منذ سنتين

متى تحرر سلمان؟

ويقولون: إن تحرير سلمان من رق العبودية بصورة كاملة قد كان في أول السنة الخامسة من الهجرة النبوية الشريفة (الثقات: ج1 ص257 وتاريخ الخميس ج1 ص352 و468.) وذلك قبل وقعة الخندق، التي يرى عدد من المؤرخين: أنها كانت سنة خمس، في ذي القعدة منها (راجع: البداية والنهاية ج4 ص53 وتاريخ الأمم والملوك للطبري طبع الإستقامة ج2 ص233 والكامل في التاريخ، ج2 ص178 وتاريخ الخميس ج1 ص179 والمحبر ص113وفتوح البلدان ج1 ص23. وليراجع: صفة الصفوة ج1 ص455 ـ 459 ومختصر التاريخ لابن الكازروني ص42 والسيرة الحلبية ج2 ص328، وشذرات الذهب ج1 ص11 والتنبيه والإشراف ص115 والبدء والتاريخ ج4 ص216. وليراجع أيضاً: مغازي الواقدي ج2 ص440 و441 والمصنف للصنعاني ج5 ص67 وطبقات ابن سعد ج2 قسم 1 ص47 وج 4 قسم 1 ص60 وتاريخ بغداد ج1 ص170، وأنساب الأشراف ج1 (قسم حياة النبي «صلى الله عليه وآله») ص343.).


ولكننا بدورنا نقول: إن ذلك مشكوك فيه من ناحيتين: الأولى: في تاريخ وقعة الخندق. الثانية: في تاريخ عتق سلمان. محتويات   تاريخ غزوة الخندق ومما يدل على أن الخندق قد كانت سنة أربع تاريخ الحرية ويدل على تحرره في السنة الأولى كتاب النبي صلى الله عليه وآله في مفاداة سلمان تأملات في الكتاب الرد على الشكوك المشار إليها حديث الحرية بطريقة أخرى مناقشات لا بد منها الرواية الأقرب إلى القبول النخلة التي غرسها عمر دور خليسة في عتق سلمان تاريخ غزوة الخندق فأما بالنسبة للناحية الأولى، أعني تاريخ غزوة الخندق، فإننا نقول: 1 ـ لو سلم أنها كانت في السنة الخامسة، فإن مجرد ذلك لا يكفي في تعيين زمان عتقه على النحو المذكور، إذ قد يكون العتق قد تم بعد أُحد بأشهر يسيرة، في السنة الرابعة مثلاً، ثم حضر الخندق بعد ذلك بسنة أو أكثر، أو أقل. 2 ـ لقد جزم البعض بأن الخندق كانت في سنة أربع، وصححه النووي في الروضة، وفي شرحه لصحيح مسلم 1 . بل لقد قال ولي الدين العراقي عن غزوة الخندق: «المشهور أنها في السنة الرابعة للهجرة» 2 . وقال عياض: «إن سعد بن معاذ مات إثر غزوة الخندق، من الرمية التي أصابته، وذلك سنة أربع بإجماع أهل السير، إلا شيئاً قاله الواقدي» 3 . فقوله: «بإجماع أهل السير» يحتمل رجوعه إلى سنة أربع، فيكون قد ادَّعى الإجماع على كون الخندق في سنة أربع، ويحتمل رجوعه إلى موت سعد بن معاذ بعد الخندق، وتكون كلمة: «وذلك سنة أربع» معترضة، ولا تعبر إلا عن رأيه. ومما يدل على أن الخندق قد كانت سنة أربع 1 ـ أنهم يذكرون بالنسبة لزيد بن ثابت: أن أباه قتل يوم بعاث وهو ابن ست سنين، وكانت بعاث قبل الهجرة بخمس سنين 4 وقدم النبي «صلى الله عليه وآله» المدينة وعمر زيد إحدى عشرة سنة 5 . ثم يقولون: إن أول مشاهد زيد، الخندق 6 ، لأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أجازه يوم الخندق 7 وهو ابن خمس عشرة سنة 8 . والخندق إنما كانت في شوال سنة أربع 9 . ويروى عن زيد قوله: أجازني رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم الخندق، وكساني قبطية 10 . وعنه: أجزت يوم الخندق، وكانت وقعة بعاث وأنا ابن ست سنين 11 . وعنه: لم أجز في بدر، ولا في أُحد، وأجزت في الخندق 12 . وتوفي زيد سنة ثمان وأربعين، وسنه تسع وخمسون سنة 13 . وقال الواقدي: