منذ سنتين

خطبة علي بنت ابي جهل

في البخاري وغيره، عن المسور بن مخرمة، قال: سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول، وهو على المنبر: إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، إلا أن يريد ابن أبي طالب: أن يطلق ابنتي، وينكح ابنتهم؛ فإنما هي بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها. وفي البخاري وغيره أيضاً، عن المسور: أن فاطمة أتت رسول الله «صلى الله عليه وآله» فقالت: يزعم قومك: أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح ابنة أبي جهل. فسمعته حين تشهد يقول: إني أنكحت أبا العاص بن الربيع، فحدثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني، وإني أكره أن يسوءها. والله، لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد، فترك علي الخطبة. وفي رواية أخرى لمسلم والبخاري وغيرهما: أن المسور قال: سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» على المنبر وهو يخطب في ذلك، وأنا محتلم، فقال: إن فاطمة مني، وأنا أخاف أن تفتن في دينها.. إلى أن قال: وإني لست أحرم حلالاً، ولا أحل حراماً، ولكن والله، لا تجتمع بنت رسول الله، وبنت عدو الله مكانا واحداً أبداً. وذكر مصعب الزبيري: أن علياً خطب جويرية (ويقال: اسمها العوراء. ويقال: جرهمة. ويقال: جميلة. ويقال: الحيفاء. راجع فتح الباري ج7 ص68.) بنت أبي جهل، فشق ذلك على فاطمة، فأرسل إليها عتاب: أنا أريحك منها؛ فتزوجها؛ فولدت له عبد الرحمن بن عتاب. وقال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان يغار لبناته غيرة شديدة، كان لا ينكح بناته على ضرة (راجع هذه النصوص في: صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف. وكتاب الخمس وكتاب المناقب، وصحيح مسلم ج7 ص141، وفي فضائل فاطمة، ومسند أحمد ج4 ص328، وحلية الأولياء ج2 ص40، وسنن البيهقي ج7 ص64، ومستدرك الحاكم ج3 ص158 و159، وغوامض الأسماء المبهمة ص340 و 341، وسنن ابن ماجة ج1 ص616، وأسد الغابة ج5 ص521، والمصنف ج7 ص301 و 302 و 300 بعدة نصوص، وفي هامشه عن عدد من المصادر، ونسب قريش ص87 و 312، وفتح الباري ج7 ص6، وج9 ص286، وتهذيب التهذيب ج7 ص90، وشرح النهج للمعتزلي ج12 ص88 و 51 وج4 ص64ـ 66، ومحاضرة الأدباء المجلد الثاني ص234، والسيرة الحلبية ج2 ص208، وتلخيص الشافي ج2 ص276، ونقل عن سنن أبي داود ج2 ص326، وراجع: المناقب لابن شهر آشوب ج1 ص4، ونزل الأبرار ص82 و83، وفي هامشه عن صحيح البخاري ج2 ص302 و189 وج3 ص265، وعن الجامع الصحيح للترمذي ج5 ص698).


