلك قياسا على موضوع (الوصية) من النبي موسى (عليه السلام) الى يوشع بن نون وتوارث الكهانة في ابناء يوشع. ومع ان هذا القول كان ضعيفا ومحصورا في جماعة قليلة من الشيعة في عهد الإمام علي، وان الإمام نفسه قد رفضه بشدة وزجر القائلين به، الا ان ذلك التيار وجد في تولية معاوية لابنه يزيد من بعده ارضا خصبة للنمو والانتشار، ولكن المشكلة الرئيسية التي واجهته هو عدم تبني الإمام الحسن والحسين له واعتزال الإمام على بن الحسين عن السياسة، مما دفع القائلين به الى الالتفاف حول محمد بن الحنفية باعتباره وصي امير المؤمنين ايضا، خاصة بعد تصديه لقيادة الشيعة في اعقاب مقتل الإمام الحسين، وقد اندس السبئية في الحركة الكيسانية التي انطلقت للثأر من مقتل الإمام الحسين بقيادة المختار بن عبيدة الثقفي» (تطور الفكر السياسي الشيعي ص25).
أقول: بل سجله الأشعري فقط وقد اخذ ذلك عن غير الشيعة وعنه اخذ الكشي وغيره.
الرد على الشبهة
أقول:
1. أقول دار جدل في الأوساط العلمية الشيعية حول كتابَيْ (المقالات والفرق) و(فرق الشيعة) هل هما نسختان لكتاب واحد ومؤلف واحد أو هما كتابان لمؤلفين مختلفين والاتجاه الراجح هو الأول وهو الحق، ويبقى الكلام حول المؤلف من هو؟
وقد ذهب الأستاذ عباس إقبال الاشتياني انه تأليف سعد بن عبد الله الاشعري المعاصر للنوبختي وقد كتب رأيه هذا قبل العثور على كتاب المقالات والفرق للاشعري الذي نشره الدكتور جواد مشكور، وبعد ان انتشر الكتابان كتب السيد محمد رضا الحسيني مقالا نشره في مجلة تراثنا العدد الأول السنة الأولى 1405 ص 29 ـ 51 يؤيد فيه رأي الاشتياني وذهب إلى ان كتاب فرق الشيعة المطبوع باسم النوبختي هو نسخة مختصرة من كتاب (المقالات والفرق) لـ (سعد الاشعرى) 1 .
2. ما ذكره الكشي عن ابن سبأ أمران:
الأول: خمس روايات رواها الكشي عن محمد بن قولويه عن سعد بن عبد الله الاشعري عن رواة شيعة ينتهي سند إحداها إلى علي بن الحسين (عليه السلام) والاخرى إلى الباقر (عليه السلام) وثلاث إلى الإمام الصادق (عليه السلام) وهذه الروايات تدور حول قضية واحدة هي ادعاء ابن سبأ الربوبية في علي (عليه السلام)، وكون علي (عليه السلام) احرق ابن سبأ لأجل ذلك 2 .
الثاني: قوله (أي الكشي) «وذكر بعض أهل العلم ان عبد الله بن سبأ كان يهودياً فاسلم ووالى عليا (عليه السلام) وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بالغو، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) مثل ذلك وكان أول من شهر بالقول بفرض إمامة علي واظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وأكفرهم. فمن هيهنا قال من خالف الشيعة اصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية» 3 .
أقول: وهذا القول بنصه هو جزء مما أورده سعد الاشعري في كتابه المقالات وفيما يلي كل ما أورده سعد الاشعري في كتابه.
قال سعد الاشعري في كتابه المقالات والفرق:
«فلما قتل علي صلوات الله عليه افترقت الأمة التي أثبتت له الإمامة من الله ورسوله فرضا واجبا فصاروا فرقاً ثلاثة:
فرقة منها قالت: ان عليا لم يقتل ولم يمت ولا يموت حتى يملك الأرض ويسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض قسطاً وعداً كما ملئت ظلما وجوراً.
وهي أول فرقة قالت في الإسلام بالوقف بعد النبي من هذه الأمة. وأول من قال بينها بالغلو. وهذه الفرقة تسمى السبائية أصحاب عبد الله بن سبأ، وهو عبد الله بن وهب الراسبي الهمداني وساعده على ذلك عبد الله بن حرس وابن اسود وهما من اجلة أصحابه.
وكان أول من اظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم.
وادعى ان عليا عليه السلام أمره بذلك، وان التقية لا تجوز ولا تحل، فاخذه علي فسأله عن ذلك فاقرََّ به وامر بقتله. فصاح الناس اليه من كل ناحية يا أمير المؤمنين أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك فسيره على إلى المدائن.