مات سنة خمس وأربعين وهو ابن ست وخمسين سنة 14 . وقد استدل النووي، وابن خلدون ـ وربما يظهر ذلك من البخاري ـ على أن غزوة الخندق قد كانت سنة أربع 15 : بأنهم قد أجمعوا على أن حرب أُحد، كانت سنة ثلاث ولم يجز النبي «صلى الله عليه وآله» عبد الله بن عمر أن يشترك فيها؛ لأن عمره كان أربع عشرة سنة، ثم أجازه في وقعة الخندق لأنه كان قد بلغ الخامسة عشرة 16 ، فتكون الخندق بعد أحد بسنة واحدة. وقد حاول البعض الإجابة على ذلك بطرح بعض الاحتمالات البعيدة، وقد أجبنا عنها في كتابنا: «حديث الإفك» ص 96 ـ 99، فليراجعه من أراد. ومهما يكن من أمر؛ فإن احتمال أن يكون تحرر سلمان من الرق قد تم قبل السنة الخامسة من الهجرة؛ يصبح على درجة من القوة. تاريخ الحرية وأما بالنسبة لتحديد تاريخ الحرية، فإننا نقول: إننا نكاد نطمئن إلى أنه قد تحرر في السنة الأولى من الهجرة، بل لقد ورد في بعض الروايات ما يدل على أنه قد أعتق في مكة 17 . ويدل على تحرره في السنة الأولى 1 ـ إن روايات عتقه يدل عدد منها على أنه قد أعتق عقيب إسلامه بلا فصل، وهو إنما أسلم ـ أو فقل: أظهر إسلامه ـ في السنة الأولى من الهجرة 18 . 2 ـ قد صرح البعض ـ كتاريخ كزيده ـ بأن الرسول «صلى الله عليه وآله» قد اشتراه في السنة الأولى من هجرته 19 . وسيأتي التصريح بذلك عن الشعبي وعن بريدة، وذلك حين الكلام عن كونه من موالي رسول الله «صلى الله عليه وآله». 3 ـ ومما يدل على أن سلمان قد تحرر في أول سني الهجرة: كتاب النبي صلى الله عليه وآله في مفاداة سلمان حيث يقولون: إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أملى كتاب مفاداة سلمان على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام»، وهو ـ والنص لأبي نعيم ـ كما يلي: هذا ما فادى محمد بن عبد الله، رسول الله، فدى سلمان الفارسي من عثمان بن الأشهل اليهودي، ثم القرظي، بغرس ثلاثمائة نخلة، وأربعين أوقية ذهب؛ فقد برئ محمد بن عبد الله رسول الله لثمن سلمان الفارسي، وولاؤه لمحمد بن عبد الله رسول الله، وأهل بيته، فليس لأحد على سلمان سبيل. شهد على ذلك: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وحذيفة بن اليمان، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وبلال مولى أبي بكر، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم. وكتب علي بن أبي طالب يوم الإثنين في جمادى الأول، مهاجر محمد بن عبد الله رسول الله «صلى الله عليه وآله». وقد ذكرت بعض المصادر هذا الكتاب من دون ذكر الشهود 20 . تأملات في الكتاب قال الخطيب: «في هذا الحديث نظر، وذلك أن أول مشاهد سلمان مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» غزوة الخندق، وكانت في السنة الخامسة من الهجرة، ولو كان يخلص سلمان من الرق في السنة الأولى من الهجرة لم يفته شيء من المغازي مع رسول الله «صلى الله عليه وآله». وأيضاً، فإن التاريخ بالهجرة لم يكن في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأول من أرخ بها عمر بن الخطاب في خلافته» 21 . وقال العلامة المحقق الأحمدي: «أما الشهود فإن فيهم أبا ذر الغفاري «رحمه الله» وهو لم يأت المدينة إلا بعد خندق، مع أن صريح الكتاب أن ذلك كان في السنة الأولى من الهجرة. وتوصيف أبي بكر بالصديق يخالف