المناقشة ونحن نعتقد ـ كما يعتقد ابن شهراشوب 1 ـ أنه لا ريب في كذب هذه الرواية، وذلك استناداً إلى ما يلي: محتويات   المناقشة الرواية الأقرب إلى القبول ونقول في الجواب أولاً: إن الروايات مختلفة ومتناقضة، كما يظهر بالمراجعة والمقارنة. أضف إلى ذلك: أن ما جاء في هذه الروايات لا ينسجم مع ما تقدم في بحث تكنية علي «عليه السلام» بأبي تراب: من أنه «عليه السلام» لم يسؤ فاطمة قط. وثانياً: عن بريدة: أنه لما استلم علي «عليه السلام» الغنائم من خالد بن الوليد في غزوتهم لبني زبيد، حصلت جارية من أفضل السبي في الخمس، ثم صارت في سهم آل علي، فخرج عليهم علي «عليه السلام» ورأسه يقطر، فسألوه؛ فأخبرهم: أنه وقع بالوصيفة التي صارت في سهم آل علي. فقدم بريدة في كتاب من خالد على النبي «صلى الله عليه وآله»، وصار يقرؤه عليه بريدة، ويصدق (أي بريدة) ما فيه، فأمسك «صلى الله عليه وآله» بيده، وقال: يا بريدة أتبغض علياً؟ قال: نعم. فقال «صلى الله عليه وآله»: لا تبغضه، وإن كنت تحبه فازدد له حباً، فوالذي نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة. وفي نص آخر: فتكلم بريدة في علي عند الرسول، فوقع فيه، فلما فرغ رفع رأسه، فرأى رسول الله غضب غضباً لم يره غضب مثله إلا يوم قريظة والنضير، وقال: يا بريدة، أحب علياً، فإنه يفعل ما آمره. وكذا روي عن غير بريدة 2 . وفي الرواية التي عند المفيد رضوان الله عليه: «فسار بريدة، حتى انتهى إلى باب النبي «صلى الله عليه وآله»، فلقيه عمر، فسأله عن حال غزوتهم، وعن الذي أقدمه؛ فأخبره: أنه إنما جاء ليقع في علي، وذكر له اصطفاءه الجارية من الخمس لنفسه، فقال له عمر: امض لما جئت له؛ فإنه سيغضب لابنته مما صنع علي» 3 . وثالثاً: وفي محاورة بين عمر وابن عباس، كان مما قاله ابن عباس له: يا أمير المؤمنين، إن صاحبنا من قد علمت، والله، إنه ما غير ولا بدل، ولا أسخط رسول الله «صلى الله عليه وآله» أيام صحبته له. فقال: ولا في ابنة أبي جهل، وهو يريد أن يخطبها على فاطمة رضي الله عنها؟ قلت: قال الله في معصية آدم «عليه السلام»: ﴿ ... وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾ 4 ؛ فصاحبنا لم يعزم على إسخاط رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولكن الخواطر التي لا يقدر أحد على دفعها عن نفسه. وربما كانت من الفقيه في دين الله، العالم بأمر الله، فإذا نبه عليها رجع وأناب. فقال: يا ابن عباس، من ظن أنه يرد بحوركم، فيغوص فيها معكم حتى بلغ قعرها؛ فقد ظن عجزاً 5 . فابن عباس يصارح الخليفة بأن علياً لم يغضب الرسول، ولا أراد ذلك، ولا عزم عليه، ثم هو قد أنكر قضية بنت أبي جهل، واعتبرها من الخواطر التي ربما تمر، ولا يقدر أحد على دفعها، وصدقه بذلك عمر. ويلاحظ هنا: مهارة ابن عباس في تكذيب هذه القضية، حيث لم يواجه الخليفة الثاني صراحة بذلك، وإنما جاءه من الطريق المعقول والمقبول عنده، وقطع عليه كل طريق حتى قال له: «من ظن أنه يرد بحوركم الخ..». ويكاد النقيب أبو جعفر محمد بن أبي زيد، الذي وصفه ابن أبي الحديد بأنه منصف، ولا يمكن اتهامه بالتشيع ـ كما تقدم في غزوة بدر ـ يكاد يصرح بأن