منذ سنتين

لماذا لم يعتمد الحسين (عليه السلام) الخيار السلمي؟

كيف تُقيِّمون الحديث الدائر عن كون الحسين (عليه السلام) خارجاً على الخليفة بأسلوبٍ عنيف لو عالجنا الموضوع بصورته التاريخيَّة؟ أو بمعنى آخر هل سجَّل التاريخ للحسين خياراً آخر غير سفك الدماء وتخلَّى عنه (عليه السلام) ؟


كان الخيارُ الآخر هو الموادعة والبيعة وهو يُنتج استمرار الظلم، بل يُنتج تجذُّره وتأصًّله، والإيغال في الانحراف عن المسار الديني الذي رسمه رسولُ الله (صلى الله عليه و آله و سلم)، وذلك يتَّضح حينما نتنبَّه لأمرين: الأمر الأوَّل: هو أنَّ ولاية معاوية لشؤون الحكم كان نتيجة ظروفٍ طارئة واستثنائيَّة، فلم تكن ولايتُه واقعةً في سياق الخطِّ الإسلامي بل كانت انحرافاً سياسيّاً أفرزته الظروف، فهو كذلك بنظر أهل البيت (عليهم السلام)  وشيعتهم، وهو كذلك بنظر مدرسة الخلفاء. مِن هنا كان أحد أهمِّ بنود الصلح هو أنْ يكون الأمرُ بعد معاوية للحسن (عليه السلام)  فإنْ لم يكن فهو للحسين (عليه السلام).  1 وكان الصحابة والتابعون - الذين لا يرون لأهل البيت (عليهم السلام)  حقّاً خاصّاً بالخلافة - يتبنَّوْن مراجعة أهل الحلِّ والعقد أو مراجعة وجوه الصحابة في تعيين الخليفة بعد هلاك معاوية، ذلك لأنَّهم يرَوْن أنَّ الوسيلة التي اعتمدها معاوية للوصول إلى الحكم لم تكن مشروعة كما أنَّ شخصيَّته لم تكن مؤهَّلة لذلك. فالأمَّةُ بجميع أطيافها مدركةٌ لخطورة ما آلت إليه الظروف، وضرورة الإصلاح لمسار الخلافة والحكم إلاَّ أنَّ معاوية لم يكن يعبأ بكلِّ ذلك وعمل على تأصيل هذا الظرف الاستثنائي، وعقَد العزم على تعميق حالة الانحراف عن الخطِّ الرسالي، وحشَّد لذلك كلَّ ما أُتيح له مِن وسائل مستثمراً حالة الانهيار النفسي الذي أُصيبت به الأمَّة فجعل مِن الخلافة ملكاً عضوداً وإرثاً يتعاقبُ عليه الأحفاد بعد الأولاد. الأمر الثاني: شخصيَّة يزيد المعروفة بالتجاهر بالفسق والفجور ومعاقرة الخمور والموسومة عند جميع المسلمين بالطيش والنزَق والمشتهرة باللهو واللعب مع القيان والقردة. 2 فلم تكن واحدة مِن سجاياه تُؤهِّله لأحقر منصب مِن المناصب الدينيَّة فكيف له أنْ يتولَّى شؤون إدارة هذه الأمَّة والذي هو منصب الأولياء؟! لم يكن الأمر مسبوقاً وكان ينُذر باتِّساع هُوَّة الانحراف وكان الغضُّ عن ذلك وإغفاله مُنتجاً لاستحالة العودة. لم يكن ثمَّة خيارٌ آخر غير خيار النضال والثورة، تلك هي اللغة الوحيدة التي يفهمها يزيد، فهو بمجرَّد أنْ هلك والدُه بعث برسالة شديدة اللهجة إلى والي المدينة يأمرُه بأخذ البيعة مِن الحسين (عليه السلام)  أخذاً شديداً فإنْ أبى فضرب الرقاب 3 ، فلم يكن على استعداد لأنْ يُصغي لأحدٍ، فإمَّا البيعة والاستسلام أو السيف، فحتَّى خيار الإغضاء والسكوت وعدم البيعة لم يكن مقبولاً ليزيد. قد يُقال: لماذا لم يقبل الحسين (عليه السلام)  بالبيعة ويشترط في ذلك على يزيد أنْ لا يظلمَ العباد ولا يُمعِن في الانحراف والإفساد؟ نقول إنَّ القبول بالبيعة في حدِّ ذاته تأصيلٌ للظلم والانحراف والذي مِن المقدَّر له أنْ ينتهي بهلاك معاوية فهو يُضفي الشرعيَّة على المشروع الأمويِّ المنافي لمبادئ الإسلام، مِن هنا لم يكن بوسع الحسين (عليه السلام)  القبول بالبيعة حتَّى ولو كانت مشروطة لأنَّه بذلك سيُساهم في تثبيت مشروعٍ انحرافيٍّ ما زال متأرجحاً، وحينئذٍ لن يكون الحسين (عليه السلام)  أحسنَ حالاً مِن معاوية فهو الذي خطَّط للمشروع والحسين (عليه السلام)  هو مَنْ ثبَّته. ذلك لما كان للحسين (عليه السلام)  مِن موقعٍ دينيٍّ متميِّزٍ يُدركه جميعُ المسلمين. مِن هنا كان إباؤه للبيعة معناه تفويت الفرصة على بني أميَّة في تمرير مشروعهم الانحرافي وبالتالي لن يجدوا مِن وسيلةٍ لإضفاء الشرعيَّة على مشروعهم بعد أنْ كان الحسين (عليه السلام)  هو المُتصدِّي للإعلان عن عدم المشروعيَّة مِن خِلال إبائه للبيعة. كما أنَّ إعلانَه للثورة وهو ألصقُ الناس برسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) وأعرفُهم بسنَّته مساوق لإضفاء الشرعيَّة على مقاومة النظام الفاسد خلافاً لما يُروِّجه بنو أميَّة، فهو بذلك يرسم للأمَّة طريق الوصول لإصلاح ما انحرف مِن مسارها، ويضعُ الجهاز الأموي في خطِّ الموت والإندثار. والحمد لله ربِّ العالمين. 4

2