رسوم كتب صدر الإسلام» 22 . قال هذا «رحمه الله» بعد أن ذكر: أن الخطيب قد تنظر في الكتاب وأنه لم يذكر الشهود. كما وذكر «رحمه الله»: أن ابن عساكر والنوري في نفس الرحمن لم يذكرا الشهود أيضاً 23 . الرد على الشكوك المشار إليها ونقول: إن لنا هنا ملاحظات، سواء بالنسبة لما ذكره الخطيب أو بالنسبة لما ذكره العلامة الأحمدي. فأما بالنسبة إلى ما ذكره الخطيب فنشير إلى ما يلي: أولاً: قوله: إن أول مشاهد سلمان الخندق، ينافي ما ورد في الكتاب من أنه قد كوتب في السنة الأولى للهجرة. هذا القول لا يصح وذلك لما يلي: 1 ـ إن من الممكن أن يتحرر في أول سني الهجرة، ثم لا يشهد أياً من المشاهد، لعذر ما، قد يصل إلينا، وقد لا يصل. 2 ـ إن مكاتبته في السنة الأولى لا تستلزم حصوله على نعمة الحرية فيها مباشرة، إذ قد يتأخر في تأدية مال الكتابة، فتتأخر حريته. وإن كنا قد ذكرنا آنفاً: أن سلمان لم يكن كذلك، بدليل نفس ما ورد في ذلك الكتاب الآنف الذكر، وأدلة أخرى. ولكننا نريد أن نقول للخطيب: إن ما ذكرته ليس ظاهر اللزوم في نفسه، ولا يصح النقض به، مجرداً عن أي مثبتات أخرى، كما يريد هو أن يدعيه. 3 ـ إن البعض قد ذكر: أن سلمان قد شهد بدراً وأحداً أيضاً 24 . وهو الذي يظهر من سليم بن قيس، فقد عد سلمان في جماعة أهل بدر 25 . ولعل هذا يفسر لنا سبب فرض عمر له خمسة آلاف، الذي هو عطاء أهل بدر 26 . وقد حاول البعض أن يقول: إن مراد القائلين بحضوره بدراً: أنه حضرها وهو عبد، ومراد القائلين بأنه قد شهد الخندق فما بعدها، ولم يحضر بدراً، أنه لم يحضرها وهو حر 27 . ونقول: إن هذا جمع تبرعي، لا يرضى به أولئك، ولا هؤلاء، لأن مدار النفي والإثبات هو أصل الحضور والشهود، من دون نظر إلى الحرية والعبودية، ولذا تجد في بعض العبارات المنقولة التعبير بأن لم يفته مشهد بعد الخندق، فإنه يكاد يكون صريحاً في فوات بعض المشاهد قبل ذلك. ثانياً: قول الخطيب إن التاريخ الهجري لم يكن في عهد الرسول، وأن عمر بن الخطاب هو أول من أرخ به، لا يمكن قبوله: فقد أثبتنا في كتابنا هذا: أن النبي «صلى الله عليه وآله» هو واضع التاريخ الهجري وقد أرخ به هو نفسه «صلى الله عليه وآله» أكثر من مرة، وهذا الكتاب يصلح دليلاً على ذلك أيضاً. وأما بالنسبة لكلام العلامة البحاثة الأحمدي، فنحن نشير إلى ما يلي: أ ـ قوله: إن الخطيب، وابن عساكر، ونفس الرحمن لم يذكروا الشهود، ليس في محله، كما يعلم بالمراجعة. ب ـ إن ما ذكره حول توصيف أبي بكر بالصديق صحيح، وقد تحدثنا في كتابنا هذا: أن تلقيبه بهذا اللقب لا يصح لا في الإسراء والمعراج، ولا في أول البعثة، ولا في قضية الغار، حسب اختلاف الدعاوى. وذكرنا هناك: أن الظاهر: هو أن هذا اللقب قد خلع عليه بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» بمدة ليست بالقصيرة. ونضيف إلى ذلك: أنه إن كان أبو بكر نفسه قد كتب هذه الكلمة على كتاب عتق سلمان، فنقول: إن من غير المألوف أن يطلق الإنسان على نفسه ألقاب التعظيم والتفخيم، بل إن الإنسان العظيم، الذي يحترم نفسه، يعمد في موارد كهذه إلى إظهار التواضع والعزوف عن الفخامة والأبهة. وإن كان الآخرون هم الذين أطلقوا عليه لقب «الصديق»، وأضافوه إلى الكتاب من عند أنفسهم، تكرماً وحباً ورغبة في تعظيمه، وتفخيمه. فذلك