عمر هو الذي أوحى للناس بأن النبي قد غضب من علي في هذه القضية، فهو يقول عنه: «ثم عاب علياً بخطبته بنت أبي جهل؛ فأوهم أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» كرهه لذلك، ووجد عليه» 6 . ورابعاً: إننا في نفس الوقت الذي نجد فيه النبي «صلى الله عليه وآله» يقرر: أنه لا يتصرف في هذا المورد من موقع الولاية، وكونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، حيث يقول في خطبته: «إني لست أحرم حلالاً، ولا أحل حراماً»، نجده يفرض على علي أن يطلق ابنته، إن أراد تزوج ابنة أبي جهل؛ مع أن الله قد جعل الطلاق بيد الزوج، وليس للزوجة ولا لأبيها حق فرض ذلك عليه. ثم هو ينهى علياً عن الزواج بالثانية، مع أن الله تعالى أحل الزواج من مثنى وثلاث ورباع 7 . وإذا كان يحرم على علي الزواج في حياة فاطمة لخصوصية لها 8 . وكان هذا الحكم لم يبلغ إلى علي «عليه السلام» حتى ذلك الوقت؛ فهو لا يستحق هذا التشهير القاسي. وإن كان «صلى الله عليه وآله» قد بلغه إياه، فلماذا يقدم علي الذي نصت آية التطهير على طهارته من كل رجس، على أمر محرم عليه، حتى يضطر النبي «صلى الله عليه وآله» إلى اتخاذ هذا الموقف منه؟ ولماذا يعمد إلى إيذاء فاطمة، وهو يسمع قوله «صلى الله عليه وآله»: فاطمة بضعة مني يؤذيها ما يؤذيني؟! وكيف نوجه بعد هذا قوله «صلى الله عليه وآله»: لولا أن الله خلق علياً، لم يكن لفاطمة كفؤ، آدم فمن دونه؟! بل إن الله تعالى هو الذي اختار علياً لفاطمة، فكيف يختار لها من يؤذيها ويغمها؟! 9 . ثم ألم يكن لدى علي «عليه السلام» من الأدب والاحترام بمقدار ما كان لبني المغيرة؛ فيستأذنونه «صلى الله عليه وآله»، ولا يستأذنه علي «عليه السلام»؟! ثم إننا لا ندري ما حقيقة إيمان، وجمال، ومزايا بنت أبي جهل ـ التي كانت من الطلقاء 10 ـ حتى جعلت علياً يقدم على خلق مشكلة بهذا الحجم له، ولبني المغيرة، وحتى للنبي «صلى الله عليه وآله» نفسه. ولماذا لم يكلم النبي «صلى الله عليه وآله» علياً سراً، ويطلب منه صرف النظر عن هذا الأمر؟!. أم أنه فعل ذلك، فرفض علي، حتى اضطر إلى فضحه، وتأليب الناس ضده بهذه الصورة؟! 11 . وكذلك الحال بالنسبة لبني المغيرة، لماذا لا يردعهم سراً عن تزويجه؟! أم أنه فعل ذلك، فلم يرتدعوا إلا بهذه الطريقة؟!. وإذا كانوا لا يرتدعون؛ فلماذا يستأذنون؟!. واعتذار العسقلاني عن ذلك بأنه «صلى الله عليه وآله» أراد من خطبته على رؤوس الأشهاد: أن يشيع ذلك الحكم، ويأخذوا به على سبيل الإيجاب، أو الأولوية 12 . لا يمكن قبوله، فقد كان يمكن أن يشيع هذا الحكم بالطرق الأخرى التي تشيع فيها سائر الأحكام، لا سيما وأنه ليس من الأحكام العامة التي يبتلي بها عامة المكلفين. وأيضاً، فإن ذلك لا يتناسب مع كلمات النبي القاسية على المنبر، ولا مع تعريضاته القوية المشعرة بأن علياً قد ارتكب أمراً عظيماً.. هذا مع العلم بأنه «صلى الله عليه وآله» لم يكن من عادته أن يواجه أحداً بما يعاب به؛ فكيف يعلن به على المنبر. حتى إنه «صلى الله عليه وآله» لم يكن يقدح بشهود المدَّعي بصورة صريحة، بل هو يدعو المتحاكمين إلى الصلح 13 . بل إنه «صلى الله عليه وآله» كان