لا شك في أن الكتب الأربعة 1 تحظى بمكانة عالية و درجة رفيعة لدى علماء و فقهاء الشيعة الإمامية ، لكن رغم هذه المكانة العالية و رغم إعتماد علماء الشيعة على هذه الكتب الحديثية في استنباطاتهم و دراساتهم الفقهية و الكلامية و غيرها من الأبحاث ، فانهم لا يتعاملون مع هذه الكتب أو غيرها من الكتب ككتب صحاح يصح الاعتماد على كل ما ورد فيها بالجملة من دون تمحيص .
و موقفهم هذا تجاه هذه الكتب ليس لكون هذه الكتب غير معتبرة أو مخدوشة ، بل لأن الشيعة الامامية تلتزم بإخضاع كافة الروايات و الأحاديث و جميع الرُّوات و المحدثين من دون استثناء للتمحيص و التدقيق حتى تتعرّف على حال الرواية من حيث المتن و السند ، و حتى تتمكن من معرفة حال رواتها من حيث الوثاقة و اللاوثاقة 2 فتميِّز الصالحين منهم عن الطالحين و المؤمنين عن المنافقين ، كل ذلك لكي يتسنى الأخذ من الصالحين و المؤمنين الموثوقين دون غيرهم .
و لا شك أن الاهتمام بتمحيص الحديث و التدقيق في حال رواته لهذه الدرجة ميزة كبرى تمتاز بها الشيعة عن غيرها من المذاهب الإسلامية 3 ، و هذا الالتزام إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على مدى اهتمام الشيعة بالحديث الشريف من ناحية السند و المتن و كيفية تحمّله 4 و آداب نقله و أدائه 5 ، و ذلك لأن الحديث هو المصدر الثاني للتشريع الإسلامي على كافة الأصعدة بعد القرآن الكريم .
ذلك لأن الحديث اعتمد في تحمّله و نقله الرواية الشفوية ثم الرواية التحريرية ، و لقد جاء أكثر الحديث عن طريق الآحاد ، و خبر الواحد ـ كما هو مقرر و محرر في علم أصول الفقه 6 ـ لا يفيد اليقين بصدوره عن المعصوم ، فوضع العلماء ما يعرف بـ " علم الرجال 7 " و " علم الحديث 8 " لهذه الغاية 9 .
إذن فعلماء الشيعة الامامية لا يُصحِّحون أحاديث أي كتاب بالجملة ، بل يُخضعون كل حديثٍ حديثٍ من أحاديثه للتمحيص و التقييم و التدقيق أياً كان ذلك الكتاب و مهما كانت منزلة مؤلفه .