يعني: أنهم قد تصرفوا بالكتاب، وأضافوا إليه ما ليس منه، دون أن يتركوا أثراً يدل على تصرفهم هذا، وهو عمل مدان، ومرفوض، إن لم نقل إنه مشين، لا سيما وأنهم أهملوا صديقه عمر بن الخطاب، فلم يصفوه بالفاروق كما أهملوا غيره أيضاً. ولا يفوتنا التذكير هنا: بأن النوري قد أورد الكتاب في نفس الرحمن عن تاريخ كزيده وليس فيه وصف أبي بكر بـ‍ «الصديق»، بل وصفه بـ «ابن أبي قحافة»، وهو الأنسب، والأوفق لظاهر الحال. ج ـ وأما قولهم: إن أبا ذر لم يكن قد قدم المدينة حينئذٍ، لأنه إنما قدمها بعد الخندق، فإننا نقول: المراد: أنه إنما قدمها مستوطناً لها بعد الخندق، أما قبل ذلك، فلعله قدمها للقاء رسول الله «صلى الله عليه وآله»، أو لبعض حاجاته، فصادف كتابة هذا الكتاب؛ فشهد عليه، ثم عاد إلى بلاده، وثمة رواية أخرى تشير إلى حضوره 28 ، فلتراجع. د ـ أضف إلى ذلك: أن وصف بلال بأنه مولى أبي بكر، قد يكون من تزيد الرواة أيضاً؛ إذ قد ذكرنا فيما سبق من هذا الكتاب: أن بلالاً لم يكن مولى لأبي بكر. وأخيراً.. فإن مما يدل على أن الرواة والكتاب قد زادوا شيئاً من عند أنفسهم: إضافة عبارة: «رضي الله عنهم» إلى الشهود؛ إذ لا شك في أن ذلك قد حصل بعد كتابة ذلك الكتاب، بل ويحتمل أن يكون الشهود جميعاً قد أضيفوا بعد ذلك، وإن كان هذا احتمالاً بعيداً جداً. حديث الحرية بطريقة أخرى وقد جاء في بعض الروايات: أن الرق قد شغل سلمان حتى فاته بدر وأحد، حتى قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: كاتب يا سلمان، فكاتب سيده على ثلاث مئة نخلة (وقيل: على مئة وستين فسيلة، وقيل: خمس مئة وقيل: مئة فقط) يحييها له، وأربعين أوقية من ذهب. فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أعينوا أخاكم بالنخل. فأعانه أصحاب النبي «صلى الله عليه وآله» بالخمس والعشر حتى اجتمعت عنده، فأمره «صلى الله عليه وآله» أن يفقّر لها، ولا يضع منها شيئاً حتى يكون النبي «صلى الله عليه وآله» هو الذي يضعها بيده؛ ففعل، فجاء رسول الله «صلى الله عليه وآله» فغرسها بيده، فحملت من عامها. وقال «صلى الله عليه وآله»: إذا سمعت بشيء قد جاءني فأتني، أغنيك بمثل ما بقي من فديتك، فبينا رسول الله «صلى الله عليه وآله» ذات يوم في أصحابه، إذ جاء رجل من أصحابه بمثل البيضة من ذهب. فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: ما فعل الفارسي المكاتب؟ فدعي له سلمان، فقال: خذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان. إلى أن تقول الرواية: فأخذها فأوفى منها حقهم كله: أربعين أوقية 29 . وفي بعض المصادر: أنه بقي منها مثل ما أعطاهم. وأعتق سلمان، وشهد الخندق ثم لم يفته معه مشهد 30 . مناقشات لا بد منها إننا نشك في بعض ما جاء في هذه الرواية: 1 ـ لأنها تقول: إنه هو الذي كاتب سيده، وأعانه الصحابة على أداء دينه، وأعانه الرسول أيضاً بالذهب. مع أن صريح كتاب المفاداة: أن الرسول «صلى الله عليه وآله» هو الذي أدى جميع ما على سلمان، وأن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد اشتراه وأعتقه، وأن ولاءه لرسول الله «صلى الله عليه وآله» وأهل بيته، وقد دلت على ذلك نصوص أخرى أيضاً ستأتي إن شاء الله تعالى. 