إذا بلغه عن أحد شيء يكرهه لا يصرح باسمه، حتى ولو كان من جملة المنافقين، فحين بلغه قول زيد بن اللصيت، وهو من المنافقين، من أحبار اليهود: يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء، وهو لا يدري أين ناقته. قال «صلى الله عليه وآله»: «إن قائلاً قال: يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء ولا يدري أين ناقته، وإني والله الخ..» 14 . واعتذار العسقلاني أيضاً عن ذلك: بأنه لعله مبالغة في رضا فاطمة «عليها السلام»، لأنها أصيبت بأمها وإخوتها، فكان إدخال الغيرة عليها يزيد من حزنها 15 . لا يصح أيضاً؛ فإن رضا شخص لا يبرر تنقص شخص آخر على أمر مباح بل مستحب. وكذلك فإن كون فاطمة «عليها السلام» قد أصيبت، لا يبرر منع زوجها من العمل بما هو مباح له.. وهل لم يصب أحد بأقربائه سواها؟ وهل كل من أصيبت بأقربائها تمنع زوجها من الزواج بأخرى؟!. لا سيما بعد مرور السنوات العديدة على ذلك!! ولماذا لا يطلب العسقلاني من أبي بكر أن يبالغ في رضا فاطمة، حينما أصيبت في أبيها سيد البشر، فحرمها أبو بكر من إرثها، وعاملها بما هو معروف لدى كل أحد، حتى ماتت «عليها السلام» وهي هاجرة له، وأوصت أن تدفن ليلاً ولا يحضر جنازتها هو ولا الخليفة عمر؟. ثم هناك تعريضه بعلي «صلى الله عليه وآله»، وأنه حدثه ولم يصدقه.. لا ندري كيف؟ ومتى؟ وأن أبا العاص (الذي بقي على شركه حتى أسلم مع طلقاء مكة كرهاً، أو طمعاً، والذي صرح الصادق «عليه السلام» بنفاقه كما نسب إليه) 16 قد حدثه، فصدقه، كيف؟ ومتى؟ وفي أي مورد؟!. وبعد، فما معنى: أن لا تجتمع بنت عدو الله وبنت رسول الله عند رجل؟ وقد جمع عثمان بين رقية وأم كلثوم بنتي بل ربيبتي رسول الله، وبين فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس، ورملة بنت شيبة، وأم البنين بنت عيينة بن حصن، الذي كان من المنافقين. ولو صحت خطبة علي لبنت أبي جهل فلماذا تتأذى فاطمة من العمل بحكم إلهي مشرع في القرآن وعلى لسان أبيها؟!. ولماذا لا تكون مثال المرأة المؤمنة الراضية والمطمئنة؟ وأين هو إيمانها القوي وثباتها؟!. ولماذا لا تكون كأي امرأة أخرى تواجه قضية كهذه؟!. وكيف بلغ بها الأمر أن أصبح أبوها يخشى عليها الفتنة في دينها؟! أكل ذلك من أجل أن زوجها يريد التزوج من امرأة أخرى؟!. ثم ألم تسمع قول أبيها: جدع الحلال أنف الغيرة؟ 17 . ولو كانت لم تسمع ذلك فلم لا يذكر لها أبوها ذلك حينما اشتكت من زوجها، أو على الأقل لماذا لا يتذكر هو ذلك، قبل أن يصعد المنبر ويتكلم بذلك الحماس، وتلك العصبية والقسوة؟!. وهل يتناسب ذلك مع حكمته ونبل أخلاقه، وسمو نفسه، وما عرف به من الكظم والحلم؟!. وهذا المأمون يجيب ابنته على شكواها من قضية كهذه بقوله: إنا ما أنكحناه لنحظر عليه ما أباحه الله تعالى. فهل كان المأمون أعلى نفساً، وأكرم أخلاقاً منه «صلى الله عليه وآله»؟! والعياذ بالله 18 . وخامساً: قال السيد المرتضى: «وبعد، فأين كان أعداؤه «عليه السلام» من بني أمية وشيعتهم عن هذه الفرصة المنتهزة؟! وكيف لم يجعلوها عنواناً لما يتخرصونه من العيوب، والقروف؟! وكيف تمحلوا الكذب، وعدلوا عن الحق؛ وفي علمنا بأن أحداً من