منذ سنتين

هل صحيح أن الشيعة الإمامية الإثنا عشرية هم من أتباع المعتزلة عقائدياً و فكرياً ؟


ادَّعى الكثير من المؤلفين الذين كتبوا في العقائد و الفرق الإسلامية بأن الشيعة الإمامية هم من مقلدي المعتزلة في عقائدهم و آرائهم الكلامية 1 ، و لا غرابة إذ نجد المستشرقين من الأجانب و الكُتّاب العرب المتأخرين يجترّون هذه المقولة الخاطئة دون تمحيص و تحقيق خلافاً لما هو المتوقع من أصحاب القلم و الفكر ، و المؤسف حقاً أنا نجدهم يتعاملون مع هذا الإدعاء و كأنه من البديهيات التي لا تقبل التشكيك و النقاش . بيد أن المتتبع المنصف يجد جلياً لدى مراجعته لكتب الشيعة الإمامية ، أن الإمامية مستقلون في تفكيرهم و آرائهم استقلالا كاملا في جميع الأدوار و المراحل التي مرّوا بها ، و أنهم لا يعتمدون على غير كتاب العقل و القرآن الكريم و سنة النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) و الأئمة المعصومين ( عليهم السَّلام ) فيما يعتقدون به من أصول الدين ، و فيما يعملون به من فروعه . هذا مضافا إلى أن كتب الشيعة الإمامية تشهد بكل صراحة و وضوح على خلاف ما يدّعي هؤلاء الكُتّاب ، فالشيعة تخالف المعتزلة في آرائها أكثر من مخالفة غيرها من المذاهب الاسلامية لها ، لكنها قد تلتقي معها في بعض الأفكار أحيانا ، كما تلتقي مع الأشاعرة و المرجئة في بعض المسائل . ثم إن التاريخ لا يؤيد ما يدّعيه هؤلاء أبداً ، بل أنه يثبت خلاف ذلك تماماً ، و فيما يلي نشير إلى نقاط تثبت بطلان إدعائهم : 1. إن الشيعة الإمامية أسبق الفرق الإسلامية ، و تاريخهم يتصل بتاريخ الإسلام منذ فجره الأول ، و الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) الذي إليه يرجع التشيع قد تكلم في التوحيد و الصفات و العدل و القَدَر ، و غير ذلك من المواضيع الكلامية و الفلسفية قبل مولد الإعتزال بعشرات السنين . 2. إن تاريخ نشوء و تأسيس علم الكلام يعود إلى بدايات القرن الأول ، و تحديداً ـ كما عليه جماعة من المحققين 2 ـ إلى عهد الإمام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) و الأئمة المعصومين من أبنائه ( عليهم السَّلام ) ، فهم الذين وضعوا اللبان الأساسية و القواعد الرئيسية لهذا العلم . 3. ثم إن أصحاب أئمة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) هم الذين تعلّموا هذا العلم و تسلحوا بسلاحه دفاعاً عن العقيدة الإسلامية . 4. يقول السيد المرتضى : " إن أصول التوحيد و العدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) ، و جميع من جاء بعده من المتكلمين قد إعتمد عليه ، و شرحوا أقواله و آراءه ، و روي عن الأئمة من أبنائه في ذلك ما لا يحصى " 3 . 5. و يقول العلامة المحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني ما ملخّصه : " فقد أسس علم الكلام في بدايات القرن الأول الهجري ، و لم يكن تأسيسه و تدوينه إلا لضرورة دعت إليها حاجة المسلمين إلى صيانة دينهم و عقيدتهم و شريعتهم من تهاجمات الأفكار المضادة التي شاعت إثر الاحتكاك الثقافي بين المسلمين و غيرهم بسبب ترجمة الكتب الفلسفية و الإعتقادية للفرس و اليونان ، فلم يجد المسلمون سبيلا إلا التسلّح بالبراهين العقلية كي يصونوا بذلك معتقداتهم و يدافعوا عنها . لكن التاريخ يشهد بأن قسماً كبيراً من مسائل علم الكلام حول المبدأ و المعاد ، و حول التوحيد متخذة من خطب الإمام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) ، و أنه هو البطل المقدام في دعم هذه الأصول و أحكامها ، و لو اعترفت المعتزلة بأن منهجهم الكلامي يرجع إلى علي ( عليه السَّلام ) فقد صدقوا في انتمائهم و انتسابهم إلى ذلك المنهل العذب الفيّاض ، و ليس علي وحده من بين أئمة أهل البيت أقام دعائم هذا العلم و أشاد بنيانه ، بل تلاه الأئمة الأخر منهم " 4 . 6. و يقول ابن أبي الحديد المعتزلي : " و أما الحكمة و البحث في الأمور الإلهية ، فلم يكن من فن أحد من العرب ... و أول من خاض فيه من العرب علي ( عليه السَّلام ) ... و لهذا انتسب المتكلمون الذين لججوا في بحار المعقولات إليه خاصة دون غيره ، و سموه أستاذهم و رئيسهم ، و اجتذبته كل فرقة من الفرق إلى نفسها ... " 5 . 7. و يضيف ابن أبي الحديد قائلاً : " إن واصل بن عطاء الزعيم الأول للمعتزلة ، المؤسس لمذهب الإعتزال ، قد تتلمذ على أبي هاشم ، و أبو هاشم كان تلميذاً لأبيه محمد بن الحنفية ، و محمد تتلمذ على أبيه علي ( عليه السَّلام ) . 8. إذن فالشيعة الإمامية إنما ينتمون إلى مدرسة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) لا غير ، و يعتمدون في أخذ عقائدهم على أئمة الهدى من أهل البيت الذين أخذوا هم عن الإمام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) ، و ذلك قبل أن يولد واصل بن عطاء بخمسين عاماً ، و قبل أن يكون للمعتزلة وجود في دنيا الإسلام 6 . 9. و مع ذلك فإننا نجد أن أكثر المؤلفين في الفرق و العقائد يدّعون أن الإمامية قد قلّدوا المعتزلة في عقائدهم ، و لم يُكوّنوا لأنفسهم رأياً مستقلاً فيها ، و هذا إما أن يعود إلى المنهجية الخاطئة في التحقيق و التأليف و في الاعتماد على أراء أعداء الشيعة و مخالفيهم دون تمحيص و تدقيق ، أو الى النية السيئة التي يضمرونها تجاه الشيعة في محاولة منهم لإنكار الحقائق الواضحة و طمسها بغية تجريد الشيعة من خصائصهم و ميزاتهم التي يحسدونها عليها .