2 ـ إن كونه قد أعتق في السنة الخامسة، أو الرابعة، مشكوك فيه أيضاً، وقد قدمنا بعض ما يرتبط بذلك، وأنه قد أعتق في أول سني الهجرة. 3 ـ قول الرواية: إنه قد فاته بدر وأحد، قد عرفنا: أنه غير مُسلَّم، فقد قيل: إنه حضرهما أيضاً. أضف إلى ذلك، أن رواية أبي الشيخ تنص على أنه قد أخبر النبي بأنه قد كاتب سيده فور إسلامه، حين مجيء النبي «صلى الله عليه وآله» إلى المدينة مباشرة 31 فراجع. كما أن القول: بأن الصحابة قد أعانوا النبي «صلى الله عليه وآله» على أداء دينه فيما يرتبط بفداء سلمان هو الآخر لا يصح، إذ قد كان على الراوي أن يقول ذلك، ويصرح به، وكان على النبي «صلى الله عليه وآله»: أن يطلب منهم أن يعينوه هو، لا أن يعينوا أخاهم سلمان، كما هو صريح الرواية. الرواية الأقرب إلى القبول ولعل الرواية الأقرب إلى القبول هو: أنه «صلى الله عليه وآله» قد غرس النوى، وكان علي «عليه السلام» يعينه؛ فكان النوى يخرج فوراً، ويصير نخلاً، ويطعم بصورة إعجازية له «صلى الله عليه وآله» كما ظهرت معجزته «صلى الله عليه وآله» في وزن مقدار أربعين أوقية ذهباً، من حجر صار ذهباً 32 ، من مثل البيضة، أو من مثل وزن نواة. النخلة التي غرسها عمر ونجد في بعض المصادر: أن عمر بن الخطاب قد شارك في غرس نخلة واحدة ولكنها لم تعش، فانتزعها النبي «صلى الله عليه وآله» وغرسها بيده، فحملت 33 . وفي رواية أخرى: أن التي لم تعش كان سلمان هو الذي غرسها 34 . أما عياض، فلم يسم أحداً، وإن كان قد ذكر غرس غيره أيضاً 35 . ولعلها كانت فسيلة حاضرة لدى عمر، أو سلمان، فأحب المشاركة في هذا الأمر، فغرسها، ولعله غرس نواة كانت في حوزته، وإن كانت الروايات قد صرحت بالأول لا بالنواة فيتعين ذلك الاحتمال. وقد حاول البعض الجمع بين الروايتين المشار إليهما، أعني رواية غرس عمر للنخلة التي لم تعش، ورواية غرس سلمان لتلك النخلة: بأن من الممكن أن يكونا ـ عمر وسلمان ـ قد اشتركا في غرسها، فصح نسبة ذلك لهذا تارة، ولذاك أخرى 36 . «ويجوز أن يكون كل واحد من سلمان وعمر غرس بيده النخلة، أحدهما قبل الآخر» 37 . ولنا أن نعلق على ذلك: بأنه بعد نهي النبي «صلى الله عليه وآله» لسلمان عن ذلك؛ فلا يعقل أن يقدم على مخالفة النبي «صلى الله عليه وآله»، وسلمان هو من نعرف في انقياده، والتزامه المطلق بأوامر الله سبحانه ورسوله «صلى الله عليه وآله»، فلا يمكن أن نصدق: أنه قد خالف أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله». وكيف لم يتدخل في غرس مائتين وتسع وتسعين، وتدخل في خصوص هذا الواحدة دون سواها؟! هذا بالإضافة إلى صحة سند ما روي عن عمر، وكثرة الناقلين له، وعدم نقل ذلك عن سلمان إلا عند ابن سعد في طبقاته. وإذا كان الراجح ـ إن لم يكن هو المتعين ـ أن سلمان لم يتدخل في هذا الأمر، ولا خالف النهي المتوجه إليه من قبل رسول الله «صلى الله عليه وآله». وإذا كان النهي إنما توجه إلى سلمان، لا إلى عمر، فإن إقدام عمر على هذا الأمر، يصبح أكثر معقولية، وأقرب احتمالاً. فهو قد أراد أن يجرب حظه في هذا الأمر أيضاً، ولعله يريد إظهار زمالته للرسول «صلى الله عليه وآله»، وهو القائل: «أنا زميل محمد» 38 ، فكما أن النخل يثمر على يد رسول الله «صلى الله عليه وآله»؛ فإنه يثمر على يده أيضاً وكما أن الرسول يقوم ببعض الأعمال؛ فإن غيره أيضاً قادر على أن يقوم بها، فليس