و حكى جماعة من أهل العلم ان عبد الله بن سبأ كان يهوديا فاسلم ووالى عليا، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصى موسى بهذه المقالة، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علي بمثل ذلك. وهو أول من شهر بالقول بفرض إمامة علي بن أبي طالب، واظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وأكفرهم.
فمن هاهنا قال من خالف الشيعة ان اصل الرفض مأخوذ من اليهودية.
ولما بلغ ابن سبأ وأصحابه نعي علي وهو بالمدائن وقدم عليهم راكب فسأله الناس. فقال ما خبر أمير المؤمنين قال ضربه أشقاها ضربة قد يعيش الرجل من أعظم منها ويموت من وقتها، ثم اتصل خبر موته فقالوا للذي نعاه كذبت يا عدو الله أو جئتنا والله بدماغه في صرة فأقمت على قتله سبعين عدلا ما صدقناك، ولعلمنا انه لم يمت ولم يقتل. وانه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض 4 .
ثم مضوا يومهم حتى اناخوا بباب علي فاستأذنوا عليه استئذان الواثق بحياته الطامع في الوصول إليه، فقال لهم من حضره من أهله وأصحابه وولده سبحان الله ما علمتم ان أمير المؤمنين قد استشهد قالوا أنا لنعلم انه لم يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بسيفه وسوطه كما قادهم بحجته وبرهانه. وانه ليسمع النجوى ويعرق تحت الدثار الثقيل ويلمع في الظلام كما يلمع السيف الصقيل الحاسم.
فهذا مذهب السبائية ومذهب الحربية وهم أصحاب عبد الله بن سبأ واصحاب عمر بن الحرب الكندي في علي (عليه السلام). وقالوا بعد ذلك في علي انه اله العالمين وانه توارى عن خلقه سخطاً منه عليهم وسيظهر» 5 .
هذا هو كل ما اورده سعد الاشعري القمي عن فرقة السبائية.
ولابد ان نذكر القارئ الكريم بنكتة أساسية تتعلق بمنهج سعد الاشعري ذكرها في مقدمة كتابه حيث قال:
«ان فرق الامة كلها المتشيعة وغيرها اختلفت في الإمامة في كل عصر ووقت كل إمام بعد وفاته وفي عصر حياته منذ قبض الله محمداً (صلى الله عليه وآله)، وقد ذكرنا في كتابنا هذا ما يتناهى إلينا من فرقها وآرائها واختلافها» 6 .
ومعنى ذلك ان الذي ذكره سعد في كتابه هو ما تناهى إليه من القول فيها من كتب المقالات والفرق المكرسة لذلك أو التي تطرقت إلى ذلك عرضاً التي كانت قبله أو التي عاصر مؤلفيها.
ومن اجل التأكد من هذه الحقيقة نحاول ان نتتبع المعلومات التي وردت في كلام الأشعري في كتب المقالات والفرق والحديث والتاريخ السنية والشيعية وسنكتشف ان أصولها منحصرة في الكتب السنية دون الشيعية ما عدى قضية ادعاء ابن سبأ الالوهية في علي (عليه السلام) فأنها ذكرت في كتاب شيعي واحد هو كتاب الكشي ثم انتشرت منه إلى الكتب الشيعية التي جاءت بعده.
ونحن من اجل تسهيل عملية التتبع نصنف المعلومات التي وردت في نص الاشعري إلى المفردات التالية:
قوله «ان عبد الله بن سبأ كان يهوديا فاسلم ووالى عليا.. وهو أول من شهر بالقول بفرض إمامة علي (عليه السلام) واظهر البراءة من أعدائه».
ان عليا أمر بقتل ابن سبأ بسبب ما أظهره من الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة والبراءة منهم.
ان الناس تشفعوا في ابن سبأ فرفع عنه القتل ونفاه إلى المدائن.
ان ابن سبأ وأصحابه في المدائن لما بلغهم قتل علي (عليه السلام) لم يصدقوه وقالوا لو جئتنا بدماغه في صرة 7 فأقمت على قتله سبعين عدلاً ما صدقناك ولعلمنا انه لم يمت ولم يقتل وانه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض.
ان أصحاب ابن سبأ وهم السبائية وأصحاب عمر بن حرب الكندي وهم الحربية قالوا بعد ذلك في انه إله العالمين.
وفيما يلي الحديث عن مصادر كل واحدة منها:
وردت المفردة الأولى وهي قوله (ان عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم