منذ سنتين

كيف يكون كمال توحيد الله متوقفا على نفي الصفات عنه ؟


جواب هذا السؤال و توضيح هذا المقال موجود في العبارات اللاحقة لكلمات أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في نفس الخطبة ، حيث قال ( عليه السَّلام ) : " أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ ، وَ كَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ ، وَ كَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ ، وَ كَمَالُ تَوْحِيدِهِ الْإِخْلَاصُ لَهُ ، وَ كَمَالُ الْإِخْلَاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ ، لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَيْرُ الْمَوْصُوفِ ، وَ شَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ ، فَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ ، وَ مَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ ، وَ مَنْ ثَنَّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ ، وَ مَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ ، وَ مَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ ، وَ مَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ ، وَ مَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ ، وَ مَنْ قَالَ فِيمَ فَقَدْ ضَمَّنَهُ ، وَ مَنْ قَالَ عَلَا مَ فَقَدْ أَخْلَى مِنْهُ ، كَائِنٌ لَا عَنْ حَدَثٍ ، مَوْجُودٌ لَا عَنْ عَدَمٍ ، مَعَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ لَا بِمُقَارَنَةٍ ، وَ غَيْرُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ لَا بِمُزَايَلَةٍ ، فَاعِلٌ لَا بِمَعْنَى الْحَرَكَاتِ وَ الْآلَةِ ، بَصِيرٌ إِذْ لَا مَنْظُورَ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ ، مُتَوَحِّدٌ إِذْ لَا سَكَنَ يَسْتَأْنِسُ بِهِ وَ لَا يَسْتَوْحِشُ لِفَقْدِهِ " 1 . و نقول توضيحاً لذلك : إن للتوحيد مراتب أربع أولها التوحيد الذاتي ، و يُقصد منه أن الذات الإلهية غير متعددة ، فلا نظير لها و لا مثيل . و لكن هذه المرتبة ـ على أهميتها ـ مرتبة نازلة من مراتب التوحيد ، لإنتباه كل عاقل إليها بمجرد الوقوف على معنى الألوهية الملازمة لإثبات إن الإله مطلقٌ لكونه وجوداً محضاً ، فالمادي هو الذي يتعدد ، أو يقبل التعدد لكونه محدّداً بحدود ، مقيداً بقيود ، فيقال هذا جبل و ذاك جبل آخر ، و هذه قطرة ماء و تلك قطرة أخرى . أما المجرد من المادة ، فغير محدّد بحدّ ، و لا مقيد بقيد ، حتى يقبل التكرار و التعدد ، و لهذا قيل " المطلق لا يتعدد " . فالمسألة في هذه المرتبة واضحة لمن يتفكر قليلاً ، و إنما المشكلة في المرتبة الثانية من التوحيد و هي مرتبة التوحيد الصفاتي الذي زلّت فيها الأقدام و تاهت فيها بعض العقول ، لما فيها من تعقيدات تتطلب الدقة و التدبر . فقد ذهب البعض إلى أن ذات الله تعالى غير صفاته ، و قالوا أن الصفات ـ كالعلم و القدرة و ... ـ زائدة عن الذات ، و هنا وقعوا في مشاكل أبرزها : هل هذه الصفات كانت في القِدَم مع الذات ؟ أم أنها حادثة ؟ و إذا كانت حادثة فمن أوجدها و منحها لله تعالى ؟ و هل أن الله أوجدها و الحال انه كان قبل ذلك فاقداً للحياة و القدرة و العلم و غيرها من الصفات ؟ ! أم أوجدها الغير و منحها لله ؟ ! و من هو ذلك الغير ؟ ألا يجري عليه نفس هذه الأسئلة ؟ هذا مضافاً إلى أنّ القول بكون الصفات زائدة على الذات و ما يطلق عليه بالغيريّة يستلزم كون الله مركباً في ذاته المقدسة ، و من المعلوم أن التركب ملازم للحاجة و الافتقار ، لبداهة أن المركب محتاج إلى أجزائه و مفتقر إليها ، و لو كان الله مركباً لكان إذن مفتقراً محتاجاً ، و هو يتنافى مع صفة الغنى الثابتة لله عقلاً و نقلاً . و هكذا يستلزم القول بان صفات الله غير ذاته ـ على ما هو عليه في غير الله سبحانه من الممكنات كالإنسان إذ يولد و هو غير عالم ـ التكثُّر في الذات الإلهية ، و هو نقص كبير يرد على التوحيد . و لهذا فان كمال توحيد الله هو أن ننزهه من التَّكَثُّر في ذاته ، بمعنى أن لا نعتقد بان ذاته غير صفاته و صفاته غير ذاته ، فنقع في المشاكل التي أشرنا إليها ، بل نعتقد بأن ذاته عين صفاته و صفاته عين ذاته من غير تركب و تكثر . و هذا هو معنى كمال توحيد الله ، و هو يتوقف على نفي الصفات الزائدة ـ بالمعنى الذي أشرنا إليه ـ عنه تعالى . و لا شك في أن هذه المرتبة من التوحيد مرتبة عالية و شريفة جداً من مراتب التوحيد ، بل هي المرتبة الكاملة في صعيد توحيد الله تعالى و هو شئ لا يفطن إليه الناس العاديون ، و لهذا يعدّ القول بغيرية الصفات للذات و عدم القول بالعينية من الشرك الخفيّ ، و لأجل ذلك ربما يكون الشخص موحداً لله في مرتبة التوحيد الذاتي مشركاً ـ أو غير موحد لله ـ في مرتبة التوحيد الصفاتي .