ثمة فرق كبير فيما بينهم وبينه «صلى الله عليه وآله»، على حد زعمه، أو هكذا خيل له على الأقل. وأما أنه لماذا لم يغرس سوى نخلة واحدة، فلعله يرجع إلى أنه حين رأى النبي «صلى الله عليه وآله» ينهى سلمان عن أن يغرس شيئاً منها، فإنه قد تردد في ذلك، وحاذر من أن يتعرض لغضب النبي «صلى الله عليه وآله» وإنكاره ثم تشجع أخيراً، وجرب حظه في نخلة واحدة، الأمر الذي تفرد فيه دون سائر الصحابة الآخرين، ولم يقدم عليه لا أبو بكر، ولا غيره. وقد يكون السبب في ذلك هو أنه لم يكن في حوزته سوى هذه النخلة. ولكن شاءت الإرادة الإلهية: أن يحفظ ناموس النبوة، وأن تخيب كل الطموحات، وتتحطم كل الآمال، التي تريد أن تنال من ذلك الناموس، أو تستفيد منه في مسار انحرافي آخر، لا يلتقي معه، ولا ينتهي إليه، وتجلى هذا اللطف الإلهي في أن النخل قد أثمر كله، سوى هذه، حتى أعاد رسول الله «صلى الله عليه وآله» غرسها بيده الشريفة من جديد، فظهرت البركات، وتجلت الكرامة الإلهية. دور خليسة في عتق سلمان وقد جاء في بعض روايات عتق سلمان: أنه كان لامرأة اسمها خليسة، كانت قد اشترته، ثم بعد أن أسلم سلمان أرسل إليها رسول الله «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه السلام»، يقول لها: إما أن تعتقي سلمان وإما أن أعتقه، فإن الحكمة تحرمه عليك. فقالت له: قل له: إن شئت أعتقه، وإن شئت فهو لك. قال رسول الله: أعتقيه أنت؛ فأعتقته. قال: فغرس لها رسول الله «صلى الله عليه وآله» ثلاث مئة فسيلة. وفي لفظ آخر قالت: ما شئت. فقال: أعتقته 39 . ونقول: 1 ـ إن الرواية التي قدمناها في مكاتبته لمولاه على غرس النخل، حتى تطعم، وعلى أربعين أوقية، وغير ذلك مما دل على أن الرسول «صلى الله عليه وآله» قد اشتراه، وأعتقه، ينافي ذلك. 2 ـ إن كتاب المفاداة المتقدم ينافي ذلك أيضاً، لأنه كتب باسم عثمان بن الأشهل القرظي: إلا أن يدَّعى: أن خليسة كانت زوجة لعثمان هذا، أو من أقاربه أو غير ذلك، فلا مانع من كتب الكتاب باسمه نيابة عنها. ولكن ذلك مجرد احتمال، يحتاج إلى شاهد وعاضد، وهو مفقود. 3 ـ لماذا يأمرها النبي «صلى الله عليه وآله» بعتق سلمان، ولم يأمر غيرها، من الذين كانوا يملكون أرقاء مسلمين؟! 40 . 4 ـ ما معنى قوله: إما أن تعتقيه أنت، أو أعتقه أنا، فهل يريد الرسول «صلى الله عليه وآله» استعمال ولايته في هذا المجال؟! 5 ـ وإذا كانت قد أسلمت قبل أن يرسل إليها هذا الأمر 41 ؛ فما معنى قوله: «صلى الله عليه وآله»: فإن الحكمة تحرمه عليك؟! فهل كانت قد تزوجته، وهل يصح تملك المرأة لزوجها؟ أم أنه كان أباً لها؟!أم ماذا؟! هذا مع أنه حتى لو فرض ذلك، فإنه ينعتق عليها قهراً في الفرض الثاني، وينفسخ النكاح في الفرض الأول. 6 ـ وإذا كانت لم تملكه لأنه كان حراً، وقد ظلموه، فباعوه لها؛ فإن ذلك لو صح أنه كاف في ذلك؛ لمنع من أصل عبوديته؛ فلا حاجة بعد ذلك لعتقه، لا من قبله «صلى الله عليه وآله» ولا من قبلها. 7 ـ وإذا كانت تملكه، ولا بد من عتقه؛ فلماذا لا يشتريه منها؟! أو لماذا لم تكاتبه هي؟!ولماذا تؤمر بعتقه من الأساس، إلا على سبيل الحث والترغيب في الأجر، لا على سبيل التهديد، وبأسلوب القهر؟! 8 ـ وما معنى التناقض في رواية عتقها له تارة، وعتق النبي «صلى الله عليه وآله» له تارة أخرى؟! 42 .