الأعداء متقدماً لم يذكر ذلك، دليل على أنه باطل موضوع» 19 . وسادساً: وبعد كل ما تقدم: كيف يقول النبي «صلى الله عليه وآله» لبنت أبي جهل، (بنت عدو الله)، على المنبر، وهو الذي منع الناس من أن يقولوا لعكرمة أخيها: (ابن عدو الله)، وقال كلمته الخالدة: يأتيكم عكرمة مهاجراً؛ فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي؟! 20 . وسابعاً: إن المسور بن مخرمة قد ولد في السنة الثانية للهجرة، فكيف يقول: إنه سمع النبي «صلى الله عليه وآله» يخطب على المنبر وهو (يعني المسور) محتلم؟!. ووجه ذلك ابن حجر: بأن المراد بالاحتلام كمال العقل 21 . وهذا التوجيه يخالف كلاً من اللغة والعرف، فلا يقال لطفل عمره ست سنين: إنه محتلم. مهما كان له من الدراية، ومن العقل والفطنة 22 . الرواية الأقرب إلى القبول وأخيراً، فإن السيد المرتضى يرى: أن هذه الأسطورة إنما رواها الكرابيسي البغدادي، صاحب الشافعي، والكرابيسي معروف بنصبه وانحرافه عن أمير المؤمنين «عليه السلام» 23 . ولعلك تقول: إن الرواية بكيفيتها المتقدمة لا ريب في بطلانها وافتعالها، إلا أننا لا نمانع في أن يكون لها أصل سليم عن كل ما قدمناه، ولا يتنافى مع روحية، وعصمة النبي «صلى الله عليه وآله»، ووصيه، وبضعته الزهراء «عليها السلام». وذلك بأن يكون قد خطر له «عليه السلام» أن يخطب بنت أبي جهل لمصلحة رآها، فاستشار رسول الله «صلى الله عليه وآله». فلم ير منه تشجيعاً، فانصرف عن ذلك. وقد ألمحت رواية إلى ذلك؛ فذكرت: أن علياً «عليه السلام» خطب ابنة أبي جهل إلى عمها الحارث بن هشام، فاستشار علي «عليه السلام» رسول الله «صلى الله عليه وآله». فقال «صلى الله عليه وآله»: أعن حسبها تسألني؟ قال علي: قد أعلم ما حسبها، ولكن أتأمرني بها؟ قال: لا، فاطمة بضعة مني، ولا أحب أنها تحزن أو تجزع. قال علي: «لا آتي شيئاً تكرهه» 24 . ونقول في الجواب إن هذه الرواية قاصرة عن إفادة المعنى المقصود، لا سيما وأنها تشتمل على التناقض في مضمونها، إذ لا معنى للخطبة، ثم الاستشارة، بل الاستشارة تكون قبل الخطبة، لا سيما بملاحظة قوله: أتأمرني بها الخ.. كما أنها لا تزال تتهم الزهراء «عليها السلام» بأنها تحزن وتجزع من فعل الأمر المحلل يضاف. إلى ذلك كله أن هناك ما يدل على تحريم النساء على علي «عليه السلام» في حياة فاطمة كرامة وإجلالاً لها «صلوات الله وسلامه عليها».. فلماذا يخالف علي «عليه السلام» هذا الحكم الثابت؟!. إلا أن يقال: إنه لم يكن عالماً به، قبل هذه الحادثة. وقد علم به بعدها.. ولكنه قول غير مقبول، بملاحظة: أنه «عليه السلام» باب مدينة علم الرسول «صلى الله عليه وآله»، وهو أيضاً الإمام المعصوم الذي لا يحتمل في حقه الجهل بتكاليف نفسه. وأخيراً، فإن كلام ابن عباس الذي قدمناه في جوابه لعمر بن الخطاب يؤيد هذه الرواية أيضاً. ولربما تكون فاطمة قد عرفت بقول عمر، عن النبي «صلى الله عليه وآله»: «إنه سيغضب لابنته»؛ فاشتكته إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، لا أنها اشتكت علياً «عليه السلام» غيرة من خطبته امرأة أخرى. فإن فاطمة أجل وأرفع، وأعمق إيماناً من أن تفكر في أمر كهذا 25 .